وزير الخارجية يستقبل مدير عام المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة    منع قناة تلفزيونية شهيرة في السودان    ماذا قال ياسر العطا لجنود المدرعات ومتحركات العمليات؟! شاهد الفيديو    تم مراجعة حسابات (398) وحدة حكومية، و (18) بنكاً.. رئيس مجلس السيادة يلتقي المراجع العام    انطلاق مناورات التمرين البحري المختلط «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي    شاهد بالصور.. ما هي حقيقة ظهور المذيعة تسابيح خاطر في أحضان إعلامي الدعم السريع "ود ملاح".. تعرف على القصة كاملة!!    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر يا أخت بلادي يا شقيقة (1/2): علاقة أزليّة وتاريخ لن تمحوه السنون .. بقلم: د. محمد بدوي مصطفى
نشر في سودانيل يوم 25 - 03 - 2021


أماني الطويل والبحث عن الحقيقة في قلوب السودانيين:
صادفني في الأيّام السابقة وأثار فضولي ودهشتي مقالين مهمّين عن علاقة السودانيين بمصر والعكس، يتباريان في طرح تساؤلات وتقديم أطروحات وأجوبة عن طبيعة العلاقة بين أهل مصر والسودان لا سيما في غضون فترة ما بعد الاستقلال وما آلت إليه في وقتنا الحالي. كتبت المقال الأول السيّدة أماني الطويل، وكان بعنوان: "هل تتراجع محبة السودانيين لمصر؟" ونددت فيه بالآتي: "فاجأ عموم المصريين المتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي، ولا يتابعون الأحوال السودانية بشكل لصيق، بخطابات سودانية غير صديقة، فارقت المجال السياسي المعتاد فيه التراشق بين الطرفين، بسبب سدّ النهضة، إلى مجالات إنسانية عزّ فيها على المصريين أن يروا مساحات المحبة تتراجع لهم في السودان، وهم المحبون والمرحبون بملايين السودانيين على "أرض الكنانة"، بل إن أبناء وادي النيل الذين عاشوا معاً في المهاجر المتنوعة ربطتهم أوثق العلاقات الإنسانية." وانبرى المقال الثاني الذي كتبه عبد الفتّاح عرمان "ردًّا على أماني الطويل: تراجعت محبة السودانيين لمصر لهذه الأسباب!" حيث عقّب على مقال الطويل قائلا في استهلاليته: "للإجابة على تلك الأسئلة، علينا أن نواجه الحقيقة التي لا يريد البعض سماعها، وهي أن تراجع محبة السودانيين لمصر تقف خلفها مصر الرسمية وبعض اعلامها والسينما والدراما حيث ظلت باستمرار تسئ لتلك العلاقات بين بلدينا. ظلت الحكومات المصرية المتعاقبة تتعامل مع العلاقات المصرية-السودانية كملف أمني بحت. وما الزيارة الأخيرة للواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية للسودان سوى تأكيدا لذلك."
