الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد خطاب الاستعمار وما بعد الاستعمار في رواية موسم الهجرة إلى الشمال .. بقلم: عبد المنعم عجب الفَيا
نشر في سودانيل يوم 10 - 12 - 2020

برز في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، اتجاه جديد في حقلي النقد الأدبي والدراسات الثقافية أطلق عليه "نقد خطاب ما بعد الاستعمار" Post-Colonial Criticism أو مدرسة "دراسات ما بعد الاستعمار" Post-Colonial Studies وذلك بتأثير مباشر من كتابات إدوارد سعيد وبخاصة كتابه الأشهر "الاستشراق" 1978، والآخر المكمّل له "الثقافة والإمبريالية" 1993.
ويكرِّس هذا الاتجاه جهده لدراسة ونقد خطاب الاستعمار وما بعد الاستعمار في سبيل مناهضة ورفض الهيمنة الإمبرياليّة والمركزيّة الثّقافية الغربيّة والتحرّيض على الاستقلال السياسي والثقافي والتحرّر الوطني، منتقداً نظرة الآخر الغربي الفوقيّة والعرقيّة للشعوب التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار الأوربي، إلى جانب إثارته لقضية الهوية الوطنية وإشكالات التغيير الاجتماعي والثقافي التي تطال المجتمعات التقليديّة والناجمة عن الأخذ بأسباب التقدم المادي الذي توفّره الحضارة الغربيّة(1).
ويمتدّ مفهوم (نقد ما بعد الاستعمار) ليشمل النتاج الأدبي الذي يعكس خيبة الأمل التي مُني بها أبناء المستعمرات بعد جلاء الاستعمار وتولّي الوطنيين مقاليد الأمور بسبب سوء الإدارة والفساد والاستبداد، والتكالب على السلطة والجري وراء المصالح الشخصيّة، وإهمال القضايا التي ضحّوا من أجلها في سبيل الاستقلال(2).
وكلّ هذه القضايا التي يثيرها هذا الاتجاه، قد قُتلت بحثاً على مستوى الإبداع والتنظير، وكانت مطروحة باستمرار، منذ مطالع القرن العشرين على أقل تقدير. ولذلك يمكننا القول إنّ المضامين والمفاهيم والدلالات التي ينطوي عليها نقد خطاب الاستعمار وما بعده، ليست جديدة وإنما الجديد المصطلح.
ففي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كان هنالك مثلاً فرانز فانون، وايمي سيزار، وسنغور، والشيخ انتا ديوب، وأنور عبدالملك، وسمير أمين، وجمال محمّد أحمد، وغيرهم كثر، يعرضون رؤاهم وبحوثهم المغايرة للخطاب الاستعماري والاستشراقي والناقدة لنظرة الآخر الغربي لتاريخهم وثقافتهم.
وفي مجال الإبداع الأدبي كان هنالك ايمي سيزار أيضاً، واشنوا اشيبي، ونقوقي واسنقو، وكمارا لي، وآرماه، والطيّب صالح وغيرهم، يصدرون في كتاباتهم الابداعية عما يسمى ب Write Back أي الكتابة المضادّة وهي أحد مفاهيم النقد ما بعد الكولونيالي، والتي تتأسس على أن "الآخر غير الأوربي كان دوماً موضوعاً للاكتشاف والاستيلاء وقد جاء دور أدباء المستعمرات السابقة ليكتبوا عن مجتمعاتهم وقضاياها كما يعرفونها، وبعيونهم هم لا بعيون الآخرين"(3).
فقبل أن ينتقد إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق" صورة الشرق في الذهنيّة الأوروبية ويصفها بأنّها صورة متخيلة ولا تمثّل الشرق الحقيقي، كان تحطيم صورة الشرق المتخيل في الذهنيّة الأوروبية وكشف العلاقة الوهمية بين الشرق والغرب، أقوى دوافع الطيّب صالح لكتابة رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) والتي صدرت سنة 1966.
عن ذلك يقول الطيب صالح في حوار نشر سنة 1976 أي قبل صدور كتاب (الاستشراق) بثلاث سنوات:
"حينما فكرت في كتابة، رواية موسم الهجرة إلى الشمال، كانت تدور في ذهني فكرة العلاقة الوهميّة بين عالمنا للعربي الإسلامي والحضارة الغربية. إنّ هذه العلاقة تبدو لي من خلال مطالعاتي ودراساتي علاقة قائمة على أوهام من جانبنا ومن جانبهم. والوهم يتعلّق بمفهومنا عن أنفسنا أولاً، ثمّ ما نظنّ في علاقتنا بهم، ثمّ نظرتهم إلينا من ناحية وهمية"(4).
غير أن الطيب صالح قد اتبع في بناء الرواية استراتيجيّة معقدة، وتكنيكاً مزدوجاً للكشف عن هذه الأوهام. ومن ذلك أنّه يوظّف هذه الأوهام في العلاقة بين العالمين، ظاهريًّا كسلاح في غزوات مصطفى سعيد الرمزيّة للثأر من المستعمر من خلال الإيقاع بنسائه في حبال فحولته، ويمضى مع هذه الأوهام حتى النهاية لا لتثبيتها؛ وإنّما لفضح زيفها وخداعها وكذبها.
فالبخور والند والصندل وريش النعام أوهام يستخدمها في اصطياد الفتيات الإنجليزيات. إنّه يستغل ولعهن بالغرائبي والعجائبي والبدائي السحري وكل ما هو مغاير لثقافتهن الغربية. وكان يعلم نقطة الضعف هذه فيهن فاستغلها إلى أبعد الحدود. فكنّ يقعن في حباله بكلّ سهولة، ويعشن في الوهم لفترات قصيرة، وما يلبثن أن يفقن من الحلم الجميل، فينتهين نهايات مأساوية.
ويشرح الطيب صالح استراتيجيته المزدوجة في تعرية الأوهام بقوله إنّه قَبِل في البداية في كتابة الرواية: "بكل الافتراضات الخاطئة عند الأوروبيين. عندما تقرأ كتب الرحالة الأوروبيين لأفريقيا خلال القرن التاسع عشر تجد أنّهم يتكلمون عن الأفريقي على أنّه كسلان، وكذّاب، وأنّه يتعامل كطفل، وأنّه ناكر الجميل، وأنّ همّه الجنس. وهكذا فأنا وضعت هذه الافتراضات على الشخصيّة الأساسيّة؛ لكن على أمل أنّه في نقطةٍ ما يضطر القاريء الأوروبي إلى أن يراجع هذه الاتهامات. كما أنّ القاريء العربي أيضًا لا يستسلم للوهم"(5).
