المعضلة التي لم تنتبه لها النخب السودانية أنها لم تجسر الهوة الفاصلة ما بين أعلى مستويات المعرفة في حيز الشعوب المتقدمة و مستوى الوعي المتدني في حيز الشعوب التقليدية و الشعب السوداني واحد من بين الشعوب التقليدية و مسألة قياس ارتفاع مستوى الوعي مسألة معقدة جدا و واحدة من المضحكات المبكيات أن نخبنا تعتقد أنها هي القادرة على فعل التغيير و في الحقيقة أن من يقوم بفعل التغيير هو الشعب و ليس النخب و القادة و المفكريين فدورهم هو من يلعب دور المسهل أو من يستطيع اماطة الأذى عن الطريق و هنا يبرز دور الشخصية التاريخية و قدرتها على إلتقاط بث المشاعر الاخلاقية للمجتمع و فك شفرتها بذكاء يقل نظيره. لذلك نجدهم أي المصلحيين الاجتماعيين يقومون بأفعال من لهم القدرة على انزال فكر من يجرؤ على فعل الشر و كما قيل قليل من الشر يعقبه الخير العميم و هنا تظهر عبقرية علي الوردي عالم الاجتماع العراقي في تفريقة ما بين الشخصية التاريخية كمارتن لوثر في القرن السادس عشر زمن الاصلاح الديني و بين من نظن متوهميين أنهم شخصيات تاريخية مثل الامام الصادق المهدي أي من أتت به الصدفة لأنه من احدى بيوت الطائفية. فجراءة مارتن لوثر على الكنيسة نجدها تقابل ميوعة الصادق المهدي في تلفيقه و توفيقه الكاذب الذي يحاول أن يحافظ به على الترقيع الذي قد أصبح صفة ملازمة للفكر في العالم العربي و الاسلامي منذ أن أدرك و بسبب صدمة الحداثة أن ثوابته قد اختلت بناها فاصبح التشنج بسبب صدمة الحداثة صفة ملازمة لفكر مفكري المجتمعات التقليدية كفكر الصادق المهدي. و هنا تلح علينا الدعوة أن نطلب من نخب السودان أن تفكر و بشكل جاد و مفارق لمضاربهم القديمة و قد تجلى فكرها لعقود أمتدت منذ ما بعد الاستقلال و هم في ضلالهم نتاج التيه الذي يصاحب خطاب الهويات القاتلة كما يقول أمين معلوف و هنا تزعفنا فكرة تاريخ الذهنيات و كيفية تحديد مفاصل انقلاب الزمان كما يقول أرنولد توينبي و في لحظات انقلاب الزمان يولد الفلاسفة و الحكماء و الانبياء. نقول ذلك و قد تجلى لكل ناظر لمشهد الفكر السوداني كساده الباين و اصرار النخب على تأبيد فكر من أتت بهم الصدفة لأنهم من بيوت طائفية لذلك غاب فكر الشخصيات التاريخية التي تستطيع تحديد مفاصل انقلاب الزمان و هذا ما غاب عن أفق فكر الامام الصادق المهدي و من يريدون تأبيده في ساحة الفكر السودانية في مبادرة جامعة الأحفاد و خلفها من من لهم مآربهم. و قطعا لم نفارق هذه المآتم و جو اللطم و البكائيات الخانقة اذا لم نعمل بفكرة القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد. ففكر الصادق المهدي لا يخرج من حيز الفكر السوداني الذي يقوّي جناحي الهويات القاتلة و هما جناحي الدين و العرق حينما يفرض علينا الايمان التقليدي الذي يجسده فكر الصادق المهدي في خضوعه للتقديس و التبجيل و مفارقته لفكرة دراسة الدين كظاهرة من الظواهر الاجتماعية على ضؤ العلوم الانسانية كنتاج لعقل الأنوار و كثمرة من ثمرات الحداثة في زمن يقول لنا مسار النشؤ و الارتقاء بأن الانسانية قد تجاوزت كل من العرق و الدين كجناحىن للهويات القاتلة. و عليه قد حان الوقت أن نقول لمن يريدون تعبيد الطريق لتأبيد فكر