بونو يقود الهلال السعودي لتعادل قاتل من أنياب ريال مدريد ويتصدى لركلة جزاء في نهاية المباراة    احكام بالإعدام والسجن والغرامة على متعاونين مع قوات التمرد بولاية سنار    وزارة الصحة تستقبل طائرة مساعدات إنسانية وطبية تركية تبلغ 37 طناً لمكافحة الكوليرا    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    تقرير أممي: الجيش مسؤول عن الجرائم وتدهور الوضع الإنساني في السودان    مانشستر سيتي يستهل مونديال الأندية بالفوز على الوداد المغربي بهدفين دون مقابل    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    كامل إدريس يؤكد عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين السودان والكويت    "الدعم السريع" تبسط سيطرتها الكاملة على قاعدة الشفرليت العسكرية    الجيش الشعبي يحرر (الدشول) الاستراتيجية بجنوب كردفان    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    عودة الحياة لاستاد عطبرة    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد بالصورة والفيديو.. تيكتوكر سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (بحب الأولاد الطاعمين "الحلوات" وخوتهم أفضل من خوة النسوان)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر يا أخت بلادي يا شقيقة (1/2): علاقة أزليّة وتاريخ لن تمحوه السنون .. بقلم: د. محمد بدوي مصطفى
نشر في سودانيل يوم 25 - 03 - 2021


أماني الطويل والبحث عن الحقيقة في قلوب السودانيين:
صادفني في الأيّام السابقة وأثار فضولي ودهشتي مقالين مهمّين عن علاقة السودانيين بمصر والعكس، يتباريان في طرح تساؤلات وتقديم أطروحات وأجوبة عن طبيعة العلاقة بين أهل مصر والسودان لا سيما في غضون فترة ما بعد الاستقلال وما آلت إليه في وقتنا الحالي. كتبت المقال الأول السيّدة أماني الطويل، وكان بعنوان: "هل تتراجع محبة السودانيين لمصر؟" ونددت فيه بالآتي: "فاجأ عموم المصريين المتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي، ولا يتابعون الأحوال السودانية بشكل لصيق، بخطابات سودانية غير صديقة، فارقت المجال السياسي المعتاد فيه التراشق بين الطرفين، بسبب سدّ النهضة، إلى مجالات إنسانية عزّ فيها على المصريين أن يروا مساحات المحبة تتراجع لهم في السودان، وهم المحبون والمرحبون بملايين السودانيين على "أرض الكنانة"، بل إن أبناء وادي النيل الذين عاشوا معاً في المهاجر المتنوعة ربطتهم أوثق العلاقات الإنسانية." وانبرى المقال الثاني الذي كتبه عبد الفتّاح عرمان "ردًّا على أماني الطويل: تراجعت محبة السودانيين لمصر لهذه الأسباب!" حيث عقّب على مقال الطويل قائلا في استهلاليته: "للإجابة على تلك الأسئلة، علينا أن نواجه الحقيقة التي لا يريد البعض سماعها، وهي أن تراجع محبة السودانيين لمصر تقف خلفها مصر الرسمية وبعض اعلامها والسينما والدراما حيث ظلت باستمرار تسئ لتلك العلاقات بين بلدينا. ظلت الحكومات المصرية المتعاقبة تتعامل مع العلاقات المصرية-السودانية كملف أمني بحت. وما الزيارة الأخيرة للواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية للسودان سوى تأكيدا لذلك."
