دورات تعريفية بالمنصات الرقمية في مجال الصحة بكسلا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الدور العربي في وقف حرب السودان    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    نقل طلاب الشهادة السودانية إلى ولاية الجزيرة يثير استنكار الأهالي    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة مياه النيل بين خيارين التعاون أوالصراع ... بقلم: عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
نشر في سودانيل يوم 22 - 07 - 2010

المشهد السياسى الراهن فى القارة الإفريقية وبالتحديد فى منطقة القرن الإفريقيى والبحيرات ومنطقة غرب إفريقيا يشير إلى أن القارة الإفريقية مرشحة لأن تكون مسرحا للعديد من الصراعات القادمة فى ظل التنافس الدولى على موارد القارة الإفريقية ,وإن ما حدث من إستقطاب للدول الإفريقية فى عهد الحرب الباردة بين المعسكرين الغربى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والشرقى بقيادة الإتحاد السوفيتى السابق أخذ يعاود مكانه من جديد فى القارة الإفريقية ولكن بطرق ووسائل أخرى ولاعبين جدد,فالصين وجدت لها موطىء قدم فى القارة الإفريقية ورسخت علاقاتها معها فى كل المجالات الإقتصادية والسياسية والأمنية والعسكريةوأوفت بجميع إلتزاماتها فيما يخص دعم التنمية فى القارة الإفريقية,أما أمريكا التى إبتعدت عن القارة الإفريقية منذ إنتهاء الحرب الباردة فى مطلع التسعينات من القرن الماضى بعد إنهيار الإتحاد السوفيتى وبداية عهد الأحادية القطبية التى تقوده هى الآن أخذت تعود إلى المسرح الإفريقى للحد من سيطرة المارد الصينى وتأمين مصالحها فى القارة السمراءوبالأخص النفط الذى يشكل أهمية كبيرة لها فى سياساتها الخارجية ,كما هنالك الإتحاد الأوربى والذى ليس بعيدا عن هذا المشهد التنافسى القائم الآن بين القوى المتصارعة على الموارد الإفريقية هذا بالإضافة للقوى الصاعدة الحديثة فى آسيا وأمريكا اللاتينية التى أخذت تحقق العديد من التفاهمات مع الدول الإفريقية فى المجالات الإقتصادية.
لقد تحول موضوع المياه فى عالمنا المعاصر إلى قضية مركزية في وضع أسس التنمية والسياسيات، وفي الصراع بين الدول، وأصبح موضع اهتمام عالمي واسع، وقد أصبحت قضية الأمن المائي في حوض نهر النيل ومستقبل موارده المائية والطلب على المياه فيه من التحديات التي تواجه الأمن المائي لدول حوض نهر النيل,حيث أن الماء يشكل محور الجغرافيا السياسية في المراحل التاريخية المختلفة التى مرت بالمنطقة وأساس التفاعلات الحضارية والصراعات والتدخلات الخارجية,ومازالت المياه في بدايات القرن الحادي والعشرين تعتبر من أخطر التحديات التي تواجه العالم بأثره,إن نهر النيل الذى يجرى من منبعيه فى بحيرة فيكتوريا وبحيرة تانا حتى مصبه في البحر الأبيض المتوسط والذى يضم تسع دول تم تسميتها بدول حوض النيل وهى(بوروندي ورواندا وتنزانيا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا وإثيوبيا والسودان ومصر)،ودولة إريتريا التى أضيفت لهم بوصفها دولة مراقبة , أخذت أزمة المياه فيه تبرز للسطح بين الدول المكونة لحوضه,وتشكلت حالة من الإستقطاب الحاد بين دول المنبع والمصب التى تشكل من وجهة نظرى جزء من حلقة تصعيد الصراعات التى تخدم تحقيق مصالح أجندات خارجية فى القارة