حتى نستطيع التصدّي لهذه القضيّة فلابد بدّ لنا أن نرجع من جهة إلى صفحات التاريخ المديد بين البلدين أو قل العلاقة العميقة بينهما والتي انتقلت عبر الأجيال في البلدين وينبغي علينا أن نستنطق ونسترشد بعض الناس من الجنسيّتين حتى تكون الأمور دقيقة ويسندها استبيان ولو حتى عابر وسريع. للأسف لقد استندت الأستاذة أماني الطويل في جسّ توتر العلاقات بين مصر والسودان إلى حلقات الشد والجذب في مواقع التواصل الاجتماعي والتي أعتبرها مضللة ولا تعكس وجهة نظر أهل السودان بأمانة، هذا من جهة، لأنها أيضًا مؤشر خادع في رصد "تصدع" أو تأرجح العلاقات عموماً بين شعب السودان ومصر، ذلك من جهة أخرى. تتحدث أماني الطويل عن خطابات سودانية غير صديقة، وهي تعني بطبيعة الحال خطابات لاذعة ومعادية للمصريين وجاء ردّ الأخ عرمان تلقائيًا غاضبًا دونما تريّث أو تأني بالرجوع إلى أحداث ووقائع لتاريخ أعمق مما نحن فيه الآن من هجوم وهجوم معاكس لبعض إعلامييّ البلدين. وهل يمثلنا هؤلاء؟ أم تمثلنا الأصوات التي تعوي وتصيح في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي ليس فيها لا من التواصل الاجتماعي شيء يذكر، اللهم إلا لغط وهجاء وعويل على مسمع ومرأى من الناس. فمواقع التواصل الاجتماعي، ونحن كصحفيين لنا خبرة واسعة مع روّاد هذه المواقع التي إن بدأ فيها أحدهم بتعليق سلبي على أي حادثة، فلابد أن تتبعها تعليقات سلبيّة لاذعة من نفس القبيل وأهل هذه المواقع يسمونه "الرّدم"، شيء على شاكلة الرمي وتصويب المدفعية باتجاه الشخص المُنتقَد. ومن المؤسف أن نجد مجموعات كبيرة من روّاد هذه المواقع يتأثرون بردّة فعل القطيع ونجدهم في مجمل تعليقاتهم أو تعاملهم مع القضايا السياسية، سلبيين وقلّة منهم يغالي في تطرّفه، أقصد في التعامل مع أيّ موضوع يُعرض بتطرّف شديد.
تاريخ تليد وروابط أزليّة علينا بحفظها:
إن تاريخ العلاقات بين مصر والسودان هو موضوع عميق وشائك في ذات الوقت، وله بطبيعة الحال جذور راسخة في صحائف البلدين وبنفوس الشعبين الشقيقين منذ عهد الرومان وإلى يومنا هذا، لا ولن يتسنى أن يُفسّر أو يُشرح هذا التاريخ من قبل أيّ كان في عجالة مقال أو مقالين، فهي تحتاج في اعتقادي لموسوعة كاملة يجب أن نسميها "موسوعة وادي النيل" لرصدها بإيجابياتها وسلبياتها، ودراستها على أكمل وجه. وددت في سياق هذا المقال أن أشير إلى أهمية هذه العلاقات الراسخة والتي ساقتها خطوات التاريخ وقادتها منذ أن خلق الله الشعبين في هذه البقعة النيليّة المباركة ويجب عليّ كابن للبلدين أن أذكّر بها في خضم المهاترات الاعلاميّة الآنية التي تتأرجح بين الهجوم والهجوم المعاكس، فالأمور لا تحلّ على أعتاب الواتساب والفيسبوك وحلقات اليوتيوب المرتجلة بهذه السطحيّة الرعناء. لذلك يجب علينا جميعنا في التعامل مع هذه القضية الحساسة التزام شيم الحلم والحكمة، الصبر والتأنّي، المنطق والذوق السليم وألا نغالي في أحكامنا المسبقة على الآخرين من الجهتين. وبغض النظر عن بعض الخلافات الجوهريّة في بعض الملفات السياسية في قضايا الأرض والسدّ أو السياسة الخارجيّة الخ، والتي نرى موقفنا وموقف القانون منها صريحًا، فإن مصر لا تزال تفتح أبوابها على