حتى نستطيع التصدّي لهذه القضيّة فلابد بدّ لنا أن نرجع من جهة إلى صفحات التاريخ المديد بين البلدين أو قل العلاقة العميقة بينهما والتي انتقلت عبر الأجيال في البلدين وينبغي علينا أن نستنطق ونسترشد بعض الناس من الجنسيّتين حتى تكون الأمور دقيقة ويسندها استبيان ولو حتى عابر وسريع. للأسف لقد استندت الأستاذة أماني الطويل في جسّ توتر العلاقات بين مصر والسودان إلى حلقات الشد والجذب في مواقع التواصل الاجتماعي والتي أعتبرها مضللة ولا تعكس وجهة نظر أهل السودان بأمانة، هذا من جهة، لأنها أيضًا مؤشر خادع في رصد "تصدع" أو تأرجح العلاقات عموماً بين شعب السودان ومصر، ذلك من جهة أخرى. تتحدث أماني الطويل عن خطابات سودانية غير صديقة، وهي تعني بطبيعة الحال خطابات لاذعة ومعادية للمصريين وجاء ردّ الأخ عرمان تلقائيًا غاضبًا دونما تريّث أو تأني بالرجوع إلى أحداث ووقائع لتاريخ أعمق مما نحن فيه الآن من هجوم وهجوم معاكس لبعض إعلامييّ البلدين. وهل يمثلنا هؤلاء؟ أم تمثلنا الأصوات التي تعوي وتصيح في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي ليس فيها لا من التواصل الاجتماعي شيء يذكر، اللهم إلا لغط وهجاء وعويل على مسمع ومرأى من الناس. فمواقع التواصل الاجتماعي، ونحن كصحفيين لنا خبرة واسعة مع روّاد هذه المواقع التي إن بدأ فيها أحدهم بتعليق سلبي على أي حادثة، فلابد أن تتبعها تعليقات سلبيّة لاذعة من نفس القبيل وأهل هذه المواقع يسمونه "الرّدم"، شيء على شاكلة الرمي وتصويب المدفعية باتجاه الشخص المُنتقَد. ومن المؤسف أن نجد مجموعات كبيرة من روّاد هذه المواقع يتأثرون بردّة فعل القطيع ونجدهم في مجمل تعليقاتهم أو تعاملهم مع القضايا السياسية، سلبيين وقلّة منهم يغالي في تطرّفه، أقصد في التعامل مع أيّ موضوع يُعرض بتطرّف شديد.
تاريخ تليد وروابط أزليّة علينا بحفظها:
إن تاريخ العلاقات بين مصر والسودان هو موضوع عميق وشائك في ذات الوقت، وله بطبيعة الحال جذور راسخة في صحائف البلدين وبنفوس الشعبين الشقيقين منذ عهد الرومان وإلى يومنا هذا، لا ولن يتسنى أن يُفسّر أو يُشرح هذا التاريخ من قبل أيّ كان في عجالة مقال أو مقالين، فهي تحتاج في اعتقادي لموسوعة كاملة يجب أن نسميها "موسوعة وادي النيل" لرصدها بإيجابياتها وسلبياتها، ودراستها على أكمل وجه. وددت في سياق هذا المقال أن أشير إلى أهمية هذه العلاقات الراسخة والتي ساقتها خطوات التاريخ وقادتها منذ أن خلق الله الشعبين في هذه البقعة النيليّة المباركة ويجب عليّ كابن للبلدين أن أذكّر بها في خضم المهاترات الاعلاميّة الآنية التي تتأرجح بين الهجوم والهجوم المعاكس، فالأمور لا تحلّ على أعتاب الواتساب والفيسبوك وحلقات اليوتيوب المرتجلة بهذه السطحيّة الرعناء. لذلك يجب علينا جميعنا في التعامل مع هذه القضية الحساسة التزام شيم الحلم والحكمة، الصبر والتأنّي، المنطق والذوق السليم وألا نغالي في أحكامنا المسبقة على الآخرين من الجهتين. وبغض النظر عن بعض الخلافات الجوهريّة في بعض الملفات السياسية في قضايا الأرض والسدّ أو السياسة الخارجيّة الخ، والتي نرى موقفنا وموقف القانون منها صريحًا، فإن مصر لا تزال تفتح أبوابها على