وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلام وتحديات الانتقال .. بقلم: عبدالله مكاوي
نشر في سودانيل يوم 06 - 10 - 2020

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام احد مطالب الثورة، والاهم هو مطلب انساني وقبلها عقلاني. ولذا اسوأ انواع البشر هم تجار الحروب، واسوأ تنظيمات هي من تستثمر في الحروب، او تجعلها واحدة من محركاتها او رسالتها في الحياة، كالتنظيمات الجهادية.
ورغم كوارث الحروب، إلا ان تاريخنا للاسف هو سلسلة حروب لا تتوقف، إلا لتبدأ من جديد بشكل اكثر ضراوة! وطالما الحديث عن تاريخنا، تاريخ الحروبات والنزعات العنيفة، فلا مجال للحديث عن السياسة الا كجزء من وقود تلك الحروب، او بالاحري سياستنا نوع من الحروب الكلامية. واحتمال هذا واحد من اسباب عدم تطور الاحزاب السياسية، او بقاءها محلك سر في افضل الاحوال. لتملأ هذا الفراغ الحركات المسلحة والكيانات الجهوية، وقبلها المؤسسة العسكرية، لنبُتلي اخيرا بالتشكيلات المليشياوية. والحال كذلك، اصبح الحديث عن الديمقراطية والدولة المدنية، وكأنه خارج السياق او سابق لاونه، في ظل المراوحة بين عدم الاستقرار السياسي والتدهور الافتصادي.
وحاولت الثورات في كل مرة، بداً من اكتوبر ومرورا بابريل وانتهاءً بديسمبر، فتح باب الامل واتاحة الفرصة لترتيب الاوضاع وتهيئة المناخ، لاستزراع النبتة الديمقراطية او تمدين الحياة السياسية. ولكن المفارقة، ان القوي السياسية المنوط بها القيام بهذا الدور، كانت متأخرة دائما عن الثوار، الذين يدفعون الكلفة الاعلي، في ازاحة الانظمة الشمولية المدججة بالمؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية. و السبب في ذلك اعطاب بنيوية، تسكن هياكل وطروحات الاحزاب السياسية. كتركيزها علي الخطاب السياسي واهمالها الجوانب التنظيمية والتخطيطية والبرامجية. اي يصدق عليها وصف الظاهرة الصوتية! واحتمال جذور هذه الخاصية مرتبطة بالشخصية السودانية، التي تفتقر الروح العملية والقدرة علي الابتكار، وميلها للتقليد وحب التكرار. وكذلك من سلبيات القوي السياسية تعاطيها مع مسالة السلطة علي طريقة هلال مريخ، غالب او مغلوب، اي خياراتها عند هذه النقطة صفرية، اما حصولها علي كل او معظم الكيكة، او تعمل علي تخريب كامل المسألة السلطوية، سواء بالنوايا السيئة او العمل المادي اذا ما وجدت الي ذلك سبيل. وهذا ما صعَّب اجراء التسويات السياسية، ليس كاحد مطلوبات العملية الساسية، ولكن الاهم علي مستوي التعايش والتساكن في وطن واحد طابعه التنواع، بطريقة سلمية. اما الاسوأ من ذلك، انه طرح مسالة الانقلابات العسكرية علي الطاولة، ومن يومها تم نفي السياسة بكل متعلقاتها وادواتها الي الهامش. وكذلك من اشكالات القوي السياسية انها طورت او اكتسبت خبراتها السياسية ككيانات معارضة، وهو ما قلل كفاءتها في ادارة الدولة وحرمها اجادة شئون الحكم، الذي يتطلب مهارات مغايرة. وغير ذلك الكثير من المثالب التي اقعدت الحياة السياسة في البلاد، وبالطبع هنالك عوامل موضوعية ساهمت بفاعلية فيما وصلت اليه الاحزاب من تدهور يضاف الي امراض التنشئة، وعلي راسها كما سلف بقاءها رهينة سيطرة النظم الشمولية علي السلطة، وهي بطبعها نظم ذات دمار شامل لا يستثني شيئا، ولكن عبئه الاكبر وقع علي الاحزاب، بوصفها معنية بمسالة السلطة بشكل اكبر. ولكن الملهاة الماساة تبدو جلية، عندما نعلم ان ذات النظم الشمولية، حظيت بدعم واحد او اكثر من ذات الاحزاب؟! اي ما يضاف للمثالب اعلاه، عدم المبدئية، والانشغال بالوصول للسلطة بكل الوسائل، وبما فيها وسائل غير سياسية، ان لم نقل معادية للسياسة ومحتقرة للحياة المدنية (انقلابات عسكرية)؟!