أي أنه عمد في البداية، في رسم شخصية مصطفى سعيد، أن يجاري ظاهريًّا الصورة الوهمية للشرقي والأفريقي في المخيلة الأوروبية ليكشف القارئ العربي والأوربي في النهاية من خلال تطور الأحداث في الرواية زيف وكذب هذه الصورة. غير أن الكثير من القرّاء العرب خيّب ظنّ الطيّب صالح فاستسلموا للوهم، وتوقّفوا عند الجانب البوهيمي من شخصيّة مصطفي سعيد، ولم يفطنوا إلى الاستراتيجية المزدوجة والملتبسة التي كتب بها الطيّب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال"؛ فأساءوا قراءة الرواية، واختزلوها في الجنس. إنّ الجنس في الرواية ليس مقصودًا في ذاته، إنّه دالة رمزيّة لكشف صورة الآخر في الوعي الأوروبي.
فالطيّب صالح لم يكتب عن الجنس بغرض الإغراء والإثارة السطحيّة المجانيّة، كما يُخيل إلى البعض. ولم يكتب قصّة مصطفى سعيد لإغواء الشباب المهاجرين إلى أوروبا ليفعلوا كما فعل مع الفتيات الإنجليزيّات، بل العكس هو الصحيح. إنّه يكتب ليقول للأنا وللآخر، لا، ليست هذه هي الطريقة الصحيحة في التعاطي مع الآخر. فهذا الطريق لا يقود إلا إلى المأساة، كما قاد مصطفى سعيد إلى القتل والسجن.
غير أن الوهم لا يقتصر على الجانب الأوروبي فقط، فالشرق له أوهامه عن الغرب. فكما أن للأوروبيين أوهام عنّا، فنحن أيضاً لنا أوهام عنهم كما يقول الطيّب صالح. لقد كان مصطفى سعيد واهمًا حينما ظنّ أنّ الانتقام من المستعمر عن طريق الغزوات النسائيّة يمكن أن يردّ له بعض كرامته. فهو يتصوّر أنّ مفهوم الشرف عند الشرقي العربي هو نفسه عند الغربيين. لذلك أوحت له غريزته الفحولية ومفهومه الشرقي للشرف أنّ التفوّق الأكاديمي والنبوغ العلمي ليس كافيًا لإشباع إحساسه بالتفوّق وردّ الاعتبار لبلده.
فهدت مصطفى سعيد عقليته الذكوريّة إلى أن يطلب الثأر بهتك عرض الأوروبيين، فذهب لينغمس في حياة بوهيميّة مع الفتيات الإنجليزيات، ولسان حاله يقول: "نعم يا سادتي، إنّني جئتكم غازيًا في عقر داركم. قطرة من السمّ الذي حقنتم به شرايين التاريخ".
ولكن سرعان ما يتكشّف له وهم الفحولة ووهم الشرف الشرقي عند الغربيين. فقد جاء ذوو الضحايا اللائي أراد أن ينتقم منهن بانتهاك شرفهن وكرامتهن، جاءوا إلى المحكمة، لا ليطالبوا بالقصاص منه، ولكن ليصفحوا عنه، ويتلمّسوا له الأعذار.
فزوج إيزابيلا سيمور، جاء شاهد دفاع لا اتهام: "حين خطا إلى منصة الشهادة في المحكمة تعلّقت به الأبصار. كان رجلاً نبيل الملامح، رأسه أشيب يكلّله الوقار. وتجلس على سمته مهابة لا مراء فيها. قال في الصمت الذي خيّم على المحكمة: "الإنصاف يحتمّ عليَّ أن أقول إنّ إيزابيلا زوجتي كانت تعلم بأنّها مريضة بالسرطان. كانت في الآونة الأخيرة قبل موتها تعاني من حالات انقباض حادّة. قبل موتها بأيّام اعترفت لي بعلاقتها بالمتهم؟ قالت إنّها أحبّته وأنّه لا حيلة لها. كانت طوال حياتها معي مثال للزوجة الوفيّة المخلصة. وأنا بالرغم من كلّ شيء لا أحسّ بأيّ مرارة في نفسي، لا نحوها ولا نحو المتهم. إنّني فقط أحسُّ بحزن عميق لفقدها". انتهى.
وعلى ذات المنوال جاءت شهادة الكولونيل همند والد آن همند: "ذكر لهم زيارتي لهم في ليفربول، وأنّني تركت في نفسه أثرًا حسنًا، وقال إنّه يعتبر نفسه إنسانًا متحرّرًا ليس عنده تحيّز ضدّ أحد، ولكنّه رجل واقعي وقد كان يرى أن زواجًا من ذلك لن ينجح. وقال أيضًا إنّ ابنته آن وقعت تحت تأثير الفلسفات الشرقيّة في أكسفورد، وكانت متردّدة بين اعتناق البوذيّة أو الإسلام، وهو لا يستطيع أن يجزم إذا كان انتحارها بسبب أزمة روحيّة انتابتها أو لأنّها اكتشفت خداع مستر مصطفى سعيد لها". انتهى.
ويبدي مصطفى سعيد استغرابه لهذا السلوك الحضاري؛ ولكنّه لا يملك إلا أن يفسّره في ظلّ الصراع بين عالمين. فمثل هذه المواقف الإنسانيّة التي تتجاوز التصنيفات الثنائية الجاهزة لا مكان لها في قاموسه حيث يعلق على شهادة والدها:
"كانت آن ابنته الوحيدة وقد عرفتها وهي دون العشرين فخدعتها وغرّرت بها، وقلت لها نتزوج زواجًا يكون جسرًا بين الشمال والجنوب، وحوّلت جذوة التطلّع في عينها الخضراوين إلى رماد. ومع ذلك يقف أبوها وسط المحكمة ويقول بصوت هاديء إنّه لا يستطيع أن يجزم. هذا هو العدل وأصول اللّعب، كقوانين الحرب والحياد في الحرب. هذه هي القوّة التي تلبس قناع الرحمة". انتهى.
إنّ الوعي بطبيعة العلاقة الوهميّة بيننا والآخر الغربي هو ما يعطي "موسم الهجرة إلى الشمال" فرادتها وتميّزها عن الروايات التي سبق أن تناولت موضوع العلاقة بين الشرق والغرب، والتي كتبت في عصر النّهضة العربيّة، في مطالع القرن العشرين، مثل "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، و"الحي اللاتيني" لسهيل إدريس، و"قنديل أم هاشم" ليحيى حقي.
فهذه الأعمال كتبت في مرحلة يصفها الطيّب صالح بمرحلة الاندهاش بالغرب، أو ما يسمّيه هو بالمرحلة الرومانتيكيّة في العلاقة مع الغرب. لذلك خلت هذه الروايات من صداميّة اللّقاء بين الشرق والغرب، ودراميته، بخلاف "موسم الهجرة إلى الشمال" التي جاء اللّقاء فيها بين العالمين يتّسم بالعنف والشراسة.