مصراعيها لشعب السودان من أجل العلاج والتعليم والتجارة ومن قبل بسبب اللجوء والهروب من حكم الإنقاذ الدكتاتوريّ وبالعكس فإن أبواب السودان كانت ولا تزال مفتوحة لشعب مصر للزراعة وللاستثمار وللعمل في الجامعات والمدارس وللدراسة في المدارس والسياحة والزيارات في كل الأوقات والمصري لا يحتاج لتأشيرة عندما يريد الدخول إلى السودان، لأنه بلده. وأنا لا أشكّ البتّة أن أهل مصر يعلمون أيما علم بمحبّة إخوانهم السودانيين لهم، لكنّ بعضهم ربما لا يدرك عمق وكثافة هذه المحبّة والألفة: فأهل السودان يتغنّون منذ مئات السنين بحبّ أمّ الدنيا وعلى سبيل المثال نجد إحدى مؤسسات السودان الفنيّة، الأستاذ عبد الكريم الكابلي، يتغنى من بين الكثيرين ويصدح بهذا الحبّ ليقول: "مصر يا أخت بلادي يا شقيقة". علينا يا سادتي ألا ننسى كل هذه الدلائل الوافية والشهادات الكافية التي تؤلف بين قلبيّ الشعبين فلم تكن الحرب معنوية كانت أم حقيقة حلًّا في يوم من الأيّام فالسلام هو الحلّ الأمثل لرقي وتقدم الشعبين اللذان يجمعهما إكسير النيل. ومن جهة أخرى وفي شمال الوادي تغنّت مؤسسة أخرى بدورها بحبّ السودان وكانت هي سيدة الغناء، أم كلثوم، في أغنية السودان التي صاغ كلماتها أمير الشعراء أحمد شوقي ولحّن موسيقاها العملاق رياض السنباطي فتقول: "فمصر الرياض وسودانها عيون الرياض وخلجانها". ألا تكفي كلّ هذه الحقائق التي تستند إلى مواقف تاريخية بارزة وبيّنة، حتى وإن كانت تنهل بعض الأحيان من حلوٍ ومن مرٍّ؟
حبّ مصر عند شعراء السودان:
يجدر في إطار العلاقات بين السودان ومصر أن نشير في بداية هذا المقال بالدور الاستثنائي الذي قام به الشاعران محمد سعيد العباسي والتجاني يوسف بشير (من بين العديد من شعراء العربيّة بالسودان)، في مساهمات انفراديّة كبرى وعميقة في دفع حركة النهضة الأدبية في السودان، وهما من أوائل الذين عبّروا عن المشاعر الإتحادية مع الشقيقة مصر شعراً:
1) أولاً قصائد محمد سعيد العباسي:
يا حبذا دارٌ نزلت وحبذا إبداع من ذرأ الوجود ومن برى
مصرٌ وما مصرٌ سوى الشمس التي بهرت بثاقب نورها كل الورى
ولقد سعيت لها فكنت كأنما أسعى لطيبة أو إلى أم القرى
وبقيت مأخوذاً وقيد ناظري هذا الجمال تلفتاً وتحيرا
فارقتها والشّعر في لون الدجى واليوم عدت به صباحاً مسفرا
٭٭٭
سمعينا جنان لحناً شجياً ودعي معبداً دعي إسحاقه
واصرفي ساقي المدام فإنا ما حمدنا أبريقه ومذاقه
قد سقى الأصفياء كأساً رحيقاً وسقانا حميمه وغساقه
ما كقطع الوتين شر، وشر منه أن تقطعوا بمصر العلاقه
وقال معرضا بالاستعماريين ومن كان يعتبر أنهم يسيرون في ركابهم في البلدين، ويعملون ضد وحدة وادي النيل:
وما بي ظماء لكأس الهوى فطوفي بغيري يا ساقيهْ
على نفر ما أرى همهم كهمي ولا شأنهمْ شأنيهْ
طلبت الحياة كما أشتهي وهم لبسوها على ما هيه
شروا بالهوان وعيش الأذل ما استمرأوا من يد الطاهيه
فباتوا يجرون ضاف الدمقس وبت أجرجر أسماليه
ولو كان لي علم ما في غد لما بعت مصر بسودانيه
ويا مار سيري ولا تُخدعي فينتزع القرط يا ماريه
وقد زعم بعض النقاد لشعر العباسي أنه قد كنى في البيت الأخير عن مصر ب "مارية"، وعن السودان ب "القرط" يحذرها من أن ينتزع منها.
