المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    "بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    نبيل عبد الله: قواتنا بالفرقة 14 مشاة صدّت هجومًا من متمردي الحركة الشعبية بمحطة الدشول    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحافة السودانية: عودة زوار أول المساء ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 15 - 08 - 2010


(توجد مقالات محظورة)
هذا مقال عرضت فيه لحرية التعبير بعودة الرقابة القبلية. وخلال تلك الفترة حظر الرقيب القبلي عمودين متتالين مما انشره بصورة يومية في جريدة "الأحداث" ستجهما ملحقين في نهاية المقال. ووجهت رسالتين لكل من اتحاد الصحافة ومجلس الصحافة القومي للتحرى في المسألة.
لم أصدق أذنيّ حين قال لي محرر جريدة (الأحداث) أن الرقابة حجبت عمودين متتالين مما أكتب بصورة راتبة فيها. وليس مصدر تكذيبي الخبر هو خيبة ظن في الحكومة. فليس هناك ما تفعله دولة الإنقاذ بالسودان يدعو للعجب. ولكن كان مصدر دهشتي أن هذه هي المرة الثانية فقط التي يكره الأمن ما أكتب خلال أكثر من عقد من الكتابة اليومية والأسبوعبة بالصحافة. فقد تعاقدت مع نفسي أن اكتب ما ينشر لا ما يحجب. ولم يكن هذا التعاقد خشية من الدولة بل كان إدراكاً مني للضرورة. فقد أسعدني أننا انتزاعنا حرية الإصدار المتعدد للصحف من الإنقاذ في آخر التسعينات بعد لأي وعزيمة منا وبعد فشلها الذريع في تجربة الصحافة المؤممة. ورأيت في هذا الحق المستعاد ما يستوجب الحرص. وسيكون من سوء التقدير أن تكتب في هامش الحرية المزعوم أو المرتجل غير عابيء بمثل هذه الحقائق.
كان بوسعي أن أنقل الكلمتين إلى صحافة الأسافير مشفوعاً ب"حظر من النشر" كما يفعل جماعة من زملائي الكتاب. ولكني لست من أولئك الذين يحرصون على إقامة البرهان على سوء الإنقاذ كلما هل صباح. ومن الجهة الأخرى منعني من هذا الإجراء البسيط أن العمودين كانا حول إضطهاد مستنكر على حزب المؤتمر الشعبي. فقد اعتقلت الحكومة الدكتور حسن الترابي، رئيس الحزب، في 16-5-2010. وهو الاعتقال الخامس منذ مفاصلة الإسلاميين، الذين جاءوا إلى الحكم في 1989، في 2000. وهي مدابرة معروفة بخلاف "القصر" رمزاً إلى عرين السيد البشير رئيس الجمهورية و"المنشية" رمزاً للحي الراقي الذي يسكنه الترابي على ضفة النيل الأزرق. ووقع الاعتقال الأخير في البادي لقول الترابي، الذي ما فتيء يدعو الشير للتسليم بقضاء المحكمة الجنائية وقدرها، إنه يؤيد حركة العدل والمساواة في مطلبها ولا يزكي تكتيكها العنيف. وللقصر أصلاً شكوكه الكبيرة (أو يقينه) أن الترابي من وراء الحركة. وشمل التضييق هذه المرة صحيفة الحزب، رأي الشعب، فصادروها ثم اغلقوها بتهمة التحريض على كراهية الدولة بالنشر الضار. وكان معروض الحكومة للمحكمة مقالة كتبها الأستاذ أبو ذر الأمين وعنوانها "إنتخابات فوز علي عثمان وليس البشير" مفادها أن الذي فاز بالرئاسة حقاً هو نائب البشير الأستاذ علي عثمان محمد طه (نائب الترابي على عهد الجبهة الأسلامية القومية قبل انقلاب 1989) بحيل تلوح أنه ربما كان الوريث المعحل للحكم. ومن المؤسف تواتر الأنباء عن تعذيب وقع لأبو ذر وهو في ذمة الأمن كما في رسالة مؤثرة لزوجته كشاهد عيان على آثار ذلك. والأكثر أسفاً أن المحكمة انعقدت سراً بحيث لم ير الناس العدالة تأخذ مسراها تحت ناظريهم ناهيك أن تكون قد وقعت أصلاً. وبلغ الضيق بإجراءات المحكمة حداً انسحب فيه فريق الدفاع احتجاجاً ليحل محلهم فريق احتياطي. وحكمت المحكمة بسجن أبوذر خمس سنوات ومدد أخرى على رفاقه.