من هنا يأتي تمييز رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" فكريًّا وفنّيًا على الأعمال الروائيّة العربيّة التي سبقتها في تناول موضوع الصراع بين الغرب والشرق بشكل عام. ومن ذلك أنّ بطل الرواية يرفض أن يمتثل للحضارة الغربيّة بشروطها، كما يرفض أن يمتثل لواقع مجتمعه بشروط الماضي وتقاليده(6).
والفارق كما يراه الطيّب هو فارق مراحل: "فهؤلاء الأساتذة الكبار كتبوا رواياتهم: يحيى حقي، وتوفيق الحكيم، وسهيل إدريس. هؤلاء كتبوا في المرحلة التي أسميها الاندهاش بالغرب. كانت تلك المرحلة تتميّز بأنّنا نظنّ علاقتنا بالغرب علاقة رومانتيكيّة، لم تتغلغل فيها مظاهر الفكر الأجنبي إلى أعماقنا الإنسانية"(7).
الصراعات بين الشرق والغرب في تلك الروايات كانت تنبني: "على أسوأ الفرضيات، شخص يحب فتاة في باريس، أو حيثما كان، ويحزن ويودعان بعضهما بالدموع. وكان هذا مقبولاً. هذا لا غبار عليه. ولا يلبث أن يدرك بأنّه ينتمي إلى بيئة، ولكن هذا الانتماء لم يكن من العمق بحيث يدرك الاختلافات الجوهريّة الحقيقيّة أو حتى وجوه الشبه. هنالك أيضًا وجوه شبه من الناحية الإنسانيّة"(8).
أمّا الآن، يقول الطيب صالح، فإننا "نحطم الأوهام، وقد نجد علاقة سويّة كما يحصل الآن. الشرق والبخور والعطور مجرد أوهام"(9). فبعد جلاء الاستعمار الأوروبي وبعد أن تغلغلت الحضارة الغربية في مجتمعات البلدان المحرّرة "وأصبحت جزءًا من تكويننا السيكولوجي والثّقافي، أردنا ذلك أم لم نرد"(10).
وهذا صحيح إلى حد كبير، فبعد أن انقشعت الأوهام وزال التوتر بين مثقفي هذه البلدان والغرب إلى حدٍّ كبير، وصار التعاطي مع الآخر الغربي أكثر اتزانًا وسويّةً ونديةً وواقعية.
نقد خطاب الاستعمار:
عمد الطيب صالح إلى التعبير عن أفكاره في الرواية من خلال شخصيتين رئيسيتين في الرواية يمثلان مرحلتين مختلفتين من مراحل الصراع الحضاري بين الشرق العربي وإفريقيا من ناحية، وبين أوربا من ناحية أخرى.
المرحلة الأولى، مرحلة الاحتلال والمقاومة أي مرحلة نقد (خطاب الاستعمار) ويمثّلها مصطفى سعيد. والمرحلة الثانية مرحلة الاستقلال وما بعده، أي مرحلة نقد (خطاب ما بعد الاستعمار) ويمثّلها الراوي. وكلٌّ منهما هاجر إلى أوروبا وتخرّج في جامعاتها وعاد إلى بلده ولكن بطريقة مختلفة ورؤى مختلفة.
فقد ولد مصطفى سعيد بالخرطوم في 17 أغسطس 1898 في ذات السنة التي أكمل فيها الجنرال الإنجليزي اللورد كتشنر احتلال السودان بعد أن هزم جيوش الدولة المهدية في توشكي وأتبرا وكرري.
وتلقّى مصطفى سعيد تعليمه الابتدائي في كلّية غردون، وهي أوّل مدرسة أنشأها الإنجليز في الخرطوم تخليداً لذكرى لورد غردون الذي قتله أنصار الإمام المهدي، كانت: "كلية غردون مدرسة ابتدائية، كانوا يعطونها من العلم ما يكفي فقط لملء الوظائف الحكومية الصغرى". هكذا يصفها أحد زملاء مصطفى سعيد بهذه المدرسة، والتي تحوّلت فيما بعد إلى كلّية جامعيّة.
ويلخّص الزميل المتحدّث سياسة الإنجليز من تعليم الوطنيين في ذلك الوقت بقوله: "أوّل ما تخرجت اشتغلت محاسباً في مركز الفاشر، وبعد جهدٍ جهيد قبلوا أن أجلس لامتحان الإدارة، وقضيت ثلاثين عاماً نائب مأمور، تصوّر! وقبل أن أُحال على المعاش بعامين اثنين فقط رقّيت مأموراً، كان مفتش المركز الإنجليزي إلهاً يتصرّف في رقعةٍ أكبر من الجزر البريطانيّة كلّها، يسكن في قصر طويل عريض مملوء بالخدم ومحاط بالجنود، وكانوا يتصرّفون كالآلهة، يسخروننا نحن الموظّفين الصّغار أولاد البلد لجلب العوائد ويتذمّر النّاس منّا، ويشكون إلى المفتّش الإنجليزي، وكان المفتّش الإنجليزي طبعاً هو الذي يغفر ويرحم، هكذا غرسوا في قلوب النّاس بغضنا، نحن أبناء البلد، وحبّهم هم (المستعمرين الدخلاء)".
هكذا يصور زميل مصطفى سعيد بالمدرسة الابتدائية سياسية الانجليز من تعليم أبناء البلد، وهذه هي نفسها نظرة مصطفى سعيد إلى دافع الإنجليز من فتح المدارس: "البواخر مخرت عرض النّيل أوّل مرّة، تحمل المدافع، لا الخبز، وسكك الحديد أنشئت أصلاً لنقل الجنود، وأنشأوا المدارس ليعلّمونا كيف نقول نعم بلغتهم".
كان مصطفى سعيد نابغة، فقد قطع المرحلة الابتدائية في أقلّ من السنوات المقررة، ولمّا كان التعليم الابتدائي أقصى ما يمكن أن يصل إليه الفرد في تلك الفترة، ابتعث بسبب نبوغه إلى القاهرة لإكمال تعليمه، ثمّ إلى لندن التي وصلها سنة 1916 للالتحاق بجامعة أكسفورد حيث يتفوّق في دراسته، ويُعيّن بعد تخرّجه في ذات الجامعة محاضراً في الاقتصاد، وهو في سنّ الرابعة والعشرين.
