تبدو فرص استئناف الحوار والتفاوض بين الحكومة وحركة العدل والمساواة بالدوحة شبه معدومة، في ظل الأحداث الأخيرة التي عصفت برئيس الحركة الأكبر بالإقليم المضطرب خليل ابراهيم، ورمت به مجبراً في العاصمة الليبة طرابلس، حيث تقطّعت به السبل هناك ولم يعد قادراً على الوصول لقواته داخل دارفور، بعد أن فقد ملاذه الدائم (تشاد) التي قلبت له مؤخراً ظهر المِجَن ولم تعد راغبة في تواجده بأراضيها.. إذاً لم يتبقّ أمام خليل وحركته سوى مسار واحد هو (منبر الدوحة).. ولكن الحركة ترى أن هذا الطريق لا يوصل إلى سلام اواتفاق بين الطرفين، ولديها عليه عدة تحفظات واعتراضات، علّقت بسببها مشاركتها في المفاوضات بداية الشهر الحالي، وغادرت قياداتها على اثر ذلك العاصمة القطرية، ويبدو أنها مغادرة من غير عودة، فواقع الأمر يقول إن تمسك كل طرف بموقفه يجعل من العسير جداً جلوسهما في طاولة تفاوض واحدة من جديد، خاصة بعد سعي الحكومة الجاد في مطاردة خليل ابراهيم عبر البوليس الدولي، وتعميمها نشرة بذلك على عدد من الدول لتوقيف أعضاء الحركة. لكن المحلل السياسي المهتم بالشأن الدارفوري عبد الله ادم خاطر يرى بأن لا سبيل في الوقت الراهن أمام الحركة والحكومة معاً للتوصل إلى سلام دائم سوى (منبر الدوحة)، ويضيف بأن ما يحدث من عراقيل واشتراطات هنا وهناك ماهو إلا مناورات وتكتيكات لكسب الوقت وتقوية الواقع العسكري، ويضيف "لكن الإستراتيجية الوحيدة للتوصل إلى سلام هي التفاوض عبر منبر الدوحة". وأمس رشحت أنباء عن توجّه الوسيط المشترك لمفاوضات الدوحة جبريل باسولي إلى طرابلس للقاء خليل واقناعه بضرورة العودة إلى طاولة التفاوض، ما زاد من مساحات التفاؤل لدى البعض من إمكانية إستئناف جولة التفاوض في موعدها المعلن أواخر هذا الشهر، لكن الناطق الرسمي بإسم الحركة أحمد حسين آدم قطع بعدم صحة هذه الأنباء، وقال في اتصال هاتفي مع (الأحداث) أمس "باسولي لم يلتقِ خليل، وليس هناك أية ترتيبات لملاقاته على الإطلاق"، وزاد في لهجة حادة "نحن لن نركع لأحد، ولن نستجيب لأي ضغط من أي جهة كانت للعودة إلى الدوحة، وأي قرار سنتخذه ونحن أحرار فيه"، وقال آدم إن خليل وقادة الحركة يتشاورون الآن مع القيادة الليبية حول مستقبل العملية التفاوضية، نافياً ما تردد بأنهم يلاقون تضييقاً من ليبيا، واصفاً تلك الأقوال بأنها مجرد "أماني من قبل النظام"، وتسريبات يطلقها أفراده للتأثير على موقف الحركة. وأكد أحمد آدم تمسك الحركة بموقفها الثابت بتجميد المشاركة مالم يكن هناك اصلاح جذري في كل النقاط التي طالبوا بها، إضافة للسماح لقادة الحركة وزعيمها بالعودة إلى الميدان، قبل التوجّه للدوحة.. مشيراً إلى أن القطريين منحازون للطرف الحكومي، "وما لم يتركوا هذا الإنحياز فلن نتحدث معهم، ولا تهمنا أموالهم، فنحن لدينا قضية وسنظل ثابتين عليها". وبخلاف ما ذهب إليه الناطق الرسمي بإسم حركة العدل يرى المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر بأن الوسيط المشترك جبريل باسولي يبدي حرصاً كبيراً على ضرورة التوصل إلى سلام في دارفور بمشاركة كل الحركات بما فيها حركة العدل وحركة عبد الواحد محمد نور، مضيفاً بأنه لمس ذلك من خلال اجتماعه - باسولي- الاسبوع الماضي ببرلين بعدد من منظمات المجتمع المدني