وصاحب هذا التطويق للمنشية عودة جهاز الأمن إلى الرقابة القبلية للصحف. وفيها يبث الجهاز بعناصره من زوار أول المساء لنزع المواد التي حكم ألا تخوض الصحافة فيها. وكان البشير قد رفع هذه الرقابة قبل الإنتخابات بما فهم الناس منه أنها لن تعود ابداً. وأحزن الناس أنها عادت ب"أعجل ما تيسر" (والمصطلح من لغة السيد الصادق المهدي في الثمانين وكثير الدوران في الألسن). وبدا للناس أن حرية التعبير من محرمات دولة الإنقاذ بغض النظر عن وضعها الدستوري: ديكتاتورية أو برلمانية.
مع صحة القول باشمئزاز الإنقاذ من حرية الصحافة إلا أنه ربما انتفعنا أكثر بتحليل واقعة التعدي الفظ على الصحافة السودانية بالنظر إلى "الفجور" في خصومة المنشية والقصر. والإسلاميون من أذاعوا عبارة "الفجور في الخصومة" في القاموس السوداني السياسي. فليس صدفة ربما حجب عمودي (الذي لم يحجب قط، تقريباً ) مرتين بالتتابع لأنني تناولت فيه نزاع القصر والمنشية. وكانت زواية النظر هي فجور خصومتهما التي عرضت لها سلفاً.
أرقني دائماً الخوف من مترتبات نزاع القصر والمنشية على مستحق الديمقراطية. فقد دق رفاق العقيدة بينهما عطر منشم دقاً خشيت أن تندلق شحناؤه في مجرى مساع الوفاق الوطني في أول هذا العقد فتفسده. وبلغ من فسولة هذه الخصومة أن راج بين الناس المثل "أبو القدح (السلحفاة) يعرف من أين يعض رفيقه". وكان عضاضهما قبيحاً. تأذى منه شيعة الترابي في رزقهم ومصادر تمويل حزبهم. وبلغ الفجور حد إخلاء منزل حكومي أقام فيه عضو مميز لمجلس ثورة الإنقاذ بالقوة الجبرية لمظاهرته الترابي.
من الجهة الأخرى ردت المنشية بالمثل. فوقّعوا كيداً وثيقة تفاهم مع خصم الأمس في الحركة الشعبية في جنيف في 2004. ومن رأي الدكتور دوقلاس جونسون أن الوثيقة انطوت على قيام الشعبي بعمل مسلح في مناطق راجا التي هي الأكثر إسلاماً في جنوب السودان. ووقع بالفعل صدام مسلح بين جماعة ما بتلك الجهة والقوات الحكومية. ناهيك عن اتهام الحكومة للترابي بأنه الذي كان من وراء "فتنة" حركة العدل والمساواة. بل أصبحت أسرار الزمن الجميل مشاعة. فاتهم الترابي جماعة بالاسم بمحاولة إغتيال الرئيس حسني مبارك في أثيوبيا في 1995 وأنهم تدخلوا بقوة في إنتخابات ملاوي البعيدة لترجيح حزب دون آخر. ويقف الترابي الآن سافراً مع تسليم البشير لمحكمة الجنائيات الدولية.