المهم، ضعف الاحزاب السياسية وانكفاءها علي الصراعات الصغيرة، والشغب فيما بينها وعلي غيرها، ادي لظهور الكيانات دون الحزبية في الساحة السياسية، كالحركات المسلحة والتكويانات الجهوية، وزيادة نفوذ المؤسسة العسكرية! ومعلوم في ظل هكذا تكوينات، يصعب الكلام علي الديمقراطية او الدولة المدنية او بناء المؤسسات او سلطة حديثة، غض النظر عن مبررات وجود هذه المكونات! لانه ببساطة لا يمكن الحديث عن بناء دولة حديثة، من غير وجود احزاب سياسية حديثة، او اقلاها حياة سياسية معافاة، تشكل الاحزاب السياسية لحمتها وسداتها. واي حديث غير ذلك، يصبح امر غير طبيعي، او حالة طارئة، او في حقيقة الامر دولة طوارئ (غير شرعية) ظلت تحكمنا منذ الاستقلال. وباختصار البديل عن الاحزاب الضعيفة، ليس ايجاد تكوينات بديلة عن الاحزاب، او الغاء الحياة الحزبية، ولكن تقوية الاحزاب الموجودة، او ميلاد احزاب جديدة تعبر عن تطلعات الجماهير.
ومن هنا يشكل السلام بمعناه الواسع (سلام مع الذات قبل الآخرين) مدخل للاستقرار، وتاليا لتاسيس حياة حزبية سليمة، كمقدمة لحسم قضية السلطة، علي اعتبارها اكبر عقبة واجهت بناء الدولة السودانية الحديثة. بمعني لا يستقيم بقاء الحركات المسلحة والكيانات الجهوية علي حالها بعد احلال السلام، وإلا اصبحت هي نفسها خميرة عكننة في طريق تاسيس دول المؤسسات والقانون! اي الدولة التي لا تقبل الاستثناءات او المعاملة الخاصة! والمقصود، الا يتم التعامل مع هذه الاتفاقية وكانها سدرة المنتهي، ولكنها فقط ردت الصراع الي وضعه الطبيعي، علي الرؤي والبرامج والافكار بالوسائل السلمية. لان تحديات الفترة الانتقالية ما زالت موجودة، ان لم تتعقد اكثر واكثر! وكذلك تحدي بناء الدولة الوطنية نفسه لم ينجز بعد! وليس هنالك من سبيل لانجاز هكذا مهام، من دون اجراء تغييرات جذرية، في طبيعة هذه الحركات وآليات عملها. اي لغة البندقية شئ، ولغة السياسة شيئا آخر، وافضل وسائلها الاحزاب السياسية. اي ان تتحول الحركات المسلحة الي احزاب او كيانات سياسية ذات مرجعية مدنية، وبرامج وطنية، تخاطب كل المواطنين، غض النظر عن اصولهم وجهاتهم ودياناتهم. لان وجود اي كيانات ذات توجهات مناطقية او صبغات جهوية او دعوات قبلية او شعارات دينية، سواء كانت مسلحة او غير مسلحة، هو في حقيقة الامر خصم علي الدولة الوطنية. وعموما، غياب المشروع الوطني منذ الاستقلال هو ما افرز كل هذه التكوينات، وتاليا علاج هذا الخلل، ليس في بناء كيانات ذات توجهات ضيقة، ولكن عبر المساهمة في استيلاد هكذا مشروع وطني. خاصة وان غياب هذا المشروع هو ما غيب الدولة ذاتها، وجعلها اي شئ غير كونها دولة! وكان تجلي غياب الدولة قد جسدته تجربة الاسلامويين، التي تستبطن الاستخفاف بالدولة ومؤسساتها، ومكوناتها بكل اطيافها وجهاتها، لصالح اوهام دينية واستيهامات صبيانية، كانت عاقبتها الخسران المبين علي كافة المستويات. وعليه، يصبح التحدي امام الجبهة الثورية هو احداث نقلة داخلية، تنعكس علي العالم الخارجي (فضاء الدولة). اما التمسك بنفس اجسام وآليات وعقليات وممارسات الفترة السابقة، للتعامل مع المرحلة الانتقالية، او ما بعدها، فهو لا يعني اكثر من اعادة انتاج الحلقة المفرغة، التي اغلقت فرص خيارتنا منذ الاستقلال.
ومن هنا السؤال الذي يوجه للجبهة الثورية الموقعة علي السلام، والوفد الحكومي الذي صادر عملية التفاوض منفردا، هل الغرض من توقيع الاتفاقية، ارضاء قادة مكونات تحالف الجبهة الثورية، ام الغرض معالجة جذور الازمة الوطنية، كما يصرح اولئك القادة؟! واذا كان الامر كذلك، لماذا التعنت امام قضية العلمانية، في التفاوض مع الحركة الشعبية جناح الحلو، من جانب الوفد الحكومي؟ عموما، لو كان الامر صحيحا، فجذور الازمة الوطنية تتعدي مسالة المركز والهامش والدولة الدينية والعلمانية، الي فرض الاستبداد بصورة شبه دائمة، بواسطة الانظمة الشموسكرية (شمولية/عسكرية)، التي فرضت التهميش وقيمها وعقيدتها علي الجميع دون فرز، ما عدا الشريحة المنتفعة منها، غض النظر عن اصلها وفصلها. ويصح ان العبء الاكبر وقع الاطراف (في شكل حروب وضعف تنمية مضاعف) بحكم البعد الجغرافي وضعف قبضة السلطة عبر الاجهزة الامنية، لتحل محلها المؤسسة العسكرية في فرض الامر الواقع (مصلحة السلطة الحاكمة حصريا). والدليل ان الانقلابات العسكرية بعد سيطرتها علي السلطة منفردة، توظف الثروات لحماية تلك السلطة كغاية حصرية، وليس توزيعها علي القبائل والعقائد والجهات. إلا اذا كان للامر رواسب عنصرية لاسباب تاريخية، تتخفي في شكل صراع المركز والهامش، وعندها تصبح المعالجة خاطئة، لان العلاج يجب ان يستهدف جنس المرض، حتي لا يتحول هو نفسه لمرض آخر، يضاف الي امراض دولة لا تنقصها الامراض، لدرجة اشرافها علي الهلاك. والحال كذلك، هنالك سؤال يفرض نفسه، اذا كانت المسألة متعلقة بالتهميش وسيطرة المركز وسوء توزيع السلطة والثروة، وليس متلازمة الاستبداد، وتلك الاشياء احد افرازاتها، لماذا كان مصدر الثورات السلمية التي ادت للتغيير هي المركز نفسه، حسب وصفه؟ ما عدا الثورة الاخيرة والتي لعب فيها ذات المركز الدور الاكبر؟! واحتمال شمول الثورة الاخيرة كل البلاد، نابع من طريقة الفشل والفساد واهدار الكرامة والحقوق الذي طاول كل البلاد بمعدلات مرعبة؟!