إلى جانب تفوّقه الأكاديمي كان مصطفى سعيد ناشطاً سياسيّاً وفكريّاً، فقد كان رئيساً لجمعية تحرير إفريقيا، وعضواً في الحركة الاشتراكيّة الفابيّة، وقد ألّف العديد من الكتب في مناهضة الاستعمار والهيمنة الإمبرياليّة. كتب: "اقتصاد الاستعمار"، "الاستعمار والاحتكار"، "الصليب والبارود" و"اغتصاب إفريقيا"، حتى حظي بفضل هذا التفوّق الأكاديمي والنشاط الفكري باحترام المجتمع البريطاني، وربطته صداقات وثيقة بالأوساط اليساريّة والارستقراطيّة.
ومع ذلك، كان مصطفى سعيد يحس في دخيلته أنّ ذلك ليس كافياً لإشباع طموحه بالتفوّق وردّ الاعتبار لكرامة بلده، فتقوده غريزته الفحوليّة إلى طريقٍ آخر في الثأر وردّ الاعتبار، الطريق الملتوي (حسب وصف الرواية)، فينغمس في حياة بوهيميّة مع الفتيات الإنجليزيات ظنّاً منه أنّ الثأر للكرامة لا يكون إلا بهتك عرض الأوربيين، كان لسان حاله يقول:
"نعم يا سادتي، إنّني جئتكم غازياً في عقر داركم، قطرة من السمّ الذي حقنتم به شرايين التاريخ،" وكان يقول: "سأحرّر إفريقيا ب..." أي بفحولتي.
سألته ايزابيلا سيمور التي التقاها في ركن الخطباء في حديقة هايدبارك تستمع إلى خطيب يتحدّث عن مشكلة الملوّنين، عن بلده "فرويت لها حكايات ملفقة عن صحارى ذهبيّة الرمال وأدغال تتصايح فيها حيوانات لا وجود لها. قلت لها إنّ شوارع عاصمة بلادي تعجّ بالأفيال والأسود، وتزحف عليها التماسيح عند القيلولة. وكانت تستمع إليَّ بين مصدقة ومكذبة، وأحيانًا تصغي إليَّ في صمت وفي عينيها عطف مسيحي. وجاءت لحظة أحسست فيها أنّني انقلبت في نظرها مخلوقًا بدائيًّا عاريًا يمسك بيده رمحًا وبالأخرى نشّابًا يصيد الفيلة والأسود في الأدغال". انتهى.
ثم دعاها لكي يتمشيا قليلاً. قالت له: "هذا لقاء عجيب، ورجل غريب، لا أعرفه، يدعوني. هذا لا يجوز ولكن.. صمتت. ثمّ قالت: "نعم، لم لا؟ هيئتك لا تدلّ على أنّك من أكلة لحوم البشر". قال لها وموجة الفرح تتحرّك في جذور قلبه: "ستجدين أنّني تمساح عجوز سقطت أسنانه، لن أقوى على أكلك حتى لو أردت".
في بيته: "لفحتها رائحة الصندل المحروق والند فملأت رئتيها بعبير لم تعلم أنّه عبير قاتل". وعندما استسلمت له كانت تناجيه قائلة: "اقتلني أيّها الغول الأفريقي. أحرقني في نار معبدك أيّها الإله الأفريقي الأسود. دعني أتلوى في طقوس معبدك العربيدة المهيجة".
وإضافة للطقوس الفلكلورية كان مصطفى سعيد يتوسّل للإيقاع بضحاياه بالحديث في الدين والفلسفة وروحانيات الشرق، وينقد الرسم، ويقرأ الشعر، ويفعل كلّ شيء حتى يدخل المرأة إلى فراشه.
آن همند كانت صيدا سهلاً، لأنّها كانت تدرس اللغات الشرقيّة في أكسفورد وتريد أن تصبح مستشرقة. ولكنّ الشرق في ذهنها هو ذلك الشرق الرومانسي. شرق العجائب وألف ليلة وليلة، شرق شهريار وشهرزاد وبلاد الواق واق، شرق "سقاة الكأس من عهد الرشيد".
يقول عنها: "رأتني فرأت شفقًا داكنًا كفجرٍ كاذب. كانت، عكسي، تحنّ إلى مناخات استوائيّة وشموس قاسية وآفاق أرجوانيّة. كنت في عينيها رمزًا لكلّ ذلك الحنين". "كانت تدفن وجهها تحت إبطي وتستنشق كأنّها تستنشق دخانًا مخدّرًا. وجهها يتقلّص باللذة وتقول كأنّها تردد طقوس في معبد: أحبّ عرقك أريد رائحتك كاملة. رائحة الأوراق المبتلة في غابات أفريقيا. رائحة المنقة والباباي والتوابل الاستوائيّة. رائحة الأمطار في صحارى بلاد العرب". انتهى.
وكان مصطفى سعيد قد التقى آن همند إثر محاضرة ألقاها في أكسفورد عن أبي نواس: "قلت لهم إنّ عمر الخيام لا يساوي شيئًا إلى جانب أبي نواس. وقرأت لهم من شعر أبي نواس في الخمر بطريقة خطابيّة مضحكة زاعمًا لهم أنّها الطريقة التي كان الشعر يُلقى بها في العصر العباسي. وقلت في المحاضرة إنّ أبي نواس كان متصوّفًا وإنّه جعل من الخمر رمزًا حمّله جميع أشواقه الروحية وإنّ توقه إلى الخمر في شعره كان في الواقع توقًا إلى الفناء في ذات الله..".
"كنت ملهمًا تلك الليلة أحسّ بالأكاذيب تتدفق على لساني كأنّها معانٍ سامية. وكنت أحسّ بالنشوة تسري منّي إلى الجمهور فأمضي في الكذب. وبعد المحاضرة التفوا حولي: موظّفون عملوا في الشرق، ونساء طاعنات في السنّ مات أزواجهن في مصر والعراق والسودان، ورجال حاربوا مع كتشنر واللنبي، ومستشرقون وموظّفون في وزارة المستعمرات، وموظّفون في قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجيّة".
ومن بين هذا الجمع اندفعت آن همند: "فجأةً رأيتُ فتاةً في الثامنة أو التاسعة عشر تثب نحوي وثبًا مخترقةً الصفوف، وطوّقتني بذراعيها وقبّلتني، وقالت باللغة العربية: أنت جميل تجلّ عن الوصف، وأنا أحبّك حبًّا يجلّ عن الوصف. قلت لها بعاطفة أخافتني حدّتها: وأخيرًا وجدتك يا سوسن! إنّني أبحث عنك في كلّ مكان، وخفت ألا أجدك أبدًا. هل تذكرين؟ قالت بعاطفة لا تقلّ عن عاطفتي حدّة: كيف أنسى دارنا في الكرخ في بغداد على ضفّة نهر دجلة أيّام المأمون؟ أنا أيضًا تقفّيت أثرك عبر القرون ولكنّني كنت واثقة أنّنا سنلتقي. وهأنتذا يا حبيبي مصطفى. لم تتغيّر منذ افترقنا". انتهى.
وعندما دخلت بيته بلندن لأول مرة، ركعتْ وقبّلت قدمه وقالت: "أنت مصطفى مولاي وسيّدي، وأنا سوسن جاريتك. هكذا كلّ واحد منا اختار دوره في صمت هي تمثّل دور الجارية وأنا أُمثّل دور السيّد. لبستُ أنا عباءةً وعقالاً، وتمددتُ على السرير. فجاءت ودلكت صدري وساقي ورقبتي وكتفي. فقلت بصوت آمر: تعالي. فأجابتني بصوت خفيض: سمعًا وطاعةً يا مولاي. في غمرة الوهم والسُكر والجنون أخذتها فقبلت. لأنّ الذي كان بيننا كان منذ ألف عام. وجدوها في شقتها في هامستيد ميتة انتحارًا بالغاز ورسالة تقول: مستر سعيد لعنة الله عليك". انتهى.
كذلك كانت من بين ضحايا مصطفى سعيد، من نساء الإنجليز، إيزابيلا سيمور، التي قالت له: "المسيحيون يقولون إنّ إلههم صُلب ليحمل عنهم وزر خطاياهم. إنّه إذن مات عبثًا، فما يسمونه الخطيئة ما هو إلا زفرة الاكتفاء بمعانقتك يا إله وثنيتي. أنت إلهي ولا إله غيرك. لا بد أنّ هذا سبب انتحارها، وليس مرضها بالسرطان. كانت مؤمنة، حين قابلته، كفرت بدينها وعبدت إلهًا كعجل بني إسرائيل. يا للغرابة! يا للسخرية! الإنسان لمجرد أنّه خُلِق عند خطّ الاستواء، بعض المجانيين يعتبرونه عبدًا، وبعضهم يعتبرونه إلهًا. أين الاعتدال؟ أين الاستواء؟" انتهى.
أمّا شيلا غرينود، ضحية أخرى، فقد كانت خادمة في مطعم بحي سوهو بلندن، فيقول عنها: "جذبها عالمي الجديد عليها دوّختها رائحة الصندل المحروق والند ووقفت وقتًا تضحك لخيالها في المرآة، وتعبث بعقد العاج الذي وضعته كأنشوطة حول جيدها الجميل. كانت تلحس وجهي بلسانها وتقول لي: لسانك قرمزي بلون الغروب في المناطق الاستوائية. تتأملني كلّ مرة وكأنّها تكتشف شيئًا جديدًا. تقول لي: ما أروع لونك الأسود لون الغموض والسحر والغموض والأعمال الفاضحة. دخلت غرفة نومي بتولاً بكرًا، وخرجت منها تحمل جرثوم المرض في دمها. ماتت دون أن تنبس ببنت شفة". انتهى.
امرأة واحدة لم تستسلم للوهم، إنّها جين موريس. كلّ النساء، آن همند وإيزابيلا سيمور وشيلا غرينود، استسلمن بسهولة. وقعن في شباكه. دوّختهن رائحة الصندل والبخور والند، وجذبهن عالمه السحري الغرائبي وكانت نهايتهن كلّهن مأساوية، "لأنهنّ أردن أن يسرن عكس حركة التّاريخ، واتّجاه النّهر، وطلبن الجنوب/الشرق وهنّ من الشمال في عصر هو عصر الهجرة إلى الشمال. كنّ كلهنّ طرائد وهو الصيّاد"(11).
أمّا جين موريس، زوجته "فقد أرغمته على أن يعكس الأدوار وأن يتحوّل من صيّاد إلى فريسة من جديد. كلاّ، المدينة لم تتحوّل إلى امرأة، ولندن ليست مدينة مفتوحة، وجين موريس لها أسنان لبوة وأظافر كالمخالب، وساقان لا تفتحهما إلا لتركله بين فخذيه ركلاً عنيفًا حتى يغيب عن الوعي"(12).
وهنا فإنّي اتّفق تمامًا مع تأويل النّاقد والمفكّر جورج طرابيشي لرمزيّة استعصاء جين موريس على مصطفى سعيد. فهي لم تستعصِ عليه لأنّها عصيّة المنال، وإنّما لأنّه كان عليه أن يؤدّي ثمن وصالها. وثمن وصالها باهظ أهون منه الموت. ومع ذلك قبل أن يدفعه صاغرًا. ولمّا دفعه كانت مكافأته الوحيدة منها ركلةً بين فخذيه أذهبته في غيبوبة. فالزهريّة الثمينة، والمخطوط العربي النادر، ومصلاة الحرير الأصفهاني؛ هي الثمن الذي تصرّ جين موريس على أن تتقاضاه، وهي، إن أخذت مجتمعةً، ربّما تمثّل القيم التي تصرّ على أن تحطمها وتدوسها بقدميها قبل أن تهب مصطفى سعيد نفسها. إنّ الحضارة الغربية لا تسلّم نفسها لطالبها الآتي من الشرق أو الجنوب إلا إذا خلعته من تاريخه وقطعته عن ماضيه وجردته من تراثه وقصمته عن شخصيته الحضاريّة"(13).
الحضارة الغربية، والحديث لجورج طرابيشي "لا تقوم إلا على أشلاء الحضارات الأخرى. فجين موريس، حتى بعد أن تزوجها مصطفى سعيد، كانت في سلوكها أشبه بالعاهر. كانت في عهرها رمزًا إلى دعوتها العالميّة، فهي تستأثر بمصطفى سعيد لكنّه لا يستطيع أن يستأثر بها. إنّه لها وهي للجميع. ليس في العالم سوى جين موريس واحدة وفيه، بالمقابل لها، من شتى أرجائه طلابٌ كثرٌ من أنداد مصطفى سعيد. إنّ عالم جيم موريس هو قبلة العالم"(14).
فلو كان مصطفى سعيد فردًا، كما يقول طرابيشي، لكان ملّ الطراد قبل الزواج والصدود والهوان. لكن مصطفى سعيد لم يكن شخصًا بل كان جيلاً: ذلك الرعيل الأوّل من روّاد الهجرة الذين أصابتهم عدوى الرحيل فأسلسوا قيادهم كملوك المجوس لنجمة الشمال تقودهم أنّى شاءت ولو إلى حتفهم. لم تكن هنالك طريقة أخرى لامتلاك جين موريس غير اغتيالها مثلما لا يلتقي الفلك فلكًا إلا ويفجره. جين موريس كانت عالَمًا ومصطفى سعيد كان عالَمًا مختلفًا. ولم يكن بين العالمين من سبب غير الصراع والعنف. لم يكن هذا العنف ابن يومه، بل يعود تاريخه "إلى ألف عام"(15).
