السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في أطروحة الأمير تشالز عن الاسلام والغرب مقارنةً مع أفكار علي مزروعي .. بقلم: د. أمين إسماعيل سَاغَاغِي/ جامعة بايرو كنو - نيجيريا
نشر في سودانيل يوم 10 - 11 - 2020

مؤتمر الاصلاح والتجديد على ضوء ميراث على مزروعي ومستقبل الاصلاح والعالم الاسلامي
مركز البحوث والدراسات الأفريقية جامعة أفريقيا العالمية( الخرطوم السودان)
قراءة في أطروحة الأمير تشالز عن الاسلام والغرب مقارنةً مع أفكار علي مزروعي
THE DIALECTIC OF ISLAM AND THE WEST
THE INTELLECTUAL IMPLICATIONS OF CIVILIZATIONAL OPENNESS AND ACCEPTANCE OF THE OTHER BETWEEN PROFESSOR ALI MAZRUI AND PRINCE CHARLES (PRINCE OF WALES)
DR. A.I. SAGAGI
دكتور/ أمين إسماعيل سَاغَاغِي
قسم الدراسات الاسلامية
جامعة بايرو كنو - نيجيريا
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
+2348023795583
+2348059866627
4-2فبراير 2019م
5
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
ملخص البحث
تتناول هذه الدراسة أوجه الشبه بين فكرتي المفكر المسلم الافريقي على مزروعي والأمير تشالز (أمير ويلز) بقبول الآخر وتلاقي الحضارات . وتركز الدراسة على المحاضرة التي ألقاها الأمير تشالز في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية عام 1993م عن الإسلام والغرب وآراء المزروعي المنتشرة في مؤلفاته والتي يدعو فيها للنظر في الثقافة الغربية واختيار الأفضل (فيما لا يتعارض مع الفكر الإسلامي القويم).
حيث تعرض الأمير تشالز في محاضرته للفهم المغلوط والقواعد التي تحكم نظرة الغربيين إلى الإسلام، والتي أكد من خلالها فضل الإسلام على أروبا والدور الذي لعبته الحضارة الإسلامية في استحداث النهضة الأوربية والغرض المتاحة لإيجاد تعاون بناء بين الحضاريين وخلق عالم يقوم على التفاهم والتسامح.
تهدف هذه الورقة للقيام بقراءة فاحصة لهذه الأطروحة لإظهار مقترحات الأمير تشالز للغربيين الداعية إلى الاستفادة من حضارة الإسلام والاسهام في دعم السلام العالمي. ثم تعقد الورقة من جانب آخر المقارنة مع أفكار على مزروعي التي تحث العالم الإسلامي (والأفريقي )، على الانفتاح للحضارة الغربية مع المحافظة على القيم والثوابت التاريخية الموروثة.
وتهدف الورقة إلى قراءة منهج المفكرين في استنطاق التاريخ والنظر في إيجابية التعاون والتكامل والتلاقي ونبذ أفكار الصراع وصدام الحضارات. تنبع أهمية هذه الدراسة من المقارنة المنهجية التي اتبعها العالمان المفكران بعد عرض تداعيات الصراع بين الحضارات ومآلاته الكارثية وتتناول هذه المسائل(مقدمة وثلاث مباحث وخاتمة) المبحث الأول بين الأمير تشالز وعلي مزروعي. المبحث الثاني: جدلية الإسلام والغرب عند الأمير تشالز وعلي مزروعي.
المبحث الثالث: الأمير تشالز وعلي مزروعي مقارنة بين الموقفين .
تتبع هذه الدراسة المنهج التحليلي المقارن بين نصوص المفكرين بالإضافة إلى المناهج المناسبة لمثل هذه الدراسة.
وتخلص الدراسة إلى وجود تشابه نوعي بين الأمير تشالز وعلي مزروعي في كيفية معالجة إشكالية الإسلام والغرب، فكلاهما إيجابيان غير سلبيين ومؤيدان للتفاهم في مقابل الكراهية أو الفوبيا.
THE DIALECTIC OF ISLAM AND THE WEST
THE INTELLECTUAL IMPLICATIONS OF CIVILIZATIONAL OPENNESS AND ACCEPTANCE OF THE OTHER BETWEEN PROFESSOR ALI MAZROUI AND PRINCE CHARLES (PRINCE OF WALES)
This study deals with the similarities and comparison between the ideas of the African Muslim thinker Ali Mazroui and Prince Charles on acceptance of the other and the convergence of civilizations. The study focuses on the lecture delivered by Prince Charles at the Oxford Center for Islamic Studies in 1993 on Islam and the West and the views of Ali Mazroui in his books، in which he calls for the consideration of Western culture and selection of the best in a manner that does not contradict with the Righteous Islamic thought.
In his lecture، Prince Charles presented his understanding of the metaphysical understanding and rules governing the Western view of Islam، in which he emphasized the virtue of Islam over Europe and the role played by Islamic culture in the development of the European Renaissance and the opportunities now to create constructive cooperation between the two cultures and create a world based on understanding and tolerance.
This paper aims at reading the thesis carefully to invoke Prince Charles' proposals for Westerners calling for benefiting from the civilization of Islam and contributing to the support of world peace. The paper then compares this with the thesis of Professor Ali Mazroui، who urges the Islamic (and African) world to open up to Western civilization، preserving at the same time Islamic values and inherited historical constants. The paper also aims to read the approach of thinkers in inquiring the history and considering the advantages of cooperation، integration، convergence and rejection of the ideas of conflict and clash of civilizations. The importance of this study emanates from the systematic comparison of the two intellectual worlds after presenting the implications of the encounter between civilizations and their disastrous consequencies.The study is based on an introduction، three sub-chapters and a conclusion: the first between Prince Charles and Ali Mazroui، the second: the dialectics of Islam and the West in the views of Prince Charles and Ali Mazroui; and third: Prince Charles Ali Mazroui a comparison of the two positions.
This study adopts the comparative analytical approach between the texts of the thinkers as well as other appropriate methodologies for such a study.
The study concludes that there is a similarity between Prince Charles and Ali Mazroui in how to address the problems of Islam and the West. Both are positive، non-negative and supportive of understanding in exchange for hatred or phobia.
مقدمة
أبرز ما يشوب العلاقة التاريخية بين العالم الإسلامي والعالم الغربي هو التوجس وسوء الظن ونظر أعلام الحضارتين - بعضها إلى بعض- نظرة سخرية وانتقاص.
