الان وبعد ان انتهت الانتخابات الطال انتظارها بحلوها ومرها بسلببياتها وايجابياتها , ننظر اليوم الى المرحلة المقبلة وتشكيل الحكومة القادمة وما يترتب عليه, من نظرة بعيدة لمستقبل البلاد, والتحديات الكامنة لاصلاح حال العباد من خلال بناء اقتصاد فاعل وفعال, في ضوء تعقيدات مشكلة دارفور و المحكمة الجنائية واستفتاء الجنوب. وبناء على تقديرات كثير من المختصصين تعتبر المرحلة القادمة في السودان من أخطر وأصعب المراحل التاريخية بعد جلاء المستعمر واستقلال السودان. ويبدو ان المؤتمر الوطني مدرك تماما لخطورة المرحلة المقبلة بدليل تصريحات كبار مسؤولية عن نيتهم لتكوين حكومة قومية وان الاتصالات مع القوى السياسية المختلفة مفتوحة مع اختلاف هذا الحديث بين الفنية والاخرى . حيث لا يريد المؤتمر الوطني أن يسطر في سجل التاريخ انه هو وحده الذي فصل جنوب السودان.فإضافة بعض القوى السياسة للحكومة سوف يضفي بعض الشرعية القومية لانفصال الجنوب, والحديث يطول عن المؤتمر الوطني والقوي السياسية الاخرى والعملية الانتخابية. ولكن كيف يمكن درء المخاطر في السودان المعاصر؟؟؟؟؟؟ أفكار الوطني لتكوين حكومة قومية للمرحلة القادمة ليس الحل للمشكلات السودانية ولكن تكوين حكومة تكنوقرطية هو الحل المناسب للمرحلة القادمة. دعونا نحدد اولا من هو التكنوقراطي حتى نبني تصورنا على الكيفية التي من الممكن تسير بها عملية بناء الحكومة المقبلة. التكنوقراطي هو كما يقول جان وليم لابيير " هو الخبير المدعو الى المشاركة في صياغة القرارات التي يفيد منها في ممارسة السلطة الفعلية ،اما بتاثيره الغالب على اصحاب السلطة الشرعية، أو بالنيابة عنهم في حلوله محلهم، أو – أخيرا- باستيلائه على السطة الصريحة باسم الشرعية العقلية". ولننتبه إلى مفهوم " الشرعية العقلية" التي هي من امتيازات التكنوقراطي وهي الشرط الأساس الذي يقوم عليه اي تصور لتحديث المجتمع باعتبار أن التكنوقراطي هو "عقل مُؤَسس" وليس شخصا يحتل مركزا أو وظيفة، ويملك بحكم "عقله "شرعية دستورية وقانوية لان يكون حاكما. فوجود البنية العقلية المجربة والممارسة الميدانية التي تولد الخبرة كشرطين أساسيين في توصيف مهمة التكنوقراطي المعاصرة هما اللتان ترجحان كفة مسؤول عن آخر. كما علينا أن ننتبه أن التكنوقراطي يُدعى لشغل منصب ما من قبل السلطة،بمعنى أن كيانه المعنوي دائما هو خارج السلطات، وكلمة يُدعى، تعني أنه يكلف بمهمة ما محددة ضمن وقت. ولذا لن يكون التكنوقراطي منتميا لأي حزب أو ايديولوجية كما أنه لن يكون طامحا باحتلال منصب دائم في الدولة لانه وهو يشغل منصب وزير مثلا, فتوزيره جاء بناء على كفاءته وليس على منصبه الحزبي. وليس معنى هذا أن كل من تخرج من كلية متخصصة يمكنه أن يكون تكنوقراطيا. فالشهادة ليست إلا عتبة لمدخل غير مأمون العواقب إذا لم تصاحب المتخرج تجربة في الاعمال الميدانية والخبرات العملية والاجتهاد والبحث، والفشل والنجاحات. ما هي التكنوقراطية؟ تقوم التكنوقراطية من حيث المبدأ " على أن تكون القدرة على التقرير والقيادة في أيدي من يسيطرون على التقنية، والتحديد الأكثر إطراء لها هو أن التكنوقراطية هي الحكم الذي يمارسه الرجال الأكفياء" لذا فهي جزء من فلسفة الحداثة. وفي اوربا بعد منتصف القرن العشرين وجدت التكنوقراطية كمنظومة فكرية ومؤسسة علمية لمنع حدوت اي ثورة تقوم بها فئات اجتماعية من غيرالتقنيين للإستيلاءعلى السلطة. بمعنى ان التكنوقراطية نتاج عصر يمنع الثورات الدينية والقومية والحزبية الضيقة ليس من اجل قمعها، بل لانها – اي هذه الثورات - لاتستطيع أن تحل مشكلات المجتمع دون دماء وفساد إدارة وسرقات وتضحيات مجانية. فالتكنوقراطية فلسفةالانتخابات الديمقراطية التي تاتي بسلطة لا تمارس دور الحكم إلا متى ما استعانت بخبرة المقررين والقياديين لوضع خطط النهوض بالمجتمع. كي تحقق التكنوقراطية القدرة والقرار الصائب تلجأ إلى مراكز البحوث ومؤسسات الأعلام والخبرات العملية والبيانات والاحصاءات وإدارة الشركات وخبرة الاسواق وما لايمكن صناعته بقرارفوقي. فمادتها السياقات الاجتماعية وتراكم الخبرات، وميدانها القرارات الكبيرة والتخطيط. لان ميدانها الفعلي هو قيادة "التقنية" أو " حكم الأكفياء"،أي هيمنة سلطة العلم وسلطة الكفاية. وقد نجد تعبيرا مناسبا عن مكانة ودور التكنوقراطي عندما نقول" الرجل المناسب في المكان المناسب". تأتي مرتبة التكنوقراطيين في النظم القديمة بالمرتبة الثانية بعد الكهان،خاصة في المجتمعات الدينية القديمة، وقد تنبه افلاطون لاهميتهم في بناء الجمهورية ووضع اسسا لوجودهم في الجمهورية قائمة على الكفاءة القانونية والفلسفية. وهو ما مكنه من ان يوازن بين أساليب الحكم واستحقاق المواطن. في حين أن التكنوقراطي في المجتمعات الحديثة، قد اصبح سلطة من غير جيوش،أما في المجتمعات النامية ومن بينها المجتمع السوداني الذي لم يصبح بعد مجتمعا صناعيا متطورا، نرى ضمورا مقصودا لهذه الفئة من الخبراء واقصاء متعمدا لهم من شغل مراكز مهمة(الصالح العام). إلا أن هنالك إشكالية كبيرة في تنفيذ هذا الأمر تتمثل في كيفية اختيارهم ... فإذا ما تم ترشيحهم من قبل الكتل السياسية أو من قبل رئيس الجمهورية أو من أية جهة كانت فان الأمر لا يختلف عن الوضع الحالي لان تبعيتهم ستبقى للجهات التي رشحتهم . ولأجل ذلك نعتقد أن الحل الأفضل هو أن توضع مواصفات ومؤهلات وشروط مهنية فنية تخصصية محددة ليس لها علاقة بانتماء المرشح الديني أو العرقي او السياسي لإشغال كل منصب من المناصب على أن يتاح الترشيح للراغبين من السودانيين الذين تتوفر فيهم هذه المواصفات لكل منصب على حدة ومن دون أن يحدد سقف أعلى لعدد المرشحين للمنصب الواحد حتى لو كان العدد الأكبر للمرشحين من اقل المكونات أو اصغر الوحدات الإدارية . ولضمان اكبر قدر من استقلالية الشخص الذي يتم تعيينه يجب أن تضاف شروط أخرى وهي أن يكون المرشح مستقلا من الناحية السياسية وغير مرتبط بأي عمل قد يؤثر على استقلاليته المهنية والوطنية . هذا والله الموفق