السودان ذاك الوطن المادى بحدوده الجغرافية المحاددة لتسعة دول افريقية كان يمكنه ان يكون ذروة سنام القارة الافريقية حضارة وتقدما لولا قصر نظر ساسته بعد الاستقلال ,كما انه وطن معنوى بمؤسساته المختلفه , التشريعية والتنفيذية والقضائية اضافة الى سلطته الرابعة (الصحافة)..بقاء الوطن المادى يستند كثيرا على منهجية الوطن المعنوى و تطوره , و هذا لا يتآتى الا بالممارسة الديمقراطية الراشدة البعيدة عن الاهواء و النزوات , كل هذا يمكن حدوثه بمزيد من الممارسة الشفيفة و قوة الانتماء التى يتساوى فيها الجميع فى الحقوق و الواجبات و ادراك ان الوطن مجموعة من المؤسسات المتشابكة .. اولها : السلطة التى تقوم بادارة الوطن مع مجموعة المؤسسات الاخرى فى تناغم و انسجام .. و لعل التوزيع المتوازن لوظائف الدولة على جهات متعددة يعززالشعور بالانتماء و يبعد شبح التهميش و الاقصاء كما انه يمنع كثيرا غلو الاستبداد الذى استشرى لاكثر من عقدين ...فحقوق المواطنين هى واجبات الدولة و حقوق المعارضة هى واجبات السلطة .. لذلك ليس منوط بالدولة ان تفرض ايا من الواجبات على مواطنيها...و ليس للسلطة ان تفرض ايا من الواجبات على المعارضة .... ثانيا : المعارضة الفاعلة ذات الوجود الشرعى فى الساحة السياسية والتى تعتبر شريك اصيل فى هموم الوطن و جزء من الوطن , بل اضافة له لا انتقاص منه تعمل على تجويد اداء السلطة لا تعيبها من خلال المعارضة , بل انها الوجه الاخر للسلطة و المكمل لها و التى تعمل بكل جد لكبح جماح السلطة فى محاولة التفرد باحتكار الوطن و تشكيله حسب اجندتها الحزبية و اهوائها الضيقة ...لذلك يجب الحرص على وجود معارضة فاعلة تعمل بتناغم مع السلطة المنتخبة من اجل الوطن دون ان تذوب فيها ...لذلك يجب ان تكون اولى هموم السلطة المنتخبة الاتى :-- (1)المساهمة فى ايجاد معارضة فاعلة من خلال تهيئة مناخ معافى للمعارضة بشفافية فى الاداء يسبقها خطاب سياسى متوازن بعيد عن السباب و الشقاق والنفاق لنرسى تقاليد للعمل السياسى القويم و ممارسة ديمقراطية راشدة .... (2)السلطة المنتخبة منوط بها اخذ زمام المبادارة فى فتح قنوات الحوار السياسى الموصدة , خاصة بعد الاداء الانتخابى المثير للجدل داخليا و خارجيا ... و عندما نقول حوار سياسى نعنى الطرح و الطرح المضاد , الاخذ و العطاء , المبادرة او المناورة , الاقتراحات المتقاربة التى تؤمن سلامة البلاد و العباد و تمنع احتكار الوطن و تؤطر للتداول السلمى للسلطة بعيدا عن الاهواء و الحسابات الضيقة .... (3)السلطة المنتخبة عليها الاستعلاء فوق الصغائر و المعارضة عليها تجاوز المرارات , بحثا عن القواسم المشتركة التى يمكن توظيفها من اجل وطن يسع الجميع حيث لا مزايدة و لا ابتزاز ... (4)على السلطة المنتخبة ان تعلم ان من يعارض الحكومة او يهاجمها ليس معارضا للوطن او عدوا له ..