من بين العبارات التي راقتني خلال "محو أميتنا" الماركسية عبارة "مزاج الجماهير". فخلافاً للعبارات الأخرى مثل "الحتمية" "وتحريض الجماهير" وغيرها وجدت مصطلح المزاج يٌوجب على الحزب الثوري إعتبار الحالة النفسية الثقافية التي عليها الناس قبل تحديد تكتيكه (حيله) لدفع الجماهير نحو غاياتها. فالحتمية مما يوحي بأنك تتعامل مع كائنات غير ثقافية. يكفي أن تقتنع أنت بما تراه ل"تبرمج" عليه الجماهير. ومما يؤسف له أن مزاج السودانيين المائل لخوض الانتخابات غاب عن المعارضة غياباً مطلقاً. فأصبح تحديد التكتيك حيال الإنتخابات قاصراً على مزاج صفوة الأحزاب. ويقف انسحاب الحركة الشعبية من انتخابات الشمال دليلاً قوياً على تحكم مزاج الصفوة وثأراتها في تعاطي الإنتخابات. من جهة أخرى اتفق الناس أن تطويل السيد الصادق المهدي في قرار مشاركة حزبه في الإنتخابات كانت "فوق رأي". و لا أفسر وأنت لا تقصر. لم يقرأ المقاطعون (الحزانى في قول السيد الصادق) في لوح هذا المزاج أن الناس ستسجل بأرقام قياسية (16 مليون بنسبة 80% من الحاقين للتصويت) مهما قيل عن حشو المؤتمر الوطني للسجلات. ولم يروا أن هذا المزاج سيدفع ب نحو 70% من المسجلين لمراكز الإقتراع. وهي نسبة لا تحدث في أحسن العائلات. وكانت ثمرة وحشة الأحزاب عن الناس ما لاحظه الجميع من إضطرابها العظيم هرولة بين خوض الإنتخابات ومقاطعتها. فجاءت متأخرة إلى كل طور من أطوار الإنتخابات وظلت تترجى مفوضية الإنتخابات أن تمهلها رويدا. ومما له دلالة كبرى في مجافاة الأحزاب لمزاج الجماهير هو استثناء ولايات معينة من المقاطعة بل وفشل تلك الأحزاب في احتواء رغبة بعض منسوبيها في مواصلة الانشغال بالإنتخابات. فمن من المفيد أن نعرف لماذا استثنى حزب الأمة ولاية جنوب كردفان من المقاطعة. هل لمصالح المسيرية في عقد الإنتخابات في إقليمهم النزاعي دخل في ذلك؟ ولماذا استحق رئيس الحزب حق استثناء بعض الدوائر من المقاطعة؟ هل كان ذلك من باب التحسب لذوي المزاج القوي في الإنتخابات الذين ربما تفلتوا من الحزب؟ فحتى الفريق صديق، أمين الحزب العام، قال سنقاطع برغمنا نزولاً عند إرادة الحزب مع أن فرصنا للفوز في جنوب دارفور مثالية. بل هناك من يعتقد أن الأمة القومي نافس في تلك الولاية من "تحت تحت". ناهيك من إعلان مرشحيه الولائيين والقوميين في جبرة وبري وجبل الأولياء بالخرطوم وغيرها عن استمرارهم في الإنتخابات. وحدث ذلك للحركة الشعبية في أكثر من موقع بما فيها تحالفها في البحر الأحمر لإسقاط السيد إيلا. وسيكون مفيداً أن نعلم لماذا استثنى الحزب الشيوعي الجنوب من مقاطعته للإنتخابات والجنوب لم يشتهر بنزاهة إنتخابية قصر دونها الشمال؟. وما أسكر كثيره فقليله حرام. لم تقف الأحزاب وقطاع الشمال في الحركة الشعبية حتى لتسأل عن مترتبات مقاطعتها الإنتقائية للإنتخابات. فقد كان أكثر ما روجت له هذه الجماعات هو أن الإنتخابات المزورة ستعطي الإنقاذ شرعية لا تستحقها. ولكن كيف لا تقع هذه الشرعية وهذه الأحزاب قد تٌمثَل في البرلمان طوعاً منها أو كرهاَ. مثلاً: كيف تمتنع الشرعية عن الإنقاذ بمقاطعة للشيوعيين للإنتخابات في عطبرة بينما ربما مثلهم في أجهزة تشريعها المرتقبة نائب من جوبا؟ أيريدون بنا العودة إلى حجوة تبرئة الذمة بقولهم دخلنا مجلس وطني الإنقاذ حسب إتفاقية القاهرة ولكننا رفضنا نيل حقائب وزارية. لا يا شيخ! وتقولي "مزاج الجماهير"! مين يعرف عيشه في سوق الغزل ؟