السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    "واتساب" تحظر 7 ملايين حساب مُصممة للاحتيال    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    بيان من الجالية السودانية بأيرلندا    شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    البرهان : لن نضع السلاح إلا باستئصال التمرد والعدوان الغاشم    وفد عسكري أوغندي قرب جوبا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلام وتحديات الانتقال .. بقلم: عبدالله مكاوي
نشر في سودانيل يوم 06 - 10 - 2020

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام احد مطالب الثورة، والاهم هو مطلب انساني وقبلها عقلاني. ولذا اسوأ انواع البشر هم تجار الحروب، واسوأ تنظيمات هي من تستثمر في الحروب، او تجعلها واحدة من محركاتها او رسالتها في الحياة، كالتنظيمات الجهادية.
ورغم كوارث الحروب، إلا ان تاريخنا للاسف هو سلسلة حروب لا تتوقف، إلا لتبدأ من جديد بشكل اكثر ضراوة! وطالما الحديث عن تاريخنا، تاريخ الحروبات والنزعات العنيفة، فلا مجال للحديث عن السياسة الا كجزء من وقود تلك الحروب، او بالاحري سياستنا نوع من الحروب الكلامية. واحتمال هذا واحد من اسباب عدم تطور الاحزاب السياسية، او بقاءها محلك سر في افضل الاحوال. لتملأ هذا الفراغ الحركات المسلحة والكيانات الجهوية، وقبلها المؤسسة العسكرية، لنبُتلي اخيرا بالتشكيلات المليشياوية. والحال كذلك، اصبح الحديث عن الديمقراطية والدولة المدنية، وكأنه خارج السياق او سابق لاونه، في ظل المراوحة بين عدم الاستقرار السياسي والتدهور الافتصادي.
وحاولت الثورات في كل مرة، بداً من اكتوبر ومرورا بابريل وانتهاءً بديسمبر، فتح باب الامل واتاحة الفرصة لترتيب الاوضاع وتهيئة المناخ، لاستزراع النبتة الديمقراطية او تمدين الحياة السياسية. ولكن المفارقة، ان القوي السياسية المنوط بها القيام بهذا الدور، كانت متأخرة دائما عن الثوار، الذين يدفعون الكلفة الاعلي، في ازاحة الانظمة الشمولية المدججة بالمؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية. و السبب في ذلك اعطاب بنيوية، تسكن هياكل وطروحات الاحزاب السياسية. كتركيزها علي الخطاب السياسي واهمالها الجوانب التنظيمية والتخطيطية والبرامجية. اي يصدق عليها وصف الظاهرة الصوتية! واحتمال جذور هذه الخاصية مرتبطة بالشخصية السودانية، التي تفتقر الروح العملية والقدرة علي الابتكار، وميلها للتقليد وحب التكرار. وكذلك من سلبيات القوي السياسية تعاطيها مع مسالة السلطة علي طريقة هلال مريخ، غالب او مغلوب، اي خياراتها عند هذه النقطة صفرية، اما حصولها علي كل او معظم الكيكة، او تعمل علي تخريب كامل المسألة السلطوية، سواء بالنوايا السيئة او العمل المادي اذا ما وجدت الي ذلك سبيل. وهذا ما صعَّب اجراء التسويات السياسية، ليس كاحد مطلوبات العملية الساسية، ولكن الاهم علي مستوي التعايش والتساكن في وطن واحد طابعه التنواع، بطريقة سلمية. اما الاسوأ من ذلك، انه طرح مسالة الانقلابات العسكرية علي الطاولة، ومن يومها تم نفي السياسة بكل متعلقاتها وادواتها الي الهامش. وكذلك من اشكالات القوي السياسية انها طورت او اكتسبت خبراتها السياسية ككيانات معارضة، وهو ما قلل كفاءتها في ادارة الدولة وحرمها اجادة شئون الحكم، الذي يتطلب مهارات مغايرة. وغير ذلك الكثير من المثالب التي اقعدت الحياة السياسة في البلاد، وبالطبع هنالك عوامل موضوعية ساهمت بفاعلية فيما وصلت اليه الاحزاب من تدهور يضاف الي امراض التنشئة، وعلي راسها كما سلف بقاءها رهينة سيطرة النظم الشمولية علي السلطة، وهي بطبعها نظم ذات دمار شامل لا يستثني شيئا، ولكن عبئه الاكبر وقع علي الاحزاب، بوصفها معنية بمسالة السلطة بشكل اكبر. ولكن الملهاة الماساة تبدو جلية، عندما نعلم ان ذات النظم الشمولية، حظيت بدعم واحد او اكثر من ذات الاحزاب؟! اي ما يضاف للمثالب اعلاه، عدم المبدئية، والانشغال بالوصول للسلطة بكل الوسائل، وبما فيها وسائل غير سياسية، ان لم نقل معادية للسياسة ومحتقرة للحياة المدنية (انقلابات عسكرية)؟!
