د. محمد عبد الحميد/ استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية قد يعتقد البعض أن تشكيل وزارة السيد حمدوك الثالثة هو الحدث الاهم في مؤشر الاخبار في الاسبوع الثاني من شهر فبراير لسنة 2021م ، وقد يكون ذلك صحيحاً من زاوية ما ينطوي عليه هذا الحدث من دارمية سياسية ، غير أن ما ورد على لسان رئيس الوزراء في ذات الاسبوع حول السد الاثيوبي يُعتبر الأخطر والأجدر بالاهتمام لجهة أن ما قاله السيد رئيس الوزراء موجه للجميع فيما يُعرف في علم ادارة مخاطر الكوارث بالانذار المبكر Early warning. والانذار المبكر عادة ما يُعلِن عن خطر Hazard ما يتهدد الناس، وان عليهم اخذ التحوطات اللازمة حياله حتى لا يوردهم مورد التهلكة. ولا يكاد المرء يخال أن حديث الوزير الأول قد جاء هكذا خبط عشواء ، وانما المفترض نتيجةً لتحليل المخاطر التي تكتنف هذا السد . فبنظرة معمقة لما قاله السيد الرئيس يُمكن الخلوص الي نتيجة مفادها انه يدحض في المقام الاول كل تلك الآراء التي ظلت وبمكابرة تنكر أن السد يشكل خطراً على السودان، والتي كانت تبرز السد وكأنه فتح إلهي وعلى رأس هؤلاء وزير الري السوداني. وتستدعي للذهن في المقام الثاني ما يستلزم فعله ازاء هذا التهديد الذي يشكله السد على هذا العدد الكبير من البشر. لذلك لابد للمتأمل أن يتفحص مدلولات ما ذهب اليه رئيس الوزراء، ليس فقط بالنسبة لضخامة العدد المهدد بالسد، وهو بالتقربب نصف سكان السودان (عشرون مليوناً). وإنما أيضاً بتقدير أن السودان يحتكم في مجرى النهر وعلى ضفتيه على سهول منبسطة تتسم بالخصب وقدرة عالية على توفير الغذاء والمحصولات الزراعية القابلة للتصدير، وتقع في دائرة الاطماع لما تحتويه من قدرة على تأمين الغذاء بصورة تتكافأ ومعدلات التناسل في اعالي الهضبة الأثيوبية. مهما يكن من امر، فالواضح إن ما أكده السيد رئيس الوزراء يلقي عليه هو بالذات أعباء بوصفه المسؤول عن حيوات تلك الملايين العشرين، و يستدعي ما يترتب عليه من خطوات عملية لجهة درء هذا التهديد وجعله في حكم العدم. وتلك هي اوجب واجبات رئيس الوزراء. فكلمة تهديد التي جاءت مقرونة مع السد على ما به من ضخامة وكبر وقربه من الحدود السودانية، تؤكد وجوب التزام القيام بفعل اخلاقي يتسم بالمسؤولية حيال هذا المهدد اكثر من اطلاق صافرات الانذار. فاذا كان مبعث التهديد هو السعة المهولة من المياه والبالغة 74 مليار متر مكعب ، فان ذلك يقتضي ان يكون للسودان استراتيجية تفاوضية ترتكز بالدرجة الاولى حول تخفيض هذه السعة. وجعلها في حدود الممكن السيطرة عليه او في حدود المقبول من المخاطر Acceptable risks . أما اذا كان مبعث التهديد رفض اثيوبيا وتعنتها اثناء التفاوض حول الملء والتشغيل والوصول( لإتفاق ملزم) بهذا الشأن، وهو ما يسعى السودان اليه حاليا من خلال مفاوضيه، فذلك امر ينطوي على قدر من السذاجة لأن اثيوبيا ترى في ادارة السد وبالكيفية التي تراها نوعا من ممارسة السيادة على واحدة من أهم منشآتها الحيوية، وهذا ما صرحت به غير مرة على لسان أكثر من مسؤول رفيع. وكل استراتيجيتها التفاوضية قائمة على ان تتحكم في مياه النيل الازرق عن طريق السد بسعته الحالية المهولة. يبقى في نهاية التحليل أن ما ورد على لسان السيد رئيس الوزراء من أن السد يشكل تهديدا لنحو عشرين مليون سوداني مدخل يمكن، لا بل يجب أن تُبنى عليه استراتيجية تفاوضية تعيد تقييم الموقف من السد من اساسه ، لأن ما يسعى اليه المفاوض السوداني الآن لا يمكن أن يزيل المخاوف التي يثيرها السد بسعته الحالية . كما لا يمكن ان يزيلها اتفاق " ملزم" حول الملء والتشغيل. وفوق كل ذلك لايمكن أن يحقق ذلك الهدف فريق مفاوض لا يخفي ولعه بالسد ويرى فيه منافع للسودان اكثر من اثيوبيا نفسها. خلاصة القول إن التركيز في التفاوض على قضيتي الملء التشغيل وضرورة التوصل لإتفاق "ملزم" حيالهما دون التركيز على سعة السد المدمرة، يحيل القضية برمتها الي قضية فنية تدور حولها مفاوضات حتى وإن أفضت الي اتفاق "ملزم" -- وهذا أمر مستبعد الا بخيارات اخرى غير التفاوض -- فإنه في ذات الوقت لا ينفي أن السد يشكل تهديدا ماثلا على السودان وينذر بفنائه بخطأ تشغيلي متعمد او غير متعمد.