حاول السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي أن يرسل عدة رسائل في خطابه بمناسبة الاستقلال و رغم أن الخطاب احتوي علي عدة محطات حاول في بعض منها أن يكون واضحا رغم عدم مباشرة الحديث و ربما يعود ذلك للتربية الصوفية التي يتدثر بها الرجل و البعض الأخر فيه شيء من المباشرة و لكن أيضا عبر أدب صوفي جم لا يخلو من شى من بهارات الخبث السياسي و أشارت لا ضرورة لها ولكن أراد أيضا بها الرجل تمتين علاقاته الشخصية مع شخوصها و لكي لا نغرق في الوصف نحدد المحطات المهمة في خطاب السيد الميرغني:- المحطة الأولي :- وحدة السودان يقول الميرغني " بغض النظر عن النتائج التي سيتمخض عنها الاستفتاء في حال إصرار الجهات علي قيامه دون مراعاة للمصاحبات الأمنية المهمة فإننا سنواصل حمل لواء الوحدة" و يحاول السيد الميرغني أن يؤكد أن الدعة من أجل وحدة السودان يجب أن لا تتوقف بنتيجة الاستفتاء أنما العمل لتمتين العلائق بين البلدين و المشاريع المشتركة التي تربط الشعبين حتى تتخلق الرغبة من جديد عند أبناء البلدين لتوحيد البلاد علي أسس جديدة مرضية للجانبين و تعمل من أجل رفاهية الشعبين. المحطة الثانية :- الانتخابات التي جرت في أبريل الماضي و يعتقد أن الانتخابات شابها الكثير من اللغط و عدم النزاهة و بالتالي هي ليست انعكاسا حقيقيا لما هو موجود علي الأرض حيث يقول " أن الانتخابات الأخيرة و ما شهدتها من أحداث ألقت بظلالها علي الساحة السياسية زادت الجو تعقيدا و نفرت الجميع من العمل السلمي و منحت إشارات سلبية لمآلات الحكم في البلاد" و هي أشارة غير مباشرة للتشكيك في نتيجة الانتخابات و بالتالي يريد أن يقول السيد الميرغني أن المؤسسات التي جاءت نتيجة للانتخابات غير شرعية و بالتالي أية تفاوض يجب أن يركز علي أتفاق سياسي بين القوي السياسية لكي يؤمن الاستقرار و السلام و في ذلك يقول السيد الميرغني " أن موقفنا من كل ذلك يأتي مناصرا و منحازا للشعب السوداني و طوائفه المسحوقة حتى نسترد لهم الحقوق و نؤمن لهم العيش الكريم " و الطوائف المسحوقة هي إشارة لطائفتي الختمية و الأنصار اللتان هما بعيدتا عن السلطة و هي تورية فيها من سحر أبداع الكلام لان الذي يعرف تركيبة الشعب السوداني و مكوناته السياسية التاريخية لا يعتقد أن تكون هناك انتخابات نزيهة و شفافة في السودان يكون الحزبان اللذان تؤيدهما الطائفتان تخسر الانتخابات إلا إذا كانت هذه الانتخابات مضروبة تماما. المحطة الثالثة :- قضية دارفور و التصورات التي و ضعها المؤتمر الوطني من أجل حل المشكلة و هي إستراتيجية الحوار الداخلي ثم تم سحب وفد المؤتمر الوطني من المحادثات في الدوحة و في هذه يعتقد السيد الميرغني أن المؤتمر يحاول إبعاد القوي السياسية من المشاركة في قضايا الوطن و يحاول هو الانفراد بالحل رغم أنه سببا مباشرا في كل تلك النزاعات حيث يقول الميرغني " لازال جرح أهلنا في دارفور ينزف و لازال السلام في دارفور يحتاج إلي الكثير من الجدية " ثم يضيف " لقد تابعتم الوضع المتأزم من وقف المفاوضات " و أخيرا يقول " يجب أن