خشيت على حرية الصحافة من وعثاء عضاض سلاحف المنشية والقصر. فأول ما رشح منه وتأذت الصحافة منه كان في مايو 2000 حين حجبت الحكومة جريدتي، الصحافي الدولي، وصحفاً أخرى من الصدور لأنها نشرت بعض وجهات نظر المنشية في الخلاف. فكتبت عن هذا التضييق. وقلت إن فرض إحادية التبليغ عن نزاع القصر والمنشية "يرجع بنا القهقرى إلى أيام الصحف المؤممة التي حسبنا أن الإنقاذ قد قنعت منها ظاهراً وباطناً." ويبدو أنه متى اشتجر الخصمان، المنشية والقصر، ظهرت العاهة على جسد الصحافة.
وساقني إشفاقي أن يصيرالترابي، كثير التردد على الاعتقال، عنواناً للديمقراطية ومقياسها عندنا إلى صور من اللؤم بحق سجين رأي مهما كان. ولكنني أردت ان لا يحملنا إصر السلاحف ما لا طاقة لنا به. فأكثر القصر آنذاك من الاحتجاج على لقاءات للترابي مع المجاهدين وضباط نظاميين بغرض الإطاحة بالحكم. ورد القصر بتأمين الرئيس البشير بمحافل للبيعة. فكتبت عن خشيتي على هامش الحرية الذي انفتح من "نباح" الحكومة الترابي بغير إعمال للقانون. فهو لا فوق القانون ولا هو تحته. فإذا توافرت للحكومة أدلة عن تخريبه فلتعرضه على القضاء. وأضفت أنه "إن لم نحتكم إلى القانون ربما قادنا هذا إلى إجراءات إستثنائية ينحرم فيها الترابي من حقوقه الشرعية" في المحاكمة العادلة.
وأكثر ما أزعجنى ان المعارضة للإنقاذ، التي قل فيها الاعتقال، جعلت من اعتقال الترابي موضوعاً أثيراً للتعبئة. وقلت إنه ليس بوسع خصوم الترابي قبل المفاصلة مع الإنقاذ، على كراهيتهم المؤكدة له بما يفوق كرههم للبشير، أن يستثنوه من مطلبهم السياسي بحرمة الحريات, وكانوا تمنوا طويلاً "زرة" الاعتقال للترابي بل أسوا ثم لما اصابته سارعوا لاستنقاذه لأنها تمت بيد عمرو (عمر البشير) لا بيدهم. وطلبت منهم مع ذلك أن يتحوطوا في التضامن مع الترابي. فليس من صالح الديمقراطية أن تسعف الحاقن الخال من التكتيك. فقد استولت على الترابي استراتيجية الإطاحة بنظام البشير وسيفكر في التكتيكات ارتجالاً بغير اعتبار لحقائق ميزان القوة. وأضفت أن على المعارضين أن يتحوطوا حتى لا يستفيد معتاد تسفيه بالحقوق الديمقراطية كالترابي من مظلتها بغير قيد أو شرط. وضربت مثلاً بالفيلم الأمريكي "الشعب ضد لا ري فلنت". ولم أقصد حرفية المماثلة بالطبع. ففلنت من رواد صحافة الجنس وتربص به جماعات أخلاقية تريد حظر تجارته. فكان دفاعه عن حقه في حرية التعبير أنه أسوأ الأمريكيين استخداماً لذلك الحق. ولكن حرمانه منه سيتداعي وسيشمل عن قريب من يحسنون إلى ذلك الحق. وقلت إن حرصنا على الديمقراطية سيطال الترابي، الذي لم يوقر هذا المعني متى كان له سلطاناً في الأرض، غصباً عنه كمستخدم سيء لها.