المهم، ضعف الاحزاب السياسية وانكفاءها علي الصراعات الصغيرة، والشغب فيما بينها وعلي غيرها، ادي لظهور الكيانات دون الحزبية في الساحة السياسية، كالحركات المسلحة والتكويانات الجهوية، وزيادة نفوذ المؤسسة العسكرية! ومعلوم في ظل هكذا تكوينات، يصعب الكلام علي الديمقراطية او الدولة المدنية او بناء المؤسسات او سلطة حديثة، غض النظر عن مبررات وجود هذه المكونات! لانه ببساطة لا يمكن الحديث عن بناء دولة حديثة، من غير وجود احزاب سياسية حديثة، او اقلاها حياة سياسية معافاة، تشكل الاحزاب السياسية لحمتها وسداتها. واي حديث غير ذلك، يصبح امر غير طبيعي، او حالة طارئة، او في حقيقة الامر دولة طوارئ (غير شرعية) ظلت تحكمنا منذ الاستقلال. وباختصار البديل عن الاحزاب الضعيفة، ليس ايجاد تكوينات بديلة عن الاحزاب، او الغاء الحياة الحزبية، ولكن تقوية الاحزاب الموجودة، او ميلاد احزاب جديدة تعبر عن تطلعات الجماهير.
ومن هنا يشكل السلام بمعناه الواسع (سلام مع الذات قبل الآخرين) مدخل للاستقرار، وتاليا لتاسيس حياة حزبية سليمة، كمقدمة لحسم قضية السلطة، علي اعتبارها اكبر عقبة واجهت بناء الدولة السودانية الحديثة. بمعني لا يستقيم بقاء الحركات المسلحة والكيانات الجهوية علي حالها بعد احلال السلام، وإلا اصبحت هي نفسها خميرة عكننة في طريق تاسيس دول المؤسسات والقانون! اي الدولة التي لا تقبل الاستثناءات او المعاملة الخاصة! والمقصود، الا يتم التعامل مع هذه الاتفاقية وكانها سدرة المنتهي، ولكنها فقط ردت الصراع الي وضعه الطبيعي، علي الرؤي والبرامج والافكار بالوسائل السلمية. لان تحديات الفترة الانتقالية ما زالت موجودة، ان لم تتعقد اكثر واكثر! وكذلك تحدي بناء الدولة الوطنية نفسه لم ينجز بعد! وليس هنالك من سبيل لانجاز هكذا مهام، من دون اجراء تغييرات جذرية، في طبيعة هذه الحركات وآليات عملها. اي لغة البندقية شئ، ولغة السياسة شيئا آخر، وافضل وسائلها الاحزاب السياسية. اي ان تتحول الحركات المسلحة الي احزاب او كيانات سياسية ذات مرجعية مدنية، وبرامج وطنية، تخاطب كل المواطنين، غض النظر عن اصولهم وجهاتهم ودياناتهم. لان وجود اي كيانات ذات توجهات مناطقية او صبغات جهوية او دعوات قبلية او شعارات دينية، سواء كانت مسلحة او غير مسلحة، هو في حقيقة الامر خصم علي الدولة الوطنية. وعموما، غياب المشروع الوطني منذ الاستقلال هو ما افرز كل هذه التكوينات، وتاليا علاج هذا الخلل، ليس في بناء كيانات ذات توجهات ضيقة، ولكن عبر المساهمة في استيلاد هكذا مشروع وطني. خاصة وان غياب هذا المشروع هو ما غيب الدولة ذاتها، وجعلها اي شئ غير كونها دولة! وكان تجلي غياب الدولة قد جسدته تجربة الاسلامويين، التي تستبطن الاستخفاف بالدولة ومؤسساتها، ومكوناتها بكل اطيافها وجهاتها، لصالح اوهام دينية واستيهامات صبيانية، كانت عاقبتها الخسران المبين علي كافة المستويات. وعليه، يصبح التحدي امام الجبهة الثورية هو احداث نقلة داخلية، تنعكس علي العالم الخارجي (فضاء الدولة). اما التمسك بنفس اجسام وآليات وعقليات وممارسات الفترة السابقة، للتعامل مع المرحلة الانتقالية، او ما بعدها، فهو لا يعني اكثر من اعادة انتاج الحلقة المفرغة، التي اغلقت فرص خيارتنا منذ الاستقلال.
ومن هنا السؤال الذي يوجه للجبهة الثورية الموقعة علي السلام، والوفد الحكومي الذي صادر عملية التفاوض منفردا، هل الغرض من توقيع الاتفاقية، ارضاء قادة مكونات تحالف الجبهة الثورية، ام الغرض معالجة جذور الازمة الوطنية، كما يصرح اولئك القادة؟! واذا كان الامر كذلك، لماذا التعنت امام قضية العلمانية، في التفاوض مع الحركة الشعبية جناح الحلو، من جانب الوفد الحكومي؟ عموما، لو كان الامر صحيحا، فجذور الازمة الوطنية تتعدي مسالة المركز والهامش والدولة الدينية والعلمانية، الي فرض الاستبداد بصورة شبه دائمة، بواسطة الانظمة الشموسكرية (شمولية/عسكرية)، التي فرضت التهميش وقيمها وعقيدتها علي الجميع دون فرز، ما عدا الشريحة المنتفعة منها، غض النظر عن اصلها وفصلها. ويصح ان العبء الاكبر وقع الاطراف (في شكل حروب وضعف تنمية مضاعف) بحكم البعد الجغرافي وضعف قبضة السلطة عبر الاجهزة الامنية، لتحل محلها المؤسسة العسكرية في فرض الامر الواقع (مصلحة السلطة الحاكمة حصريا). والدليل ان الانقلابات العسكرية بعد سيطرتها علي السلطة منفردة، توظف الثروات لحماية تلك السلطة كغاية حصرية، وليس توزيعها علي القبائل والعقائد والجهات. إلا اذا كان للامر رواسب عنصرية لاسباب تاريخية، تتخفي في شكل صراع المركز والهامش، وعندها تصبح المعالجة خاطئة، لان العلاج يجب ان يستهدف جنس المرض، حتي لا يتحول هو نفسه لمرض آخر، يضاف الي امراض دولة لا تنقصها الامراض، لدرجة اشرافها علي الهلاك. والحال كذلك، هنالك سؤال يفرض نفسه، اذا كانت المسألة متعلقة بالتهميش وسيطرة المركز وسوء توزيع السلطة والثروة، وليس متلازمة الاستبداد، وتلك الاشياء احد افرازاتها، لماذا كان مصدر الثورات السلمية التي ادت للتغيير هي المركز نفسه، حسب وصفه؟ ما عدا الثورة الاخيرة والتي لعب فيها ذات المركز الدور الاكبر؟! واحتمال شمول الثورة الاخيرة كل البلاد، نابع من طريقة الفشل والفساد واهدار الكرامة والحقوق الذي طاول كل البلاد بمعدلات مرعبة؟!