مصراعيها لشعب السودان من أجل العلاج والتعليم والتجارة ومن قبل بسبب اللجوء والهروب من حكم الإنقاذ الدكتاتوريّ وبالعكس فإن أبواب السودان كانت ولا تزال مفتوحة لشعب مصر للزراعة وللاستثمار وللعمل في الجامعات والمدارس وللدراسة في المدارس والسياحة والزيارات في كل الأوقات والمصري لا يحتاج لتأشيرة عندما يريد الدخول إلى السودان، لأنه بلده. وأنا لا أشكّ البتّة أن أهل مصر يعلمون أيما علم بمحبّة إخوانهم السودانيين لهم، لكنّ بعضهم ربما لا يدرك عمق وكثافة هذه المحبّة والألفة: فأهل السودان يتغنّون منذ مئات السنين بحبّ أمّ الدنيا وعلى سبيل المثال نجد إحدى مؤسسات السودان الفنيّة، الأستاذ عبد الكريم الكابلي، يتغنى من بين الكثيرين ويصدح بهذا الحبّ ليقول: "مصر يا أخت بلادي يا شقيقة". علينا يا سادتي ألا ننسى كل هذه الدلائل الوافية والشهادات الكافية التي تؤلف بين قلبيّ الشعبين فلم تكن الحرب معنوية كانت أم حقيقة حلًّا في يوم من الأيّام فالسلام هو الحلّ الأمثل لرقي وتقدم الشعبين اللذان يجمعهما إكسير النيل. ومن جهة أخرى وفي شمال الوادي تغنّت مؤسسة أخرى بدورها بحبّ السودان وكانت هي سيدة الغناء، أم كلثوم، في أغنية السودان التي صاغ كلماتها أمير الشعراء أحمد شوقي ولحّن موسيقاها العملاق رياض السنباطي فتقول: "فمصر الرياض وسودانها عيون الرياض وخلجانها". ألا تكفي كلّ هذه الحقائق التي تستند إلى مواقف تاريخية بارزة وبيّنة، حتى وإن كانت تنهل بعض الأحيان من حلوٍ ومن مرٍّ؟
حبّ مصر عند شعراء السودان:
يجدر في إطار العلاقات بين السودان ومصر أن نشير في بداية هذا المقال بالدور الاستثنائي الذي قام به الشاعران محمد سعيد العباسي والتجاني يوسف بشير (من بين العديد من شعراء العربيّة بالسودان)، في مساهمات انفراديّة كبرى وعميقة في دفع حركة النهضة الأدبية في السودان، وهما من أوائل الذين عبّروا عن المشاعر الإتحادية مع الشقيقة مصر شعراً:
1) أولاً قصائد محمد سعيد العباسي:
يا حبذا دارٌ نزلت وحبذا إبداع من ذرأ الوجود ومن برى
مصرٌ وما مصرٌ سوى الشمس التي بهرت بثاقب نورها كل الورى
ولقد سعيت لها فكنت كأنما أسعى لطيبة أو إلى أم القرى
وبقيت مأخوذاً وقيد ناظري هذا الجمال تلفتاً وتحيرا
فارقتها والشّعر في لون الدجى واليوم عدت به صباحاً مسفرا
٭٭٭
سمعينا جنان لحناً شجياً ودعي معبداً دعي إسحاقه
واصرفي ساقي المدام فإنا ما حمدنا أبريقه ومذاقه
قد سقى الأصفياء كأساً رحيقاً وسقانا حميمه وغساقه
ما كقطع الوتين شر، وشر منه أن تقطعوا بمصر العلاقه
وقال معرضا بالاستعماريين ومن كان يعتبر أنهم يسيرون في ركابهم في البلدين، ويعملون ضد وحدة وادي النيل:
وما بي ظماء لكأس الهوى فطوفي بغيري يا ساقيهْ
على نفر ما أرى همهم كهمي ولا شأنهمْ شأنيهْ
طلبت الحياة كما أشتهي وهم لبسوها على ما هيه
شروا بالهوان وعيش الأذل ما استمرأوا من يد الطاهيه
فباتوا يجرون ضاف الدمقس وبت أجرجر أسماليه
ولو كان لي علم ما في غد لما بعت مصر بسودانيه
ويا مار سيري ولا تُخدعي فينتزع القرط يا ماريه
وقد زعم بعض النقاد لشعر العباسي أنه قد كنى في البيت الأخير عن مصر ب "مارية"، وعن السودان ب "القرط" يحذرها من أن ينتزع منها.