وهكذا يقود الطريق "الملتوي" حسب وصف الرواية، الذي انتهجه مصطفى سعيد في التحرّر والانتقام إلى المأساة وإلى الفشل؛ إذ يتسبّب في انتحار ثلاث نساء إنجليزيّات وفي قتل من يتزوّجها، فيُقدّم إلى المحاكمة ويحكم عليه بالسجن سبع سنوات، وبعد خروجه من السجن يتشرّد في أصقاع الأرض، ويقرّر أخيراً العودة إلى السودان، ولكنّه لا يعود إلى الخرطوم ليخوض غمار الحياة المدنيّة، ويزاحم الأفنديّة في المناصب والوظائف الحكوميّة التي كانت متيسّرة في فترة "السودنة" التي أعقبت الاستقلال؛ بل يختار قرية نائية في شمال السودان ليستقرّ فيها، حيث يشتري مزرعة ويتزوّج وينجب ولدين، ويساهم في تطوير القرية عن طريق توظيف أفكاره الاشتراكيّة في إقامة جمعيّة تعاونيّة، واستحداث إدارة جماعيّة للمشروع الزراعي، وإنشاء فرع للحزب الوطني الاشتراكي الديمقراطي بالقرية.
إلا أنّ مصطفى سعيد يختفي فجأة في أحد الفيضانات التي فُقِد فيها عدد من النّاس، وتبقى نهايته يلفّها الغموض، فليس مؤكّداً إن كان قد مات غرقاً في الفيضان، أم قرّر أن يُنهي حياته بتلك الكيفية.
نقد خطاب ما بعد الاستعمار:
قلنا في بداية المقال إن من انشغالات (نقد خطاب ما بعد الاستعمار) مناقشة قضية الهوية الوطنية وإشكالات التغيير الاجتماعي والثقافي والوقوف عند خيبات الأمل التي مُني بها أبناء المستعمرات بعد جلاء الاستعمار وتولّي الوطنيين مقاليد الأمور بسبب سوء الإدارة والفساد والاستبداد، والتكالب على السلطة والجري وراء المصالح الشخصيّة، وإهمال القضايا التي ضحّوا من أجلها في سبيل الاستقلال.
وقد طرحت (موسم الهجرة إلى الشمال) كل ذلك من خلال شخصية الراوي أو السارد وهو شخصية لا تقل أهمية في بناء الرواية عن مصطفى سعيد.
ينتمي الراوي إلى جيل ما بعد الاستقلال، ولكنه لم يكن له دور سياسي واضح في الرواية، فهو يمثّل فئة الأفنديّة التي اكتفت بالوظيفة الحكوميّة. فبعد عودته من أوربا، التي نال منها درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي، يلتحق موظّفاً بوزارة المعارف (التعليم). ومن خلاله نتعرّف على أوجه الحياة في السودان في ظلّ الأنظمة الوطنيّة التي تسلّمت السلطة من الإنجليز، كما نتعرّف من خلاله أيضاً على العلاقة بين الدول المستقلة والبلدان الأوربية التي كانت تستعمرها، وكيف أنّ بعض المثقّفين كان يرى في تلك العلاقة، نوعاً من الاستعمار الجديد.
لم يكن الراوي مسكونًا بهاجس الانتقام من المستعمر، ولم يكن يحمل هم تحرير بلده من الاحتلال الأوروبي. فقد خرج الاستعمار وتحرّرت البلاد من حكم الإنجليز. لذلك كانت تجربته في أوروبا مختلفة تمامًا عن تجربة مصطفى سعيد. بل إن الراوي لا يذكر شيئاً عن ذكرياته في أوروبا. فقد خلت حياته هنالك من ذلك التوتر الذي لازم مصطفى سعيد، وعاش حياةً عاديةً ليس فيها ما يستحقّ أن يتحوّل إلى قصّة أو رواية تُروى، يقول عن نفسه: "لقد عشتُ أيضًا معهم، ولكن على السطح لا أحبهّم ولا أكرههم. هنالك مثل هنا. لا أحسن ولا أسوأ. وكونهم جاءوا إلى ديارنا، لا أدري لماذا، هل معنى ذلك أن نُسمِّم حاضرنا ومستقبلنا".
فإذا كان مصطفى سعيد قد ربط بين تعلّم اللغة الإنجليزية والخضوع للاستعمار في قوله بالرواية: "البواخر مخرت عرض النيل أول مرة تحمل المدافع لا الخبز. وسكك الحديد أنْشئت أصلاً لنقل الجنود. وقد أنشأوا المدارس ليعلمونا كيف نقول نعم بلغتهم"،
فإن دراسة الراوي للغة الإنجليزيّة جاءت بمحض اختياره ودون إحساس بأيّ ذنب. لذلك كانت نظرته مغايره لنظرة مصطفى سعيد، إذ يقول: "سكك الحديد والبواخر والمستشفيات والمصانع والمدارس ستكون لنا. وسنتحدث بلغتهم دون إحساس بالذنب ولا إحساس بالجميل".
لقد تحرّر جيل الراوي من الروح الانتقاميّة التي حملها جيل مصطفى سعيد، وصار الاستعمار بالنسبة لهم مجرد ذكرى وتاريخ يُروى. حتى إن فكرة الغزو التي جاء بها مصطفى سعيد إلى أوروبا تبدو للراوي شيئاً يثير الضحك والأسى في ذات الوقت، يقول: "مصطفى سعيد قال لهم إنّني جئتكم غازيًا. عبارة ميلودراميّة ولا شك. لكن مجيئهم هم أيضًا لم يكن مأساة، كما نتصوّر نحن، ولا نعمة كما يتصوّرون هم. كان عملاً ميلودراميًا سيتحوّل مع مرور الأيّام إلى خرافة عظمى".
لقد صارت صورة الآخر الغربي عند جيل ما بعد المرحلة الكولونياليّة أكثر واقعيّة. وانقشع الضباب الذي كان يغلّف رؤيتنا لهم ورؤيتهم لنا ممّا مهّد لقيام علاقات إنسانيّة سويّة، على الأقل، على مستوى الأفراد، خاليةً من توترات الصراع الحضاري التي لازمت جيل مصطفى سعيد. فحينما عاد الراوي إلى أهله بعد غيبة في أوروبا دامت سبع سنوات، سألوه عن الأوروبيين وعن حياتهم: "دهشوا حينما قلت لهم إنّ الأوروبيين إذا استثنينا فوارق ضئيلة، مثلنا تماماً، يتزوّجون ويربّون أولادهم حسب التقاليد والأصول ولهم أخلاق حسنة، وهم عمومًا قوم طيّبون".
