كانت القهوة بالرغم من أن جميع عناصرها تأتي من خارج السودان ... سودانية خلاسية لها طقوس وعادات شرب مماثلة لتلك المتبعة لدي الاحباش بدأ من التجمع والتحلق حول صناعتها ، وتداول المقلاة عندما تسًمر حبيبات البن وأستنشاق دخانها زكي الرائحة ، ثم الاستمرار في إعدادها وشربها " بكري وتني وبركة " ... هذا مع الاشياء الاخري المصاحبة من بخور وإيقاعات تتفنن فيها مديرة الجلسة ... تستغل فيها صوت خشخشة البن حينما تقع عليها المطرقة " المدق " مع صوت السندان " الفندك " مع فرقعة حجولة التي تتوسط خاصرته مصحوبة بصوت مختلط حينما ترفع " الفندك " من علي الارض وتسقطه مرة أخرى وتقرع علي حافتيه كما يقرع الجرس فيصدر إيقاعاً حبيباً يخلق جواً من البهجة ... وربما تدندن بكلمات تتغني فيها بالقهوة الليلة نوم أنا عيني قل وغير العسل ما عندي حل شدوله فوق الهبًطل فحماً صنوبر موضقل دخاناً ما بيعمي النظر متل الدعاش للحبان وصل بخوره فاح للجو رحل وهوى يا ناس أنا أنسطل وفي إعتقادي أن مبدأ التأصيل الذي تداولناه مؤخراً هو نظام سوداني أصيل فهناك رواية شعبية تأصل لشرب القهوة وهي الرواية التي تقول بأن الشيخ أبو الحسن الشاذلي ولعله كان ببلاد اليمن يجاهد نفسه لمغالبة النوم ليستزيد من العبادة وكان يجد صعوبة في ذلك إلي أن هداه الله إلي عشبة أعانته علي الاحتفاظ بنشاطه وساعدته علي مغالبة نومه وكانت هذه العشبة هي" البن " وكانت الجدات في السودان يبدأن بالدعاء للشيخ أبو الحسن الشاذلي عند شرب القهوة وكن يعتقدن أن خيراً عميماً سوف يعم حتي سميت آخر مراحل شرب القهوة بالبركة جلستنا تعمر وبيك يهل والسعد بيك والخير يطل نتلم دايما وبيك نكتمل ورضي الكريم يسري ينهمل ولا أدري من أين جائت "كلمة الجبنة " فلعلها بجاوية وهي مستعملة في الشرق المعروف بإدمانها وكذلك في كافة أنحاء السودان. ومع تغير نمط المعيشة في السودان ... وإختلاف إيقاع الحياة وتنوع المهن والحرف ، خصوصاً في العاصمة ، وبعد دخول أعداد كبيرة من الجاليات الارترية والاثوبيىة كثرت المحلات التي تقدم فيها القهوة بالطريقة الحبشية وبدت تختفي المظاهر السودانية من جلسات القهوة وتتسرب عادات "فرش البرسيم " والحلوي والفشار إلي البيوت السودانية ... وفي بعض الاحيان طريقة اللبس واللون الاحمر وتخصيص فنجان " للبكري " لا يشربه أي من الحضور ... لقد إختلط الزار بتك الجلسات البريئة وبدأت تتلاشي السودنة والتاصيل وحل محلها التحبيش والتزيير" من زار " يرجع تاريخ معرفة شرب القهوة إلي منتصف القرن الخامس عشر بواسطة متصوفة اليمن وهذا ربما يرجح صدق الرواية الشعبية السودانية التي ذكرناها علما بأن الشيخ أبو الحسن الشاذلي المولود بالمغرب والذي عاش في الفترة مابين النصف الثاني للقرن الثاني عشر والربع الاول من القرن الثالث عشر والذي عرف بأسفاره الكثيرة لبلاد الشام ومصر ولكن لم يذكر أنه سافر إلي اليمن أما الاقوال التي تقول بأن منشأ القهوة أو البن هو أثيوبيا فلم تظهر إلا في القرن السابع عشر . دخلت كلمه Coffee علي قاموس الانجليزية في عام 1958م م عن طريق تاجر هولندي وهي مشتقة من الكلمة التركية " كافا" منطوق قهوة العربية بالنسبة للسان التركي ... ويقال أن هناك إحتمال أن تكون تكون مشتقة من أسم مملكة " كافا" الحبشية منشأ نبتة القهوة وتعرف عندهم ب " البونا " . الطريف في الامر أن القهوة في أول ظهورها صدر حكماً من المحكمة الشرعية بمكة سنة 1511م يحرم شربها لأنها أعتبرت من المنشطات ، إلا أن ذيوعها وإنتشارها أدي إلي صدور أمر سلطاني سنة 1524 في عهد السلطان سليم الاول إعتماداً علي فتوي أخري تبيح شربها لذلك منع شرب القهوة في القاهرة سنه 1532م وأغلقت أماكن شربها ومحال بيعها . أما في الحبشة فكان شربها محرماً بواسطة الكنيسة الارثوذكسية لإعتقادهم بأن القهوة هي شراب المسلمين ولا تجوز للمسيحين لكن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر 1886-1880 م قام الامبراطور منليك بإبطال هذا المعتقد لأنه كان من محبي القهوة علي كل حال التاريخ المعروف غير بعيد عن الحكوة الشعبية إن لم تكن هي الاصح فالثابت ان الملكية الفكرية مسجلة بأنها مشروب عربي ويعود فضل إنتشاره في أوربا وبقية العالم للدولة العثمانية التي كانت سيدة العالم في ذلك الزمان . أما عندنا في السودان لا أدري كان هناك تاريخ معروف لزمن دخولها وإنتشارها ولكن غالباً ماتكون معروفة هنا قبل وصولها إلي أوربا أما هل الطقوس والعادات التي ذكرتها في صدر هذا المقال هل هي حبشية أم سودانية ؟ أم هل هي حبشية سودانية " مشتركة " كل أضاف لآخر إشتركت فيها قبائل الأرومو المسلمة التي كانت غير معنية بأمر تحرميها – مع قبائل شرق وشمال السودان !؟ اتوقع من القراء إضافات حول من أين أتي مسمي الجبنة ومن أين جائت الجبنة نفسها !!؟؟