أثارت قضية اعتقال اللواء تلفون كوكو الرأي العام والداخلي كثيراً وقد نشطت في الآونة الأخيرة بعض ال (جيوب) المحسوبة على المؤتمر الوطني في إثارة هذه القضية وإخراجها من سياقها العسكري والسياسي والذي بموجبه أي هذا السياق رأت المؤسسة العسكرية للحركة الشعبية التي يتبوأ فيها تلفون كوكو موقعاً عسكرياً رفيعاً، هذا يمكن تفهمه كعقيدة عسكرية عند الجيش الشعبي، وأي جيش عسكري في أركان الدنيا لديه عقيدة عسكرية تتحكم في قراراته وأوامره وأحكامه التي يحتكم إليها، وتتحكم فيه هذا مفهوم وفقاً لهذه الإجراءات ولكن أن تتخذ هذه الجيوب وبعض المحسوبين على المصالح الذاتية ودالقي (البخور) تحت أقدام السلطان محاولات لا يمكن فهمها غير أنها محاولات لذر الرماد على العيون ودفن الرقاب في الرمال فهذا شيء آخر، تداعيات اعتقال اللواء تلفون بدأت مسبقاً أول ما بدأت وفق الأعراف العسكرية عند الجيش الشعبي، والتي صرح بها مسئول رفيع في قيادة الجيش لصحف الخرطوم بعيد اعتقاله حيث ذهب بأن تلفون كوكو يخضع الآن لتحقيقات عسكرية من قبل الجيش الشعبي، وهنا لا يمكن لأحد تفسير هذا التصريح في غير ما ذهب إليه عسكرياً، وإنني لأستغرب كثيراً التقاط المؤتمر الوطني لهذه القضية وتوظيفها وفق سياساته التي تتسم دائماً بمجافاة الحقائق واللعب على التناقض ولكن المؤسف حقاً هو أن تتجه القوى السياسية في جنوب كردفان لذات(الدرب) الذي يسلكه المؤتمر الوطني مما يعني أنّ هذه القوى قد لعبت دوراً مهماً واستراتيجياً لصالح المؤتمر الوطني دون أن تعلم حتى بالكيفية أو (التشكيلة) التي تخوض بها زمام هذه المباراة، وقد جاء عنوان هذا المقال يتوافق تماماً والبيان الذي أصدرته القوى السياسية بجنوب كردفان مؤخراً والذي يقف شاهداً على الديماجوجية التي تعتري هذه القوى السياسية بحسب البيان وكأنّها قد حسمت قضاياها المتراكمة واللاحقة، واتجهت لتحسم قضية هي من صميم عمل الحركة الشعبية ولوائحها التي تنظم عملها سياسياً وعسكرياً، وإنني لأتساءل بالمرارة أين كان دور هذه القوى السياسية في مناصرة المظلوم و التوم حامد القيادي بالمؤتمر الشعبي وأبن المنطقة تعتقله السلطات الأمنية من مداخل مدينة الدلنج وتزج به في أتون السجون؟ لماذا لا يحرك هذا الاعتقال التعسفي سكون هذه القوى ثم أين كانت هذه القوى والسلطات الأمنية أيضاً تعتقل صحفيي وتغلق (رأي الشعب) وترمي بأمين عام المؤتمر الشعبي في سجن كوبر؟ ثم هل اعتقال تلفون كوكو يمثل الآن قضية جوهرية دعت هذه القوي لأن تلتف حولها وتخلق منها خطاباً سياسياً ! إنّ الذي يجري داخل هذه القوى يدعو للإشفاق عليها، هذه الحالة لو يعلم قادة هذه القوي هي تخدم أجندة المؤتمر الوطني أكثر مما تفتح نافذة للتعاطي السياسي بشأنها، فالبيان المحسوب تشير عباراته الواردة إلى أن عملية الاعتقال هي محاولة لاغتيال تلفون كوكو سياسياً وإبعاده عن المسرح السياسي . طيب هنا وبالمفهوم السياسي البسيط