سأله محجوب: هل بينهم مزارعون؟ قال له في نفسه: "نعم بينهم مزارعون وبينهم كلّ شيء. منهم العامل والطبيب والمزارع والمعلّم مثلنا تماماً. يولدون ويموتون، وفي الرحلة من المهد إلى اللحد يحلمون أحلاماً بعضها يخيبوبعضها يصدق. يخافون من المجهول، وينشدون الحبّ، ويبحثون عن الطمأنينة في الزوج والولد. فيهم أقوياء وبينهم مستضعفون. بعضهم أعطته الحياة أكثر ممّا يستحق، وبعضهم حرمته الحياة. ولكنّ الفروق تضيق، وأغلب الضعفاء لم يعودوا ضعفاء". انتهى.
وبعيد جلاء الإنجليز عن السودان، يدور نقاش في جلسة ببيت أستاذ بجامعة الخرطوم، بين الراوي والأستاذ الجامعي وموظّف إنجليزي في وزارة الماليّة بالخرطوم، يقول الموظّف الإنجليزي مخاطباً الأستاذ الجامعي بعد احتدام النقاش: "ها أنتم الآن تؤمنون بخرافات من نوع جديد خرافة التأميم والوحدة العربية، وخرافة الوحدة الإفريقيّة، إنّكم كالأطفال تؤمنون أنّ في جوف الأرض كنزاً ستحصلون عليه بمعجزة وستحلّون مشاكلكم وتقيمون فردوساً".
فيردّ الأستاذ الجامعي على الموظّف الإنجليزي: "لقد نقلتم إلينا مرض اقتصادكم الرأسمالي، ماذا أعطيتمونا غير حفنة من الشركات الاستعماريّة نزفت دماءنا وما تزال"، فيعقّب الرجل الإنجليزي: "كلّ هذا يدلّ على أنّكم لا تستطيعون الحياة بدوننا، كنتم تشكون من الاستعمار ولمّا خرجنا خلقتم أسطورة الاستعمار المستتر، يبدو أن وجودنا بشكل واضح أو مستتر ضروري لكم كالماء والهواء".
كان النقاش بين الرجلين ودّياً رغم احتدامه "فلم يكونا غاضبين، كانا يقولان كلاماً مثل هذا ويضحكان على مرمى حجر من خطّ الاستواء تفصل بينهما هوّة تاريخيّة ليس لها قرار". فقد زال التوتر في العلاقة بين المثقّفين والمستعمر، ذلك التوتر الذي وسم تجربة مصطفى سعيد.
لم يتدخّل الراوي في النقاش حول هذه النقطة، ولكنّه قال، في نفسه، معلّقاً على حديث الرجل الإنجليزي:
"هذا الرجل متعصّب بشكلٍ أو بآخر، الرجل الأبيض لمجرد أنّه حكمنا في حقبة من تاريخنا سيظلّ أمداً طويلاً يحسّ نحونا بإحساس الاحتقار الذي يحسّه القوي تجاه الضعيف، مصطفى سعيد قال لهم إنّني جئتكم غازياً، عبارة مليودراميّة ولا شك، لكنّ مجيئهم أيضاً لم يكن مأساة، كما نتصوّر نحن، ولا نعمة كما يتصوّرن هم، كان عملاً مليودراميّاً سيتحوّل مع مرور الأيّام إلى خرافة عظمى".
كذلك نتعرّف من الراوي على عمل الحكومات الوطنيّة التي جاءت بعد الاستقلال، وعلى الجوانب التي ينتقدها في عمل هذه الحكومات مثل الفساد الإداري والمالي وسوء استخدامهم للسلطة وسوء التخطيط، وتبديد موارد البلاد في خدمة المصالح الخاصة والنزوات الشخصيّة.
قال الراوي لمحجوب، عند زيارة له للقرية: "وزارة المعارف نظّمت مؤتمراً دعت له مندوبين عن عشرين قطراً إفريقياً لمناقشة سبل توحيد أساليب التعليم في القارة كلّها، كنت عضواً في سكرتارية المؤتمر".
يقول محجوب: "فليبنوا المدارس أوّلاً ثمّ يناقشوا توحيد التعليم، كيف يفكّر هؤلاء النّاس؟ يضيعون الوقت في المؤتمرات والكلام الفارغ، ونحن هنا أولادنا يسافرون كذا ميلاً للمدرسة".
فيقول الراوي في نفسه: "لن يصدّق محجوب لو قلت له إنّ سادة إفريقيا الجدد ملس الوجوه أفواههم كأفواه الذئاب تلمع في أيديهم ختم الحجارة الثمينة، وتفوح نواصيهم برائحة العطر، في أزياء بيضاء وزرقاء وسوداء وخضراء من الموهير والحرير الغالي تنزلق على أكتافهم كجلود القطط السياميّة، والأحذية تعكس أضواء الشمعدانات تصرّ صريراً على الرخام، لن يصدق محجوب أنهم تدارسوا تسعة أيّام في مصير التعليم في إفريقيا في قاعة الاستقلال، التي بنيت خصيصاً لهذا الغرض، وكلّفت أكثر من مليون جنيه".
"كيف أقول لمحجوب إنّ الوزير الذي قال في خطابه الضافي الذي قوبل بالتصفيق: يجب ألا يحدث تناقض بين ما يتعلمه التلميذ في المدرسة وبين واقع الشعب، كلّ من يتعلّم اليوم يريد أن يجلس على مكتب وثير تحت مروحة ويسكن في بيت محاط بحديقة ومكيف الهواء، يروح ويجيء في سيارة أمريكية بعرض الشارع، إنّنا إذا لم نجتث هذا الداء من جذوره تكوّنت عندنا طبقة برجوازيّة لا تمتّ إلى واقع حياتنا بصلة، وهي أشدّ خطراً على مستقبل إفريقيا من الاستعمار نفسه". انتهى.
ويستمر الراوي مخاطباً نفسه: "كيف أقول لمحجوب إنّ هذا الرجل بعينه يهرب أشهر الصيف من إفريقيا إلى فيلته على بحيرة لوكارنو، وإنّ زوجته تشتري حاجياتها من هارودز في لندن، تجيئها في طائرة خاصة، أعضاء وفده أنفسهم يجاهرون بأنّه فاسدٌ مرتشٍ، ضيّع الضياع وأقام تجارة وعمارة، وكوّن ثروة فادحة من قطرات العرق التي تنضح على جباه المستضعفين أنصاف العراة في الغابات! هؤلاء قومٌ لا همّ لهم إلا بطونهم وفروجهم، لا يوجد عدل في الدنيا ولا اعتدال، وقد قال مصطفى سعيد: "أنا لا أطلب المجد، فمثلي لا يطلب المجد"، لو أنّه عاد عودة طبيعيّة لانضم إلى قطيع الذئاب هذا، كلّهم يشبهونه، وجوه وسيمة ووجوه وسمتها النعمة". انتهى.