الدارفورية، ويضيف خاطر في حديثه ل (الأحداث) أمس بأنه ليست هناك جهة تستطيع عزل حركة العدل أوتجاوزها في مفاوضات الدوحة، لأنها من ضمن الحركات الرافضة لإتفاقية ابوجا، وصدر قرار في العام 2006 بحضور الأممالمتحدة والإتحاد الإفريقي والجامعة العربية بالتفاوض معهم لاحقاً، ويذكّر خاطر بالإتفاق الإطاري الموقّع بين الحكومة والعدل، ويرى بأن المعركة الآن أصبحت سياسية أكثر منها عسكرية، ويقول "لن تنجح أي محاولة من الحكومة او الحركة عسكرياً في إنهاء الأزمة"، مؤكداً أن الحل النهائي الأمثل والأنفع والأجدى للسودان وللمجتمع الدولي، هو أن تشارك كل الأطراف في مفاوضات الدوحة بنية حسنة، والعمل بجدية للوصول إلى سلام دائم.. ويطالب خاطر دولة قطر والوسيط المشترك بأن يراعوا مطالب حركة العدل التي ظلت تطالب بها، بإعتبار أنها طرف رئيس في التفاوض، وليس للوسطاء مصلحة في تعطيله. مستبعداً تمسك خليل بشرط عودته للميدان حتى يعود للمشاركة في التفاوض، قائلاً إن "ما يطالب به خليل في الواقع ليس عودته للميدان، بل وجود ضمانات تمكّنه من طرح قضيته في منبر الدوحة والوصول إلى نتائج ترضيه"، وتساءل: ماذا يريد خليل من الميدان سوى السلاح؟! معتبراً أن الضمان الوحيد لخليل هو أن يكون منبر الدوحة موجوداً، فهو لديه المقدرة على إيضاح موقفه.. وتمسكت الحركة في بيان لها أمس بمطالبها السابقة للعودة إلى التفاوض، ورفضت كل الجهود التي تسعى إلى إرجاعها بالقوة ووصفتها بالمؤامرة، وقال أحمد حسين آدم ل (الأحداث) ما لم يتم الإستجابة لتلك المطالب فإننا "ربما ننسحب كلياً من منبر الدوحة إلى غير رجعة". لكن د. يوسف بخيت الخبير السابق في الأممالمتحدة قلل من تمسك الحركة بمطالبها وقال إن عودتها إلى التفاوض ممكنة، وأضاف في حديثه ل (الأحداث) أمس بأن خليل ابراهيم إعتاد على النظام التكتيكي في مثل هذه المواقف، فهو يسعى لخلق هيبة وهالة لنفسه، حتى يضع له المشاركون في المفاوضات ألف حساب عند عودته اليها، ويقطع بخيت بأن خليل "سيعود للدوحة"، داعيا جميع الأطراف حثه على العودة للتفاوض لأنه "بخلاف خليل لن يكون هناك حل، فهو أصبح رقم يصعب تجاوزه".. ويشير إلى أن الجميع متفقون على منبر الدوحة، بإعتباره الفرصة الوحيدة لتحقيق سلام دائم في دارفور، ويرى بخيت بأن الحركة تركز في مطالبها على صحيفة النوايا الحسنة، ولكن المشكلة أن وفد الحكومة ليس لديه منهج واضح وهدف محدد في التفاوض، وأيضاً مواقفه متشددة في كثير من النقاط. ويتفرض أن يضع الطرفان مشاكل النازحين واللاجئين في مقدمة نقاط التفاوض، ويسعيان لإيجاد حلول لها. ... الآن تبدو الصورة أكثر ضبابية، ما بين تمسك حركة العدل بشروطها التي ليس لها سقف محدد، والتي تزداد بصورة عكسية كلما تقلّصت مساحات تحركها، وبين تشدد الحكومة وتمسكها بمواقفها، وسعيها لتوقيع إتفاق مع حركة التحرير والعدالة يوم الخميس المقبل، دون أن تستصحب ذاكرتها خطأ التوقيع مع حركة واحدة منفردة، ولعل الخطوة الأقرب للمراقبين الآن هي إنسحاب حركة العدل من منبر الدوحة نهائياً، وعندها تنتهي جولة طويلة من التفاوض، لتبدأ (الساقية) من جديد في البحث عن عاصمة أخرى لتفاوض جديد، قد يستمر أيضاً لأشهر أخرى دون التوصل إلى سلام قد لا يأتي أبداً !! Gamal Alhaj [[email protected]]