اذا نظرنا لما يحدث هذه الايام في كثير من الدول الاسلامية والعربية من انتفاضات شعبية بدءاً نظيرها في تونس، اليمن، ايران والاردن لتنتهي بالجماهيرية العربية الليبية في محاولة اسقاط نظام الطاغية العقيد معمر القذافي، والتي تقارب نصف قرن من الزمان. الا ان ما حدث للفراعنة في مصر له دلالاته وتداعياتها الخاصة. اذ أن ما يحدث في مصر من تداعيات يؤرق المجتمع الدولى برمته- ان جازت التعبير-، نسبة للمكانة الخاصة والكبيرة لمصر، والدور التي تلعبه في الساحة الدولية نسبة لمركزها المرموق وموقعها الجغرافي والسياسي، ليست في الوطن العربي فحسب بل في العالم الاسلامي اجمع. فمصر قد لعبت دورآ كبيرآ في احتواء الوضع في فلسطين وحل المشكلة بين اسرائيل وفلسطين-لحد ما. وكانت في خط المواجهة مع اسرائيل، ولعبت دورا كبيرا في حالتي السلم والحرب. فاتفاقية كامب ديفيد الشهيرة في عهد الرئيس الامريكي جيمي كارتر بين مصر واسرائيل كانت القشة التي قطمت ظهر بعير، اذ انهت المواجهات العسكرية بين مصر وإسرائيل . كما لا ننسى الدور الطليعي التي تلعبها جمهورية مصر في القارة السمراء وخاصة مستعمرتها القديمة السودان موضوع هذا المقال.
التغيير المفاجىء الذي حدث في مصر قد يكون له مردوده السلبي، ليس على الدول الغربية فحسب بل حتى بالنسبة لاحدث دولة في العالم وهي جنوب السودان؛ خاصة اذ سيطر الاسلاميون على زمام السلطة في مصر، او اي جماعات اسلامية متطرفة ذات علاقة بتنظيم القاعدة كما يعتقد بعض المحللين السياسيين.
فما حدثت بالامس القريب في لبنان من سيطرة حزب الله بزعامة الشيخ حسن نصرالله على اغلبية المقاعد في المجلس التشريعي اللبناني، وبفرض رئيس لبناني جديد، وسيطرة حماس على السلطة في فلسطين، اصبحت بؤرة خطر سوداء تحت الشرق الأوسط.
دعنا نعود الى العلاقة التي تربط مصر بالسودان منذ بدء الخليقة، فأنا اعتبرها علاقة مصالح غير مشتركة، لان السودان لا يجني شئ يذكر سواء الدفاع المشترك لمحو جنوب السودان من الخارطة، ثم استغلال مياه النيل حسبما تشاء مصر،لاسيما أن النيل شريان الحياة لشعب مصر. فبعد ان اصبح جنوب السودان دولة مستقلة ذات سيادة ، حتمآ ستكون مصر في امس الحاجة اليه- اي جنوب السودان وشعبه- اكثر كحاجة الظماءان الى جرعة ماء. لذلك على مصر ان تغير تعاملها مع الشعب السوداني وخاصة جنوب السودان، فإسلوب التعامل الموجود الان لا بد ان يتغيراذا ارادوا الحياة.
لم اعش في مصر ولكن ابان رحلتي الى السودان العام المنصرم عن طريق مصر مع عقيلتي كانت كابوسآ يراودني حتى قبل منامي، وقد اثبتت تجربتي هذه بما لا يدع مجالا للشك بان كل ما يروج عن المعاملات السيئة التي واجهها الجنوبييون في مصرحقائق ملموسة- ساكتب عن تجربتي الشخصية في مقال لاحق.
دعني اعود الى موضوعي الرئيسي، وهو يجب ان لا يكون نظام الحكم في مصر اسلامويا اذا ارادوا ان تكون لهم علاقة حميمة وتطبيع علاقات بين شعبي وادي النيل، والا حولنا النيل لاخوتنا بدارفور لانهم على امس الحاجة اليه. فلا بد ان تعلم حكومتى مصر ودولة شمال السودان بان شعارهم الوهمي " الاسلام هو الحل" ، قد فشل فشلآ زريعآ، ولا يطعم ولا يغني عن جوع؛ ولا يواكب التطور والعولمة. وكما قال الاسلامي الوقور الراحل الاستاذ محمود محمد طه قبل اغتياله شنقآ ابان حكم الطاغية نميري وشيخ الترابي، اذ قال بان الدين للرب ، والوطن للجميع فالاصرار على سن قوانين حدية في شمال السودان سيكون لها مردودها السلبي ، ليس في شمال فحسب بل ستؤثر على العلاقات الودية المرتقبة تطبيعها بين الدولتين الجارتين، وكما ذكرت في مقالات سابقة بان دولة جنوب السودان لا تنتقل الى المحيط الاطلنطي ،بل ستظل شامخة في مكانها ... فالى لقاء.
كاتب المقال صحافي سوداني يقيم بولايه اريذونا، ويكتب بصحف سودانيه بالانترنت، ويمكن الوصول اليه عن طريق البريد الإلكتروني التالي: [email protected] او [email protected]