ولكن وبما ان الاتفاقية تمت بما لها وما عليها، وباستصحاب التفسير الخاطئ لجذور الازمة؟ إلا ان ذلك لا يمنع الترحيب بها اشد انواع الترحيب، والرغبة في استكمال الترحيب، بالاتفاق مع بقية الحركات غير الموقعة، والاستفادة من ايجابياتها للبناء عليها، لمعالجة جذور الازمة بصورة عملياتية وواقعية، وليست احتفالية كرنفالية لحظية، ظللنا نتعاطها بخفة محيرة، لتعقبها انتكاسة اكثر حيرة!
واول خطوة بعد انجاز الاتفاق، هي الالتفات لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية المتعطلة، بسبب هذه الاتفاقية، كما ظل يزعم حمدوك لتبرير فشله وقلة حيلته. وبقيام المجلس التشريعي وبقية مفوضيات الوثيقة الدستورية علي الوجه الاكمل، قد تجد الفترة الانتقلية المتعثرة، بعض الدعم الذي يقيل عثرتها.
وثاني خطوة لانجاح عملية السلام، والتي تثبت مدي جدية الطرف الحكومي ممثل في السلطة السيادية، وبصورة اخص المكون العسكري، في انفاذ ما يليه من التزامات السلام، هي تحويل 50% من ميزانية الدفاع بكل مكوناته، لصالح مشاريع التنمية وعلي راسها مناطق الهامش. ومن باب اولي والحالة هذه، حسم ملف الشركات العسكرية بايلولتها للسلطة المدنية دون تلكؤ او مبررات (الحصة تنمية بلغة السلام). ويجب الاشارة الي ان المكون العسكري بعقليته المتحجرة، يغيب عليه الفصل بين الوظيفة العسكرية والوظيفة المدنية، بسبب اطماعه السلطوية! اما المصيبة الكبري فهي فصله بين التدهور الاقتصادي والمصادرة السياسية والحالة الامنية! وتاليا لا يعلم ان الاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي، هما ما يجلبا امن المواطن وسلامة الوطن، وليس قوة الجيوش والمليشيات والاجهزة الامنية، ولا كثرة الاسلحة والتوسع في الحصانات، ودونه تجربة البشير التي كانوا جزءا منها؟! وبكلام واضح، العلاقة عكسية بين تواجد العسكر في الفضاء العام، ومدي نجاح او فشل الدولة المدنية. وليس هنالك دليل اوضح من حالة الفترة الانتقالية! وبالطبع هي مجرد تمرين؟!
وثالث خطوة، وبما ان الشيطان يكمن في التفاصيل، فعلي جميع مكونات الجبهة الثورية ان تضمن تماسك تحالفها كجسم واحد، يصعب التلاعب به او مماطلته، كما ان هذا التماسك يمكنها من الضغط لتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه. ورغم الاختلاف مع تلك الطريقة التي تمت بها الترتيبات، والارضية التي استندت عليها. الا ان المهم هو تفويت الفرصة علي الاستفراد بكل مكون او مسار، لضرب التحالف من الداخل وذهاب ريحه.