عندما تكلم المستشرق الإنجليزي: إدوارد وليام لين (Edward William Lane 1801-1876) عن الإسلام وصفه بأن مهمة الإسلام الأساسية هي إهانة المرأة والحط من قيمتها .
وعندما تكلم الدكتور محمد العبدة عن الدول الغربية وحضارتها قال: "إنها دولة متحضرة في واجهتها ولكنها بربرية متوحشة في صميمها .
وأسباب الصراعات في العلاقة الإسلامية والغربية كثيرة منها الحروب الصليبية والاستعمار الغربي للدول الإسلامية، والتخطيط لإسقاط الخلافة العثمانية الإسلامية، واحتلال فلسطين، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر وغير ذلك.
ولكن من العلماء والمفكرين من درج على سبيل البحث عن العلاقة السلمية المبنية على أسس الحوار والتفاهم بدلا من الصراع والتنازع منهم شخصيتان مختلفتان في المبنى والمظهر متفقتان في المعنى والمخبر ، ألا وهما الأمير تشالز، (14 نوفمبر 1948م) أمير ويلز، وولي عهد المملكة البريطانية؛ ودكتور على أمين مزروعي (24 فبراير 1932م- 12 أكتوبر 2014م).
فالورقة عبارة عن محاولة للكشف عن أوجه الشبه الفكرية بين أمير تشالز وعلي مزروعي في موضوع علاقة الإسلام مع الغرب. وتركز الورقة في استيرد أفكار الأمير تشالز على محاضرة تاريخية واسعة الانتشار وقوية التأثير ألقاها في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية سنة 1993م، وعنوان المحاضرة، "دعوة إلى الانفتاح والتفاهم بين الجانبين الاسلامي والغربي".
أكد فيها الأمير تشالز دور الإسلام في بناء حضارة الغرب ووجوب اعتراف الغربيين بذلك وفاءا ، ومواصلة للاستفادة من كنوز الإسلام الحضارية.
أما عن أفكار علي مزروعي فالورقة تركز على محاضرتين إحداهما بعنوان: "المقارنة بين القيم الإسلامية والغربية"، والثانية بعنوان: "الإسلام بين الوئام والصدام الحضاري" وكلا المحاضرتين كانتا باللغة الإنجليزية.
ولا شك أن موضوعا كهذا يتميز بأهمية بالغة، لأنه يسعى إلى إرساء دعائم السلام والاستقرار الحضاري بين حضارتين شديدتي التأثير على الكرة الأرضية.
كما أن ان الورقة أثبتت وجود تشابه نوعي بين المفكرين الأمير تشالز وعلى مزروعي، فكلاهما إيجابيان غير سلبيين مؤيدان لفكرة الحل السلمي للصراع الحضاري بين العالمين، بعيدا عن الكراهية والشك وسوء الظن.
المبحث الأول: بين الأمير تشالز وعلي مزروعي.
نحاول عقد قران ثقافي وفكري بين علَمَين متباينين أحدهما أفريقي مسلم من أسرة متدينة، وآخر أوروبي مسيحي من أعظم أسر الغرب على الإطلاق ألا وهما بروفيسور على مزروعي والأمير تشالز.
إذاً لا بدّ من تعقب الخلفية التاريخية لكليمها بغية الوقوف على المكوّنات الفكرية الأساسية المميزة لهما.
1) حياة الأمير تشالز
الأمير تشالز فيليب آثر جورج من مواليد السنة 1948م ابن الملكة إليزابيث وحفيد الملك جورج السادس ، وهو ولي العهد البريطاني حتى الآن .
التحق الأمير تشالر بمدرسة شيم (Cheam) الداخلية وهو ابن 9 إلى 14 سنة ، وذلك في عام 1957م. والتحق بمدرسة نظامية (غوردن تون)، (Gordonstoun)، بأسكتلندا وهو بن 18- 14سنة وتخرج في جامعة كمبرج في شهر يونيو " June"، 1970 حيث درس علم التاريخ وعلوم الآثار القديمة (Archaeology) وعلم الإنسان (Anthropology) .
توظف الأمير في سلاح الطيران الملكي وفي القوات البحرية الملكية سنة 1977م ثم تفرغ بعد ذلك للمناشط الاجتماعية والزراعية ، حيث أسس منظمة المؤسسة الملكية لتأهيل الشباب وتوفير الدعم المادي والمعنوي لهم، ولديه علاقة مباشرة مع أكثر من مائتي منظمة خيرية.
وهذا من جانب، ومن جانب نشاطه الزراعي فإن مساحة مزرعته الخاصة حوالي 500 هكتار أي 1200 فدان.
يكاد الأمير تشالز يجوب أنحاء المعمورة بأسفاره المتعددة وكلها في الشؤن الإنسانية، كما أنه يتمتع بمواهب ومميزات أخرى معظمها في جانب الثقافة والحرص في العلم والمعرفة، فإنه حامل ست شهادات ثانوية متنوعة وشهادتين في الدبلوم دون الجامعي أحدهما دبلوم في اللغة الفرنسية.
يعتبر الأمير تشالز صاحب أوليات في تاريخ المملكة البريطانية:
فهو أول أمير درس في المدارس العامة يختلط فيها مع أبناء الشعب في المراحل الدراسية المبكرة ، وهو أول أمير يحصل على الشهادة الجامعية، ومن أبرز أبناء الأسر المالكة المتمزين بالرياضة (البولو) كما أنه مؤلف رائع وأشهر مؤلفاته كتابه:A vision of Britain a personal view of architecture وهو كتاب في فن العمارة دافع فيه الأمير تشالز عن التراث المعماري في بريطانيا.
رغم تعدد إهتماماته كان أكثر اشتهارا بالدفاع عن القيم، والدعوة إلى التعايش السلمي بين الثقافات والأديان، وانفرد بين معظم الساسة والمفكرين المعاصرين بالإلحاح على وجوب إعادة نظر أهل الغرب للإسلام، لأن الإسلام دين حضارة متفردة ودور علماء الإسلام في بناء حضارة الغرب دور محوري لا ينبغي تجاهله.
يبذل الأمير تشالز قصارى جهده في الدفاع عن الإسلام في الغرب في صراحة تصل إلى حدّ الجراءة، حتي اتهمه بعض إعلاميي بريطانيا بأنه اعتنق الإسلام سرا ، وبأنه شديد الإعجاب بالإسلام ومولع به ، وأن معالم إهتمامه بالإسلام وحضارته تتحدد في النقاط التالية:
إنه يدافع عن الشريعة الإسلامية.
إنه يمدح الحضارة الإسلامية ويُشيد بمكانة المرأة في الإسلام.
إنه يرى في الإسلام علاجا ناجعا لأمراض بريطانيا الإجتماعية.
إنه كون لجنة حكماء استشارية مكونة من اثني عشر جكيما لتعد له تصورا شاملا حول الإسلام وحضارته.
هذا هو الأمير تشالزابن البلاط الملكي الفذّ في معظم أحواله واسع الثقافة متعدد المناشط مستقل الرأي وجريئ في الإفصاح به وداعية مفًّوها إلى التعايش السلمي بين الإسلام والغرب.
2) البروفيسور على مزروعي:
كثيرٌ من الباحثين ينشغل عن تفاصيل طفولة البروفيسور علي أمين مزروعي بتعداد إنجازاته ومؤلفاته.. بعد الإشارة السريعة إلى أنه ولد في ممباسا كينيا 24 أبريل سنة 1933م وأنه إفريقي من أصول عربية وحصل على دراساته المبدئية في كينيا ثم انتقل إلى انكلترا ليواضل تحصيله العلمي بنجاح باهر. وهكذا ثم ذكر الجوائز والشهادات التقديرية التي نالها.
إلا أنه من الأهمية بمكان ذكر سبب انتقال علي مزروعي إلى بريطانيا للدراسة، والسبب هو عدم حصوله على الدرجات الكافية المؤهلة للالتحاق بكلية مكريري الجامعية في أوعندا وكان ذلك سنة 1949م. حيث نال الدرجة الثالثة (Third Class Grade) من نتيجة امتحانات الثانوية العليا لمدارس كمبرج، فكاد يفقد فرصة التعليم الجامعي لولا تدخل حكومة كينيا التي تكفلت بدراسته فبعثته إلى بريطانيا ليكمل دراسته في المرحلة الثانوية.. ثم ينطلق بعد ذلك إلى تحقيق طموحاته العلمية.
إجتاز علي مزروعي امتحانات الشهادة الثانوية البريطانية العليا بنجاج فائق، ومن هناك انطلق ليواصل مسيرته الأكاديمية متجاوزا جميع المراحل العلمية بتفوق.
حصل على الشهادة الجامعية بالامتياز من جامعة منشستر1960م ونال درجة الماجستير من جامعة كولومبيا بنيويورك 1961م ثم توج بدرجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد بإنجلترا وذلك سنة 1966م ، فأصبح عالما متخصصا في علوم التاريخ وعلوم أخرى كالاجتماع والسياسة والعلاقات الدولية.
بدأ مسيرته الأكاديمية من جامعة مكريري بأوغندا ومنها أيضا انطلقت شهرته العلمية وبرز كباحث عالمي، لقد نشر ثلاثة كتب سنة 1967م أثناء إقامته بجامعة مكريري.
ونظم قسم العلوم السياسية مؤتمراً عالميا تحت إشراف علي مزروعي لتوجيه النظام العالمي نحو الوسائل العلمية لتطبيق مبادئ السلام والاستقرار في العالم.
ولعل مثل هذه المبادرة المتسمة بالإبداع والابتكار هي مادعت بعض زعماء إفريقيا إلى استمالة على مزروعي إلى بلاط الحكم ومجالس السلطة. فزاره زعيم الثورة الزنزبارية جون أوكللو (Jhon okello) في بيته بأوغندا يناشده كي يقبل منصب المستشار الخاص في الشئون السياسية، لكن علي مزروعي رفض ذلك العرض بحجة الالتزام بمجال العلم والبحث.
وجاءه طلب آخر من الرئيس العسكري لدولة أوغندا إيدي أمين ليكون مستشاره الخاص في الشئون السياسية فرد مزروعي طلبه أيضا، واضطر أن يغادر البلد تجنبا من الضغوط التي قد تؤدى إلى إحراج الدولة في حالة إمعانه على الالتزام بالشئون الأكاديمية فقط.
تقلد علي مزروعي وظائف أكاديمية في عدة جامعات ومراكز بحث في الدول الغربية والعربية والافريقية مثل جامعة ميتشغان بأمريكا، وجامعة أوكسفورد بإنكلترا وجامعات أخرى في العراق وإيران وكنيا ونيجيريا ومصر. كما ألف عشرات الكتب ونشر مئات بحوث أكاديمية وأدبية.
وأشهر أعماله كتابه الذي أذيع في شكل فيلم تلفيزيوني وثائقي باللغة الإنجليزية
"The Africans A Triple Heritage" لقد صنفت مجلة "Prospect Magazine" البريطانية عليًّا المزروعي في المرتبة الثالثة والسبعين ضمن مائة أكثر العلماء تأثيرا في العالم، كما أنه حصل على عدة جوائز وشهادات تقديرة عالمية.
تميز علي مزروعي بالإنهماك في البحث والدراسة، والتفرغ للكتابة والتدريس، كان يفعل ذلك كله في ثقة بالنفس وشجاعة أدبية نادرة. وصراحة ممتزجة بالتقريع أحيانا لولا ما يلطفها من فصاحة اللسان وبلاغة الأسلوب والتمكن من أسرار اللغة الإنجليزية .
وتكاد تنجصر أطروحات علي مزروعي العلمية في تكييف علاقة الإسلام والغرب من جانب وعلاقة الدول النامية وخاصة الإفريقية بالغرب من جانب آخر.
المبحث الثاني:
جدلية الإسلام والغرب عند الأمير تشالز وعلي مزروعي.
1- جدلية الإسلام والغرب عند الأمير تشالز :
ألقى الأمير تشالز محاضرة تاريخية بعنوان: "دعوة إلى الانفتاح والتفاهم بين الجانبين الاسلامي والغربي" في مركز أوكسفورد للدراسات الاسلامية.
ألقيت المحاضرة في أفخم وأضخم قاعة في المدينة الجامعية لاكسفورد، وخضرها حوالي ثمانمئة (800) شخص من أساتذة الجامعة والباحثين والطلبة والشخصيات الرسمية.