الإفريقية,والمتابع للأخبارالتى تتناقلها الصحف العالمية وبالأخص الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية فى هذه الفترة ,نجد أن أغلبها يتحدث ويروج عن أن هنالك حرب قادمة فى المستقبل القريب بين دول حوض نهر النيل مما يدلل على أن هنالك ترويج إعلامى لقضية المياه فى حوض نهر النيل قبل وبعد التباين والخلاف الذى برز بين دول المنبع والمصب عقب إجتماعى الإسكندرية وشرم الشيخ والذى بعده قامت خمسة من دول المنبع بتوقيع إتفاقية إطارية جديدة فيما بينهما فى 14 مايو 2010 فى عنتبى دون السودان ومصر مما أدى إلى تأزيم الموقف وزيادة التوتر فى منطقة حوض نهر النيل ,إن الكثير من الباحثين فى شؤون المياه والسياسة والدراسات الإستراتيجية فى منطقة حوض نهر النيل يؤكدون ويتفقون أن حل الأزمة القائمة الآن بين دول المنبع والمصب حول كيفية توزيع وإستخدامات المياه يكمن فى ترسيخ مبدأ التعاون بين دول حوض نهر النيل وجعل نهر النيل أما مرضعا لكل الدول المشتركة فى حوضه عبر إقامة المشاريع الزراعية والكهرومائية المشتركة والتى تعود بالفائدة لكل دول حوض نهر النيل أى بمعنى أن يخدم مسارات التنميية فى كل دول حوض النيل دون الإضرار بمصالح أى دولة من دوله,ولكن السؤال المحورى والمركزى الجاسم أمامنا الآن هو كيف يتحقق هذ التعاون بين دول حوض نهر النيل فى ظل طغيان الأجندات الخارجية على المسرح السياسى وتعارض المصالح وتباين المواقف بين صانعى القرار فى دول المنبع والمصب لدول حوض نهر النيل ,كما أن هنالك العديد من التساؤلات التى تطرح نفسها الآن حول أن هل هذا الصراع نجم فعلا من عامل داخلى أى هل يوجد هنالك فعلا طلبا ملحا أدى دول المنبع للمطالبة بإعادة النظر فى الإتفاقيات الموقعة فى السابق لتحديد حصص المياه بين دول حوض النيل؟ وهل أنها فعلا تحتاج للإستثمار فى المياه لأغراض النهضة التنموية فى بلدانها؟ إذا كان الأمر فعلا يتعلق بموضعات تخص التنمية فى دول المنبع فمن الأجدى لها أن تتجنب الدخول فى صراعات قد تؤدى لوأد التنمية التى تنشدها,إذن من البديهى أن تسلك دول المنبع سلوك تعاونى عبر التفاوض من أجل الوصول إلى تحقيق مطالبها التى توفر لها الإنطلاق فى عملية التنمية,أما السؤال الآخر الذى يطرح نفسه فى ظل تأزم الأوضاع بين دول المنبع والمصب هل هذا الصراع مدفوع من قبل أطراف خارجية من أجل خلق فجوة فى العلاقة بين دول المنبع الإفريقية ودولتى المصب الإفريقيتين العربيتين ؟ وهنا إذا كان الأمر كذلك نستطيع أن نقول هذا يعنى أن هنالك قوى إقليمية ودولية تسعى لشرخ العلاقة بين العرب والأفارقة فى إطار إضعاف دولتى المصب مصر والسودان عبر إستخدام ملف المياه لتحقيق مصالح تخصها , وحتما تأجيج هذا الصراع لن تجنى دول حوض نهر النيل منه غير عدم الإستقرار وتوقف التنمية إذا إستمرت حالة الإستقطاب الحالية بين دول حوض نهر النيل ,لذا يجب على صانعى القرار فى دول حوض نهر النيل أن يبذلوا كل ما فى جهدهم من أجل تجاوز هذه الخلافات فى سبيل تحقيق التنمية المستدامة وإزالة الفقر فى دولهم وتفويت الفرصة للأجندات الخارجية التى تروج للحرب للولوج إلى منطقة حوض نهر النيل والعمل على إعادتها إلى مربع التخلف والفقر وإنتشار الحروب وبالتالى تضمن هذه الأجندات الخارجية السيطرة على كل موارد دول حوض نهر النيل.
