خبراء يطالبون مبارك والبشير بالدعوة لقمة عاجلة لدول حوض النيل د. حسن مكي: علي مصر إنشاء وزارتين للسودان وأفريقيا تاج السر بشير: الحديث عن الحل العسكري غير مطلوب ويجب تفعيل الإستثمارات العربية بالمنطقة القاهرة"أفريقيا اليوم" صباح موسى [email protected] لم يتبق سوي ساعات وتبدأ دول منابع النيل في جمع التوقيعات على الإتفاقية الإطارية حسب الموعد المقرر سلفا في الرابع عشر من مايو ، ومنذ اندلاع أزمة حوض النيل والحديث عنها يفصل بين دول المنابع في جهة ودولتي المصب " مصر والسودان " في الجهة المقابلة ، لكن المراقب عن كثب يمكنه أن يرى بسهولة أن الجانب السودانى أقل توجسا من مصر بشأن أضرار الأزمة . ويرجع المراقبون حالة الهدوء لدي الجانب السوداني بأن للسودان موارد أخرى للمياه، من مياه جوفية وأمطار، بعكس مصر، التى تعتمد بشكل أساسى على مياه النيل ، وفي كل الأحوال فإن الموقف السودانى متضامن مع القاهرة على المستوى الرسمى، وهو ما أكده وزير الرى والموارد المائية السودانى كمال على محمد من تطابق للرؤى بين البلدين فى المفاوضات مع دول المنابع. لكن الدكتور حسن مكى، رئيس جامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم،و الخبير فى الشؤون الأفريقية، يكشف فى حديثه ل«أفريقيا اليوم» www.africaalyom.com عن أن هناك حقائق تم إغفالها فى هذا الملف، وفي مقدمتها أن السودان ليس دولة مصب فقط، إنما دولة منبع أيضا. ويوضح مكي أن السودان به 600 ألف ميل مربع تهطل بها الأمطار، وهو ما يعادل مساحة كينيا وأوغندا وإثيوبيا مجتمعة، وأن ثلث مياه النيل تأتي من أمطار السودان، مضيفا أن أى تفكير من دول المنبع بإهمال السودان سوف يحدث خللاً هيكلياً، لأن السودان دولة منبع أصيلة ، مؤكدا أن الحكومة المصرية قصرت كثيرا فى جنوب السودان وأهملت القضية السودانية برمتها، وقال إن مصر رضيت أن تكسب اللحظة الحاضرة، وتخسر المستقبل في علاقاتها مع السودان ودول حوض النيل. ويدعو مكي الحكومة المصرية إلي أن تبادر بإنشاء وزارتين إحداهما لشؤون السودان، والأخرى لأفريقيا ، مؤكدا أن مستقبل مصر الحقيقى هو في هذه الدائرة وليس في دائرة علاقاتها مع الشرق الأوسط. كذلك يحذر مكى من إهمال مصر لرئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير، الذى يصفه بأنه أهم شخصية عربية خلال ال 7 أشهر المقبلة التى تسبق استفتاء الانفصال، وقال إن «بيد هذا الرجل الوحدة أوالانفصال»، وهو ما سيلقي بظلاله في الحالتين على دول الحوض، إذ ستكون هناك دولة إضافية فى تقسيم المياه، حال انفصال الجنوب، وبدلا من أن يكون الحديث عن 10 دول ستكون هناك 11 دولة. مساهمة ضئيلة فى المقابل، يقلل مراقبون من تأثير تلك الدولة المفترضة- حال قيامها- على حصة السودان من المياه، مستندين فى ذلك إلى عدة عوامل منها أن مساهمة النيل الأبيض- الذى يمر عبر دولة الجنوب المفترضة- لا تتعدى حتى وصوله الخرطوم نسبة 25% من إجمالى مياه النيل ، أما النصيب الأكبر من مياه النيل فتسهم به إثيوبيا عبر النيل الأزرق، ونهر عطبرة، والسوباط، المار فى الجنوب. إضافة إلى ذلك، فإن الجنوب ليس بحاجة ملحة لمياه النيل، فمن ناحية توجد به كميات كافية من الأمطار للزراعة، ومن ناحية أخرى يفتقر الجنوب للقدرة المالية - على الأقل في الوقت الحالي - للاستفادة من مياه النيل بصورة مؤثرة فعليا على حصة السودان. فى الوقت نفسه، فإن للسودان نصيباً وافراً من المياه الجوفية تغطى حوالى 50% من جملة أراضيه، وهو ما يعنى أن السودان لديه بالنهاية 3 مصادر مياه «أمطار، ونهر النيل، ومياه جوفية»، وهو ما تفتقر إليه مصر. إلى جانب ذلك فإن إثيوبيا، التى تتدفق من أراضيها معظم حصة السودان ومصر، لا تستطيع بحكم الظروف الطبيعية إنشاء مشاريع على نهر النيل، ذلك أن جغرافية الأرض شديدة الانحدار وغير مناسبة لإقامة مشاريع زراعية، وعليه يستبعد المراقبون أن تفكر إثيوبيا فى إنشاء سدود على النهر بغرض الزراعة، مشيرين في الوقت نفسه إلي أن اثيوبيا قد تلجأ إلي تسخيرالمياه لإنتاج الطاقة الكهربائية، والمعروف أن إنتاج الكهرباء لا يؤثر