قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    النصر الشعديناب يعيد قيد أبرز نجومه ويدعم صفوفه استعداداً للموسم الجديد بالدامر    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    فاجعة في السودان    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    أكوبام كسلا يعيد قيد لاعبه السابق عبدالسلام    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة مياه النيل بين خيارين التعاون أوالصراع ... بقلم: عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
نشر في سودانيل يوم 22 - 07 - 2010

المشهد السياسى الراهن فى القارة الإفريقية وبالتحديد فى منطقة القرن الإفريقيى والبحيرات ومنطقة غرب إفريقيا يشير إلى أن القارة الإفريقية مرشحة لأن تكون مسرحا للعديد من الصراعات القادمة فى ظل التنافس الدولى على موارد القارة الإفريقية ,وإن ما حدث من إستقطاب للدول الإفريقية فى عهد الحرب الباردة بين المعسكرين الغربى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والشرقى بقيادة الإتحاد السوفيتى السابق أخذ يعاود مكانه من جديد فى القارة الإفريقية ولكن بطرق ووسائل أخرى ولاعبين جدد,فالصين وجدت لها موطىء قدم فى القارة الإفريقية ورسخت علاقاتها معها فى كل المجالات الإقتصادية والسياسية والأمنية والعسكريةوأوفت بجميع إلتزاماتها فيما يخص دعم التنمية فى القارة الإفريقية,أما أمريكا التى إبتعدت عن القارة الإفريقية منذ إنتهاء الحرب الباردة فى مطلع التسعينات من القرن الماضى بعد إنهيار الإتحاد السوفيتى وبداية عهد الأحادية القطبية التى تقوده هى الآن أخذت تعود إلى المسرح الإفريقى للحد من سيطرة المارد الصينى وتأمين مصالحها فى القارة السمراءوبالأخص النفط الذى يشكل أهمية كبيرة لها فى سياساتها الخارجية ,كما هنالك الإتحاد الأوربى والذى ليس بعيدا عن هذا المشهد التنافسى القائم الآن بين القوى المتصارعة على الموارد الإفريقية هذا بالإضافة للقوى الصاعدة الحديثة فى آسيا وأمريكا اللاتينية التى أخذت تحقق العديد من التفاهمات مع الدول الإفريقية فى المجالات الإقتصادية.
لقد تحول موضوع المياه فى عالمنا المعاصر إلى قضية مركزية في وضع أسس التنمية والسياسيات، وفي الصراع بين الدول، وأصبح موضع اهتمام عالمي واسع، وقد أصبحت قضية الأمن المائي في حوض نهر النيل ومستقبل موارده المائية والطلب على المياه فيه من التحديات التي تواجه الأمن المائي لدول حوض نهر النيل,حيث أن الماء يشكل محور الجغرافيا السياسية في المراحل التاريخية المختلفة التى مرت بالمنطقة وأساس التفاعلات الحضارية والصراعات والتدخلات الخارجية,ومازالت المياه في بدايات القرن الحادي والعشرين تعتبر من أخطر التحديات التي تواجه العالم بأثره,إن نهر النيل الذى يجرى من منبعيه فى بحيرة فيكتوريا وبحيرة تانا حتى مصبه في البحر الأبيض المتوسط والذى يضم تسع دول تم تسميتها بدول حوض النيل وهى(بوروندي ورواندا وتنزانيا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا وإثيوبيا والسودان ومصر)،ودولة إريتريا التى أضيفت لهم بوصفها دولة مراقبة , أخذت أزمة المياه فيه تبرز للسطح بين الدول المكونة لحوضه,وتشكلت حالة من الإستقطاب الحاد بين دول المنبع والمصب التى تشكل من وجهة نظرى جزء من حلقة تصعيد الصراعات التى تخدم تحقيق مصالح