ثم يلتفت بقلب ملتاع إلى ذكريات شبابه في مصر، وإلى أيام طلبه للعلم فيها قائلا:
ويا رحمة الله حلي بمصر ضريح الزناتيَّ عثمانيه
غذاني بآدابه يافعاً وقد شاد بي دون أترابيه
2) ثانيًا قصائد التجاني يوسف بشير:
عادني اليوم من حديثك يا مصر رؤى وطوفت بيَ ذكرى
وهفا باسمك الفؤاد ولجّت بسماتٌ على الخواطر سكرى
من أتى صخرة الوجود فقراها وأجرى منها الذي كان أجرى
سلسبيلاً عذب المشارع ثراراً روياً جم الأواذيِّ غمرا
إلى أن يقول:
إنما مصر والشقيق الأخ السودان كانا لخافق النيل صدرا
حفظا عهده القديم وشادا منه صيتاً ورفَّعا منه ذكرا
فسلوا النيل عن كرائم أوسعنا دراريَّها احتفاظاً وقدرا
كيف يا قومنا نباعد من فكرين شدا وساندا البعض أزرا
كيف قولوا يجانب النيل شطاهُ ويجري على شواطئ أخرى
كلما أنكروا ثقافة مصرٍ كنت من صنعها يراعاً وفكرا
نضر الله وجهها فهي ما تزداد إلا بعداً عليّ وعسرا
يا ابن مصرٍ وعندنا لك ما نأمل تبليغه من الخير مصرا
قل لها في صراحة الحق والحق بأنْ يُؤثرَ الصراحةَ أحرى
وثقي من علائق الأدب الباقي ولا تحفلي بأشياء أخرى
كل ما في الورى عدا العلم لا يُكبِّر شعبا ولا يُمجّد قُطرا
بعض الشهادات عن العلاقات بين مصر والسودان:
شهادة نائب رئيس صحيفة تحرير أخبار اليوم السودانيّة:
سألت نائب رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم السيد عاصم البلال الطيب عن هذه القضية فجاءت إجابته كالتالي: بالنسبة لتحوّل الأحاسيس السودانيّة المصريّة، على مستوى الشعبين والإعلام أو الحكومات في البلدين على مرّ العصور فلم تتعاطَ مع هذه العلاقة بمخاطبة الجذور الأساسيّة لها. ودعنا نكون صريحين، هنالك إحساس مصريّ بالعلويّة: إن الإخوة في مصر لهم إحساس بالعلويّة تجاه كلما هو سودانيّ، والسودانيّ يستشعر أن المصري يعتقد أن السوداني يحسّ تجاهه بالدونيّة وهذا الاعتقاد المغلوط مرفوض تمامًا عند أهل السودان.
دعني أحدثّك عن صورة واقعيّة ألتقطها قبل عدّة أيّام: أنت لا يمكن أن تصدق الكم الهائل للمسافرين الذين يفترشون الأرض ويتلحّفون السماء يومًا تلو الآخر أمام القنصليّة المصريّة بالخرطوم، لو رأيتها لتعجبت! عشرات الآلاف من المسافرين إلى مصر بسبب السياحة، العلاج، الدراسة أو المتعة وحتى للحبّ ولكلّ شيء آخر، ومصر حقيقة أمّ الدنيا، ومن هذا المنطلق فأنا أعتقد أن السوداني الذي لم يزر مصر عليه أن يراجع سودانيته متى ما جلس في مجالس متعددة، لأنّ غالبية السودانيين زارت مصر، حتى الفقراء والبسطاء يزورون مصر. إذا تحدثنا عن العلاقات بين البلدين فنجدها دائما في تأرجح لكن هنالك نقلة نوعيّة في الأحاسيس المشتركة يعمل البعض على تجميلها، بيد أنّ صوت هذه المجموعة أخفض وأخفت. وهنالك قلّة قليلة نجد أنّ صوتها أرفع وأعلى، تحاول أن تثير القلق والبلبلة بين البلدين، اللذان يرتبطان بالنيل فضلًا عن أشياء كثيرة مثل الحسب النَسب، فنحن نجد أسر كثيرة متصاهرة بين البلدين، وحتى أنا في أسرتي دم مصريّ ولدينا البعض متزوّج في مصر ومعنا في الحارة بالخرطوم بحري أخت مصريّة متزوّجة من سوداني. والعلاقات بين البلدين وإن تعكّرت بصورة أو بأخرى على المستويين الشعوبيّ والرسميّ المرتبط بتقلّب الأنظمة ستظلّ في حالة شدّ وجذب ما لم يختفِ نهر النيل ويتبدّل بسدّ النهضة.