على الرغم من تقادم الزمن (خمس وعشرون سنة إلى الآن) لا تزال هذه المحاضرة محتفظة برونقها ونضارتها ولا يزال صداها يتردد في الزوايا الثقافية، كما أن صاحبها (الأمير تشالز) لا يزال محتفظا – فيما يبدو من مواقفه - بآرائه الواردة في تلك المحاضرة التليدة.
والأهم من ذلك أن هذه المحاضرة تحمل خلاصة نظرية الأمير تشالز في العلاقة بين الحضارتين الاسلامية والغربية، وهي نظرية واضحة المعالم ذات أهداف محددة ووسائل علمية وغايات نبيلة.
إنطلق الأمير تشالز في ذكر أهمية العلاقة السلمية بين العالَمين الإسلامي والغربي، من تقييمه لأهمية كلا العالمين ووزنهما الحضاري والتاريخي والاجتماعي، فمالم تكن العلاقة بينهما مبنية على أسس التفاهم فالنتيجة الحتمية هي اختلال التوازن العالمي كليا.
ثم يتوقف الأمير هنيهة ليشير إلى أمر في غالب الأهمية، وهو الدافع الرئيسي في مواقفه نحو العلاقة بين الحضارتين، ليؤكد أن ذلك ينبع من صميم قلبه فهو مخلص ومتجرد في ذلك ثم قال: "فمن المناسب تذكر مثل عربي الذي يقول: "ما يأتي من القلب يصل إلى القلب".
أسباب الأزمة بين الحضارتين :-
يرى الأمير تشالز أن أهم أسباب الأزمة والخناق الحضاري بين الثقافتين تاريخيةٌ كالحروب الصليبية والاستعمار وسقوط الخلافة العثمانية ، ومنها كذلك مشاعر التعصب العارية التي تقود إلى عدم الثقة والخوف (الفوبيا).
لقد ركز الأمير تشالز على الأسباب التاريخية كأهم مصادر الأزمة الحضارية بين العالمين الاسلامي والغربي، يقول في ذلك: وتاريخنا مرتبط أيضا بشكل متداخل ولكن ذلك يشكل على أية حال سببا للمشكلة .
لاحظ الأمير تشالز أن نظرة أبناء الحضارتين لمخرجات هذا التاريخ المشترك كانت متناقضة فما يعده المسلمون مجدا تاريخيا يعدّ نكسةً عند العالم الغربي والعكس صحيح: "...فإن المأتي سنة من الحروب الصليبية ينظر إليها الغربيون كسلسلة من الأعمال البطولية والمغامرات الفروسية...". وبالنسبة للمسلمين فإن الحروب الصليبية هي فترة من فترات القساوة الهائلة واللصوصية المروعة... وباستطاعة المرء أن يفهم كيف أن فتح القسطنطينية عندما سقطت على يد السلطان محمد الفاتح في 1453م أثارت رجفة الرعب في صفوف حكام أوربا .
نقاط الإلتقاء بين العالمين:
قد تكون جذور الخلاف بين الحضارتين ضاربة في أعماق التاريخ، ولكن من الطريف – كما يلاحظ الأمير تشالز – أن ما يربط بين العالمين هو أقوى بكثير مما يفرق بينمها وذلك من خلال النقاط التالية:
الروابط الدينية:
- إن المسلمين والمسيحيين واليهود كلهم أهل الكتاب .
- يشترك الإسلام والمسيحية في رؤية توحيدية، اعتقاد في الرب السماوي وأن الحياة على الأرض هي فترة انتقالية ، وفي الجزاء على أعمالنا وفي الثقة في الحياة الاخروية.
الإيمان بالقيم الأساسية:
- احترام للعلم
- احترام للعدالة
- التعاطف مع الفقراء والمعوزين
- الاهتمام بالحياة العائلية واحترام الأبوين "وبالوالدين إحسانا"
فلكي تتحسن العلاقة بين العالمين يرى الأمير تشالز ضرورة تجاوز الجوانب السلبية من العلاقة التاريخية بينهما والتركيز على نقاط الإلتقاء ودعم الجوانب الإيجابية من العلاقة التاريخية وهي أصيلة أيضا منذ العصور الإسلامية المبكرة.
دعوة الغرب إلى الانفتاح والتفاهم مع العالم الاسلامي
يبدو واضحا أن أطروحة الأمير تشالز موجهة توجيها مباشرا إلى العالم الغربي لكي يتصالح مع الحضارة الإسلامية، لذلك حاول اقتراح مبادئ أساسية ينطلق منها الغرب في سعيه نحو الانفتاح والتعايش السلمي مع الحضارة الإسلامية. وأهم هذه المبادئ:
1- فهم خصائص ومميزات الحضارة الإسلامية.
2- إنصاف الحضارة الإسلامية.
يرى الأمير تشالز ضرورية إعادة النظر للحضارة الإسلامية، بعقلية منصفة ليكتشفوا في الإسلام نظما حضارية على عكس ما يتصور معظمهم.
ففي موضوع المرأة مثلا يرى الأوربيون أن الإسلام يضيّق على المرأة، وأنها في ظل الحضارة الاسلامية لا تتمتع بحقوق كثيرة.
فيقول الأمير تشالز ردّاً على هذا الزعم: " والمرأة في الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا كانت تتمتع بحقوق الأجور المتساوية وفرصة اتخاذ دور علميّ في مجتمعاتها، وتتمتع المرأة المسلمة بحق التملك والميراث ونوع من الحماية عند الطلاق، والاشتغال بالأعمال التجارية ولم تكن المرأة البريطانية تتمتع بمثل هذه الحقوق إلى عهد قريب فقال :"وكانت هذه الحقوق في بريطانيا جديدة حتى بالنسبة إلى جيل جَدّتي!" .
وأشار في موضع آخر إلى أن عدم فهم الغر ب للحضارة الإسلامية يفوته فوائد قيمة ما كانت لتفوته لولا إعراضه عن كنوز الإسلام الحضارية، وهذا التصرف يعرض الحضارة الغربية معرض نكران الجميل لأن الحضارة الغربية المعاصرة ثمرة لجهود الحضارة الإسلامية فيقول: "...ولكن بسبب نظرتنا نحو الإسلام إلى اعتباره عدوا للغرب وأنه دخيل علينا في ثقافته ومجتمعه، ونظامه الإعتقادي فقد ملنا نحو تجاهل محصولاته الكبرى بتاريخنا ... فحضارة الإسلام أضافت مساهمتها الحيوية الخاصة في عدد من حقول المغامرة الإنسانية في علوم الفلك والرياضيات، والجبر والقانون والتاريخ والطب والصيدلة والضوء والزراعة والمعمار والإلهيات والموسيقي ... ونحن نعرف عن وجود مكتبة في أسبانيا ..يقال إن .... 400 (أربع مائة ألف) مجلد كانت في مكتبة حاكمها أي ما يعادل أكثر من مجموع الكتب في كافة مكتبات باقي أوربا...".