نبتعد عن المزايدات التي أججت الصراع في أنحاء الوطن" و من المتهم بتأجيج النزاعات و الصراعات غير المؤتمر الوطني و يشير السيد الميرغني علي ضرورة أن تأخذ قضية دارفور بعدها القومي لكي يتم للحل النجاح. المحطة الرابعة :- استغلال الشريعة و الإسلام في الصراع السياسي و هو محاولة للرد ما تناقلته أجهزة الأعلام السودانية الحكومية و التي تقع تحت سيطرة الحزب الحاكم أن السيد الميرغني اتصل بالسيد رئيس الجمهورية و أيد حديثه في احتفالات الحصاد بالقضارف خاصة تأييد تطبيق الشريعة الإسلامية و هنا يحاول أن ينفي السيد الميرغني ذلك و يعتقد أن حديث الرئيس البشير حول تطبيق الشريعة الإسلامية بعد انفصال الجنوب ما هي إلا محاولة لاستخدام الشريعة الإسلامية سياسيا حينما يقول الميرغني " نرفض المزايدة بالإسلام و استغلال شريعته السمحاء" و يعتقد أن المؤتمر الوطني ليس جادا في تطبيقها أنما هي مزايدة سياسية الهدف منها الحفاظ علي السلطة و ليس رغبة في الدين نفسه حيث يقول " أن رفعها كأداة سياسية و شعار مرحلي من أجل كسب الدنيا أمر يجب مراجعته" و بالتالي يكون السيد رد علي كل الإدعاءات غير الصادقة التي نقلتها أجهزة الإعلام بهدف التأكيد ليس هذا موقف المؤتمر الوطني أنما موقف الحزب الاتحادي الديمقراطي أيضا. المحطة الخامسة :- تشويه صورة الإسلام و تعتبر أيضا إشارة لشريط الفديو الذي جلدت فيه الفتاة السودانية و الذي تناقلته العديد من الصحف و الالكترونية السودانية و غيرها ووجدت تعاطفا شعبيا كبيرا و التي أيدها الرئيس البشير و يعتقد أنها حد من حدود الله و يعتقد العديد من السودانيين السياسيين و رجال دين أنها لا تمت للإسلام بصلة و هي تشويه لشريعة الله السمحة حيث يقول السيد الميرغني " و لا تأخذوا دينكم بالهوى و لا تأخذوه إلا من الرجال أهل التربية و النهج القويم. المحطة السادسة :- ينتقد السيد الميرغني حديث الرئيس البشير في القضارف و الذي حاول فيه إنكار التنوع الثقافي و الديني و الأثني و يعتقد أن الشعب السوداني متعدد الثقافات و يجب احترامها لأنها هي التي تشكل العروة الوثقى لهذا الشعب و تعتبر أساس لوحدته و استقراره و إنكار هذا التنوع هو الذي يفضي للحروب و النزاعات و يقول في ذلك الميرغني " أن المجتمع السوداني متعدد الأعراق و هذا الاختلاف ألإثني و العرقي في المجتمع كانت تصهره الطرق الصوفية و الأحزاب السياسية و النقابات الوطنية " و الأخيرة أشارة إلي أن الإنقاذ حاولت ضرب منظمات المجتمع المدني عندما جعلتها تابعة لحزب المؤتمر الوطني لكي تضيع حقوق العاملين و يظل حزب المؤتمر الوطني مسيطر عليها و يغيب دورها الوطني في عملية التنمية و التدريب و التأهيل و الدفاع عن حقوق العاملين كما أن عدم الاعتراف بالتنوع الثقافي و الأثني يؤكد أن المؤتمر الوطني يحترم الاتفاقيات التي وقعها حيث أن اتفاقية السلام الشامل التي وقعها مع الحركة تؤكد علي التنوع الثقافي و الُني في السودان و إشارة الرئيس " الكلام المدغمس" يعني أن المؤتمر الوطني يريد الرجوع للمربع الأول بعد عملية الانفصال. المحطة السابعة :- هي أحادية الرؤية و الفكرة التي جعلها المؤتمر الوطني برنامجه السياسي و هي نفي الأخر و عدم الاعتراف به و كل السياسات التي يقوم بها المؤتمر الوطني تؤكد أنه لا يقبل عملية التحول الديمقراطي أنما يريد المؤتمر الوطني ديمقراطية يكون فيها هو الحزب القائد و تشكل الأحزاب الأخرى ديكورا للديمقراطية و الكل يجب عليه أن يفكر من خلال رؤية المؤتمر الوطني للقضايا الأمر الذي لا يقود لسلام و استقرار حيث يقول الميرغني في خطابه " لقد قدر الله للشباب أن يأتوا في زمن غلبت عليه الرؤية الواحدة و حاول الكثير فصلهم عن تاريخ أبائهم و إخراج النضال السوداني و الوعي السياسي بصورة تجافي الحقيقة" تمثل هذه الكلمات أشارات بليغة لسياسة المؤتمر الوطني التي يريد أن يسلخ البلاد من تاريخها كأن التاريخ بدأ مع الإنقاذ و هي سياسة تخلق الوعي الزائف في المجتمع الذي يقوم علي تغييب الحقائق. جاء خطاب السيد الميرغني في ذكري الاستقلال لكي يلقي الضوء علي العديد من القضايا التي صاحبها التغبيش المتعمد من الحزب الحاكم و حاول أن يستغل الاتصال الذي تم بين السيد الميرغني و السيد رئيس الجمهورية باعتبار أن السيد الميرغني يؤيد الرئيس البشير في كل الخطوات التي يقوم بها و هي التي أراد الميرغني نفيها و توضيحها للشعب السوداني. يعتبر خطاب السيد الميرغني خطوة جريئة خاصة أن البلاد تمر بظرف تاريخي صعب و خطير سوف يضيع جزء عزيز من البلاد كما أن قيادات المؤتمر الوطني أكثرت الحديث حول من الذي تسبب في عملية الانفصال و تريد أن تحمل القوي السياسية التي حرمتها من الاضطلاع و المشاركة الفاعلة في حلحلة القضايا و التحديات التي تواجه الوطن و رغم رفض المؤتمر الوطني مشاركة القوي السياسية و محاولة محاصرتها و التضييق عليها إلا أنه يريد أن يحملها إخفاقاته ووزر الانفصال الذي تسبب فيه نتيجة لسياساته و عجزه عن دارة الصراع بأفق وطني و هو ما أشار أليه الدكتور نافع علي نافع مساعد الرئيس لشئون التنظيم عندما خاطب أحد لقاءاته في دار المؤتمر الوطني عندما قال لقد فشلنا في أن نجعل الوحدة جاذبة لبناء الجنوب" و لكن رغم هذا الاعتراف إلا أن قيادات المؤتمر الوطني تريد لوي عنق الحقيقة و أخرها كلمة السيد رئيس الجمهورية في جوبا عندما قال أن عملية تقرير المصير قد اعترفت بها كل القوي السياسية و لكن نحن في المؤتمر الوطني أعطينها بعدها الحقيقي و بالتالي ليس ندمانين علي ذلك إذن ما هي "المحاججة" لتحميل القوي السياسية وزر لم ترتكبه. القضية الأخرى أن السيد الميرغني يرجع الناس للمبادرة التي كان قد قدمها الحزب و أقول بكل صراحة أن الحزب الاتحادي لا يستطيع أن يلعب دورا وطنيا أو يقدم مبادرات تجد طريقا لكي تصبح علي طاولة المفاوضات بشكل جدي إلا إذا كان الحزب قدر هذه المبادرة و يمتلك الأدوات القادر بها الضغط علي الآخرين و جعلهم يتفاوض علي أسس رؤية الحزب الاتحادي فالحزب الاتحادي الديمقراطي ليس بالقوة التي تمكنه من طرح مبادرات إلا إذا استطاع لملمة أطرافه و توحيد كيانه و رغم اختلافي الشديد جدا مع الطريقة التي يدير بها السيد