ليس غريباً أن يتبع وزير المالية علي محمود سياسة تقشفية صارمة ، فالوزير عُرف في الفترة الأخيرة بإظهاره لهذا النهج من نوعية الاستهلاك التراثي كبديل للهدر المُفترض مثل "حديث الكِسرة" الشهير. أما أن ينتهجه وزير الإعلام الدكتور كمال عبيد ، فشيء مفرط في غرابته ، لسبب منطقي وهو كيف يتسنى لمن يبخل بحقنة دواء لمريض أن يزهد في سيارة الحكومة ووقودها لصالح الخزينة العامة ، وهو في الحالتين في موقع لا يحمل صكّ المنع ولا العطاء . ثم ماذا يعني الاستغناء عن سيارة ووقودها لو كانت من طراز كامري أو غيرها. هل ستذهب لصالح أطفال فقراء لنقلهم إلى مدارسهم البعيدة ؟ أم هل سيستغلها رب أسرة لإعالة أسرته وإطعامهم وكسائهم.أم هل ستنسى خزانة الوزارة كل ذلك وتدور السيارة بين المسئولين ، ويُكافأ الوزير بموديل أحدث. كلها أسئلة ولكن لو نظرنا إلى القصة في وجهها العام ودون تحديد وزير معيّن سيبرز استفهام كبير مردّه صعود هذا الخبر إلى مقدمة الأخبار في جريدة الصحافة أمس الأول . هل هذا يعني أن عصر التنازلات السخية عن ماللحكومة للحكومة ولّى من غير رجعة عند أهل الحكم حتى أصبح تنازل وزير عن سيارته أو وقودها يدهش لدرجة أن يكون خبراً صحفياً في صدر صفحات الصحف الأولى ؟ سياسة التقشف الفردية لا تعني شيئاً لو طبقها وزير واحد أو وزيرين ، ولن تُصلح من حال البلد ولا إقتصاده إلا باتباع سياسة تصحيحية كاملة يُعالج فيها الفساد واستغلال المناصب والصرف البذخي لطبقات تسلقت رقاب الضعفاء وامتصت عرقهم حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ، وأصبحت بفضل مسكنتهم الطبقة العليا . فالزهد في اللغة هو "ترك الميل إلى الشيء، تقول: زهد في الشيء زهداً وزهادة: أعرض عنه، وتركه لاحتقاره له، أو لتحرجه منه، أو لقلته، وزهد في الدنيا ترك حلالها مخافة حسابه، وحرامها مخافة عقابه. لذلك قيل: الزهد نوعان:أحدهما الزهد في الحرام، والآخر الزهد في الحلال. فإذا كان في الحرام كان فرضاً، وإذا كان في الحلال كان فضلاً." أما التقشف فهو "ترك الترفه والنعمة، ومحاربة النفس في سبيل الوصول إلى الكمال الأخلاقي. والزاهد من ترك حظوظ النفس من جميع ما في الدنيا، أي لايفرح بشيء منها، ولا يحزن على فقده، ولا يأخذ منها إلا ما يعينه على طاعة ربه، مع دوام الذكر والمراقبة، والتفكر في الآخرة." فإلى أي الطريقين وزراء الإنقاذ أقرب . إذا تم اعتماد سياسة التقشف هذه بمكافحة الهدر في مجالات الحياة ، فيجب أن تكون فعلاً على الطبقة العليا وأهل الجاه حتى ينعم الجميع بالخير الوفير. ولكن هذه السياسة كما يبدو ستأتي على حساب الفقراء الكادحين المتقشفين بالطبيعة وهم على حالتهم هذه لا يطمعون في سيارة وزير أو مكتب مدير وإنما أكثر آمالهم أن يسدوا النقص في احتياجاتهم الضرورية من مأكل وملبس ومسكن . وأكثر آمالنا ألا يكونوا السواد الاعظم من أبناء هذا الشعب. لتصدق النوايا إذن والأفعال ولتعمل الحكومة على تقليص عدديتهم بدلاً من مضاعفتها بالشكل المريع الذي نراه اليوم ، ولتسد الفجوة بينهم وبين الأغنياء الذين أتخموا حدّ الموت. أما الأخطر من ذلك فإن هذه السياسة التي لوّح بعصاها الوزيران لن تسلم منها مشاريع التنمية والرعاية الاجتماعية ، هذا مع شبح مواصلة الزيادة في الضرائب والرسوم بأسمائها وأشكالها المختلفة . فمن الخطأ بمكان التعلل بأزمة قادمة بعد الاستفتاء لإيقاف المشاريع التنموية وفرض ربط أقوى مما كان للأحزمة على بطون الشعب ،فهذه العملية لها آخر إذ أن هناك حدّ معين تحتمل معه البطون شد الأحزمة ، وهو الحد الذي وصله الشعب اليوم . فالاحتقان الآن ناتج عن العدم وعلى الحكومة أن تتحرك لمعالجة تحسين الظروف المادية والمعنوية للناس لا زيادة حالة العدم أكثر. عن صحيفة "الأحداث" moaney [[email protected]]