ثم يلتفت بقلب ملتاع إلى ذكريات شبابه في مصر، وإلى أيام طلبه للعلم فيها قائلا:
ويا رحمة الله حلي بمصر ضريح الزناتيَّ عثمانيه
غذاني بآدابه يافعاً وقد شاد بي دون أترابيه
2) ثانيًا قصائد التجاني يوسف بشير:
عادني اليوم من حديثك يا مصر رؤى وطوفت بيَ ذكرى
وهفا باسمك الفؤاد ولجّت بسماتٌ على الخواطر سكرى
من أتى صخرة الوجود فقراها وأجرى منها الذي كان أجرى
سلسبيلاً عذب المشارع ثراراً روياً جم الأواذيِّ غمرا
إلى أن يقول:
إنما مصر والشقيق الأخ السودان كانا لخافق النيل صدرا
حفظا عهده القديم وشادا منه صيتاً ورفَّعا منه ذكرا
فسلوا النيل عن كرائم أوسعنا دراريَّها احتفاظاً وقدرا
كيف يا قومنا نباعد من فكرين شدا وساندا البعض أزرا
كيف قولوا يجانب النيل شطاهُ ويجري على شواطئ أخرى
كلما أنكروا ثقافة مصرٍ كنت من صنعها يراعاً وفكرا
نضر الله وجهها فهي ما تزداد إلا بعداً عليّ وعسرا
يا ابن مصرٍ وعندنا لك ما نأمل تبليغه من الخير مصرا
قل لها في صراحة الحق والحق بأنْ يُؤثرَ الصراحةَ أحرى
وثقي من علائق الأدب الباقي ولا تحفلي بأشياء أخرى
كل ما في الورى عدا العلم لا يُكبِّر شعبا ولا يُمجّد قُطرا
بعض الشهادات عن العلاقات بين مصر والسودان:
شهادة نائب رئيس صحيفة تحرير أخبار اليوم السودانيّة:
سألت نائب رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم السيد عاصم البلال الطيب عن هذه القضية فجاءت إجابته كالتالي: بالنسبة لتحوّل الأحاسيس السودانيّة المصريّة، على مستوى الشعبين والإعلام أو الحكومات في البلدين على مرّ العصور فلم تتعاطَ مع هذه العلاقة بمخاطبة الجذور الأساسيّة لها. ودعنا نكون صريحين، هنالك إحساس مصريّ بالعلويّة: إن الإخوة في مصر لهم إحساس بالعلويّة تجاه كلما هو سودانيّ، والسودانيّ يستشعر أن المصري يعتقد أن السوداني يحسّ تجاهه بالدونيّة وهذا الاعتقاد المغلوط مرفوض تمامًا عند أهل السودان.
دعني أحدثّك عن صورة واقعيّة ألتقطها قبل عدّة أيّام: أنت لا يمكن أن تصدق الكم الهائل للمسافرين الذين يفترشون الأرض ويتلحّفون السماء يومًا تلو الآخر أمام القنصليّة المصريّة بالخرطوم، لو رأيتها لتعجبت! عشرات الآلاف من المسافرين إلى مصر بسبب السياحة، العلاج، الدراسة أو المتعة وحتى للحبّ ولكلّ شيء آخر، ومصر حقيقة أمّ الدنيا، ومن هذا المنطلق فأنا أعتقد أن السوداني الذي لم يزر مصر عليه أن يراجع سودانيته متى ما جلس في مجالس متعددة، لأنّ غالبية السودانيين زارت مصر، حتى الفقراء والبسطاء يزورون مصر. إذا تحدثنا عن العلاقات بين البلدين فنجدها دائما في تأرجح لكن هنالك نقلة نوعيّة في الأحاسيس المشتركة يعمل البعض على تجميلها، بيد أنّ صوت هذه المجموعة أخفض وأخفت. وهنالك قلّة قليلة نجد أنّ صوتها أرفع وأعلى، تحاول أن تثير القلق والبلبلة بين البلدين، اللذان يرتبطان بالنيل فضلًا عن أشياء كثيرة مثل الحسب النَسب، فنحن نجد أسر كثيرة متصاهرة بين البلدين، وحتى أنا في أسرتي دم مصريّ ولدينا البعض متزوّج في مصر ومعنا في الحارة بالخرطوم بحري أخت مصريّة متزوّجة من سوداني. والعلاقات بين البلدين وإن تعكّرت بصورة أو بأخرى على المستويين الشعوبيّ والرسميّ المرتبط بتقلّب الأنظمة ستظلّ في حالة شدّ وجذب ما لم يختفِ نهر النيل ويتبدّل بسدّ النهضة.