أجندات خارجية فى القارة الإفريقية,والمتابع للأخبارالتى تتناقلها الصحف العالمية وبالأخص الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية فى هذه الفترة ,نجد أن أغلبها يتحدث ويروج عن أن هنالك حرب قادمة فى المستقبل القريب بين دول حوض نهر النيل مما يدلل على أن هنالك ترويج إعلامى لقضية المياه فى حوض نهر النيل قبل وبعد التباين والخلاف الذى برز بين دول المنبع والمصب عقب إجتماعى الإسكندرية وشرم الشيخ والذى بعده قامت خمسة من دول المنبع بتوقيع إتفاقية إطارية جديدة فيما بينهما فى 14 مايو 2010 فى عنتبى دون السودان ومصر مما أدى إلى تأزيم الموقف وزيادة التوتر فى منطقة حوض نهر النيل ,إن الكثير من الباحثين فى شؤون المياه والسياسة والدراسات الإستراتيجية فى منطقة حوض نهر النيل يؤكدون ويتفقون أن حل الأزمة القائمة الآن بين دول المنبع والمصب حول كيفية توزيع وإستخدامات المياه يكمن فى ترسيخ مبدأ التعاون بين دول حوض نهر النيل وجعل نهر النيل أما مرضعا لكل الدول المشتركة فى حوضه عبر إقامة المشاريع الزراعية والكهرومائية المشتركة والتى تعود بالفائدة لكل دول حوض نهر النيل أى بمعنى أن يخدم مسارات التنميية فى كل دول حوض النيل دون الإضرار بمصالح أى دولة من دوله,ولكن السؤال المحورى والمركزى الجاسم أمامنا الآن هو كيف يتحقق هذ التعاون بين دول حوض نهر النيل فى ظل طغيان الأجندات الخارجية على المسرح السياسى وتعارض المصالح وتباين المواقف بين صانعى القرار فى دول المنبع والمصب لدول حوض نهر النيل ,كما أن هنالك العديد من التساؤلات التى تطرح نفسها الآن حول أن هل هذا الصراع نجم فعلا من عامل داخلى أى هل يوجد هنالك فعلا طلبا ملحا أدى دول المنبع للمطالبة بإعادة النظر فى الإتفاقيات الموقعة فى السابق لتحديد حصص المياه بين دول حوض النيل؟ وهل أنها فعلا تحتاج للإستثمار فى المياه لأغراض النهضة التنموية فى بلدانها؟ إذا كان الأمر فعلا يتعلق بموضعات تخص التنمية فى دول المنبع فمن الأجدى لها أن تتجنب الدخول فى صراعات قد تؤدى لوأد التنمية التى تنشدها,إذن من البديهى أن تسلك دول المنبع سلوك تعاونى عبر التفاوض من أجل الوصول إلى تحقيق مطالبها التى توفر لها الإنطلاق فى عملية التنمية,أما السؤال الآخر الذى يطرح نفسه فى ظل تأزم الأوضاع بين دول المنبع والمصب هل هذا الصراع مدفوع من قبل أطراف خارجية من أجل خلق فجوة فى العلاقة بين دول المنبع الإفريقية ودولتى المصب الإفريقيتين العربيتين ؟ وهنا إذا كان الأمر كذلك نستطيع أن نقول هذا يعنى أن هنالك قوى إقليمية ودولية تسعى لشرخ العلاقة بين العرب والأفارقة فى إطار إضعاف دولتى المصب مصر والسودان عبر إستخدام ملف المياه لتحقيق مصالح تخصها , وحتما تأجيج هذا الصراع لن تجنى دول حوض نهر النيل منه غير عدم الإستقرار وتوقف التنمية إذا إستمرت حالة الإستقطاب الحالية بين دول حوض نهر النيل ,لذا يجب على صانعى القرار فى دول حوض نهر النيل أن يبذلوا كل ما فى جهدهم من أجل تجاوز هذه الخلافات فى سبيل تحقيق التنمية المستدامة وإزالة الفقر فى دولهم وتفويت الفرصة للأجندات الخارجية التى تروج للحرب للولوج إلى منطقة حوض نهر النيل والعمل على إعادتها إلى مربع التخلف والفقر وإنتشار الحروب وبالتالى تضمن هذه الأجندات الخارجية السيطرة على كل موارد دول حوض نهر النيل.