وصحح الأمير تشالز مفهوم أن الإسلام دخيل على العالم الغربي فقال: "...كان الإسلام جزءا من أوربا لمدة طويلة أولا في أسبانيا وبعدها في بلقان... الإسلام جزء من ما ضينا وحاضرنا في جميع حقول السعي الإنساني وهو الذي ساعد على خلق أوربا الحديثة إنه جزء من تراثنا وليس أمرا معزولا...".
ومن الطريف أن الأمير تشالز الذي لم يقبل من الغرب أن يتخوف من الحضارة الإسلامية إلا أنه برر تخوف المسلمين من بعض قيم وتقاليد الغرب وسمي هذا الخوف بالتخوف الصادق !وذلك حين دعا الغربيين إلى تفهم: "...التخوف الصادق الذي تشعربه شعوب العالم الإسلامي تجاه حضارتنا المادية وثقافتنا الشعبية وتعتبرها تحديا لثافتها الإسلامية وأسلوبها في الحياة... والحقيقة هي أن نموذجنا في المادية بإمكانه أن يكون مسيئا للمسلم الملتزم "
وختم الأمير تشالز أطروحته بأنه لا يرال العالم الغربي حتى الآن بحاجة إلى الحضارة الإسلامية فروحانية الإسلام تعد منقذا لمادية الغرب، ومنهجية الإسلام المتمثلة في النظرة الشمولية الكلية للكون تعد متممة لآحادية الغرب في النظر إلى الكون من الناحية الواقعية البحنة بعيدا عن الحانب الميتافيزيقي ، كما أن في الإسلام من الآداب والمبادئ ما يحمي البيئة من الإنهيار بفعل الأطماع والإستغلال وحب السطوة والتحكم التي تمتلئ بها الحضارة الغربية .
وفي الإسلام أيضا فوائد جمة للحضارة الغربية في شئون البيئة والاجتماع، والصحة والإقتصاد.
فعلاقة الإسلام مع الغرب يجب أن تكون علاقة مبنية على التفاهم والتعايش السلمي والانفتاح، فليس صحيحا ما يراه البعض من أن العلاقة بينهما علاقة أزمة وصراع. "وأنا لا أقبل الرأي الذي يقول إنهما في طريقهما إلى التصادم في فترة جديدة من العداء، وأنا مقتنع تماما بأن عالمينا يملكان الكثير ليقدمانه لبعضهما البعض...".
3- جدلية الإسلام والغرب عند على مزروعي.
بين الحضارة الإسلامية والغربية مسافات متباعدة من أوجه ولكن لا يجب أن يكون ذلك سببا لدوام العداء وعدم التفاهم ، هكذا يري علي مزروعي بإختصار.
وفي سعيه لتحليل أسباب سوء العلاقة ووصف حل لها انتهج علي مزروعي أسلوب التحليل المنطقي، والاستنتاج الاستقرائي ليؤكد أن الفجوة بين الحضارتين أضيق مما يتصور الكثيرون، فلا داعي إذاً إلى العداء وتواصل الشحناء.
لا حظ علي مزروعي أن للغربيين مفاهيم مغلوطة تجاه الحضارة الإسلامية فقام بتصحيح هذه المفاهيم، يقول في ذلك:
ينظر الغربيون إلى المجتمعات الإسلامية بأنها مجتمعات متخلفة، قهرها الدين بسياسات غير إنسانية، على عكس مجتمعاتهم العلمانية المتنورة بالنظم الديمقراطية .
انتقد علي مزروعي هذه الرؤية وقام بتقويمها من خلال النقاط التالية:
إن للإسلام حضارة متكاملة مفعمة بالحيوية وهي إنسانية أكثر مما يتصور الغربيون.
إن الحضارة الغربية لم تسد جميع حاجات الإنسانية، فلا تزال فجوات حضارية شاغرة لم تسدها الحضارة الغربية رغم تقدمها المادي.
إذا كانت الغاية القصوى للإنسانية هي السعادة فإن حضارة الغرب لم تقدم كافة الحلول ولم تُجِب على جميع التساؤلات بهذا الصدد.
إن بعض القيم الإسلامية التي ينكرها الغربيون كانت مقبولة في تاريخهم القريب ، وبعضها لا تزال معتبرة حتى الآن.
مثل تحريم الخمر، والتشنيع على الشذوذ الجنسي وتنفيذ عقوبة الإعدام.
فالعلاقة الجنسية خارج الرباط الزوجي، ظلت ممنوعة في الغرب حتى بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تزال دساتير بعض الدول تنص على التحريم ولو ندر تنفيذه وظل الشذوذ ممنوعا في القوانين البريطانية حتى سنة 1960م ولا تزال بعض المجتمعات الغربية ترفضه حتى الآن.
يرى الغربيون أنهم أكثر تحضرا من العالم الإسلامي في موضوع المرأة، لكن المرأة البريطانية نالت حريتها في حق الملكية الخاصة مستقلة من زوجها سنة 1870م، والمراة المسلمة كانت تتمتع بهذا الحق منذ ألف سنة وزيادة.
وفي التاريخ الحديث سبقت المسلمة المرأة الغربية في الحصول على حق التصويت في بعض الدول، مثل سويسرا فقد تأخر حق المرأة فيها للتصويت إلى سنة 1971م، في حين أن المرأة تمتلك ذلك الحق قبل ذلك بعقود في أفغانستان، وإيران، والعراق والباكستان...
ولم تترأس إمراةٌ الولايات المتحدة حتى الآن ولكنها أصبحت رئيسة في دول إسلامية مثل الباكستان، وبنغلاديش، وتركيا .
يعتبر موضوع حرية التعبير مثارا للجدل بين الحضارتين الإسلامية والغربية، واشتد ذلك الخلاف سنة 1988م حين صدور كتاب سلمان رشدي المسيئ للمقدسات الإسلامية.
