بسم الله الرحمن الرحيم مصر الحماية البريطانية جهدت لأن تنال إستقلالها من بريطانيا ، وكانت تحسب أن الإستقلال سينتهي بالتسليم لها بأن السودان أرض مصرية ، ولكن التمنع البريطاني أحبط ذلك . وحين عقدت مصر مع بريطانيا في سنة 1936 معاهدة وصفها رئيس وزرائها يومئذ بأنها معاهدة الشرف والإستقلال ، اكتفت بالنص في تلك المعاهدة على العمل مع معاهدها على ما أسمياه برفاهية السودانيين . نصيب السودان في اتفاق الطرفين أصاب مثقفي السودان بخيبة أمل فتنادوا للدفاع عن مصالح السودان . بدأوا بمؤتمر الخريجين ثم تفرقوا أحزابا لكل منهم مشربه . بأخرة تحلقوا حول اتفاق 1953 بين مصر وبريطانيا الإتفاق الذي أسس لاستقلال السودان . حول الفترة الممتدة منذ اتفاق مصر وبريطانيا في سنة 1936 والمنتهية باتفاقهما مرة أخرى في سنة 1953 ، كتب د. فيصل عبد الرحمن علي طه كتابه الأول بعنوان الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان ( 1936-1953). أما وقد انتهى الصراع المصري البريطاني بشأن السودان إلى نهاية أرخ لها اتفاقهما في سنة 1953 ، فإن الصراع كديدن أو نشاط لم ينته ، وإنما أعقب الصراع المصري البريطاني صراع آخر صراع سوداني سوداني . اتفاق 1953 بين مصر وبريطانيا أسس لما قد يعقب الحكم الثنائي : استقلال أم وحدة او اتحاد مع مصر فلقد كان ذلك هو الفكر السياسي السائد يومئذ . عن فترة السنتين الممتدتين من أول 1954 والمنتهيتين في أول 1956 يكتب د. فيصل كتابه الأخير بعنوان السودان على مشارف الإستقلال الثاني ، اما الإستقلال الأول فقد كان قبل عدة عقود مضت . مع أن الحقبة التي يغطيها الكتاب " قصيرة بحساب الزمن لكنها في واقع الأمر حافلة بالأحداث الجسام والتطورات المثيرة " ، ولعل ذلك يفسر لماذا بلغت صفحات الكتاب الاربعمائة . الكتاب ضم صورا لأشخاص مؤثرة على المسرح يومئذ ، كما ضم صورا لوثائق رسمية واشتمل على نحو خمسين وثلاثمائة إسم هم فريق ‘اللعيبة ‘ ورجال الخط وربما المشجعين في قصص د. فيصل . لعلهم لم يكونوا كل من كان هنالك ولكنهم النفر الذي اهتدى إليه بحث دكتورفيصل . ثم لابد لك أن تقرأ الكتاب لتعرف أن برلمان السودان كان له ثلاثة فرسان كما كان للجمعية التشريعية من قبله ثلاثة فرسان ، و لتعرف لماذا تأخر إعلان استقلال السودان من أكتوبر حتى أخريات ديسمبر سنة 1955 ، ولعلك تجد في ذلك تفسيرا للخلاف اللاحق حول العملة وحرقها ، وكيف تم أول انقسام في الحزب الشيوعي ، ودور الطلاب والصحافة والجنوبيين في خضم حياتنا السياسية ، وستكتشف أن أجندة الحركة الشعبية السياسية اليوم هي أجندة أهل الجنوب يومئذ ، فلقد كانت أجندتهم يوم ذاك هي ما أسموه بالتنمية الإقتصادية والإجتماعية للجنوب ولجبال النوبة والفور والفونج ( أي جنوب النيل الأزرق ) ،غير أن الإنقاذ عاونهم اليوم فأضاف تقرير المصيرإلى مطالبهم . الأسلوب البحثي الذي امتاز به الكتاب سيدهشك أن تعلم منه أن استقلال السودان، الوصول إليه لم يكن من عمل المنادين به او من دعاة الوحدة أو الإتحاد بعد أن تحولوا عن دعوتهم ، ولكنه نتاج لقراءة واعية للأحداث وتخطيط ذكي لإدارتها ، تخطيط وإدارة قام بهما البريطانيون وانتهوا بهما إلى استقلال البلاد . لدكتور فيصل من قبل كتابات رصينة كلها تقدم مراجع عن موضوعات سودانية ، فقد كتب عن القانون الدولي ومنازعات الحدود وعن مياه النيل وعن حلايب وعن اتفاق الحكم الثنائي وعن السودانيين والبحث عن حل لأزمة الحكم . مركز عبد الرحيم ميرغني الثقافي قام بنشر الكتاب في مايو الفائت في طباعة أنيقة وقد زينت واجهة غلافه الأولى بعلمي الحكم الثنائي يهبطان ساريتيهما بينما يرتفع علم السودان على ساريته .أما صفحة الغلاف الأخيرة فقد كانت عليها صورة من كتاب أصدره أعضاء البرلمان مجتمعين يعلنون فيه أن السودان قد أصبح دولة مستقلة ويطلبون من دولتي الحكم الثنائي الإعتراف بها . عمل آخر ( إلى جانب النشر) في طريق إسهاماته في نشر المعرفة في السودان ومنه، فقد افتتح المركز دارا ومضى يجمع فيها ما يخص السودان ، وتكلف ترجمة ما كتب فيها بلغة أجنبية حتى يكون الإطلاع عليها في متناول الباحثين. باجتماع مؤلف مقتدر وناشرنابه حق لكتاب د. فيصل أن يجد له مكانا في سوق المعرفة والباحثين عنها . صالح فرح ،