شهادة المحلل السياسيّ وأحد أقطاب الحزب الاتحادي الديمقراطي الأستاذ الفاضلابي:
حديثي معه كان هامًا وأرجعني إلى الحقبة التي عاشرت فيها أبي وكنت طفلًا يرتع في ترهات الحياة. تطرّقنا سويًا لقضايا النهضة الفكريّة والأدبيّة في السودان وعلاقتها الوطيدة مع مصر لا سيما وأن والدي كان أحد أعمدة الحركة الاتحاديّة التي خرجت من رحم الحركة السياسيّة المصريّة. وحتى الحركات السياسية الأخرى بالسودان كالحركة الشيوعيّة، هي حسب رأي الأستاذ الفاضلابي، حركة مصريّة بالدرجة الأولى. وكانت الحركة الأساسيّة المعادية للاستعمار في مصر تدعى الحركة المصريّة للتحرر الوطني وأعضاء الحزب الشيوعيّ السوداني كانوا جزءً منها لكنهم انقسموا في فترة لاحقة بقيادة القائد عبد الخالق محجوب وأسسوا وقتئذ الحركة السودانيّة للتحرر الوطنيّ ورأت النور في فترة ما بعد الاستقلال في عام 1956 حيث كانت بادئ ذي بدء حزبًا واحدًا بصحبة المناضل النبيل والمؤسس هنري كورييل إذذاك. وهذا المناضل اليهودي كورييل هو من الذين أسّسوا الحركة المصرية للتحرّر الوطني ويعتبر شخصية هامة بالنسبة لحركة اليسار في وادي النيل على الاطلاق، ومن السودانيين الذين نشطوا فيها الأساتذة عبد الخالق محجوب التجاني الطيب وعبد الرحمن الوسيلة والجنيد علي عمر، وشاركوا من خلال "حدتو" في انتفاضة 1946 مع رفاقهم المصريين ضد الاستعمار، كذلك شارك معهم في تلك الانتفاضة الأستاذ أبراهيم عبد القيوم والذي اعتقل هو والجنيد وعبد الخالق محجوب. ونجد كلّ هذا التوثيق في كتاب أحد أعمدة الحزب الشيوعيّ السودانيّ، سفير السودان السابق بالأمم المتحدة، المرحوم السيد أحمد سليمان في مؤلفه و"مشيناها خطى". وعدا الحركة الشيوعيّة نجد من جهة أخرى حركات أخرى سياسة انبثقت من مصر كحركة الناصريين والاشتراكيين العرب. وعلى المستوى الأدبي فنحن نجد أن أهل الأدب كان يربطهم رباط وثيق بمصر مرفأ الأدب والفن. ولا زلت أذكر خطوات والدي إلى كشك الجرائد حيث يسأل عن المصور وآخر ساعة وروز اليوسف، وأخبار اليوم أو الأهرام، عدا الكتب الأدبية والشعرية التي همّوا بها وكانت تصلهم بانتظام من مصر. وقبل أبي عبر أحد أعمدة الأدب التجاني يوسف بشير في إحدى قصائده عن هذه العلاقة الفريدة بين البلدين وبين الشعبين اللذان تربطهما علاقات خالدة ترجح كفتها في الميزان أكثر من تلك الآنيّة السطحية في وسائل التواصل اللاجتماعي والتي قد تحاول أن تفرق بينهما بين فترة وأخرى ولكن سدا. نحن في عهد نظريات المؤامرة فلابد أن نحمي كل عزيز وغال علينا بحرص وقوة شكيمة، فالعلاقات بين مصر والسودان وشعبيهما غالية علينا فسوف نحميها بكل ما أوتينا من قوة حتى تعبر هذه المحنة.
(يتبع)
(نقلًا عن المدائن بوست دوت كوم)
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.