الميرغني الحزب و محاولة إبعاد العناصر الاتحادية لكن يظل هو الذي يملك القدرة الحقيقة لجمع وحدة الصف لأسباب كثيرة جدا يمكن التعرض لها في مقال أخر و لا اعتقد أن هناك في الحزب الاتحادي الديمقراطي شخص يمكن أن يجتمع حوله الاتحادين غير السيد الميرغني الذي يملك تلك المقومات و بالتالي إذا يرغب السيد الميرغني أن يكون للحزب قوته و مكانته السياسية التي تلعب دورا كبيرا في حل المشكلات و التحديات التي تواجه السودان عليه أن يركز من الآن في الوسائل و الأدوات التي يستطيع بها جمع الشمل و لا اعتقد أن طريقة مؤتمر المقطم و مؤتمر القاهرة هي وسائل أنجع لتوحيد الحزب أنما المؤتمرات الحقيقية التي يتم فيها التنافس الحقيقي بين الاتحاديين هي الطريق السليم لأن المؤسسة التي تنادي بالديمقراطية يجب أن تكون منتجة لثقافة و تمارسها في ذاتها. يجب علي السيد الميرغني أن ينهي عرض الشراكة الذي وقعه مع المؤتمر الوطني الذي بموجبه يريد اغتنام الأماكن التي أخلتها الحركة الشعبية حتى لا يكون خطاب الاستقلال مجرد مناورة سياسية يحاول بها فقط تحسين ظروف التفاوض مع المؤتمر الوطني لان أية اتفاق دون الوصول إلي اتفاق وطني حول عملية التحول الديمقراطي الحقيقي سوف تجعل الحزب الاتحادي مجرد تابع ومنفذ فقط لسياسات الغير و هي التي لا يريدها أية اتحادي غيور علي حزبه و تاريخه و لاسيما أن السيد الميرغني قد تعرض في خطابه علي تاريخ الحزب و بالتالي لكي يظل هذا التاريخ ناصع و معافى يجب السير في الطريق الذي يعزز الديمقراطية و السلام في البلاد و يؤدي إلي التنافس الديمقراطي الحقيقي الذي لا يتم إلا بموجب اتفاقات وطنية " اتفاقية السلام الشامل المعدلة 2". حمل خطاب الميرغني بعد الإشارات مثل الوحدة مع بعض الدول في هذا الظرف التاريخي الذي تمر به البلاد مثل هذه الإشارات تضعف الخطاب و تجعله مجرد علاقات عامة و لكن الخطاب السياسي في ظرف تاريخي خطير كان لا يجب أن تذكر مثل هذه الهموم لأنها سوف تضيع معالم الخطاب فالسودانيين الان ليس في وضع مهيأ لكي يتحدثون فيه عن وحدة تضم بعض الدول هم الآن يكونون أو لا يكونوا لأن المؤتمر الوطني قد وضع البلاد كلها علي مفترق طرق و تحديات داخلية و خارجية لا يمكن الفكاك منها إل بوحدة داخلية قوية تعيد للبلاد هيبتها ومكانتها السابقة. القضية المهمة أن المحكمة الجنائية الدولية قد جعلت قيادات المؤتمر الوطني أكثر تمسكا بالسلطة و سوف ترفض أية حوار أو نقاش يحاول أن يبعدها من السلطة باعتبار أن أية تنازل من السلطة للقوي السياسية مغامرة غير مضمونة العواقب خاصة أن المحكمة تطالب القبض علي العديد منهم و قدرتهم 52 مسؤول علي رأسهم السيد رئيس الجمهورية و بالتالي يجب البحث عن كيفية حل هذه المشكلة وطمأنتهم خاصة و كيفية التعامل مع قضية المحكمة الجنائية الدولية. في الختام أن خطاب السيد الميرغني قد حمل العديد من الإشارات و الردود ولكن يظل هو خطاب مثل كل الخطابات التي ألقاها إذا لم يتبعها بعمل جاد و مضني من أجل توحيد الحزب لكي يلعب الدور التاريخي المنوط أن يلعبه و الله الموفق.