بسم الله الرحمن الرحيم [email protected] جاء فى الأخبار أن وحدات من الأمن اللبنانى داهمت حفلاً خيرياً أقامه بعض السودانيين المقيمين فى لبنان فى منطقة "الأوزاعى" بالعاصمة بيروت وكان الحفل يهدف إلى جمع أموال لعلاج مرضى السرطان، وحسناً أن تفاقمت هذه الأزمة إعلامياً وعلى صعيدٍ واسع بعد أن كان أدعياء الوشائج الوهمية يتمنون أن تتم "طبطبته" و "غطغطته" لأن مثل هذه الأزمة تضع حداً لأوهامهم وتفضح كل أكاذيبهم عن الهوية والإنتماء وطمسهم لحقيقة أننا سودانيون لا ننتمى لأحد غير هذا السودان، فمن أراد سودانيتنا هذه فأهلاً به وسهلاً ومن أبى ففى "ستين داهية" ونرجو من الأخوة الذين أثارت نخوتهم الحادثة أن يكفوا عن سائر أشكال الإحتجاجات التى يقومون بها الآن خاصة تلك التى تتمثل فى الإحتجاج أمام السفارة اللبنانية فنبدو وكأننا نطلب منهم الرأفة بالسودانيين الذين يقيمون فى لبنان ، فلا يمكن لإحتجاج أن يغير السجايا المترسبة فى أعماق البعض ففاقد الشئ لا يُعطية ولنوفر جهدنا ونصوبه نحو تنمية بلادنا الثرية وإصلاح حالنا داخل السودان . نعتقد أنه قد آن الآوان لفتح ملف السودانيين وما يلقونه من تعامل غير إنسانى يتسم بالصلف والغرور والإزدراء فى العديد من الدول التى أجبرتهم الظروف للهجرة إليها دون أن يحرك أولى الأمر فى السودان ساكناً ويتخذوا من القرارات ما يصون للسودانى عزته وكرامته المهدرة على عتبات الغرور الأجوف الكاذب لدى بعض الذين يجهلون قدره ، فى عام 1989م سيرت أمريكا أساطيلها الضخمة ثأراً لكرامة أحد الأمريكان الذين اُهين بالضرب هو وزوجته فى إحدى نقاط التفتيش فى دولة بنما، صحيح ان أمريكا أصلاً كانت تنوى إعتقال الرئيس البنمى نورييجا ولكن أمريكا تجاوزت كل الأعراف عندما أُهين أحد رعاياها لتُصبح حادثة الإهانة بمثابة القشة التى قصمت ظهر الرئيس البنمى ويقينى أن أمريكا أرادت بغزوها هذا أن ترسل رسالة مفادها أن إهانة الأمريكى فى أى مكان فى العالم عبارة عن خط أحمر. لماذا يُهان السودانيون فى دول المهجر القريبة؟ نحن نعلم أن السودانيين ظلوا يمثلون وجهاً مشرقاً للسودان ويجهدون أنفسهم فى البلاد التى استقروا بها واتخذوها مهاجر للعمل وهم يقدمون نماذج للخلق الطيب ونظافة اليد حتى أصبح يُضرب بهم المثل فى الأمانة والتفانى فى العمل والأمثلة كثيرة لا يمكن حصرها فى هذا الحيز الضيق.إن المعاملة السيئة التى ظل يتعرض لها السودانيون فى بعض بلاد المهجر وآخرها معاملة قوات الأمن اللبنانية وسلوكها العدوانى والعنصرى يجعلنا نفتح الباب واسعاً لمناقشة هذه الظاهرة والتى تشى وكأن السودانيون شعب منبوذ ووضيع يتجاسر عليه كل من هب ودب. إن كان هناك ما نأخذه على أنفسنا كسودانيين فهو أننا دوماً نعتقد إعتقاد غير صحيح عندما نهاجر إلى بعض الدول ونعتقد أنها أوطاننا الثانية فنحمل معنا إحساس كاذب يتعلق بإعتقادنا الجازم بأننا تربطنا علائق دم وصلات إخوة بأولئك الأقوام التى نهاجر إليها .. ونفترض وهماً بأنهم أشقاؤنا وأننا فى بلدنا الثانى هذا الإحساس الوهمى والكاذب هو ما جر علينا هذه الإهانات ، لست أدرى كيف نجزم بأن هؤلاء هم إخوتنا وننسى حادثة إنضمام السودان إلى جامعة الدول العربية وكيف وقف بعض هؤلاء الذين ندعى أنهم أشقاؤنا ضد إنضمام السودان إلى منظومتهم هذه ولنا أن نتسائل ماذا جنينا من الإنضمام إليها أصلاً ؟ من يهن يسهل الهوان عليه !! إن كنا نرغب فى معرفة صورة الإنسان السودانى فى ذهن الإنسان العربى فلننظر إليها عبر الفن السينمائ لدى هؤلاء، فقد ظلت تُورد وسائطهم ( سينما وتلفزيون ) صور مسيئة ومهينة للسودانى ونعتقد أن هذه الصورة السالبة هى التى غذت هذا الشعور السالب لدى بعض شعوب تلك الدول بإزدراء السودانى وشتمه وسبه عنصرياً .. ومن يريد أن يكابر وينكر هذه الحقيقة فليُشاهد أفلام مثل فيلم صعيدى فى الجامعة الأميركية وفيلم " فرح "على سبيل المثال لا الحصر. علينا كسوادنيين أولاً أن نتصالح فى داخل هذا السودان مع بعضنا البعض ونقف برهةً مع أنفسنا لنصلح ذات بيننا هذا هو الضامن الوحيد لكرامة السودانى ونوحد كلمتنا وجهودنا ونتجه صوب تفجير مواردنا الطبيعية والبشرية من أجل إنسان هذا الوطن العملاق ورفاهيته .. فالسودان بما يملك هو أثرى من أوطانهم وأغنى بثرواته وثقافاته وإثنياته من دولهم مجتمعة .. ولست أدرى لماذا يهاجر السودانى؟ بل الصحيح أن يهاجر الآخرون إلى بلادنا ويعملون لدينا وليس العكس بأى حال من الأحوال .. ولكن نعود ونقول إن عجز حكوماتنا فى السودان منذ الإستقلال هو السبب .. فهذه الحكومات ظلت تضع الإنسان السودانى فى ذيل إهتماماتها وبرامجها .. كل همها الذى يقض مضجعها هو كيفية المحافظة على السلطة والبقاء فيها أطول مدة ممكنة .. فى الوقت الذى نجد فيه أن الإنسان وهو المحرك الفاعل لكل أوجه الحياة السياسية والإقتصادية ومفجر الثروات وقائد ثورة العقول عبارة عن كمٍ مهمل فلا يجد كرام أهل السودان بداً من السفر والإغتراب فى بلاد الآخرين ليصبحوا كرام فى موائد لئام .. سياسة حكوماتنا هى التى قذفت بأبناء بلادنا إلى دول المهجر .. فلو تم إستغلال مواردنا الإستغلال الأمثل لظل السودانى فى وطنه معززاً مكرماً لا يزور الدول الأخرى إلا من أجل السياحة والتنزه والمرح!! .. وهو ينتظر الآخرين ليأتوا إليه خدَّام وعمَّال ولسخرّوا مؤسساتهم السينمائية والتلفزيونية لتمجيده وخطب وده على نحو ما نرى يفعلون مع بعض الأغنياء الخليجيين. أرجو أن تكون هذه الحادثة آخر الحوادث فى مسلسل إهانة الشعب السودانى والذى ظل يُعرض بإستمرار على مسارح الحياة فى بعض الدول التى ظللنا نتوهم أنهم أشقاؤنا ولتكن أيضاً آخر الدروس والعبر للشعب السودانى وحكوماته فى أهمية إعلاء روح الوحدة الوطنية وتعزيز مبدأ التصالح الوطنى والتفكير بجد فى تفجير ثروات السودان من أجل رفاهية وكرامة أهله .. فما جدوى أن نترك الماس و الذهب والبترول واليورانيوم والبوكسيديوم مخزونة فى باطن التراب السودانى والثروات الحيوانية بلا راعى ولا مراعى ونترك الأرض الزراعية الشاسعة بوراً .. ليخرج السودانى من بلاده الثرية يبحث عن حفنة دولارات فى بلاد هى من أفقر بلاد الله؟ .