لقد فشلت عدة لقاءات بين دول حوض النيل في التوصل إلى اتفاق، ففي اجتماع كينشاسا المنعقد يوم 22 مايو 2009 اعترضت مصر على نقاط تراها جوهرية وتمس بحقها، وهى نفس النقاط التي اعترضت عليها في اجتماع الإسكندرية الذى إنعقد فى الفترة من 27 إلى 29 يوليو 2010 ,وإجتماع شرم الشيخ المنعقد يوم 14 أبريل 2010 مع الدول ذاتها,وتتلخص اعتراضات مصر في ثلاثة نقاط ,الأولى هى المحافظة على حقوق مصر المكتسبة في مياه النيل، والثانى هو ضرورة موافقتها على أي مشاريع ستقام في دول حوض النيل، والثالثة أن يكون لمصر والسودان حق النقض ,أما دول المنبع فصرحت بعد إجتماع شرم الشيخ على أنها سوف تقوم بتوقيع اتفاق منفردة يوم 14 مايو2005 بدون مصر والسودان بعد فشل مباحثات شرم الشيخ ، حيث صرح المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية شامليس كيمال لوسائل الإعلام في أديس أبابا بعد فشل إجتماعات شرم الشيخ بأن إثيوبيا وست دول أخرى ستوقع اتفاقا إطاريا "حول الاستخدام المنصف لنهر النيل" وأضاف كيمال أن الاتفاقية قائمة على أساس القانون الدولي "ولكن مصر تتلكأ، وجميع البلدان السبع رفضت الاتفاق السابق بين مصر وبريطانيا الاستعمارية",وبالفعل قامت كل من أثيوبيا ويوغندا ورواندا وتنزانيا بتوقيع إتفاقية إطارية جديدة بينهما من أجل تقنين إستخدامات المياه فى حوض نهر النيل دون مصر والسودان حيث إنضمت للإتفاقية كينيا بعد يوم من توقيعها بينما لا زالت دول المنبع تمارس ضغوطا على بورندى من أجل التوقيع على الإتفاقية لتدخل حيز التنفيذ بعد إجازتها فى برلمانات الدول الموقعة عليها,بمعنى آخر أن دول المنبع نفذت تهديدها بتوقيع إتفاقية إطارية جديدة عقب إنتهاء إجتماع شرم الشيخ,وفى أوآخر يونيو 2010 انعقد فى العاصمة الاثيوبية أديس ابابا اجتماع وزراء الرى لدول حوض النيل، للقيام بمراجعة المشروعات المشتركة بين دول حوض نهر النيل عبر فترة العشرة سنوات الماضية بحضور المانحين الدوليين والبنك الدولى وتم فى هذا الإجتماع نقل رئاسة المجلس الوزارى من مصر إلى اثيوبيا طبقا لنظام الرئاسة دورية المتبع بين دول حوض النيل,وبالرغم من أن هذا الإجتماع يخص مبادرة حوض النيل المقرر لها أن تنتهى فى ديسمبر 2012 إلا أن إتفاقية عنتيبى ظلت حاضرة فى أجندته حيث تمسكت الدول الموقعة على إتفاقية عنتبى بمواقفها وقالت أنها غير قابلة للتراجع عما أقدمت عليه، ولكنها أبدت تجاوبا تمثل فى موافقة المجلس الوزارى لدول حوض نهر النيل على دعوة السودان لاجتماع استثنائى لمناقشة الآثار القانونية والاقتصادية التى ترتبت على التوقيع المنفرد لإتفاقية عنتبى وإنعكاسته السلبية التى ربما تؤدى إلى وقف التعاون الذى كان بين دول حوض النيل طيلة العقود الماضية, والحدث الأبرز فى هذ الإجتماع أن السودان اعلن فى نهايته عن تجميد مشاركته فى كل أوجه النشاطات الخاصة بالمبادرة المشتركة الى ان ينعقد الاجتماع الاستثنائى المتفق على عقده بالخرطوم لمناقشة تداعيات الأزمة التى نجمت من إتفاق عنتبى وذلك كنوع من الاحتجاج على تعنت مجموعة عنتيبى واصرارها على المضى فى محاولة فرض سياسةأمر واقع على السودان ومصر,
هذا الموقف السودانى أرسل فى طياته إشارة الى الدول الموقعة على إتفاق عنتيبى ان السودان لن يوافق ويوقع على أى إتفاقية ما لم تعترف بالحقوق والاستخدامات والمشروعات المائية القائمة فى السودان، اذ أوضح السودان أنه كيف يشارك في اتفاقية لا تعترف بمشاريعه الموجودة فعلا على أرض الواقع مثل مشروع الجزيرة والفاو والرهد الزراعى والسوكى وغيرهم من المشارع القائمة بالإضافة لعدم إعترافها بالسدود القائمة مثل سد مروى وجبل أوليا وخزان الروصيرص وسنار وخشم القربة, ونتيجة لهذه المبررات التى طرحها السودان أعلن على لسان وزير الرى