هكذا، يصوّر لنا الراوي، سخريّة الناس العاديين من الحكومات الوطنيّة المتعاقبة بعد الاستقلال، وخيبة أملهم فيها، إلى الدرجة التي باتوا يتحسرون فيها على خروج الإنجليز من البلاد:
"يقول عمي عبد المنان: حكومة كلام فارغ، كلّ الذي يفلحون فيه يجيئون إلينا مرة كلّ عامين أو ثلاثة بجماهيرهم ولواريهم ولافتاتهم، يعيش فلان ويسقط علان، كنّا مرتاحين أيّام الإنجليز من هذه الدوشة، وبالفعل يمر بنا جمع من النّاس في لوري قديم وهم يهتفون عاش الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي، هل هؤلاء النّاس الذين يطلق عليهم (الفلاحون) في الكتب؟ لو قلت لجدي إنّ الثورات تصنع باسمه، والحكومات تقوم وتقعد من أجله؛ لضحك. الفكرة تبدو شاذة فعلاً. كما أنّ حياة مصطفى سعيد وموته، في مكان مثل هذا، يبدو شيئاً صعباً تصديقه"انتهى.
رواية عصية على التصنيف:
وبعد، إذا كنا قد قدمنا هذه القراءة للرواية بمنظور نقد (خطاب الاستعمار وما بعد الاستعمار) فيجب أن نكون حذرين في تصنيفها. فهذه الرواية عصية على التصنيف كونها لا تأخذ قيمتها فقط من إثارة إشكاليّة الصراع الحضاري بين الشرق والغرب أو من مناجزتها للخطاب الإمبريالي.
ومن هنا فنحن نرى أن مشكل (النقد ما بعد الكولونيالي) إنه يقوم على تصنيف النصوص الأدبية حسب التحقيب الزمني واشتراكها في مناقشة قضايا الاستعمار والصراع الثقافي. وهذا التصنيف يمكن أن يصلح لتأريخ الأدب والدراسات الثقافية، لكنه لا يصلح في النقد الأدبي الذي يجب أن ينصرف إلى دراسة الخصائص الفردية لكل نص بعينه. فحشر كلّ النصوص في سلة واحدة لعلة اتّفاقها في معالجة موضوعة الاستعمار، مهما اختلفت طريقة المعالجة وزوايا النظر، يقضي على فرادة وخصوصية الكتابة الأدبيّة ومحو التمايز الإبداعي.
لذلك نقول إنّ الوجه السياسي للرواية (موسم الهجرة إلى الشمال) ليس وحده الوجه الذي يعطيها قيمتها وأهمّيتها وفرادتها؛ فهو ليس إلا وجهاً واحداً من وجوه عديدة، كقمّة جبل الجليد يُخفي تحته أعماقاً أخرى للرواية. فالرواية تستبطن مستويات وطبقات متعددة من المعاني والدلالات، مضفورة بحذق نادر، ومغلفة برمزيّةٍ شفّافةٍ ولغةٍ غنائيّةٍ فاتنة.
وهذه الطبقات والمستويات، متداخلة ومتشابكة، ومنفتحة على بعضها البعض، كلّ طبقة وكلّ مستوى يقود إلى الآخر في سهولةٍ ممتنعةٍ، ودون أن يطغى مستوى على آخر؛ ولذلك تعاورها النقّاد والباحثون من مختلف الاتجاهات الأدبيّة والنقديّة، من واقعيةٍ بمختلف مسمياتها، ونفسيّة تحليلية، ووجوديّة ورمزيّة وبنيويّة وتفكيكيّة، حداثية وما بعد حداثية، وما بعد كولونيالية، وغيرها.
فليس هناك رواية عربية كُتب عنها هذا الكم الهائل من الدراسات والبحوث الأكاديميّة من رسائل دكتوارة وماجستير وغيرها، مثل رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"، ومع ذلك ظلّت بكراً، كأنّها كُتبت لساعتها. فأنى جيئتها ومن أيّ النواحي أتيتها، وجدت الدرَّ كامناً في أحشائها، قارئاً هاوياً كنت، أو ناقداً محترفاً. إنها رواية لا يكاد ينقضي منها الوطر، فكلما عاودت قراءتها، تكشفت لك عن أبعاد جديدة، ووجدت نفسك كأنك تقرأها لأول مرة.
الهوامش:
1- The Cambridge Companion to Postcolonial Literary Studies, Edited by Neil Lazarus, 2010.p.1,2
2- http://en.wikipedia.org/wiki/Postcolonial_literature
3- Edward Said, Culture and Imperialism, Vintage Books. p.253,254
4- الطيّب صالح: حوار محي الدين صبحي وخلدون الشمعة، عبقري الرواية العربية، ص 125.
5- المصدر السابق، ص 135
6- المصدر السابق، ص 128.
7- المصدر السابق ص 129
8- المصدر السابق ص 129
9- المصدر السابق ص 130
10- المصدر السابق ص 125
11- جورج طرابيشي، موسم الهجرة إلى الشمال أو الجغرافيا التي قلبت معادلة التاريخ، ص 162.
12- المصدر السابق ص 163
13- المصدر السابق ص 163
14- المصدر السابق ص 165
15- المصدر السابق ص 166
المراجع:
1- إدوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، الطبعة الرابعة، 1995
2- إدوارد سعيد، الثقافة والإمبريالية، ترجمة كمال أبوديب، دار الآداب، الطبعة الثالثة 2004
3- The Cambridge Companion to Postcolonial Literary Studies, Edited by Neil Lazarus, 2010.
4- الطيب صالح، موسم الهجرة الى الشمال، دار العودة، بيروت، طبعة 1987.
5- الطيّب صالح: عبقري الرواية العربية، مجموعة كتاب، دار العودة، بيروت، الطبعة الأولى 1981
6- جورج طرابيشي، موسم الهجرة إلى الشمال أو الجغرافيا التي قلبت معادلة التاريخ، فصل بكتاب: (غرب وشرق، رجولة وأنوثة - دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية) دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 1982
7- يمنى العيد، زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، فصل بكتاب: (في معرفة النص) دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثالثة 1985
8- عبد المنعم عجب الفيا، في عوالم الطيب صالح، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 2010
9- عبد المنعم عجب الفيا، في الأدب السوداني الحديث، دار نينوى، دمشق، الطبعة الأولى 2011.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.