بسم الله الرحمن الرحيم حمد عبد الهادي - كاتب وسياسي شهد شهر أبريل المنصرم حدثاً إستثنائياً في السودان بإجراء انتخابات عامة بعد أربعة وعشرين عاما من آخر انتخابات تعددية ديمقراطية . طال إنتظار الشعب وقادة البلاد للحدث المفصلي منذ توقيع إتفاقية نيفاشا قبل خمسة أعوام و كانت الآمال معقودة بأن تكون الانتخابات جسراً تعبر به البلاد إلى بر السلام والأمن المنشودين ، ولكن لأسباب كُثر ، تكسر الحلم على جُدر التعصب والإقصاء والقصور الإداري ، فتمخض عن مولود غير شرعي ، ينذر البلاد بشر مستطير. في العام الماضي تكونت المفوضية القومية للانتخابات للإشراف على ترجمة نصوص إتفاقية نيفاشا ، وتحويلها لآليات تحقق التحول الديمقراطي المنشود ، قام على أمر المفوضية قادة تمرسوا على العمل الإداري والتنفيذي لعقود مضت ، وتسنم رئاستها من خبر العمل السياسي والقانوني في البلاد لأكثر من خمسين عاما. بيد أن المتابع لنتائج العملية الإنتخابية ، يستطيع بكل يُسر أن يستخلص الكثير من العظات والدروس والعِبر التي يجب أن نقف عليها كشعب يحاول مراراً أن يتعلم من أخطائه بمحاولات قياسية في عواقب التجربة والفشل. كشفت العملية الإنتخابية قصورا إدارياً وسياسياً أوجع قلب كل حادب على مصلحة الوطن ، وأحزن كل عاقل يفكر بلبه دون قلبه. كما أفرزت نتائجا تجعلنا وجلين مما هو أتِ آت. 1 القصور الفني والإداري وغياب الوعي الإنتخابي رغم توفر عاملا الوقت والامكانيات، إلا أن المفوضية القومية للإنتخابات فشلت فشلا ذريعا في توفير أدنى مقومات النجاح للعملية الإنتخابية ، فرغم أن الإنتخابات كان مقرراً لها أن تجرى في يوليو 2009 ، إلا أن الميقات الزماني تأخر لفبراير ثم أبريل من هذا العام، مما أتاح الفرصة الكافية للمفوضية لإستدراك كل عصي ، كما أن الدعم الدولي والحكومي المقدر وفر للمفوضية ميزانية فلكية صرفت دون سقوف لغياب القيادة الرشيدة والكفاءات الإدارية ، كما شهد عمل المفوضية فوضى أضاعت الوقت والجهد والمال ، فمنذ اليوم الأول للإنتخابات ، نتج عن عدم المبالاة والقصور الفني والإداري خلط أوراق الإقتراع وغياب رموز المرشحين و تأخير صناديق الإقتراع عن كثير من الدوائر الانتخابات في مختلف أنحاء البلاد ، بل ترتب على هذا القصور ، تأجيل الإنتخابات في الكثير من الدوائر الجغرافية ، حدث هذا في ظل تغطية إعلامية إقليمية ودولية كشفت هشاشة وتدني كفاءة أجهزتنا الإدارية مع إنتفاء القدره علي تنظيم عمل كبير ومتقن . حدث هذا، رغم تشدقنا بأ ننا "نفوق العالم أجمع". إن كنا نعيش في دولة تحترم مبدأ الشفافية والمحاسبة التي تستوجب استقصاء الحقائق ، ومحاسبة المقصرين لما أدركنا مثل هذا ولتم محاسبة الذين ما فتؤا يكابرون على مقدرتهم علي تنفيذ إنتخابات مبرأة من كل عيب. كما وضح أيضا أن العملية الإنتخابية معقدة بشكل ملحوظ ، وكان بالإمكان تبسيطها في بلد ينتشر فيه الجهل وقلة الوعي الديمقراطي. أوضح مثال لذلك فشل نائب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب من التصويت الصحيح ناهيك عن غالبية الشعب في الجنوب ، والشمال على حدٍ سواء. كما أوضحت العملية الإنتخابية ، تفشي الأمية في كل بقاع السودان حتى وسط الشباب في أطراف العاصمة القومية مما يشير إلى عظم المسئولية الملقاة على كلٍ سياسي مستنير يحلم بنشر الوعي والإصلاح في البلاد. 2 تزوير الإنتخابات تيقنت الأحزاب السياسية بل و معظم سكان البلاد ، أن الإنتخابات تخللها تزوير مكشوف لصالح الحزب الحاكم ، الذي لم يخجل لستر عورته أو مداراتها. فرغم أن الكثيرين كانوا يؤمنون بأن التعداد السكاني كان باطلاً ، وأن السجل الإنتخابي كان مزوراً ، إلا أن الكثيرين تفاجأوا بعدم مبالاة الحزب الحاكم وهو يجهض العملية الإنتخابية بالأساليب الفاسدة .. الترغيب والترهيب بل بتزوير بطاقات الإقتراع في وضح النهار. ولأن التزوير جريمة في عرف القانون فمن السهل إثباتها ، سيما أن الحزب الحاكم لديه الدافع القوي للإستمرار في السلطة ، ولديه آلية التنفيذ، ممثلة في أجهزة الدولة التنفيذية والأمنية ، ولديه السوابق مما أثبته الشهود العدول من أهله ، يضاف إلى ذلك قرائن الأحوال مما لا يخفى على كلٍ ذي بصر و بصيرة . وإن كان هذا لا يكفي ، فالجرم قد تم إثباته على مرأى وبصر الكثيرين ممن شاركوا ووثقوا لهذا الجرم المشين لسمعة السودان والسودانيين. وحده الحزب الحاكم ، ومن والاه عميت أبصارهم وقلوبهم كأن بها غشاوة عن رؤية الواضح الجلي ، والأسوأ من ذلك أن يتم تسويق اغتراف هذا الجرم والتزوير الموثق على أنه إنتصار "ساحق" و"ماحق" وهم لا يعلمون أنهم بذلك في غيهم سادرين ، فالعاقل يدرك أن بناء دولة الحق لا تقوم على أساس الباطل ولا تشاد قصور العدل فوق أرض الظلم ولا يشترى الصدق بمال الكذب ولا تلبس الأمانة ثوب الخيانة. منهج الحزب الحاكم والمستظلين بوارفه ؛ أن الغايه تبرر الوسيلة ، وإن وحدة السودان وسلامته تستوجب قتل مُثل الحق والعدل والإنصاف ، وهم لايعلمون أنهم بصمتهم إنما يطيلون عمر البغي والطغيان ، ويؤسسون لنسف بنيان البلاد المرصوص بنشر سرطان الظلم والباطل . على العاقلين من أعضاء الحزب الحاكم ومن ولاه ، أن يكبحوا جماح كل من خطط وشارك ونفذ هذا التزوير ، وأن يلتفتوا إلى صوت كل حادب على أمن وسلامة الوطن قبل فوات الأوان. يعلمنا التاريخ أن العجز عن منع الظلم والطغيان ، حتما سيؤدي إلى الفساد والإستبداد ومن ثم ضياع الأمم. H Hadi [[email protected]]