ورابع خطوة، علي الجبهة الثورية التحلي بالنظرة الاستراتيجية والتخلي عن الاساليب التاكتيكية التي تضر بالعمل الجبهوي، واول خطوة في بناء الرؤية الاستراتيجية هي معرفة الخلل ومن يتسبب به، وكيفية معالجة الخلل ومواجهة من يتسبب به، فهكذا خطوة كافية لتمييز العدو من الصديق! وبما ان السلام الحقيقي ينجزه اقتلاع او معالجة اسباب الحروب، فهذا ما توفره الدولة المدنية بكافة اشتراطاتها ومستحقاتها. والحال كذلك، ليس امام الجبهة الثورية الا التنسيق مع قوي التغيير ولجان المقاومة، للضغط تجاه انجاز شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، والتي بصريح العبارة يعطلها المكون العسكري لتعارض مصالحه معها. اما اذا ناورت الجبهة الثورية، ولجأت للاساليب التاكتيكية بالتنسيق مع المكون العسكري، علي اعتباره صاحب الشوكة في الفترة الانتقالية، وبالتالي الحصول علي بعض الامتيازات علي حساب المكون المدني، فسيأتي اليوم الذي تؤكل فيه كما اكل المكون المدني، وعندها لاتٍ حين مندم؟! خاصة وقد تعودنا ومنذ الوثيقة الدستورية، ان العساكر يلجأون لاساليب الاتفاقيات السرية من خلف الجماهير، لشراء صمتها، ومن ثمَّ تمرير كل اهدافهم المشبوهة. ودليلنا علي ذلك، افراغ الوثيقة الدستورية من محتواها، وحبرها وقبله دماء الشهداء لم تجف بعد؟! ولذا يجب عدم الركون لوعود وتطمينات سيد النفاق البرهان، او الاستخفاف بطموحات حميدتي التي لا يشبعها حتي التراب؟!
اي معيار نجاح مشاركة الجبهة الثورية في الفترة الانتقالية، هي معالجة كافة اختلالات الفترة الماضية من المرحلة الانتقالية، التي كانت فاشلة بكل المقاييس، سواء بسبب تغول المكون العسكري، او ضعف اداء وشخصية وحكومة حمدوك، او غياب برنامج واضح، او بسبب تركة الخراب الهائلة التي خلفها نظام العدم الانقاذي، وعلي راسها الوضع الاقتصادي المتردي.
وخامس خطوة، كثر ذكر الامارات والاشادة بوقوفها خلف تلك الاتفاقية، وهنا مكمن الخطر الخارجي الذي يتلبس لبوس الواعظين. لان الامارات تسعي للعب دور اكبر من حجمها في المنطقة، ولذا هي تستغل المناطق الرخوة والقادة الهشين (لقلة كلفتهما) لتمرير اهدافها بالتحكم في المنطقة واستغلال ثرواتها ومواقعها الاستراتيجية. وتمثل لها الوضعية السودانية بحالتها الراهنة طبق من ذهب، بسبب تضارب مصالح شركاء فترة الانتقال، وحاجة المكون العسكري بصفة خاصة للاستقواء بالخارج، لعدم ضمان توافر حاضنة داخلية، لدعم طموحاته السلطوية. كما يجب ان لا ننسي ان الامارات تشكل جزء من تحالف عدائي، يستهدف ثورات الربيع العربي. ويعمل بكامل طاقته، من خلال توظيف موارده الهائلة وعلاقاته الدبلوماسية، لتغطيس حجر تلك الثورات، وقطع الطريق علي اقامة نظم ديمقراطية في المنطقة، تشكل تهديد لسلطاتهم الاستبدادية. وعليه، تتطلب الشفافية ان نعلم نوع الدعم الاماراتي وحجمه وطريقة تقديمه، والاهم غرضه وكيفية رده؟!
وسادس خطوة، متروكة لتقديرات قادة الجبهة الثورية، ومدي تقييهم للامور وحقيقة مشاريعهم الراهنة وطموحاتهم المستقبلية. اي هم امام اختبارات جدية، اما تضعهم في خانة القادة التاريخيين الذين يضعون بصمتهم علي تاريخ بلادهم ومصير شعوبهم، او يوردوها موارد الهلاك استجابة لنداء طموحاتهم الذاتية، التي تستهين بتضحيات الشعوب ونصيبها في عيش الحياة الكريمة، او يختارون الحلول السهلة بالاستمتاع بامتيازات المناصب، وغض الطرف عن كل الاخطاء والتجاوزات من جانب المكون العسكري، علي طريقة خائب الرجاء حمدوك. والايام شواهد.
واخيرا
عاجل الشفاء للاستاذ الكبير عبدالله الشقليني. ودمتم في رعاية الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.