حيث اعتبرت الدول الغربية ذلك الصنيع حقا من حقوق حرية التعبير.ولكن الحضارة الغربية ذاتها لا تطلق عنان حرية التعبير حين يكون الموضوع ضد أولوياتها الثقافية، كتوجيه انتقادات لاذعة للصهيونية أو ترويج الفكر الماركسي مثلا (وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية)، ومثال ذلك ما ورد في الفيلم الوثائقي الشهير لعلي مزروعي"The Africans" لقد وردت فيه عبارة مجازية شبَّه فيها كارل ماركس كآخر أعظم نبي يهودي،
"Karl Marx as the Last of the Great Jewish Prophets"
فحذفت هيئة تلفيزيون وَيْتَا (WETA) هذه العبارة بدون اخطار المؤلف ولا صدور أي إذن رسمي منه، مخافة تجريح مشاعر يهود أمريكا.وأصرّت الهيأة كذلك على حذف مقطع لا يتجاوز3 دقائق ظهر فيه مشهد معمر القذافي يعود المرضى في المستشفى واحتجت الهيأة بأن هذه الصورة تعرض القذافي معرض الرجل الإنساني.والأولى – عندها – أن يقدم كإرهابي قاتل للأبرياء.
"أنا شخصيا – يقول علي مزروعي– شاهد عيان في حجر الحضارة الغربية للحريات وتضييق الفرص للتعبير عن الرأي"
ومثال آخر – يضربه علي مزروعي في هذا الشأن أن مراجعي إحدى كتبه أصدروا قرارا بحذف ثلاث فصول – بأكملها قبيل طباعة الكتاب بساعات ! والفصول هي كالآتي:
1- الفصل الذي وصف فيه "كتاب الآيات الشيطانية" بأنه يمثل الخيانة الثقافية العظمى.
2- الفصل الذي عقد فيه المقارنة بين الإنتفاضة الفلسطينية والثورة الطلابية الصينية المشهورة سنة 1989م في ميدان تيانانمن (Tiananmen Square).
3- الفصل الذي قورن فيه ممارسة اليهود في فلسطين بالتمييز العنصري بجنوب أفريقيا.
فلما أصرَّت لجنة المراجعة على حذف هذه الفصول رغم إلحاح الكاتب (علي مزروعي) على إبقاءها متمسكا بمبادئ حرية التعبير ، اضطر إلى إلغاء إتفاقية طباعة الكتاب في أمريكا...",
وموضوع التعايش السلمي وقبول الآخر أيضا من الموضوعات التي أسيئ فهم الإسلام من خلالها فالإرهاب والتشدد والتطرف والكراهية بل الهمجية والبدائية من الألقاب التي تضاف إلى المسلمين في كثير من المنابر الغربية وخاصة في الآونة الأخيرة .
تصدى علي مزروعي لجدلية التعايش بين الأديان في الإسلام، فقال: يظن الغربيون أنهم أقدر على التعايش بين أتباع مختلف الأديان، ولكن التعقب في منعطفات تاريخية يؤكد مواقف إسلامية مشرفة في هذا الباب: فلليهود والنصارى مكانة معتبرة في المجتمع الإسلامي "أهل الكتاب" ويتمتع أتباع ديانات أخرى بلقب أهل الذمة أي أهل الوعد والعهد على الحماية والدفاع عن الحقوق...
ولقد احتل بعض علماء اليهود مناصب حكومية عالية في ظل الدولة الإسلامية بأندلس وفي عهد سليمان الأول من خلفاء الدولة العثمانية (1520 – 1566م)،كان له وزراء مسيحيون كما فعل الأمر نفسه السلطان سليم الثالث (1789- 1807م).
وضربت دولة سنغال بغرب إفريقيا نموذجاً آخر في التاريخ الحديث ، إذ كان أول رئيس بعد الاستقلال مسيحيا كاثوليكيا وهو ليوفولد سِدار سٍنغو وظل حاكماًلدولةٍ نسبة المسلمين فيها %95 لمدة عشرين سنة (1960- 1980م) حتى اعتزل السلطة عن طواعية دون ممارسة ضغوط ضده!، وهل نتصور وجود مثل هذه الفرصة للمسلمين في بلد ذي أغلبية مسيحية بنسبة %95؟.
فالسمة العامّة للإسلام هي السلام والاستقرار وقد انتصر وانتشر بالتعايش والتزاوج أكثر من انتشاره بحد السيف .
حاول علي مزروعي، تفنيد مزاعم التخلف التي تضاف إلى الحضارة الإسلامية، وأثبت لمن يعتقد ذلك من مثقفي الغرب أن في الإسلام فوائد جمة قمينة باهتمام الغربيين، لو أحسنوا فهم الحضارة الإسلامية. فما أحوج الغرب إلى حل معضلات اجتماعية واقتصادية مثل المادية والانانية، والسكر وانتشار المخدرات، والعنصرية، والفاقة الروحية وغير ذلك.
ولكي تصطلح العلاقة بين الحضارتين فلا بد للعالم الإسلامي من النظرة المتصفة للحضارة الغربية فليس كل مافي الغرب مضراً، بل فيه من الفوائد والمكاسب ماهو ضروري لسعادة واستقرار العالم الإسلامي المعاصر.
مثل الصناعة والعلوم والاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولا بأس أن يتجنب العالم الإسلامي القيم والتقاليد الغربية (سلبيات العولمة) ويركز على العلوم المفيدة والصناعات الكبرى .
ولايوافق علي مزروعي على حتمية الصراع بين الحضارتين إذ لا تزال هناك فرص التواصل والتفاهم الحضاري بالطرق السلمية التي تغنى عن الصراعات.
المبحث الثالث:
الأمير تشالز وعلي مزروعي مقارنة بين موقفين.