شهادة المحلل السياسيّ وأحد أقطاب الحزب الاتحادي الديمقراطي الأستاذ الفاضلابي:
حديثي معه كان هامًا وأرجعني إلى الحقبة التي عاشرت فيها أبي وكنت طفلًا يرتع في ترهات الحياة. تطرّقنا سويًا لقضايا النهضة الفكريّة والأدبيّة في السودان وعلاقتها الوطيدة مع مصر لا سيما وأن والدي كان أحد أعمدة الحركة الاتحاديّة التي خرجت من رحم الحركة السياسيّة المصريّة. وحتى الحركات السياسية الأخرى بالسودان كالحركة الشيوعيّة، هي حسب رأي الأستاذ الفاضلابي، حركة مصريّة بالدرجة الأولى. وكانت الحركة الأساسيّة المعادية للاستعمار في مصر تدعى الحركة المصريّة للتحرر الوطني وأعضاء الحزب الشيوعيّ السوداني كانوا جزءً منها لكنهم انقسموا في فترة لاحقة بقيادة القائد عبد الخالق محجوب وأسسوا وقتئذ الحركة السودانيّة للتحرر الوطنيّ ورأت النور في فترة ما بعد الاستقلال في عام 1956 حيث كانت بادئ ذي بدء حزبًا واحدًا بصحبة المناضل النبيل والمؤسس هنري كورييل إذذاك. وهذا المناضل اليهودي كورييل هو من الذين أسّسوا الحركة المصرية للتحرّر الوطني ويعتبر شخصية هامة بالنسبة لحركة اليسار في وادي النيل على الاطلاق، ومن السودانيين الذين نشطوا فيها الأساتذة عبد الخالق محجوب التجاني الطيب وعبد الرحمن الوسيلة والجنيد علي عمر، وشاركوا من خلال "حدتو" في انتفاضة 1946 مع رفاقهم المصريين ضد الاستعمار، كذلك شارك معهم في تلك الانتفاضة الأستاذ أبراهيم عبد القيوم والذي اعتقل هو والجنيد وعبد الخالق محجوب. ونجد كلّ هذا التوثيق في كتاب أحد أعمدة الحزب الشيوعيّ السودانيّ، سفير السودان السابق بالأمم المتحدة، المرحوم السيد أحمد سليمان في مؤلفه و"مشيناها خطى". وعدا الحركة الشيوعيّة نجد من جهة أخرى حركات أخرى سياسة انبثقت من مصر كحركة الناصريين والاشتراكيين العرب. وعلى المستوى الأدبي فنحن نجد أن أهل الأدب كان يربطهم رباط وثيق بمصر مرفأ الأدب والفن. ولا زلت أذكر خطوات والدي إلى كشك الجرائد حيث يسأل عن المصور وآخر ساعة وروز اليوسف، وأخبار اليوم أو الأهرام، عدا الكتب الأدبية والشعرية التي همّوا بها وكانت تصلهم بانتظام من مصر. وقبل أبي عبر أحد أعمدة الأدب التجاني يوسف بشير في إحدى قصائده عن هذه العلاقة الفريدة بين البلدين وبين الشعبين اللذان تربطهما علاقات خالدة ترجح كفتها في الميزان أكثر من تلك الآنيّة السطحية في وسائل التواصل اللاجتماعي والتي قد تحاول أن تفرق بينهما بين فترة وأخرى ولكن سدا. نحن في عهد نظريات المؤامرة فلابد أن نحمي كل عزيز وغال علينا بحرص وقوة شكيمة، فالعلاقات بين مصر والسودان وشعبيهما غالية علينا فسوف نحميها بكل ما أوتينا من قوة حتى تعبر هذه المحنة.
(يتبع)
(نقلًا عن المدائن بوست دوت كوم)
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.