الصادق المهدي الذي لا يمثل غير الترقيع في مسألة العصر و الأصل و الحداثة و التقليد ان زمان الترقيع قد مضى فنحن في زمن الحداثة زمن عقل الأنوار و قد جاء بفضل اناس قد أجابوا على سؤال ما التنوير أمثال عمانويل كانط و بفضل اجابتهم على سؤال ما التنوير نجدهم قد أسسوا لأنثروبولوجيا الليبرالية و شجرة نسب الديمقراطية و حينها لم تعد الميتافيزيقا كأرض معركة كما يعتقد الامام الصادق المهدي. بل أن الديمقراطية كنتاج لفكر الليبرالية السياسية تعني تجسيد العدالة وفقا لمعادلة الحرية و العدالة روح الفكر الليبرالي نتاج العقلانية و عندما نتحدث عن العقلانية على الفور يخطر ببالنا مفهوم الدولة الحديثة و العلمانية كشقيقتين لا يفصل بينهما الا من لا يزال غارقا في وحل الفكر الديني كما رأينا الامام الصادق المهدي و كاريزميته التي لا توضح غير تقليدية المجتمع السوداني على ضؤ فكر ماكس فيبر و حديثة عن زوال سحر العالم و بعده لا يسود الايمان التقليدي كما يحاول الصادق المهدي تكريسه عندنا في السودان باصرار يخرجه من لعب دور الشخصية التاريخية في مسألة فصل الدين عن الدولة و قد رأينا كيف وقف الصادق المهدي معاند و معطل لمسألة فصل الدين عن الدولة على مدى امتداد فكره الذي لم يخرج أبدا من حيز الايمان التقليدي في معاداته لفكرة النزعة الانسانية و غيرها لم نستطيع الحديث عن ديمقراطية إلا اذا كانت ديمقراطية نخب لم تخدم غير الترقيع. فعلى جامعة الأحفاد و من معها في محاولتهم تخليد الصادق المهدي اذا أرادت له تخليد بأن تبحث عن فكرة القطيعة مع تراث و فكر الصادق المهدي لأنه لم يلعب يوما دور الشخصية التاريخية و خاصة أن السودان الآن يمر بفترة في غاية الصعوبة فيما يتعلق بمسألة التحول الديمقراطي بل أن فكر الصادق المهدي على مدى عمره لم يكن غير عقبات قد حالت ما بين تحول المجتمع السوداني الى حيث العقلانية و النزعة الانسانية بعيدا عن وحل الفكر الديني الذي قد كرسه الصادق المهدي و غياب العقلانية عن الفكر السوداني يصعّب مسألة التحول الديمقراطي الآن. و نذكّر القائمين بتخليد الصادق المهدي من جامعة الأحفاد و من معهم من النخب و في مقدمتهم كمال الجزولي و الحاج وراق بأنهم أمام امتحان عسير لا يقل عن امتحان قد مرّ ذات يوم على نخب السودان بعد انهيار مؤتمر الخريجين و قد رأينا كيف كان تهافتهم نحو بيوت الطائفية و كيف كانت العاقبة المنعكسة في كساد فكر قد استمر لأكثر من ثلاثة أرباع القرن دون تحقيق مسألة التحول الديمقراطي و ما زال مجتمعنا مجتمع تقليدي تسيطر عليه أحزاب وحل الفكر الديني و في مقدمتها حزب الامام الصادق المهدي الذي تريدون تخليده و أرى أن تخليده لا يكون بغير فكرة القطيعة مع فكره و تراثه الذي لم يكرس غير فكرة الايمان التقليدي. فبعد تجربة مؤتمر الخريجين القاسية فلا ينبغي أن تجدد النخب السودانية نفس الخطاء و خطاء نخب مؤتمر الخريجيين أنهم قد كانوا في مستوى وعي دون مستوى الوعي السائد في المجتمعات الحية و جاءوا للعمل العام بمستوى ضحل جعلهم صيد سهل في شباك بيوت الطائفية و عليه اذا أراد من يريدون تخليد الصادق المهدي تفادي مصير ابناء مؤتمر الخريجين لا يكون ذلك بغير تفعيل فكرة القطيعة