يختلف الأمير تشالز عن بروفيسر علي أمين مزروعي، من نواح كثيرة، فالأمير مسيحي بريطاني من الأسرة المالكة والمرشح لوراثة عرش المملكة المتحدة البريطانية، وعلي مزروعي إفريقي مسلم من أصول عربية، ومثقف عالمي وأكاديمي مشهور. إلا أنهما في موضوع الإسلام والغرب التقيا فكريا وكاد يتحد لهما الموقف فيه. هل العلاقة بين الحضارة الإسلامية والغربية علاقة صراع ونزاع دائم أم هناك إمكانية تفاهم وتكامل؟ وهل الحضارة الغربية المعاصرة هي خاتمة الحضارات أم لا تزال الحضارة الإسلامية تمتلك من الآداب والقيم والمبادئ ما تفتقره الحضارة الغربية.فهنا ملتقى الفكرين بين علي مزروعي والأمير تشالز إذ أجاب كل منهما بأن التفاهم والحوار هما أفضل وسيلة للعلاقة بين الحضارتين، وأن في قيم الإسلام وآدابه حلولا لكثير من مشاكل الغرب وأزماته، وفيما يلي ترتيب لمواطن الاتفاق بين موقفي الرجلين علي مزروعي والأمير تشالز:
المرجعية المعرفية:
كتب المستشرق الإنجليزي إدوارد وليام لين (1801- 1876م)، افتتاحية كتاب عن الإسلام سنة 1843م، فقال: "إن أبرز ما يتميز به الإسلام هو الحط من قيمة المرأة، (women degradation) هذا مثال للحكم التعسفى على الحضارة الإسلامية دون الإعتماد على الأدلة المعرفية المعتمدة، وليست هذه طريقة المحققين من المنصفين الغربيين مثل المؤرخ والباحث الإنجليزي مونتجومري وات- mont gomery watt (1909م – 2006م) الذي شهد على صدق رسالة الإسلام وتفوق حضارته على الحضارات الأخرى .
فعل ذلك متجردا عن العصبية والانفعال متقمصًا حلل الاحتراف العلمي ومعتمدا على الأدلة والبراهين المعرفية.
كذلك كان الأمير تشالز في تناوله لموضوع الإسلام والغرب وضع الحقائق العلمية والأمثلة الواقعية نصب عينيه، مثله في ذلك مثل بروفيسر علي مزروعي تماما.
اعترض الأمير تشالز على الادعاء بأن الجهل هو سبب تحامل بعض الغربيين على الحضارة الإسلامية ، اتخذ هذا الموقف معتمدا على الحجج العلمية المؤيدة له مستنطقا أرقام الإحصاء وتعداد السكان:
"...هناك مليارمسلم في العالم وعدة ملايين منهم يعيشون في أقطار الكمنولث ، عشرة ملايين في الغرب ومليون منهم في بريطانيا . وجاليتنا الإسلامية في ازدياد وازدهار لعقود من الزمن، هناك حوالي خمسمأئة مسجد في بريطانيا... الإسلام يحيط بنا من كل جانب، ومع ذلك فإن عدم الثقة وحتى الخوف ما يزال موجودا .
ولما أصر الأمير تشالزعلى أن الحضارة الغربية المعاصرة مدينة للحضارة الإسلامية الأندلسية أحصي عددا من الفنون الحضارية التي استوردتها الحضارة الغربية من المسلمين وهي من أعظم ما تتبجح به الحضارة الغربية:
فن الدبلوماسية
التجارة الحرة
الحدود المفتوحة
تقنية البحث العلمي (الأكاديمي)
الإنثروفولوجيا (علم الانسان)
الإتيكبب (آداب الفنون،والمعاشرة )
الموضة
طب الأعشاب
المستشفيات
لقد تفرغ الأمير للنظر والتأمل في موضوع العلاقة بين الحضارتين وعرف مواضع القصور في الحضارة الغربية فأخذ يسوق أهله من الغربيين إلى موطن الثروة الحضارية في الإسلام كي يتزودوا بها ما يسدون به فراغهم الحضاري الشاغر فحذَّرهم من أن يغتروا بما يدعيه البعض من أن حضارة الغرب هي نهاية التاريخ لما أفرزته من الإمكانيات المادية والتفوق التكنولوجي وإتقان فنون الإستمتاع بمباهج الحياة الدنيوية، فهذه كلها خطوات إلى مسافةٍ مَّا، وليست نهاية المطاف بالنسبة للسعادة البشرية ... فالسعادة الحقيقية لبني البشر تكمن في نظام التربية الروحية الإسلامية، ثم قال الأمير تشالز: "سيداتي وساداتي إن ما أدعو إليه هو شيء أوسع وأعمق وأكثر دقة في الفهم لعالمنا" .
ونجد علي مزروعي متخذا موقفا فكريا موازيا لأمير تشالز، فإنه يرى أن الحضارة الغربية مقسمة بين تقدم مذهل في المدنية وانحطاط وسقوط مدو في القيم والأخلاق الإنسانية ويحدث ذلك بشكل مستطرد كلما تزداد علوا في التقدم الحضاري تزداد سقوطا في الجانب الروحي وساق مزروعي في ذلك شواهد تاريخية حيث ركز على النمو الحضاري في الولايات المتحدة الأمريكية .
ففي النصف الأول من القرن العشرين الميلادي كانت القيم والأخلاق عند المجتمع الأمريكي قريبة إلى القيم والمبادئ الإسلامية: رفض العلاقة الجنسية خارج نطاق الزوجية، الدور العائلي، إنزال عقوبة القتل للقاتل المتعمد، وتجريم الخمور.
وأما في النصف الثاني من القرن العشرين تحللت عقدة هذه المبادئ شيئا ما انتشرت العلاقات الجنسية خارج نطاق الزوجية برضا وموافقة أولياء أمور الشباب وتعتبر فترة الستينات سنوات انفجار الحرية الجنسية في أمريكا.
أما في القرن الواحد والعشرين نشهد فترة تقنين الشذوذ بل الزواج بين المثليين ! ففي هذا الكلام لعلي مزروعي دعم قوي لموقف الأمير تشالز الذي أشار فيه إلى ما تعانيه الحضارة الغربية من المخمصة الأخلاقية.
النقد الذاتي:
اتفق العلَمان أيضا في توجيه كل منهما النقد إلى أهله، فأمير تشالز يرى أن المسلمين على حق حين يعتبرون التقاليد الغربية خطرا على تربيتهم الإسلامية فلا يحق للغربيين أن ينكروا ما في حضارتهم المادية من السلبيات التي تشكل خطرا لكل مسلم ملتزم.
وعلي مزروعي يُحذّر المسلمين من تقليد العادات والتقاليد الاجتماعية الغربية ، فإن هذا يوقعهم في نفس الحضيض الذي وصلت إليه الحضارة الغربية في جانب التربية الروحية .