لم اتجاوز في كلمتيّ المصادرتين هذه المعاني عن وجوب ألا تكون الديمقراطية ضحية عضاض القصر والمنشية. وأعدت قولي إن الذي بينهما أشد وأنكى مما بين الحكومة وأي معارض آخر. وبلغ من تردد الترابي على كوبر أن علق الأستاذ محمد عبد الماجد في مناسبة إطلاق ساحه الأخيرً "إنه إفراج مؤقت" بالنظر إلى مصطلح الجمرك. وفي الكلمتين أخذت على المنشية أنها ربما لم تحسن ردة الفعل على بؤس أدائها في الانتخابات الأخيرة وهي التي لم تعلق أملاً في النجاح من وراء خوضها. فالمسموع أنهم قالوا إنها ستزور مثلهم مثل باقي المعارضين. ولكن خلافاً لهم قرروا خوضها في حين اضطرب أمر الآخرين كثيراً. وكره الترابي من المعارضة هذه الذبذبة بين خوض الانتخابات ومقاطعتها فأعتزلهم وأنبرى قائلاً إنهم قوم اضاعوا رأس الخيط. وأشهد أن المنشية نجحت في تكتيكها إلى حد كبير. فهم مثلاً غطوا الدوائر كلها بما فيها دارفور التي جاء منها معظم نوابهم. بل نال الذي ترشح منهم لرئاسة البرلمان نحو 40 صوتاً.
وقال الترابي إنه سيقبل بالنتيجة ما تحقق له إعادة بناء حزبه وسط الناس بالانتخابات. ولكن سرعان ما تغير الموقف إلى رفض للنتيجة لأنها مزورة. وهذا من غير الماذون به في اللعبة السياسية. فأنت لا تغير تكتيك عند نهاية السباق قبل دراسة حصيلتك منه. فهذا مربك. وكان دليل الترابي على التزوير أن لهم مخبرين من داخل الحكومة نقلوا لهم تدابير التزوير ونجاحه. وكأن هذا لم يكفه في عضاض القصر فزاد بوجوب تسليم البشير نفسه للجنائية وبأنه يؤيد دارفور وقضيتها ولكنه يتحفظ على تكتيكاتهم. وتعرف الحكومة عن الترابي ودارفور (أو تحدس) أكثر من ذلك. وتم اعتقاله.
ولإضطراب التكتيك في السياسة ثمنه الفادح. وأعد محنة أبوذر ورفاقه من دلائل الإرباك الذي يحدث من تغيير الحصن في السباق. فقد وجدت صحيفة المنشية "رأي الشعب"، نفسها مناطة بالترويج لخط جديد للحزب لم تستعد له. وهذا في نظري إطار مناسب لفهم نبرة مقال أبو ذر سالف الذكر ومهنيته. ويؤسفني بالطبع أن يكون الصحفي وصحبه في السجن عقاباً غير مستحق للكتابة. وقطّعت نياط قلبي مذكرة زوجته عن حاله. ومن فرط أسفي على عافية محرري الجريدة قلت إنني لو كنت رئيساً (أو مديراً) لتحرير "رأي الشعب" لعبرت عن إعزازي لابوذر وصوني له بأن أرجأت نشر مقاله ليبقى على رأيه حتى يتأكد من مصادره الموصوفة ب "مصدر ذو وزن" أو ذاك الذي "نقل عن الرئيس البشير" أوغيرها ويفلفل قصتهم فلفلة يتأكد أنها لم تتقصد الوقيعة بين الرئيس و الأستاذ على عثمان لا غير. ولكنت طلبت من أبو ذر بالذات أن يقيم بينة أفضل عن المشروع النووي الإنقاذي المشترك مع إيران الذي كشف عنه. فاقتصار برهانه على قول الرئيس إنه يريد إدخال الطاقة الذرية إبعاد في النجعة.