ولكن وبما ان الاتفاقية تمت بما لها وما عليها، وباستصحاب التفسير الخاطئ لجذور الازمة؟ إلا ان ذلك لا يمنع الترحيب بها اشد انواع الترحيب، والرغبة في استكمال الترحيب، بالاتفاق مع بقية الحركات غير الموقعة، والاستفادة من ايجابياتها للبناء عليها، لمعالجة جذور الازمة بصورة عملياتية وواقعية، وليست احتفالية كرنفالية لحظية، ظللنا نتعاطها بخفة محيرة، لتعقبها انتكاسة اكثر حيرة!
واول خطوة بعد انجاز الاتفاق، هي الالتفات لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية المتعطلة، بسبب هذه الاتفاقية، كما ظل يزعم حمدوك لتبرير فشله وقلة حيلته. وبقيام المجلس التشريعي وبقية مفوضيات الوثيقة الدستورية علي الوجه الاكمل، قد تجد الفترة الانتقلية المتعثرة، بعض الدعم الذي يقيل عثرتها.
وثاني خطوة لانجاح عملية السلام، والتي تثبت مدي جدية الطرف الحكومي ممثل في السلطة السيادية، وبصورة اخص المكون العسكري، في انفاذ ما يليه من التزامات السلام، هي تحويل 50% من ميزانية الدفاع بكل مكوناته، لصالح مشاريع التنمية وعلي راسها مناطق الهامش. ومن باب اولي والحالة هذه، حسم ملف الشركات العسكرية بايلولتها للسلطة المدنية دون تلكؤ او مبررات (الحصة تنمية بلغة السلام). ويجب الاشارة الي ان المكون العسكري بعقليته المتحجرة، يغيب عليه الفصل بين الوظيفة العسكرية والوظيفة المدنية، بسبب اطماعه السلطوية! اما المصيبة الكبري فهي فصله بين التدهور الاقتصادي والمصادرة السياسية والحالة الامنية! وتاليا لا يعلم ان الاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي، هما ما يجلبا امن المواطن وسلامة الوطن، وليس قوة الجيوش والمليشيات والاجهزة الامنية، ولا كثرة الاسلحة والتوسع في الحصانات، ودونه تجربة البشير التي كانوا جزءا منها؟! وبكلام واضح، العلاقة عكسية بين تواجد العسكر في الفضاء العام، ومدي نجاح او فشل الدولة المدنية. وليس هنالك دليل اوضح من حالة الفترة الانتقالية! وبالطبع هي مجرد تمرين؟!
وثالث خطوة، وبما ان الشيطان يكمن في التفاصيل، فعلي جميع مكونات الجبهة الثورية ان تضمن تماسك تحالفها كجسم واحد، يصعب التلاعب به او مماطلته، كما ان هذا التماسك يمكنها من الضغط لتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه. ورغم الاختلاف مع تلك الطريقة التي تمت بها الترتيبات، والارضية التي استندت عليها. الا ان المهم هو تفويت الفرصة علي الاستفراد بكل مكون او مسار، لضرب التحالف من الداخل وذهاب ريحه.