لقد فشلت عدة لقاءات بين دول حوض النيل في التوصل إلى اتفاق، ففي اجتماع كينشاسا المنعقد يوم 22 مايو 2009 اعترضت مصر على نقاط تراها جوهرية وتمس بحقها، وهى نفس النقاط التي اعترضت عليها في اجتماع الإسكندرية الذى إنعقد فى الفترة من 27 إلى 29 يوليو 2010 ,وإجتماع شرم الشيخ المنعقد يوم 14 أبريل 2010 مع الدول ذاتها,وتتلخص اعتراضات مصر في ثلاثة نقاط ,الأولى هى المحافظة على حقوق مصر المكتسبة في مياه النيل، والثانى هو ضرورة موافقتها على أي مشاريع ستقام في دول حوض النيل، والثالثة أن يكون لمصر والسودان حق النقض ,أما دول المنبع فصرحت بعد إجتماع شرم الشيخ على أنها سوف تقوم بتوقيع اتفاق منفردة يوم 14 مايو2005 بدون مصر والسودان بعد فشل مباحثات شرم الشيخ ، حيث صرح المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية شامليس كيمال لوسائل الإعلام في أديس أبابا بعد فشل إجتماعات شرم الشيخ بأن إثيوبيا وست دول أخرى ستوقع اتفاقا إطاريا "حول الاستخدام المنصف لنهر النيل" وأضاف كيمال أن الاتفاقية قائمة على أساس القانون الدولي "ولكن مصر تتلكأ، وجميع البلدان السبع رفضت الاتفاق السابق بين مصر وبريطانيا الاستعمارية",وبالفعل قامت كل من أثيوبيا ويوغندا ورواندا وتنزانيا بتوقيع إتفاقية إطارية جديدة بينهما من أجل تقنين إستخدامات المياه فى حوض نهر النيل دون مصر والسودان حيث إنضمت للإتفاقية كينيا بعد يوم من توقيعها بينما لا زالت دول المنبع تمارس ضغوطا على بورندى من أجل التوقيع على الإتفاقية لتدخل حيز التنفيذ بعد إجازتها فى برلمانات الدول الموقعة عليها,بمعنى آخر أن دول المنبع نفذت تهديدها بتوقيع إتفاقية إطارية جديدة عقب إنتهاء إجتماع شرم الشيخ,وفى أوآخر يونيو 2010 انعقد فى العاصمة الاثيوبية أديس ابابا اجتماع وزراء الرى لدول حوض النيل، للقيام بمراجعة المشروعات المشتركة بين دول حوض نهر النيل عبر فترة العشرة سنوات الماضية بحضور المانحين الدوليين والبنك الدولى وتم فى هذا الإجتماع نقل رئاسة المجلس الوزارى من مصر إلى اثيوبيا طبقا لنظام الرئاسة دورية المتبع بين دول حوض النيل,وبالرغم من أن هذا الإجتماع يخص مبادرة حوض النيل المقرر لها أن تنتهى فى ديسمبر 2012 إلا أن إتفاقية عنتيبى ظلت حاضرة فى أجندته حيث تمسكت الدول الموقعة على إتفاقية عنتبى بمواقفها وقالت أنها غير قابلة للتراجع عما أقدمت عليه، ولكنها أبدت تجاوبا تمثل فى موافقة المجلس الوزارى لدول حوض نهر النيل على دعوة السودان لاجتماع استثنائى لمناقشة الآثار القانونية والاقتصادية التى ترتبت على التوقيع المنفرد لإتفاقية عنتبى وإنعكاسته السلبية التى ربما تؤدى إلى وقف التعاون الذى كان بين دول حوض النيل طيلة العقود الماضية, والحدث الأبرز فى هذ الإجتماع أن السودان اعلن فى نهايته عن تجميد مشاركته فى كل أوجه النشاطات الخاصة بالمبادرة المشتركة الى ان ينعقد الاجتماع الاستثنائى المتفق على عقده بالخرطوم لمناقشة تداعيات الأزمة التى نجمت من إتفاق عنتبى وذلك كنوع من الاحتجاج على تعنت مجموعة عنتيبى واصرارها على المضى فى محاولة فرض سياسةأمر واقع على السودان ومصر,
هذا الموقف السودانى أرسل فى طياته إشارة الى الدول الموقعة على إتفاق عنتيبى ان السودان لن يوافق ويوقع على أى إتفاقية ما لم تعترف بالحقوق والاستخدامات والمشروعات المائية القائمة فى السودان، اذ أوضح السودان أنه كيف يشارك في اتفاقية لا تعترف بمشاريعه الموجودة فعلا على أرض الواقع مثل مشروع الجزيرة والفاو والرهد الزراعى والسوكى وغيرهم من المشارع القائمة بالإضافة لعدم إعترافها بالسدود القائمة مثل سد مروى وجبل أوليا وخزان الروصيرص وسنار وخشم القربة, ونتيجة لهذه المبررات التى طرحها السودان أعلن على لسان وزير الرى