وقلت في كلمتي المصادرة إنني وددت لو أن كل الدوائر، الأمن والقضاء والصحافة والمعارضون، توقفت عند عنصر المهنية في الشغل الصحفي موضوع القضية. فلربما خرجنا، متى تأنينا عند آداب المهنة متجاوزين سخائم القصر والمنشية الرديدة، بتربية في الديمقراطية تطبعنا على التحقق والصبر عليه كعادة ثقافية. فلو احتكمنا للمهنية لأنعقدت محكمة أميز لرأي الشعب. وحكيت في كلمتي قصة جودث ميللر التي فقدت في 2005 وظيفتها في النيويورك تايمز لشططها المصدري بعد 30 عاماً من الخدمة. وهي صحفية ليست غريبة علي السودان. فقد كتبت بسفه كثير عن الترابي ككابوس في كتابها "الناطقون باسم المحتقرين: زعماء الأصولية في الشرق الوسط" وإلى هذه الصحفية ربما نرد قيام حرب العراق. فقد وقعت ضحية مصادر مشبوهة لتدفع بقوة بحكاية وجود أسلحة دمار شامل في العراق. أو أنها رغبت في ذلك. وكانت روايتها هي التي استشهد بها أقطاب النظام مثل كولن باول للترويج لغزو العراق. ثم تورطت في قصة الكشف عن هوية فاليري بالم، العميل السري للسي اي آي، في نفس سياق أسلحة الدمار الشامل مما يطول شرحه. ورفضت الكشف عن مصادرها وقضت المحكمة بسجنها ثم انحنت للعاصفة.
لا اريد أن ابدو كمن يجرم الضحية، المنشية، التي حالها ظاهر بين يدينا: سجن ومصادرة واعتقال. ولكن تقول العرب تٌقرع العصا لذي الحلم. فما بيننا وحكومة البشير قضية لحرية التعبير. وهي قضية المنشية ولكن لابسها من داحس الخلف وغبرائه ما جعلها ورماً. ونعيذ الديمقراطيين السويين نظرات صادقة أن يحسبوا الشحم في من شحمه ورم. وأتمني أن تتحول مناشداتنا للحكومة بالصفح عن أبو ذر وغضباتنا عليها إلى نظر في المهنية التي من وراء ذلك كله. وقد حجبت سرية المحاكمة أكثر هذا. وآمل أن تسود الحكمة المنشودة نترقى بها في المهنة ونتخلق بعادة الديمقراطية. وباب ذلك واسع.
الأعمدة المحظورة
1-في المهنية حياة لكم يا أولي الالباب
عبد الله علي إبراهيم
قال رجل شفيف ساءه الغلو في نقد بعضهم لمانشيت في هذه الجريدة عن قتلى من الجيش وحركة خليل إن الصحفيين الذين تطعنون في مهنيتهم يكتبون عن القتلى "ثم يدفنون رؤوسهم قبل القتلى في الوسائد". هذه عبارة بليغة في شروط الإنتاج الصحفي في بلدنا صبرنا عليها منذ آخر عقد التسعينات حين بدأت الصحف غير الحكومية في الصدور. وقلنا الكسب الأكبر هو تعطيل "تأميم" الصحف وحق الإصدار المتعدد لها.
وكان لمناضلي الخارج رأياً سئياً فينا. أذكر قولهم لما كتبت بصورة راتبة لصحيفة "الصحافي الدولي" إنني سال لعابي لمال الإسلاميين. ولما توقفت الصحيفة كانت مدينة لي بنحو 13 مليون جنيه. وأصبحت الصحف في الداخل حقيقة من نوع ما. فأقبل الشانئون لنا يكتبون فيها (لمّا عدموا المنافذ) على فهم لينيني للصحيفة كأداة للتحريض والتأجيج والتعبئة. فإذا نَشَرت لهم كَسِبوا وإذا غلبها من النشر الشديد القوى أذاعوا مقالهم وعليه شهادة ضبط الجودة الثورية "حظر نشره". وهذه حجة وتجرة.