والموارد السودانية أن السودان لن يوقع على هذا الاتفاق الاطاري الا اذا تم الاتفاق بين دول حوض النيل على نقاط الخلاف حيث أن هذا الخلاف إذا لم يتم تسويته سوف ينسف مبادرة حوض النيل ,واعلان السودان تجميد عضويته فى مبادرة دول حوض النيل فى وجهة نظرى يعبر عن عدم رضاءه عن ما ورد فى الإتفاقية الإطارية التى تم توقيعها فى عنتبى كما أن وجهة نظر السودان موقفه الرافض هذا تتطابق مع وجهة النظر المصرية الرسمية التى تعتبر نفس المبررات التى أوردها السودان خطا احمر لا يسمح بتجاوزه,وبالرغم من التباين فى الآراء بين دول المنبع والمصب فقد طرحت كل من مصر والسودان موقفا مشتركا أبدت فيه الكثير من المرونة من أجل التغلب على الخلافات القائمة بينهم وبين دول المنبع، وتمثل الطرح السودانى المصرى على ان تكون طريقة اتخاذ القرارات بين دول الحوض بالاغلبية المشروطة، التى تعنى شرط وجود أحد دولتى المصب داخل هذه الاغلبية، ولكن هذه الطرح قوبل بالرفض من قبل دول المنبع ايضا،الأمر الذى يثير التكهنات حول وجود سيناريوهات مرسومة تعمل على فرض اوضاع فى حوض نهر النيل تتعارض مع المصالح المائية للسودان ومصر.
إن حقوق مصر التاريخية من مياه النيل منذ إتفاقية عام 1929 وإتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان ,وحقوق السودان من المياه حسب إتفاقية 1959 أصبحت الآن حسب إتفاقية عنتبى غير معترف بها من جهة الدول التى وقعت الإتفاق فى عنتبى فى 14 مايو 2010،كم أن الأمر سوف يزداد تعقيدا فى حالة إنفصال جنوب السودان بعد الإستفتاء المقرر فى العام المقبل حيث أن ملف مياه النيل لم يتم التعرض إليه فى برتوكول الثروة فى إتفاقية السلام الشامل الموقعة فى 2005 ,والمتابع للأحداث فى منطقة حوض نهر النيل يلحظ أن أزمة المياه بدأت في الظهور إلى السطح منذ عام 1995، حيث تعالت فى تلك الفترة الأصوات في دول المنبع من أجل إعادة النظر في توزيع حصص مياه النيل مرتكزة فى دعوتها على ثلاثة عوامل ,الأول يرتكز على خلفية مفادها أن دول المنبع تعتبر أن مياه النيل ملك خاصا بهاوأن لها الحق في تخزينها وبيعها لكل من السودان ومصر،أماالعامل الثاني فيرتكز على أن بعض دول الحوض طالبت بإعادة تقاسم حصص المياه لتلبية احتياجاتها التنموية في يتعلق بمشاريع النهضة الزراعية,أما العامل الثالث فيرتكز على أن دول المنبع احتجت بأن اتفاقية عام 1929 وقعتها مصر مع الاحتلال البريطاني حيث لم تراعى هذه الإتفاقية احتياجاتها المستقبلية كما أنها كانت لا تملك إرادتها فى ذلك الوقت حيث أنها كانت مستعمرة ,كل هذه المبررات التى صاغتها دول المنبع لم تكن كافية لخلق هذه الأزمة، فالدعوة إلى إعادة توزيع الحصص بصورة عادلة تثير الكثير من التكهنات والمخاوف ,حيث أن مصر تعتمد في احتياجاتها المائية على 95% من مياه النيل ، والسودان على 15%, أما اعتماد إثيوبيا حوالي 1%، وكينيا 2% وتنزانيا 3% والكونغو 1% وبوروندي 5%, كما أن مما لا شك فيه أن كثافة هطول الأمطار على دول المنبع تقلل من أهمية الإعتماد على مياه النيل فيها, أما الأمر الخطير أن اتفاقات العهد الإستعمارى التى قالت دول المنبع إنها غير ملزمة بها بما فيها اتفاق توزيع مياه النيل هي الأصل الذى على أساسه تكونت تلك الدول وكل الدول الإفريقية، أى أن إعادة النظر فى كل الإتفاقات التى تمت فى العهد الإستعمارى من شأنه أن يحدث إشكاليات كبيرة ليس في دول حوض النيل فحسب، وإنما في كل القارة الإفريقية,كما يضاف إلى ما سبق أن ثمة قواعد عامة تحكم مياه الأنهار العابرة لحدود الدول تنص على مبدأ إقرار الحقوق التاريخية في الموارد المائية،حيث تعتبر أن مياه الأنهار مورد طبيعي مشترك لا يخضع لسيادة دولة بذاتها, وهذه القواعد أقرها معهد القانون الدولي عام 1961.