والموارد السودانية أن السودان لن يوقع على هذا الاتفاق الاطاري الا اذا تم الاتفاق بين دول حوض النيل على نقاط الخلاف حيث أن هذا الخلاف إذا لم يتم تسويته سوف ينسف مبادرة حوض النيل ,واعلان السودان تجميد عضويته فى مبادرة دول حوض النيل فى وجهة نظرى يعبر عن عدم رضاءه عن ما ورد فى الإتفاقية الإطارية التى تم توقيعها فى عنتبى كما أن وجهة نظر السودان موقفه الرافض هذا تتطابق مع وجهة النظر المصرية الرسمية التى تعتبر نفس المبررات التى أوردها السودان خطا احمر لا يسمح بتجاوزه,وبالرغم من التباين فى الآراء بين دول المنبع والمصب فقد طرحت كل من مصر والسودان موقفا مشتركا أبدت فيه الكثير من المرونة من أجل التغلب على الخلافات القائمة بينهم وبين دول المنبع، وتمثل الطرح السودانى المصرى على ان تكون طريقة اتخاذ القرارات بين دول الحوض بالاغلبية المشروطة، التى تعنى شرط وجود أحد دولتى المصب داخل هذه الاغلبية، ولكن هذه الطرح قوبل بالرفض من قبل دول المنبع ايضا،الأمر الذى يثير التكهنات حول وجود سيناريوهات مرسومة تعمل على فرض اوضاع فى حوض نهر النيل تتعارض مع المصالح المائية للسودان ومصر.
إن حقوق مصر التاريخية من مياه النيل منذ إتفاقية عام 1929 وإتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان ,وحقوق السودان من المياه حسب إتفاقية 1959 أصبحت الآن حسب إتفاقية عنتبى غير معترف بها من جهة الدول التى وقعت الإتفاق فى عنتبى فى 14 مايو 2010،كم أن الأمر سوف يزداد تعقيدا فى حالة إنفصال جنوب السودان بعد الإستفتاء المقرر فى العام المقبل حيث أن ملف مياه النيل لم يتم التعرض إليه فى برتوكول الثروة فى إتفاقية السلام الشامل الموقعة فى 2005 ,والمتابع للأحداث فى منطقة حوض نهر النيل يلحظ أن أزمة المياه بدأت في الظهور إلى السطح منذ عام 1995، حيث تعالت فى تلك الفترة الأصوات في دول المنبع من أجل إعادة النظر في توزيع حصص مياه النيل مرتكزة فى دعوتها على ثلاثة عوامل ,الأول يرتكز على خلفية مفادها أن دول المنبع تعتبر أن مياه النيل ملك خاصا بهاوأن لها الحق في تخزينها وبيعها لكل من السودان ومصر،أماالعامل الثاني فيرتكز على أن بعض دول الحوض طالبت بإعادة تقاسم حصص المياه لتلبية احتياجاتها التنموية في يتعلق بمشاريع النهضة الزراعية,أما العامل الثالث فيرتكز على أن دول المنبع احتجت بأن اتفاقية عام 1929 وقعتها مصر مع الاحتلال البريطاني حيث لم تراعى هذه الإتفاقية احتياجاتها المستقبلية كما أنها كانت لا تملك إرادتها فى ذلك الوقت حيث أنها كانت مستعمرة ,كل هذه المبررات التى صاغتها دول المنبع لم تكن كافية لخلق هذه الأزمة، فالدعوة إلى إعادة توزيع الحصص بصورة عادلة تثير الكثير من التكهنات والمخاوف ,حيث أن مصر تعتمد في احتياجاتها المائية على 95% من مياه النيل ، والسودان على 15%, أما اعتماد إثيوبيا حوالي 1%، وكينيا 2% وتنزانيا 3% والكونغو 1% وبوروندي 5%, كما أن مما لا شك فيه أن كثافة هطول الأمطار على دول المنبع تقلل من أهمية الإعتماد على مياه النيل فيها, أما الأمر الخطير أن اتفاقات العهد الإستعمارى التى قالت دول المنبع إنها غير ملزمة بها بما فيها اتفاق توزيع مياه النيل هي الأصل الذى على أساسه تكونت تلك الدول وكل الدول الإفريقية، أى أن إعادة النظر فى كل الإتفاقات التى تمت فى العهد الإستعمارى من شأنه أن يحدث إشكاليات كبيرة ليس في دول حوض النيل فحسب، وإنما في كل القارة الإفريقية,كما يضاف إلى ما سبق أن ثمة قواعد عامة تحكم مياه الأنهار العابرة لحدود الدول تنص على مبدأ إقرار الحقوق التاريخية في الموارد المائية،حيث تعتبر أن مياه الأنهار مورد طبيعي مشترك لا يخضع لسيادة دولة بذاتها, وهذه القواعد أقرها معهد القانون الدولي عام 1961.
