مما لا شك فيه أن الإنسان أصبح في حيرة من أمره، لا يدري من الذي يأخذ له حقه؟! ومن يحاسب من ظلمه؟ ومن هو ذلك الرئيس الذي يمنع وقوع تلك الحروب في الدول التي نراها على الشاشة عقب كل نشرة أخبار؟ ولماذا تكذبون علينا وعلى أنفسكم أيها القادة والرؤساء، لأن ما نراه ونشاهده أمامنا ونسمعه ونحن جالسون في منازلنا شيء فظيع وعجيب وغريب ومقذذ للأبدان. وخير دليل على ذلك الخطاب الذي ألقاه رئيس الولاياتالمتحدة أوباما في قمة السودان في نيويورك الجمعة الماضية بتاريخ 24 أيلول (سبتمبر) 2010. وفي مجمل حديث رئيس الولاياتالمتحدة في تلك القمة السودانية، تناول قضية دارفور وقضية جنوب السودان، وعرج في خطابه، إلى الحديث عن حقوق الإنسان السوداني التي أهدرت منها مليوني شخص، وتحدث عنها كثيراً وعن عدد القتلى في تلك المناطق الذي ذكرها بالأرقام، وعن أشياء كثيرة تهم حقوق الإنسان. وما أدراك ما حقوق الإنسان التي يتحدثون عنها دائماً ولا يفعلون شيئاً تجاهها. ويظل الحديث تحصيل حاصل لدول بعينها، ويشددون القول والحديث للدول الضعيفة والمستضعفة. ولا ندري هل يقصد أوباما حقوق الإنسان أم "عقوق الإنسان"؟! لذلك حذر أوباما في خطابه عن السودان، في قوله: " حالياً مصير ملايين الأشخاص على المحك. وما سيجري في السودان خلال الأيام المقبلة قد يقرر ما إذا كان هؤلاء الناس الذين عانوا الحروب سيتقدمون نحو السلام أو سيغرقون مجدداً في حمام الدم". ولكن ما لفت انتباهي وشدني أكثر ليس ما ذكره الرئيس الأميركي، ولكن ما قاله عن حقوق الإنسان، وتولدت لدي أسئلة كثيرة أثناء حديثه عن تلك الحقوق المهدورة، وعن أن السودان لا يراعيها في أبنائه، وعن.. وعن... وفي الوقت نفسه لا يذكر ما فعله المجرمان بلير وبوش من حروب مدمرة في العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يتذكر أوباما في حديثه حقوق الإنسان في تلك الدول وركز على السودان فقط؟! أريد أن أعرف أو أفهم هل، حقوق الإنسان هذه مفصّلة على السودان فقط؟، أم هي الدولة الوحيدة التي من حقها أن تراعي حقوق الإنسان؟! وماذا عن حقوق الإنسان في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان؟! الذي يهدرها الإسرائيليون "على عينك يا تاجر" بالصوت والصورة دون خوف من منظمة حقوق الإنسان أو ممن أسسها. لماذا لا نحاسب إسرائيل بسبب اغتيالها لحقوق الإنسان؟! وفي كل الدول الأخرى يهان الإنسان وتهدر حقوقه، ويقتل وينهب في عرضه وماله، ولا أحد يحاسب أحداً ولا أحد يقول عن حقوق الإنسان في تلك الدول الأخرى شيئاً. ألا يرى الرئيس أوباما بأم عينيه ما يجري في فلسطين وأفغانستان والعراق؟! لماذا لا يوجه خطابه لتلك الدول أو يوقف الحروب الدائرة في تلك الدول؟ وأين موقع حقوق الإنسان في الخارطة أو في الأممالمتحدة؟! لماذا هذه التباينات والاختلافات في الخطابات التي نراها من دولة إلى أخرى؟! أحلال على تلك الدول أن تهدر حقوق الإنسان على مرآى الأعين التي نراها عقب نشرات الأخبار وحرام على الدول الأخرى الضعيفة أن تهدر حقوق الإنسان وتتم محاسبتها من خلال الأممالمتحدة ومكتب حقوق الإنسان أم ماذا؟! فمن كثرة رؤيتنا للدماء التي تورقها إسرائيل وأميركا أصبنا جميعاً بالتبلد، فإراقة الدم العربي أصبحت مثل المياه التي تصب من "الصنبور"، حيث في السابق كانت هذه المناظر تؤثر وتثير حفيظة كل المسلمين، وتقشعر منها الأبدان عندما يرى الإنسان يذبح أمامه أخيه الإنسان، أو قتله برصاص أو خنجر أو خلافه من أدوات القتل، وظل أطفالنا أيضاً يشاهدون معنا تلك المناظر في التلفزيون. فصراحة أخجل تواضعي خطاب الرئيس أوباما بالأمس الذي ألقاه عن السودان، وعن حديثه عن السلام الذي حققه السودان فجأة أعلنوا عبر نشرات الأخبار عن ملف دارفور الذي كان نائماً في سبات عميق أظهروه على السطح، وفوتوا الفرصة على السودان فيما وعدوه بتلك الأموال الطائلة التي ستصب عليه من أميركا في حالة حدوث "سلام" في السودان بين الشمال والجنوب.. وها هم اليوم يريدون أن يفصلوا شمال السودان عن جنوبه من أجل ثروات الجنوب والفوز ببترول "الجنوب" التي سبق أن اكتشفتها شركة شفرون الأميركية. في السابق حينما كانوا يريدون لهذا البترول أن يكون احتياطياً لأميركا بعد عام 1915 كما كانوا يتحدثون عن ذلك الأمر. وأيضاً يريدون أن يضعوا إحدى قواعدهم العسكرية الأميركية في جنوب السودان لتهديد الدول الأخرى ولتتم سيطرتهم على العالم أجمع. لذلك يتحدث الرئيس أوباما عن حقوق الإنسان المهدورة في السودان وعن تلك القضايا التي تهم السودان، ليس حباً في السودان، ولكن من أجل تحقيق مصالح أميركا في السودان أو في جنوب السودان بصفة خاصة. جعفر حسن حمودة – صحفي – الرياض