وكما حث الأمير تشالز الغربيين على تحسين العلاقة مع المسلمين كي يستفيدوا من آداب وقيم الإسلام الروحية، يحث علي مزروعي المسلمين على الاستفادة من التقدم التكنولوجي الغربي وإحداث ثورات موازية للثورة الضاعية في العالم الإسلامي لذلك قسم الحضارة الغربية إلى الحضارة الصلبة
(Hard Westernization) وهي محاكاة الغربيين في المأكل والملبس والعادات الاجتماعية وهو ما تركز عليه معظم الدول الإسلامية والحضارة اللطيفةSoft Westernization وهي الصناعات والمنشئات والتكنولوجيا والعلوم المفيدة وهو ما تركز عليه معظم دول آسيا مثل كوريا الجنوبية .
الإيجابية:
إن الأمير تشالز وعلي مزروعي اتخذا موقفا فكريا موحداً ضد موقفي العالمين الأمريكيين فرنسيس فوكويا ما وصمويل هنتنغ تون، في أن العلاقة بين الحضارتين علاقة صدام وصراع ويقول الأمير تشالز بصريح العبارة في الفقرة الأخيرة لمحاضرتة التاريخية: وأنا لا أقبل الرأي الذي يقول إنهما في طريقهما إلى التصادم في فترة جديدة من العداء، وأنا مقتنع تماما بأن عالميْنا يملكان الكثير ليقدمانه لبعضهما البعض، أمامنا الكثير لننجزه معاً .
وصرح علي مزروعي عن موقف مماثل بورقة علمية كاملة عنوانها: "الإسلام بين الوئام والصدام الحضاري : تبدل العلاقات بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة".
Islam Between Clash And Concord Of Civilizations, Changing Relations Between The Muslim World And The United States.
السلام هو الحل:
لا ينكر أحد وجود خلاف واختلاف بين الحضارتين الإسلامية والغربية إلا أن السبيل إلى حل ذلك الخلاف يجب أن يكون سلميا من خلال الحوار والجدال بالتي هي أحسن وهذا هو موقف الأمير تشالز وعلي مزروعي.
يقول الأمير تشالز: "...علينا أن نعمل بجهد أكبر لأن نفهم بعضنا البعض وأن نصفي السموم التي تقع بيننا وأن ندفن شبح الشك والخوف...".
واقترح علي مزروعي لمسلمي أمريكا أن يستغلوا الوسائل السياسية لإبلاغ أصواتهم والحصول على حقوقهم فأمريكا كما وصفها مزروعي مهما تكن إمبراطوريةً في الخارج فهي ديمقراطية في الداخل...
رأينا كيف اتفقت مواقف العالمين الأمير تشالز وعلي مزروعي رغم اختلافهما في الصفة العقائدية ولون البشرة ونوع المهنة، إلا أنهما اقتربا جدا في النظر إلى ضرورة توطيد علاقة سليمة بين العالم الإسلامي والغربي للإسهام في خلق عالم مستتقر ومتفاهم.
والشخصيتان متشابهان في الصفات النفسية فكلاهما يتمتع بروح طموحة إلى العلم والمعرفة ويمتلك شخصية قوية وصريحة وواضحة فيما تطرح من أفكار.
الخاتمة:
مرت الحضارتان الإسلامية والغربية بزمن عصيب – ولا تزال – في تاريخ العلاقة بينهما المليئ بالعواصف والتقلبات.
ولكن مهما يكن الجوّ معتكرا فليس غريباً أن تتخلله فترات صفاء وساعات هدوء وقرار. ففي مثل هذه الفترات استفادت الحضارتان قديما بتصدير الحضارة الإسلامية قيم العلم والبحث إلى العالم الغربي وحديثا باستيراد العالم الإسلامي فنون العلم والتكنولوجيا من العالم الغربي .
فكل من الأمير تشالز وبروفيسور علي مزروعي يركز على الجانب الإيجابي من هذه العلاقة بين الحضارتين، ويدعو أهلها إلى اتخاذ أساليب الحوار، والسلام لحل الخلافات وتسوية النزاعات بينهما بعيدا عن مشاعر الكراهية والضغينة، وتلافيا لهواجس الخوف والشك وسوء الظن.
فينبغي للقنوات الثقافية بفروعها وأجنحتها الترفيهية والتعليمية أن تتبنى رسالة هذين العلَمَين الكبيرين علي مزروعي والأمير تشالز.
وعلى المراكز والمعاهد الأكاديمية أن تواصل مشروع العلاقة بين الحضارتين على منهج الأمير تشالز وعلي مزروعي كي توفر للشباب والطلاب مراجع توجيهية تكيّف نظراتهم إلى العلاقة المثالية بين الحضارتين.
والحمد لله رب العالمين
د/ أمين إسماعيل سَاغَاغِي
المراجع:
- الأمير تشالز، "الإسلام والغرب" مجلة العالم الإسلامي ،.العدد 508 السبت 6نوفمبر 1993م.
- محمد عمارة ، "عوامل تفوق الإسلام – شهادة غربية"، دار السلام، القاهرة الطبعة الأولى، 2012م.
- يوسف القرضاوي، "فقه الجهاد" مكتية وهبة الجزء الأول الطبعة الثالثة 2009م
- يوسف القرضاوي "غير المسلمين في المجتمع الإسلامي"، مكتبة وهبة، الطبعة الثالثة 1992م.
- زكريا بشير إمام، (بروفيسر) "مؤتمر الإسلام في اقريقا"، جامعة أإفريقيا العالمية.
- Price Charles, A Vision of Britain a Personal View of Architecture. Double Day, October, 1989.
- Ali mazru'i, Islamic And Western Values, Council And Foreign Relation vol.76 No:5 (Sept.-Oct., 1997) pg.118-132.
- Alimazru'i, Islam Between Clash And Concord Of Civilization, Chat Man House, 16 January.
- Necmettin Erbakan, Islam and west, Mislem Basin, Istanbul, 2006.
- Omar H. Kokole، Ali mazru'i major works" N H J currey، 1990.
- Wahiduddin Khan, Women Between Islam and Western society, Hafiz and Sons, Karachi, 2001.
- Zakariyya Bashir Imam, Africa The Impact And Challenges Of Globalism, Islam in Africa conference: Book (9) International University of Africa Khartoum.
- F.A. Alexender Lucie, 12 April, 2018, Catholicher Ald. Co. UK.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.