الذي لا يفوت على فطنة القائد أنّ هذا الإبعاد لو تم كما جاء بالبيان لا يضير من وجهة نظري السياسية وذلك لأنّ العمل السياسي يعتمد على المصالح والمنافسة على سوق الجماهير فإذا كانت الحركة الشعبية بهذه التهمة سوف تتلخص من قياداتها الآخر تلو الآخر فما الاستعجال إذن فبعد قليل سوف لا يكون هنالك من يقول أنا حركة شعبية والدار تبقي (خلا) ومرتعاً خصيباً للقوى السياسية مما يخلق فرصاً كافية بأن تنافس هذه القوى المؤتمر الوطني خصوصاً وأنّ الانتخابات الآن تستعر نيرانها تحت أقدام القوى السياسية وهي لا تكاد تشعر بحرارتها. إن نقدنا لموقف القوى السياسية تجاه اعتقال تلفون كوكو ومناصرتها لهذه القضية لا يقدح في المكانة التي تزين عنقنا فخراً و إعتزازاً بقائد ملهم أخذ قضيته على فوهة بندقيته يبحث لها عن حلول أبدا، وهذا النقد لا يقلل أبداً من قناعتنا الراسخة تجاه ما نادى به تلفون من قبل ولكن أن تشغل القوى السياسية نفسها، وتجتمع أطراف النهار وآناء الليل في هكذا قضية لا تشكل لها مصدر هم سياسي كبير بقدر ما هي قد تباعد المساحات الديمقراطية والفضاء المدني الذي يجمعها بالحركة الشعبية كثيراً، وبالتالي تكون هي أقرب لذلك الفضاء المشحون شمولياً دون أن تعرف بأنها قد( قربت) لمؤتمر الوطني خطوات وخطوات. إنّ المسرح السياسي الآن بدأ يتشكل في هذه الولاية وكل الأنظار سوف تلتفت إليه بتقديم أقوى عرضين يتم تقديمها على خشبة هذا المسرح هما الانتخابات ثمّ المشورة الشعبية مما يعني هذا أن تستعد هذه القوى جيداً حتى تقدم عملاً ملموساً على خشبة هذا المسرح وتنال بذلك رضا الجمهور المتطلع للديمقراطية والحرية ثم بعد ذلك تدخل عملية الاستفتاء وهي قد حسمت قضاياها السياسية والتنموية و السلطة والثروة عبر( المشورة الشعبية) مما قد يخفف ذلك من وطء الاستحقاقات المحتملة في هذه الولاية عند تقرير المصير لشعب جنوب السودان. أنني أدعو القوى السياسية بجنوب كردفان للانتباه الجيد في مرامي المؤتمر الوطني وسياساته الرامية إلى التحكم في مصير العباد بافتعاله لقضايا انصرافية وحشده لمنظماته التي تُدعى (مدنية) لتخدم هذه الأغراض البخيسة واليائسة ثم أدعوا أخيراً قوانا السياسية قبل اتخاذ مثل هذه الخطوات لأن تفتح حواراً عميقاً مع الحركة الشعبية لا بخصوص تلفون بل بشأن الانتخابات القادمة ونتائج التعداد السكاني الأخير، وما يفرزه من تداعيات في الحصة الولائية للدوائر القومية ثم عليها - هذه القوى- أن تفتح حواراً أكثر عمقاً لحسم مسألة المشورة الشعبية وقضية استفتاء أبيي، ويمكن لها بذلك أن ترسم هذه القوى ملامح للوحدة الوطنية المفترى عليها من عقلية المؤتمر الوطني، وتتسع بذلك آفاق التعاطي مع القضايا السودانية المعقدة، وتكون ولاية جنوب كردفان هي أنموذجا سياسياً يمكن أن يحتذى به لحسم الكثير من الملفات خصوصاً وإنّ وضع الولاية الجغرافي والديمغرافي يؤهلها كثيراً لأن تلعب مثل هذا الدور.