بل معارض لاداء السلطة المنتخبة التى تختلف عنها فقط فى الوسائل مع الاتفاق على جوهر قضايا الوطن الكلية ,, و لعل ذلك يقتضى ضرورة فك الاشتباك بين مفهومى الوطن و السلطة فى الفهم و الاستيعاب , و ضرورة التعاطى مع تلك المفاهيم بوعى و ادراك حكاما و محكومين ..... التمييز بين الوطن ( الدولة)...و السلطة (الحكومة ):-- ينبغى ضرورة التمييز بين الوطن و السلطة .. فمفهوم الوطن اكثر اتساعا من السلطة , حيث ان الوطن كيان شامل يتضمن مؤسسات القطاع العام و كل اعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين ...و اهمية شعور المواطنين بالتساوى فى الحقوق و الواجبات دون عزل او اقصاء بسبب دين او عرق , و هو ما يعنى ان السلطة ليست الا جزء من الوطن .. اى ان السلطة هى الوسيلة او الالية التى تودى من خلالها الدولة سلطتها و هى بمثابة عقل الوطن و لبه ..ان الوطن ككيان اكثر صيرورة و ديمومة مقارنة بالسلطة المؤقتة بطبيعتها ...و التى هى عرضة للتصارع و الاقتتال .. اما سلميا (الديمقراطية ) او عسكريا (الانقلابات العسكرية ) ..حيث تتعاقب الحكومات (السلطات) , و قد يتعرض نظام الحكم للتغيير او التعديل مع استمرار النظام الاوسع والاشمل و الاكثر استقرارا و دواما الذى يمثله الوطن (الدولة) ... ان السلطة التى مارستها حكومة المؤتمر الوطنى قلبت هياكل الدولة رأسا على عقب بل تعداه الى احداث خلخلة فى الاندماج الاجتماعى لجموع السودانيين و لعلها الحكومة الوحيدة على مر التاريخ السودانى التى تدافع شعبها فى فجاج الارض و خارج اسوار الوطن بغضا و كرها لسياستها الرعناء .. نعلم ان السلطة مجردة (غير مشخصنة ) ..بمعنى ان الاسلوب البيروقراطى فى اختيار موظفى هيئات الدولة و تدريبهم يفترض عادة ان يجعلهم محايدين سياسيا تحصينا لهم من التقلبات الايديولوجية الناجمة عن تغيير الحكومات و ثم بعد اخر و هو تعبير الوطن (نظريا على الاقل ) عن الصالح العام او الخير المشترك ...و لكن عاثت حكومة المؤتمر الوطنى فى ذلك الامر فسادا حيث انتفى الحياد السياسى حتى فى شاغلى الوظائف الدنيا و استمرأت الامر و اضافة له بعدا اخرا تمثل فى الانتماء القبلى المنقوص و تعداه الى الانتماء الدينى الضيق و ذلك تعكسه التفضيلات الحزبية و الايديولوجية المعينة التى ارتبطت و ما زالت بشاغلى مناصب السلطة منذ 1989 و حتى تاريخه ... المؤتمر الوطنى و ادمان احتكار الوطن :- منذ يونيو1989 دخلت البلاد فى شمولية عسكرية استمرت حتى توقيع اتفاقية السلام الشامل فى يناير2005 و التى ادت الى نوع من الديمقراطية الاستثنائية (المحاصصة) , فأفرزت حكومة الوحدة الوطنية مجازا المنوط بها تنفيذ بنود الاتفاقية ... لقد تعمدت حكومة المؤتمر الوطنى الى خلط الاوراق فتصرفت فى شأن الوطن و قضاياه و كأنها هى الوطن ...متجاهلة حقيقة ان المؤتمر الوطنى (الحزب) يعمل لدى الوطن الذى قد يستبدله بنظام اخر قسرا ان هو تقاعس او انحرف عن الاهداف العامة الاستراتيجية و ان طال المدى ...لعل هذا الخلط فى الاستيعاب دفع المؤتمر الوطنى من اتهام معارضيه بالخيانة تارة و بالعمالة تارة اخرى ...