زعم الساسة الشماليون قبل وبعد ما يسمى باستقلال السودان من بريطانيا العظمى وفراعنة مصر بانهم يفهمون ويعرفون "الاخوة الجنوبيون" عن ظهر قلب. وهذا الادعاء بكل تأكيد، محض افتراء وقد حمله اللذين دخلوا المعترك السياسي حديثآ. وقد فات عليهم ان مياه كثيرة جرت تحت جسرالانسان الجنوبي الذي تغيرت حياته كثيرآ من العصر الحجري إلى عصر علوم الحاسوب والتكنلوجيا الحديثة.و من ادارة السلاطين إلى هيئة القضاة. ومن اعضاء البرلمان رعاة البقر الى خريجي ارقى الجامعات التي عرفها تاريخنا المعاصر. وجنوبيو اليوم هم قطعا ليسوا بجنوبيي مؤتمر جوبا في 1947م. لكن رغم كل هذه التغييرات الكبيرة على أرض الجنوب على إنسانه كما ونوعا إلا إننا نجد نظرة النخبة السياسية في الشمال ومفهومها عن الجنوب والجنوبييون لم تتغير حتي هذه اللحظة، للدرجة التي أن إستخدامهم للفظة "الجنوبي" للتقليل من شأنه والذراية به، لان الكلمة في أذهانهم تعني التخلف.
وبالرغم من التكافؤ في الفهم والمعرفة الا أن الاخوة الشماليين لا يزالون يستخدمون اسلوب المكر والدهاء في تعاملهم اليومي مع الجنوبيين ووصفهم بانهم- اي الجنوبيين- بقليلي الافق، وهذا الوصف يأتي حتى من زملاء لهم في شتى ضروب الحياة، وهو أمر مزعج للغاية. وقد تسبب هذا المفهوم في كثير من الضرر بالعلاقة التي تربط بين الشعبين. فالتقييم للجنوبي كان دائمآ دون المستوى. ولم يبق الحال على هذا المنوال فحسب بل وحتى معرفتهم بطبيعة الجنوب الجغرافية، والثقافية المتمثلة في العادات والتقاليد لشعب جنوب السودان حتى منطقة ابيي المتاخمة للشمال التابعة للدينكا نقوك الجنوبية لا يعرفون عنها شيئا دعك عن بور او طمبرة. وحتى المستعمر الاوربي الذي لم يمكث في الجنوب الا بضع سنين قد تعرف على الريف الجنوبي اثناء مغامراته داخل الاحراش والمستنقعات بحثا عن المجهول مما ساعد سكان الجنوب الاصليين في اعتناق الديانة المسيحية بسهولة ويسر. كما تعلم المستعمر كل اللغات للقبائل الجنوبية بفصاحة مذهلة، وقد ابلوا فيها بلاءآ حسنآ. وقد علموا الجنوبيين قراءة وكتابة لغاتهم المحلية، سبحان الله!. بالاضافة الى تطوير حرفتي الزراعة والصيد. بينما نجد في الجانب المقابل، أنه كان من العسير نطق الشمالي لكلمة (مالي) بلغة النوير والتي تعني سلام. فمدرستي الناصر الشرقية والغربيةالابتدائيتين كانتا من صنع الخواجات.
النقطة التى اريد التوصل اليها هنا هي انه حتى الممستعمر الاوربي عمل في جنوب السودان وساهم في تطوير شعبه- شعب الجنوب- اكثر مما فعل المستعمر الجديد- دولة ما بعد الإستقلال- والذي كان شغله الشاغل استغلال شعب و موارد وثروات الجنوب مقابل حفنة من ارطال السكر واوقيات الشاي وملح الطعام لمواطنين يقطنون في (رواكيب) مصنوعة من القش. وقام المستعمر الجديد بجمع كل ما وقع في ايديهم من أخشاب وعمالة رخيصة، ونقل هذه الثروات إلى الشمال وبناء العمارات الشاهقة بالخرطوم وضواحيها مثل العيلفون وام دوم تاركين اهالي المناطق الجنوبية تائهون وهائمون على وجوههم في الاحراش ومجهوداتهم وثرواتهم تذهب لبناء العمارات الشاهقة، وتقف شاهدا على ظلم ذوي القربى الذي هو أشد مضاضة من الحسام المهند. ودعاة المشروع الرسالي والحضاري لم يبنوا خلوة واحدة لتعليم القرءان! والكنائس التي شيدها المستعمر تقف شاهدة على إهتمامه بتعاليم دينهم أكثر من المستعمرين الجدد الذين توحدوا مع ثروات الجنوب وإنفصلوا مع شعبه. خلاصة القول هو ان الاخوة الشماليين حكومة وشعبآ لم يبذلوا مجهودآ لجعل الوحدة جاذبة منذ اللحظة الاولى قبل وبعد الانجليز ابان الحكومات السودانية التي تعاقبت على حكم البلاد. و كما ذكر الرفيق الاستاذ ياسر سعيد عرمان في احدى خطبه الشهيرة بانه لابد من تطبيق سياسة الانفتاح لكل السودان عبر قنوات الاتصال المرئية والمسموعة والمقروءة، وكما قال الراحل الدكتور جون قرانق دي مابيور مرارآ وتكرارآ بانه لابد ان ناخذ المدينة الى الريف حتى يتعرف الانسان السوداني البسيط بما يجري من حوله، ونقل الخدمات له في مكانه حتي لا تكتظ المدن كما هو حاصل الآن. اما الاسئلة التي تطرح نفسها في الساحة السياسية اليوم: هل يمكن اسعاف ما قد دمرته النخبة السياسية الشمالية بعد استقلال الجنوب؟ ام فات الأوان والإنكتب على جبين الليلة بان؟! وهل هناك بصيص أمل في وحدة بعد إنفصال تقوم على التعاون والندية بعد الإنفصال؟ ام ما ظنو يعود الزار ولّه؟!. ساترك الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها للقارىء/ة الكريم/ة.
كاتب المقال صحافي سوداني يقيم بولايه اريذونا، ويكتب بصحف سودانيه بالانترنت، ويمكن الوصول اليه عن طريق البريد الإلكتروني التالي: البريد اللكتروني التالي، [email protected] او [email protected]