لقد ذكرنا في مقال سابق ان بعضا من قيادات التيار العام بحزب الامة القومي ، من اكتهل منهم ومن ماذال في ميعة صباه ، والتي تتخذ موقفا مناهضا للمؤسسات التي افرزها المؤتمر العام السابع جراء الازمة الدستورية التي تمخضت عنها تلك المؤسسات ، قد بدأ هؤلاء النفر يفكرون تفكيرا جديدا علي ضوء قراءتهم لسير العملية الانتخابية التي جرت وقائعها في ابريل 2010 وتوقعات نتائجتها. وقد تم رسم عدة سيناريوهات لمواجهة الاحتمالات المختلفة والتي اثبتت نتائج الانتخابات النهائية ان رادارات الرصد قد عجزت تماما عن قراءة مؤشراتها وذلك نسبة للضباب الكثيف والغيوم التي كانت تلبد الاجواء المحيطة بها . وقد انطرحت في تلك الاثناء افكار جريئة وصفها البعض بانها قد تجاوزت الخطوط الحمراء وخلعت ثوب الحشمة السياسية ، وتم تداولها في نطاق ضيق للغاية ثم تلتها مرحلة الدعوة السرية في نطاق العشيرة والاقربين ثم انداحت الي الامصار ، لكن المفاجأة التي كانت محبطة لاصحاب الدعوة هي ردة الفعل العنيفة التي ووجهت بها واعتبار ان المشاركة في سلطة شمولية من كبائر الاثم والفواحش. كان الافتراض الاساسي ان الاغلبية سوف توافق علي فكرة الحزب الجديد والمشاركة في السلطة نسبة لحالة الاحباط السائدة وسط القواعد والقطاعات المختلفة، ومن ثم يتم الشروع فورا في الاعداد لمؤتمر تأسيسي للحزب من اجل اللحاق بالتشكيل الوزاري قبل اعلانه خاصة وان اصحاب العرض قد طالبوا بحسم الامر باسرع ما يمكن . لقد تعذر انجاز مهمة الحزب الجديد لعوامل داخلية واخري خارجية ، تمثلت العوامل الداخلية في المقاومة الصلبة من قبل اعضاء التيار وصعوبة تدبير موارد مالية كافية لاقامة المؤتمر ومن ثم تسيير اعمال الحزب ، اما العامل الخارجي فهو يتعلق بطبيعة عملية التفاوض بين الطرفين وشكل العلاقة بينهما وليس من غرض المقال الاسترسال في هذا الجانب اذ نمسك عنه ترفقا. لتجاوز هذه العقبات التي ادت الي سقوط الافتراض الاول لجأ اصحاب الفكرة الي الخطة (ب) والاستنجاد بفقه التقية المعمول به في المذهب الشيعي ، هذه الخطة تقتضي الكف عن الحديث عن المشاركة في السلطة ما عدا في الدوائر الضيقة وترك مشروع الحزب الجديد كخيار اخير يمكن اللجوء اليه في حال استنفاد كل السبل الممكنة في الوصول الي اتفاق مع الطرف الاخر في الحزب وذلك لتهدئة الرافضين لاي عمل سياسي خارج اطار مظلة حزب الامة القومي، بينما تعمل تلك المجموعة الصغيرة ما وسعها علي عرقلة اي مساع جادة للاتفاق بين الفرقاء في الحزب الواحد لتجعل الطريق ممهدة للخطوة القادمة ، ولتجد لها حجة قوية تستند عليها في ما سوف تقدم عليه من فعلٍ قد تم تدبيره سلفاً. والاطار المناسب لتنفيذ هذه الخطة هو تمرير مخطط هيكلة التيار عبر اجتماع يعقد لهذا الغرض يستعاض به عن المؤتمر العام وتتم الدعوة اليه بانتقائية ويمثل المدعون اعضاء المكتب السياسي والاجهزة القيادية الاخري مثل المكتب القيادي ومجلس التنسيق والامانة