هذا يؤكده رغبة المعارضة فى الوصول للسلطة لتحقيق برامجها السياسية والاقتصادية و الاجتماعية و لو عبر حمل السلاح و هو ما يعتبر جريمة نكراء ضد الوطن فى نظر المؤتمر الوطنى ... ان المفهوم الخاطئ الذى عمد اليه المؤتمر الوطنى فى استلاب الوطن واختزال الوطن فى السلطة لم ولن يكن فى صالح المواطن البسيط و لا فى سلامة الوطن و امنه , بل كان لصالح دولة الحزب و منسوبيها, حيث استغلت اجهزة الدولة و تم تسخيرها للدعاية السياسية (اجهزة الاعلام ) , و ايضا فى القمع و التنكيل بكل من يعارضها الرأى و التوجه (اجهزة الامن )... لقد اوغرت حكومة المؤتمر الوطنى صدور المواطنين ضد الوطن و ليس ضد الحزب بعد ان تم الخلط المريع بين الحزب و الوطن ...فبدأ للجميع ان الدولة هى التى تقمعهم , فبدلا من الخروج على نظام المؤتمر الوطنى خرج الجميع على الدولة بأكملها ... ان اختزال الوطن فى السلطة المطلقة التى مارسها حزب المؤتمر الوطنى فى تسيير شئون البلاد و العباد ادت الى اعتلال الوطن و المجتمع فصار مسكون بكل الاوجاع السياسية التى لا براء لبعضها الا بالبتر حسبما ترسخ فى اذهان البعض ...و هذا جرم يتحمل الانقاذ (المؤتمر الوطنى) وزره على مر العصور و الازمان , و الا كيف نفسر استمرار ذاك المنبر القمئ و اساطينه (منبر السلام العادل ) فى بذر بذور الشقاق و النفاق و كل الاحقاد .. يفعلون ذلك بمباركة النظام الذى يغض الطرف عن خال الرئيس و افعاله واقواله فى سيئة الصيت ( الانتباهة) , بينما يأخذون شيخهم الذى بلغ من الكبر عتيا الى غياهب الاعتقال بحجة نشر اكاذيب تضر بالدولة , فلا كبر سنه شفع له ... و لا ان الذى ينعمون به هو ثمار غرسه و بالتالى هو اولى بالمعروف من غيره .... اللهم لا شماته ... لكى يتعافى الوطن سياسيا لابد من فك الارتباط و الاشتباك بين مفهومى الوطن و السلطة ...و يقينى ان هذا الامر لن يتم الا بممارسة الديمقراطية الراشدة ... و مزيدا من الديمقراطية ... الشمولية دائما تسعى لاحتكار الاوطان فى تنظيماتها برؤية احادية و خطاب سياسى واحد, تحاول ما استطاعت حشد كل المؤسسات خلفها ... فتعزل الرافض و تغيب الوعى و تزيف الحقائق و تحاول ما استطاعت تغيير الثوابت ...حتى اذا زين لها بعض المطبلاتيه و ماسحى الجوخ بأن الكل معهم ..لحظتها اعمتهم سكرة النصر الزائف فصار الكل عندهم مؤتمر وطنى ... الشمولية ادت الى استشراء السلطة المطلقة فى كل دوائر الدولة من مجلس الوزراء الى اللجان الشعبية بالاحياء , فقد استقوى اهل الثقة من منسوبيى المؤتمر الوطنى و اعملوا فى البلاد والعباد ما لا يخطر على بال بشر , حتى شعر السواد الاعظم من السودانيين بأنهم مجرد رعايا لا مواطنين , وهو احساس تجزر فى الكل بعد ان تفنن الموتمر الوطنى و منسوبيه فى تشكيل الوطن و احتكاره .... لقد احتكروا السودان منذ 1989 فتباعدت المسافات (أديان و اعراق و جهات ), و تعقدت الحسابات بين الحكومة و القوى المعارضة .. و بسبب ذلك الاحتكار فقد بعضهم الانتماء و حمل جلهم السلاح حتى غدى السودان قاب قوسين من التقسيم و الصوملة ... المؤتمر الوطنى و حصاد البيدر