بصورة كبيرة على حصة المياه ، ومن هذا المنطلق خرج وزير الرى والموارد المائية السوداني فى تصريحات مؤخرا ليؤكد أن السدود التى تقام فى دول المنابع لا تؤثر على حصة مصر أو السودان من مياه النيل، «لأنها عبارة عن سدود لتوليد الطاقة الكهربائية». نقاشات ساخنة ونظرة إلي المشهد في مصر تكشف عن أن هناك نقاشات ساخنة تجري علي الساحة المصرية وأحاديث عن مساع مكثفة لاحتواء الأزمة، لكن ما يأخذه مراقبون علي رد الفعل في مصر هو أن هناك حديث متزايد عن أن إسرائيل وراء تصعيد الأزمة، وهو ما تقابله دول المنابع باستياء شديد، لأنها ترى فى ذلك إهانة لها باعتبار أنه يعني أن أمورها تدار من دول أخرى، حتى إن الصادق المهدى زعيم حزب الأمة استنكر في تصريحات أخيرة له الإتهامات الموجهة لدول الحوض الجنوبية بأن هناك من يحرضها أو يقف وراء مطالبها. ويرى المهدى أن هناك مستجدات تجعل مطالب تلك الدول مشروعة، وأن المطلوب الآن هو الوصول إلى حلول توفق بين الحلول المكتسبة والحقوق الطبيعية ، مؤكدا أهمية النظر بموضوعية والتحرك النشط، إذ إن هناك ضرورة لتفعيل "دبلوماسية المياه " ، مضيفا أنه لابد من بذل جهد مصرى- سودانى مشترك، وجهد آخر مع دول حوض النيل لاحتواء الأزمة. وفيما تطرح القاهرةوالخرطوم تصورا مشتركا للخروج من المأزق، يتمثل في الدعوة إلي إنشاء مفوضية لكل دول الحوض لدعم العلاقات بينها، وتنفيذ المشروعات المائية ، فإن الملاحظ أن هناك انقسام بين فريقين في مصر : أحدهما يؤكد أن هناك حرباً مائية مقبلة، ويذهب هذا الفريق فى تحليلاته البعيدة إلى أن الوجود الإسرائيلى المكثف فى دول المنابع يعزز احتمال قيام حرب حول المياه مستقبلاً ، أما الفريق الآخر، وعلى رأسه وزارة الخارجية المصرية، فيؤكد أن الأزمة سيتم احتواؤها بعيدا عن هذا التشويش، وأنه بمزيد من الاتصالات ومد جسور الثقة مع دول المنابع سيتم تطويق الموقف ... والسؤال الذي يفرض نفسه :إلي أى مدى نجحت مصر فى مد هذه الثقة، والوقت أزف؟ تصريحات دول المنبع تؤكد تمسكها بالتوقيع المنفرد غدا الجمعة ، ويرى المراقبون أن تمسك مصر بعدم المساس بحقوقها التاريخية فى مياه النيل لابد أن يصحبه عمل دبلوماسى مكثف، وخطة محكمة تراعى فيها هذه الدول، وعدم استفزازها بالحديث عن التلاعب الإسرائيلى فى شؤونها. أياد خفية ويرى بروفسير تاج السر بشير عبدالله، عضو البرنامج الدولى للمياه، عضو اللجنة الوطنية باليونسكو أن هناك أيادى خفية وراء إشعال الموضوع ويقول ل«أفريقيا اليوم» إنه لابد من أن يتم التعامل مع الموقف باعتباره أمراً واقعاً وليس «أزمة»، لأن الاتفاقية لا تلغى حقوق مصر أو السودان، مشيرا إلى أن تدخل إسرائيل يستوجب العمل لمواجهة الخطورة فى المستقبل. ويطالب «تاج السر»، الذى يعمل أيضا منسقا إقليميا للشبكة العربية للمياه والبيئة، مصر بلعب دور فعال بتقديم المساعدات والاستثمارات لدول الحوض، وبضرورة التعامل بحكمة مع الأمر، مؤكدا أن المخرج الوحيد يتمثل فى الشراكة بين دول الحوض لتعظيم الاستفادة للجميع، مشددا علي ضرورة وجود إرادة سياسية ومبادرة بين مصر والسودان للتنمية الزراعية فى دول الحوض. ويضيف أن الأزمة ستكون مستمرة إذا لم تحل جذريا، مشيرا إلى أنه حتى لو تم التوقيع بشكل منفرد من جانب دول المنابع، فمازالت الفرصة موجودة بالسعي إلي إيجاد حل ولو من خلال الجامعة العربية، عبر تشجيع الدول العربية على الاستثمار فى أفريقيا ، محذرا من أن الحديث عن حل عسكري من شأنه أن يزيد من " تأزيم " الأمر ، ومطالبا الرئيسين مبارك والبشير بالدعوة لإجتماع قمة عاجل مع دول الحوض لتأجيل التوقيع لحين الوصول لنموذج يرضي جميع الأطراف, وقال لابد من تدخل جامعة الدول العربية, وتشجيع الدول العربية على الإستثمار بالمنطقة, منوها إلي أنه لو تمت إعادة توزيع المياه فمن الممكن أن يكون لمصر أكبر من حصتها الآن. ويعتبر «تاج السر» أن انفصال الجنوب لن يؤثر كثيرا على مياه النيل، قائلا إن 84% من مياه النيل تأتى من الحبشة الإثيوبية من شرق السودان، وإن أقل من 15% تأتى من هضبة فيكتوريا أى من الجنوب، و بذلك لن يكون التأثير كبيرا.