واضح حتى قبل أن أمضي قدماً أن هذه زاوية باردة للكتابة عن موضوع الأستاذ أبو ذر محمد الأمين. وستكلفني نذر الاحترام التي تبقت لي عند اليسار الجزافي الزعَّاق. و يؤسفني بالطبع أن يكون أبو ذر وصحبه في السجن بعد نشر المقال المعروف. وقطعت نياط قلبي مذكرة زوجته عن حاله. ومن فرط أسفي أقول إنني لو كنت رئيساً (أو مديراً) لتحرير "رأي الشعب" لعبرت عن إعزازي له وصوني بأن أرجأت نشر مقاله ليبقى على رأيه حتى يتأكد من مصادره الموصوفة ب "مصدر ذو وزن" أو ذاك الذي "نقل عن الرئيس البشير" أوغيرها ويفلفل قصتهم فلفلة يتأكد أنها لم تتقصد الوقيعة بين الرئيس و الأستاذ على عثمان لا غير. وكنت طلبت من أبو ذر بالذات أن يقيم بينة أفضل عن المشروع النووي الإنقاذي المشترك مع إيران. فاقتصار برهانه على قول الرئيس إنه يريد إدخال الطاقة الذرية إبعاد في النجعة.
وددت لو أن كل الدوائر، الأمن والقضاء والصحافة والمعارضون، توقفت عند عنصر المهنية في الشغل الصحفي موضوع القضية. فلربما خرجنا، متى تأنينا عند آداب المهنة، لا نزاع الإسلاميين المعاد، بتربية في الديمقراطية تطبعنا على التحقق والصبر عليه كعادة ثقافية.
لو احتكمنا للمهنية لأنعقدت محكمة أميز لرأي الشعب. وأحكي لكم هنا عن قصة جودث ميللر التي فقدت في 2005 وظيفتها في النيويورك تايمز لشططها المصدري بعد 30 عاماً من الخدمة. وهي صحفية ليست غريبة علي السودان. فقد كتبت بسفه كثير عن الدكتور حسن الترابي ككابوس مما نشرته في كتابها "الناطقون باسم المحتقرين: زعماء الأصولية في الشرق الوسط" وإلى هذه الصحفية ربما نرد قيام حرب العراق. فقد وقعت ضحية مصادر مشبوهة لتدفع بقوة بحكاية وجود أسلحة دمار شامل في العراق. أو أنها رغبت في ذلك. ومنها جلبي المعارض العراقي لنظام صدام. وكانت روايتها هي التي استشهد بها أقطاب النظام مثل كولن باول للترويج لغزو العراق. ثم تورطت في قصة الكشف عن هوية فاليري بالم، العميل السري للسي اي آي، في نفس سياق أسلحة الدمار الشامل مما يطول شرحه. ورفضت الكشف عن مصادرها ثم انحنت للعاصفة. ودافعت عنها الصحيفة هوناً حتى اصبحت عبئاً معنوياً عليها فأعفتها.
أتمنى أن تتحول مناشداتنا للحكومة بالصفح عن أبو ذر وغضباتنا عليها إلى نظر في المهنية التي من وراء ذلك كله. وقد حجبت سرية المحاكمة أكثر هذا. ونأمل أن تسود الحكمة المنشودة نترقى بها في المهنة ونتخلق بعادة الديمقراطية. وباب ذلك واسع.
2 -دا موضوعو تاني
عبد الله علي إبراهيم
بينما كان معارضة الإنقاذ تتهم مفاصلة رمضان 1999 الإسلامية بأنه مسرحية "وحركة في شكل وردة" تشاءمت أنا وكتبت مراراً أحذر من مغبة هذا الانقسام. ما خشيت منه أنه سيضيف إلى "حروب الصفوة" حرباًً جديدة لجماعة "دافننو سوا". وكتبت ناصحاً الطرفين أن يهدئا اللعب. ولم يكن ذلك نباحاً لخاطر عين أياً منهما بل خوفاً على ذنب الديمقراطية. فقد بدا منها الهامش ولم نحسن بعد استثماره بذكاء وقوة وأمل. وما قلته للفريقين ألا يقنطوا فستكون بهم وبلاهم حركة إسلامية في هذا البلد المسلم أكثره إلي يوم الدين. وكنت أكثر من توجهت له بالعبارة الدكتور حسن الترابي أمحصه مخلصاً من هدي الدين صبراً على الإبتلاء ونقص الأنفس والثمرات.