ورابع خطوة، علي الجبهة الثورية التحلي بالنظرة الاستراتيجية والتخلي عن الاساليب التاكتيكية التي تضر بالعمل الجبهوي، واول خطوة في بناء الرؤية الاستراتيجية هي معرفة الخلل ومن يتسبب به، وكيفية معالجة الخلل ومواجهة من يتسبب به، فهكذا خطوة كافية لتمييز العدو من الصديق! وبما ان السلام الحقيقي ينجزه اقتلاع او معالجة اسباب الحروب، فهذا ما توفره الدولة المدنية بكافة اشتراطاتها ومستحقاتها. والحال كذلك، ليس امام الجبهة الثورية الا التنسيق مع قوي التغيير ولجان المقاومة، للضغط تجاه انجاز شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، والتي بصريح العبارة يعطلها المكون العسكري لتعارض مصالحه معها. اما اذا ناورت الجبهة الثورية، ولجأت للاساليب التاكتيكية بالتنسيق مع المكون العسكري، علي اعتباره صاحب الشوكة في الفترة الانتقالية، وبالتالي الحصول علي بعض الامتيازات علي حساب المكون المدني، فسيأتي اليوم الذي تؤكل فيه كما اكل المكون المدني، وعندها لاتٍ حين مندم؟! خاصة وقد تعودنا ومنذ الوثيقة الدستورية، ان العساكر يلجأون لاساليب الاتفاقيات السرية من خلف الجماهير، لشراء صمتها، ومن ثمَّ تمرير كل اهدافهم المشبوهة. ودليلنا علي ذلك، افراغ الوثيقة الدستورية من محتواها، وحبرها وقبله دماء الشهداء لم تجف بعد؟! ولذا يجب عدم الركون لوعود وتطمينات سيد النفاق البرهان، او الاستخفاف بطموحات حميدتي التي لا يشبعها حتي التراب؟!
اي معيار نجاح مشاركة الجبهة الثورية في الفترة الانتقالية، هي معالجة كافة اختلالات الفترة الماضية من المرحلة الانتقالية، التي كانت فاشلة بكل المقاييس، سواء بسبب تغول المكون العسكري، او ضعف اداء وشخصية وحكومة حمدوك، او غياب برنامج واضح، او بسبب تركة الخراب الهائلة التي خلفها نظام العدم الانقاذي، وعلي راسها الوضع الاقتصادي المتردي.
وخامس خطوة، كثر ذكر الامارات والاشادة بوقوفها خلف تلك الاتفاقية، وهنا مكمن الخطر الخارجي الذي يتلبس لبوس الواعظين. لان الامارات تسعي للعب دور اكبر من حجمها في المنطقة، ولذا هي تستغل المناطق الرخوة والقادة الهشين (لقلة كلفتهما) لتمرير اهدافها بالتحكم في المنطقة واستغلال ثرواتها ومواقعها الاستراتيجية. وتمثل لها الوضعية السودانية بحالتها الراهنة طبق من ذهب، بسبب تضارب مصالح شركاء فترة الانتقال، وحاجة المكون العسكري بصفة خاصة للاستقواء بالخارج، لعدم ضمان توافر حاضنة داخلية، لدعم طموحاته السلطوية. كما يجب ان لا ننسي ان الامارات تشكل جزء من تحالف عدائي، يستهدف ثورات الربيع العربي. ويعمل بكامل طاقته، من خلال توظيف موارده الهائلة وعلاقاته الدبلوماسية، لتغطيس حجر تلك الثورات، وقطع الطريق علي اقامة نظم ديمقراطية في المنطقة، تشكل تهديد لسلطاتهم الاستبدادية. وعليه، تتطلب الشفافية ان نعلم نوع الدعم الاماراتي وحجمه وطريقة تقديمه، والاهم غرضه وكيفية رده؟!
وسادس خطوة، متروكة لتقديرات قادة الجبهة الثورية، ومدي تقييهم للامور وحقيقة مشاريعهم الراهنة وطموحاتهم المستقبلية. اي هم امام اختبارات جدية، اما تضعهم في خانة القادة التاريخيين الذين يضعون بصمتهم علي تاريخ بلادهم ومصير شعوبهم، او يوردوها موارد الهلاك استجابة لنداء طموحاتهم الذاتية، التي تستهين بتضحيات الشعوب ونصيبها في عيش الحياة الكريمة، او يختارون الحلول السهلة بالاستمتاع بامتيازات المناصب، وغض الطرف عن كل الاخطاء والتجاوزات من جانب المكون العسكري، علي طريقة خائب الرجاء حمدوك. والايام شواهد.
واخيرا
عاجل الشفاء للاستاذ الكبير عبدالله الشقليني. ودمتم في رعاية الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.