الانتخابى :- بعد ان استعد المؤتمر الوطنى للانتخابات الماضية باللسان و السنان .. ها هو يقطف ثمار غرسه فوزا كاسحا تشوبه كثيرا من المغالطات نتيجة للتزوير و التدليس الذى اكتنف العملية الانتخابية , نعم فاز المؤتمر الوطنى و فى النفوس شيئا من حتى !!! و لكن !!! بما اكتسبه المؤتمر الوطنى من مشروعية ديمقراطية من خلال العملية الانتخابية , يتعين عليه الا يظن انه المجتمع و الوطن و السلطة فى آن واحد ...هذه النظرة الفرعونية الضيقة تجعل الاخرين غير ممثلين فى ذاك المجتمع ..او ذاك الوطن ..او تلك السلطة , فيحاول جاهدا ان يبحث عن وطن بديل و خاصة ان كثيرا من الالغام التى زرعها المؤتمر الوطنى فى الخارطة السياسية السودانية لم يتم نزعها بعد ... اقواها و اعتاها حق تقرير المصير لجنوب السودان الذى يلوح فى الافق القريب , اضافة لقضية دارفور الشائكة و المشورة الشعبية لمنطقتى جبال النوبة و جنوب النيل الازرق و اتفاق الشرق الهش , كلها اشكاليات تؤكد خطل سياسة حزب المؤتمر الوطنى فى تفرده بالحكم .... فوز المؤتمر الوطنى يجب ان لا يعنى محاولته مره اخرى اغتصاب الوطن و استلابه و تثبيت اقدامهم عبر الشمولية (الديمقراطية ) التى تحصلوا عليها عبر انتخابات مشكوك فى كثير من نتائجها .. و الا اعتبرناهم لم يستوعبوا مجموعة المفاهيم التى اثرناها سابقا ...فان احتكار المؤتمر الوطنى للوطن و اختزاله فى السلطة دون وجود معارضة سياسية قوية تكبح جماح شهوة السلطة لدى معظم سياسيى المؤتمر الوطنى يعنى تزييف الوعى و تغييبه و محاولة اخرى لانتاج ذات الفشل و اعادة سيناريو الشعب السودانى على الولاء و البراء لحزب المؤتمر الوطنى و توجهه الحضارى العاطل و ليس للوطن و الدستور او القانون و هو ما يستوجب المراجعة من قبل المؤتمر الوطنى حتى لا تعمم ذات الانطباعات السالبة و لايتم تأجيج المخاوف و لا احياء ذات التقاطع و التنافر و التناحر ... فأن قوة المعارضة من قوة الحكومة المنتخبة حيث يشارك الجميع بمسئولية فى بناء الحاضر و تخطيط المستقبل لوطن انهكته الجراح .. و الا صارت الممارسة الديمقراطية شر مطلق ينبغى التخلص منه و لو بواسطة بعض المغامرين حيث يدكون حصونها الآمنه فى ليل بهيم بأنقلاب عسكرى زنيم ... حينها سيتفرق السودان حتما شذر مذر ... و اخيرا اهمس فى اذن الجميع :- ان كل نظام سياسى لا يمتلك وسائل الحماية الذاتية و هنا لا اعنى بالحماية القوة الامنية او الشرطية و انما اعنى مشروع سياسى --- اقتصادى---اجتماعى متكامل , تظلله شفافية فى الممارسة الديمقراطية و حسن توزيع عادل للثروات على جموع افراد المجتمع و مشاركة فاعلة فى السلطة و عدم التصادم مع مكونات الامة المتباينة (دينا و عرقا )..فأن كل وسائل التأييد الخارجية لا تنفعه لانها ببساطة ليست من طبيعته فأن لم يكن يمتلك المقومات المذكورة آنفا فأنه حتما سيسقط و سيخلفه نظام آخر لديه مقومات البقاء و هكذا دورة الانظمة ... و لكم من الود اجزله ... موسى عثمان عمر على (بابو) -- استراليا –كوينزلاند