لا أحسن الظن بالطبع في الإنقاذ من جهة الحرص على الديمقراطية أو حتى هامشها. ولو كنت على ذلك الظن لما جرؤت على الترشيح لرئاسة الجمهورية. ولكن كنت أخشى على ذلك الهامش، وما أزال، من نزاع الأخوة الأعداء الإسلاميين ومترتباته. فما بين الحكومة والمؤتمر الشعبي أشد وأنكى مما بين الحكومة وأي معارض آخر. يكفي أن الترابي هو أكثرنا تردداً على كوبر حتى قال عنه زميلنا محمد عبد الماجد في مناسبة فكته أخيراً "إنه إفراج مؤقت". فما بين الفريقين ما تصفه العرب ب"دقوا بينهما عطر منشم".وكانت منشم عطاَّرة تبيع الطِيب. ويغمس المتحاربون أيديهم في عطرها قبل الموقعة متحالفين بأن يستميتوا في الحرب ولا يولوا أو يقتلوا. وعليه يمكن أن تقدر لماذا لم تكجم الحكومة الصحافة الأخرى كجمها ل "ألوان" و"رأي الشعب".
ما بين الأخوة الأعداء من "كهربة زائدة" يذكرني قصة من خرطوم الستينات. كنا نمتطي طراحة في خط الخرطوم-الديوم . وعند المشتشتفي تخطانا أحدهم ونظر إلى سائقنا شذراً و"شخط" فيه "شخطة" قوية. وكان السائق بارد الأعصاب وقال له:"لربما غلطت في حقك. ولكن ما قدر دا". والتفت إلينا قائلاً:" الزول دا موضوعو تاني". وقناعتي أن موضوع الإنقاذ مع المنشية"موضوع تاني".
وعلى أن موضوع الأخوة العداء "موضوع تاني" إلا أنه ينسحب علينا جميعاً طالما اشتركنا مع المنشية في هامش الديمقراطية الذي قبله القصر مكرهاً. وكان في أصل مراجعتي المؤتمر الشعبي أن يلعبها صاح مثلنا في حقل سياسي غير مبذول. فإذا اعتراه السأم من الخذلان وتعجل رد الصاع بصاع "سيتور عجاج" كثيراً. وسيكلفنا نحن شركاءه في هامش الديمقراطية ما لا طاقة لنا به. وبدا لي أن النظام عَرِف عنا هذا وراح يستخدم اعتقال الترابي بكفاءة كبيرة. فلما تكاكأنا أخيراً لفكه من الأسر كنا انشغلنا حتى شوشتنا عن الانتخابات وتقويمها وتزويرها وذيولها بالكلية. وانسدل على نتائجها ستار النسيان وهي ما تزال طفلاً.
قلت للاستاذ كمال عمر، الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، قبل أسابيع: لقد قلتم بغير لبس إنكم لا ترجون نتيجة من دخولكم الانتخابات بل تريدون أن ترتبوا بيتكم الداخلي في نشاط بين الناس. وأشهد أنكم نجحتم في هذا كثيراً. لقد رأيت شبابكم في بري يقوم بأمر خيمتكم بقوة. كما رأيتكم غطيتم كل دائرة في دارفور بل جاءت مقاعدكم القليلة منها. فلماذا ارتج عليكم بعد إعلان النتيجة وبدت هي الغاية ولم تكن كذلك. بل قرأت عن وكالة الس م سي (لو صدقت) أنه في اجتماع أمانتكم العامة الأول اتجهتم للنظر في قصوركم أولاً ثم لوم الحكومة ثانياً. وهذا الضيق بالنتيجة هو الذي أدى بالترابي و "رأي الشعب" إلى مقالات حركت "الموضوع التاني" وأنتهينا إلى ما أنتهينا إليه.
لا أريد بهذا الحديث تجريم الضحية. ولكن تقرع العصا لذي الحلم.


[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.