إن مياه نهر النيل تمثل قضية إستراتيجية بالغة الخطر على الأمن القومي المصري لأن الزراعة والحياة فيها تعتمد على المياه العذبة الواردة من نهر النيل,وتزداد خطورة قضية المياه لوجود تنافس حقيقي بين دول حوض النيل حول إنتاج أنواع معينة من المحاصيل التي هي في حاجة إلي مياه غزيرة، كما أن نشوب أزمة المياه بين دول المنبع والمصب فى حوض نهر النيل، قد يسمح للقوى الكبرى والأطراف الخارجية من استغلالها لغير صالح السودان ومصر ودول المنبع الأخرى, ولا شك أن المصالح السودانية المصرية ترتبط بشكل وثيق بمنطقة منابع النيل، حيث تمثل منابع النيل عمقاً استراتيجياً للدولتين ,بمعنى أن أي تهديد لتدفق مياه النيل يمثل تهديداً مباشراً للأمن المائى لكل من السودان ومصر,عليه لتخفيف الأخطار التي تهدد منطقة حوض النيل من جراء حالة الإستقطاب الحادة التى تشهدها الآن، يجب على القادة وصناع القرار فى هذه الدول أن يسعوا قبل كل شيء لتعزيز الروابط الداخلية بين دول المنطقة لضمان الأمن والاستقرار فى المنطقة وعدم تصعيد الخلاف عبر تبنى منهج وإسلوب عمل جماعى يهدف لحل الخلافات القائمة بين دول المنبع والمصب ، بالإضافة على مواجهة المخاطر الأمنية التي تهدد المنطقة من جراء التدخلات الخارجية التى تهدف للإستفادة من تصاعد حدة التوتر بين دول حوض نهر النيل، وأن يضع الجميع فى أذهانهم أن النيل ظل ولا زال أما مرضعة لجميع الدول التى تشترك فى حوضه , إن سلوك دول منطقة حوض نهر النيل حول أزمة المياه الحالية بين دول المنبع والمصب يعد أحد المخاطر الأمنية المهددة للإستقرار فى منطقة حوض نهر النيل حيث إن الضغوط السياسية للدول الإقليمية و الاستعانة بمصادر خارجية لوضع حلول إقتصادية فى دول المنبع هو ما يعرض المنطقة بأثرها لتفاقم الصراعات فيها نتيجة لأن الأطراف الخارجية تسعى لفرض أجندتها على حساب تصعيد التورات فى حوض النيل، ومن ثم تتحول المنطقة لساحة صراع يصعب إحتوائه,فهل من الممكن تخطى كل هذه العقبات وحل الأزمة بين دول حوض النيل وقفل باب المواجهة وفتح باب التعاون بين دول حوض نهر النيل؟ ام يؤدى هذا النزاع إلى إنهيار كافة أوجه التعاون الذى ظل راسخا منذ أكثر من أربعة عقود؟أعتقد أن السلوك الذى سوف تنتهجه دول حوض نهر النيل هو الذى سوف يجيب على هذه الأسئلة.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤن القارة الإفريقية و متخصص فى شؤن القرن الأفريقى
E-mail: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.