إن مياه نهر النيل تمثل قضية إستراتيجية بالغة الخطر على الأمن القومي المصري لأن الزراعة والحياة فيها تعتمد على المياه العذبة الواردة من نهر النيل,وتزداد خطورة قضية المياه لوجود تنافس حقيقي بين دول حوض النيل حول إنتاج أنواع معينة من المحاصيل التي هي في حاجة إلي مياه غزيرة، كما أن نشوب أزمة المياه بين دول المنبع والمصب فى حوض نهر النيل، قد يسمح للقوى الكبرى والأطراف الخارجية من استغلالها لغير صالح السودان ومصر ودول المنبع الأخرى, ولا شك أن المصالح السودانية المصرية ترتبط بشكل وثيق بمنطقة منابع النيل، حيث تمثل منابع النيل عمقاً استراتيجياً للدولتين ,بمعنى أن أي تهديد لتدفق مياه النيل يمثل تهديداً مباشراً للأمن المائى لكل من السودان ومصر,عليه لتخفيف الأخطار التي تهدد منطقة حوض النيل من جراء حالة الإستقطاب الحادة التى تشهدها الآن، يجب على القادة وصناع القرار فى هذه الدول أن يسعوا قبل كل شيء لتعزيز الروابط الداخلية بين دول المنطقة لضمان الأمن والاستقرار فى المنطقة وعدم تصعيد الخلاف عبر تبنى منهج وإسلوب عمل جماعى يهدف لحل الخلافات القائمة بين دول المنبع والمصب ، بالإضافة على مواجهة المخاطر الأمنية التي تهدد المنطقة من جراء التدخلات الخارجية التى تهدف للإستفادة من تصاعد حدة التوتر بين دول حوض نهر النيل، وأن يضع الجميع فى أذهانهم أن النيل ظل ولا زال أما مرضعة لجميع الدول التى تشترك فى حوضه , إن سلوك دول منطقة حوض نهر النيل حول أزمة المياه الحالية بين دول المنبع والمصب يعد أحد المخاطر الأمنية المهددة للإستقرار فى منطقة حوض نهر النيل حيث إن الضغوط السياسية للدول الإقليمية و الاستعانة بمصادر خارجية لوضع حلول إقتصادية فى دول المنبع هو ما يعرض المنطقة بأثرها لتفاقم الصراعات فيها نتيجة لأن الأطراف الخارجية تسعى لفرض أجندتها على حساب تصعيد التورات فى حوض النيل، ومن ثم تتحول المنطقة لساحة صراع يصعب إحتوائه,فهل من الممكن تخطى كل هذه العقبات وحل الأزمة بين دول حوض النيل وقفل باب المواجهة وفتح باب التعاون بين دول حوض نهر النيل؟ ام يؤدى هذا النزاع إلى إنهيار كافة أوجه التعاون الذى ظل راسخا منذ أكثر من أربعة عقود؟أعتقد أن السلوك الذى سوف تنتهجه دول حوض نهر النيل هو الذى سوف يجيب على هذه الأسئلة.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤن القارة الإفريقية و متخصص فى شؤن القرن الأفريقى
E-mail: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.