مع تراث و فكر الصادق المهدي الذي لم يخدم الطريق المعبد باتجاه العقلانية و العلمانية و النزعة الانسانية و هذا الطريق الآن قد أصبح ممر إلزامي لمن يريد العبور الى حيز المجتمعات الحديثة مفارقا للمجتمع التقليدي كحال مجتمعنا السوداني. نقول ذلك و على بالنا نشاط الامام الصادق المهدي الفكري الممتد على مدى ستة عقود منذ ظهوره على خشبة مسرح الأحداث و للأسف لم يلعب فيها الصادق المهدي دور الشخصية التاريخية بل كان مكرس لدور القائد الطائفي بفكر اذا أردنا تقيمه لا يتخطى بقايا فكر القرون الوسطى في ارتكازه على فكرة الارادة الالهية فيما يتعلق بمفهوم الدولة في وقت وصلت فيه البشرية لقناعة بأن دولة الارادة الالهية قد حلت محلها فكرة الدولة الأمة و ها نحن الآن على مشارف فهم جديد يتخطى فكرة الدولة الأمة و يتجه باتجاه الدولة الحقوق التي لا يلعب فيها الفكر الديني أي دور بنيوي على صعد السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و هذا ما ينكره الصادق المهدي على الدوام في اصراره على فكرة الارادة الالهية و مغالطاته التي يريد عبرها أن يثبت ما لايستطيع أن يقوى عليه فكره الديني بأن الدين لم يعد كجالب لسلام العالم. جميل أن تقوم جامعة الأحفاد بدور لا تقوم به الا مراكز البحوث و لكن عليها أن توضح للكل بأن فكر الصادق المهدي فكر ظل على الدوام مجاور و مساكن للفكر التقليدي و لم يستطع تجاوز أفكار القرون الوسطى و معلوم بأن الفكر في القرون الوسطى كان تحت هيمنة الفكر الديني الذي يكرس لعدم المساواة كما تحدث عن ذلك ماكس فيبر و عليه لم تخرج البشرية من بقايا فكر القرون الوسطى الا بعد فكرة الاصلاح الديني. و بالتالي قد جاءت أفكار النزعة الانسانية التي تتحدث عن انسانية تاريخية و انسان تاريخي و مجتمع يؤسس على الأخلاق و ليس على الدين و هذا ما ظل يحاربه الصادق المهدي على الدوام الى لحظتنا الراهنة و كيف رأينا المماحكة في مسألة فصل الدين عن الدولة التي دارت فصولها أخيرا في حادث يشهد عليه كمال الجزولي نفسه عندما قلب عليهم عسكري و هو كباشي في جوبا طاولة الحوار فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة مع حركة عبد العزيز الحلو و ما أوهام كباشي كعسكري تربية حركة اسلامية سودانية الا نتاج التعبية التي كان يقوم بها الصادق المهدي كأحد أقطاب الفكر الديني في السودان و ما الحركة الاسلامية الا وريث شرعي للطائفية عندما شاخت. نقول ذلك و لا نريد لكمال الجزولي أن يكرر توفيقه الكاذب كما حدث منه في لقاء نيروبي عندما خدعهم خالد التجاني النور و حينها كان كمال الجزولي قد لعب دور المضحوك عليه و خرج بتوفيق كاذب لا يقوّي الا دور الحركة الاسلامية و هيمنتها على مشهد الفكر في السودان و كذلك ننبه الحاج وراق و قد رأيناه في دعوة له في مهادنة الطائفية و النسخة السودانية من الشيوعية فخدمة الشعب السوداني لا تعرف المجاملة فيما يتعلق بتحول المفاهيم و ها نحن في زمن الايمان الحر أو ما بعد الملة في زمن الفرد و العقل و الحرية و قطعا لا يتحقق ذلك في ظل فكر طائفي لذا ندعو لتفعيل مفهوم القطيعة مع تراث و فكر الصادق المهدي. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.