الخماسية ، وتأتي هذه الاجهزة وفق تراتبية هرمية تم تصميمها بدقة متناهية وذات ادوار ومهام يجهل بطبيعتها اكثر بقليل من 83% من اعضاء المكتب السياسي وهم جملة الاعضاء المعينين عبر الهاتف ولم يكونوا جزءا من النقاش الذي تولدت عنه فكرة هذا الهيكل الملغوم ، ولن يكونوا جزءا من اي قرار في المستقبل. ويلاحظ هنا ان ما يسمي بالامانة الخماسية سوف تعطي دورا هامشيا والقصد منها زحزحة الاستاز محمد عبد الله الدومة خطوات الي الوراء ومساواته مع الاربع امناء الآخرين تحسبا ليوم كريهة. إنّ الذي يثير الريبة والحيرة والسخرية في آن هو ان مهمة الاجتماع الذي سوف ينعقد اليوم السبت 17\7\2010 في قاعة الاسكلا هي ليست انتخاب هذه المؤسسات ، بل هو الاجتماع الاول للمكتب السياسي الذي تم اختياره عبر مؤتمر افتراضي virtual conference انعقد هاتفيا مع كل فرد علي حده او كل تيم علي حده ليس فرق. وأعجب كيف يتاتي لامرئٍ يقف الفا احمرَ ضد انتخابات معيبة وهذا لاشك موقف نبيل ، لكنه لايتورع ان يضغط علي ذر الهاتف ويخطر ذيدا من شركائه في العمل السياسي ان قد اخترناك عضوا في المكتب السياسي ، والادهي والامر ان ذلك الآخر الذي يتم اخطاره ربما تتهلل اساريره ويستبد به الطرب لذلك الاختيار الذي صادف اهله. فالامر ليس بمدهش اذ ان البدع في السياسة السودانية لا ينضب لها معين لكنه لا يليق بدعاة تغيير واصلاح سياسي ان ينتهجوا مسلكا كهذا. هذا المكتب السياسي سوف يكون اطارا شكليا لا يضطلع باي دور حقيقي انما اريد له ان يحافظ علي تماسك مظهري مع الذين غابت عنهم الحقيقة وتخديرهم وتحقيق زخم اعلامي عبر هذا التماسك ، بينما تظل المجموعة الممسكة بالملفات الاساسية تعمل في دأب ونشاط لتنفيذ اجندتها عبر خلق اغلبية في المكتب السياسي الذي سوف تكون قراراته ملزمة ، علي ان يتم طرح مشروع الحزب الجديد للتصويت في الاجتماعات اللاحقة بعد اقناع عدد كبير من الاعضاء بان التفاوض مع السيد الصادق قد وصل الي طريق مسدود ولا جدوي من الاستمرار فيه. إذا ليس صحيحا الزعم بان الغرض من هيكلة التيار هو تفعيله كآلية ضغط من اجل الاستجابة الي مطالبه . واذا جاز لنا ان ناخذ هذا الامر بمنتهي حسن النية ، كيف نفهم ان عناصر معتبرة اعلنت في ما لا يدع مجالا للشك ، موقفا قاطعا وعلي الملأ ، ان حزب الامة ، ولا ايِ من الكيانات السياسية القائمة ، يمثل فضاءا تنظيميا لنشاطهم السياسي ، وهاهم الان يشغلون مواقع متقدمة في هيكل تنظيمي يعتقد مهندسوه بانه يعمل تحت مظلة حزب الامة القومي؟. هذا امر لا يمكن فهمه ولا يستقيم إلا في سياق التحليل اعلاه. فمتي ما تكشفت الحقيقة سوف يجد كثيرون انفسهم في متاهة وسوف يجد من يظنون بانهم قادرون علي التحكم في اتجاهات الرياح ايضا انفسهم في متاهة. وحينها سوف نردد مع المستعمر العجوز حين صاح في وجه مصطفي سعيد " انت يا مستر سعيد ابلغ دليل علي ان مهمتنا الحضارية في افريقيا (تقرأ التيار) عديمة الجدوي ".