ست الشاي أو بائعة الشاي شخصية معروفة في المجتمع السوداني، تناولتها اقلام الكتاب والادباء والصحفيين وفرشاة الرسامين وأبدعوا أيما ابداع في ابراز صفاتها. وهي شخصية غير عادية حيث تعتبر انموذجا للتفاني والاخلاص ونكران الذات. ولا توجد بائعة شاي الا وورائها قصة رائعة تصلح لأن تكون خامة ممتازة لانتاج شريط سينمائي أو مسلسل اذاعي أو تلفزيوني. فوراء كل (ست شاي) قصة تثير الاعجاب وتدعو الجميع أن تنحني لها اجلالا وتقديرا لشأنها والعمل الذي قامت به. وتعتبر مهنة بيع الشاي من أشرف المهن التي تصلح للنساء، فهناك الكثير من القصص التي تروى تجسيدا لروح المثابرة والتصدي للصعاب وتحديات الحياة. فكثير من القصص يدور فحواها حول محور من مات زوجها فترملت أو من أقعده المرض عن العمل والقيام بواجباته وفقد مهنته والقدرة على السعي على عياله فتأخذ المرأة الراية وتدفع بكل ثقلها وقوتها نحو بحر لجي صاخب غير مأمون العواقب. والقصة المنشورة أدناه مقتبسة من (مسرح الحياة) وهي من نسج الخيال وان تشابهت بعض الأسماء أو تطابقت الظروف أو الوقائع ،فيكون ذلك من باب (توارد الخواطر) الذي زج بي في مواقف حرجة عديدة ابان فترة عملي في جريدة الصحافة، حيث كنت اختار اسماء يندر تداولها في مجتمعنا ولكنها كانت دائما تصدق ويكون لها قرين في الواقع وتتوافق مع اسم شخص من مشاهير المجتمع أو الواقع، فالمعذرة مجددا. أم صالح واحدة من بائعات الشاي اللائي يضربن بهن المثل، وطبقت شهرتها الآفاق. كانت تجلس في ركن منزو بجوار احد المحال التجارية بالسوق (العربي) بالخرطوم تبيع الشاي والقهوة وقد تناثرت حولها مقاعد صغيرة يجلس عليها رواد ركنها وزبائنها في حلقة صغيرة يتدافع عليها الناس بشكل ملحوظ في فترة ما بعد تناول الفطور والغداء في مطعم صغير مجاور. وكانت ساعات عملها تمتد من الساعات الأولى من الصباح الى قرب موعد مغيب الشمس. فقدت أم صالح زوجها الذي كان يعمل موظفا في احد مصانع النسيج بالخرطوم مخلفا لها خمس أولاد وثلاث بنات. وبين عشية وضحاها وجدت نفسها أمام مسئوليات جسام تتمثل في تربية وتعليم واطعام تلك التركة المثقلة من الاولاد، حيث كانت لهم بمثابة الأب والأم فلم تفتر ولم تكل ولم تتقاعس عن القيام بمسئولياتها بل قامت بها خير قيام وأنجزتها على ما يرام، عملت ليل نهار لتوفر لهم الجو المناسب للاستذكار والنجاح والتفوق، وأحس بها أولادها واستشعروا المسئوليات، وكانت لا تطلب منهم سوى الانصراف لدراستهم والتركيز على واجباتهم. وقد كللت مساعيها بالنجاج وتفوق جميع أولادها وانخرط ثلاثة منهم في سلك المهنة الانسانية وعملوا أطباء واثنان عملوا في مجال الهندسة والتحقت بنتها الكبرى بسلك المحاماة والوسطى بالعمل الاجتماعي والصغرى تخرجت طبيبة أسنان. وقامت الجامعة التي تخرجت فيها بنتها الصغرى بتكريمها كأم مثالية تقديرا للمجهودات الجبارة التي قامت بها في سبيل تربية وتعهد أولادها منذ صغرهم الى أن تخرجوا وتسلموا الراية من الأم. وما أكثر من أمثال أم صالح (ست الشاي) اللائي اتخذنها قدوة حسنة وأصبحن أمهات مثاليات ايضا تخرج على ايديهن العديد من الشباب والشابات، وتظل ست الشاي وغيرها ممن سطرت المجتمعات خطاهن على طريق البذل والعطاء مفخرة ومصدر اعزاز للأم المثالية المتوفى عنها زوجها أو تعرض لاصابة مقعدة بالكامل أو احاطت بها نوائب الدهر مهما كان نوعها أوصفتها. وهذا مثال حي للذين تعتور طريقهم العثرات والعقبات فلا تكون الا مدعاة لتفوقهم وأداة تحفزهم لبذل المزيد من الجهد و وطوقا للنجاة يعبر بهم الى بر الأمان ويحققوا به سلامة سفينة غاياتهم وتطلعاتهم وطموحاتهم الى مرافئ النجاح، ولتكن مثل هذه القصص عبرا وحافزا ودافعا لبذل المزيد من الجهد ونبذ الركون الى الأمر الواقع وعدم الاستسلام لقوى اليأس والخذلان ومقاومتها بكل الوسائل المتاحة مع التمسك بقوة العزيمة والاصرار والمثابرة حتي تتكلل المساعي بالنجاح. ولا شك أن الطريق في مثل هذه المواقف ليس مفروشا بالورود والرياحين ولكن في واقع الأمر تحف به المخاوف والمخاطر من كل جانب ويحتاج الى مغامر مثابر ذي نفس طويل وقوة احتمال جبارة، يتسلق سلم النجاح درجة درجة غير آبه لركام المعوقات، منتظم الخطوات، ثاقب النظرات، واثق من أن شمس النجاح ستغمر يوما ما حياته وتبدد ظلمات هيمنت ذات يوم على تطلعاته وآماله، وفي نهاية المطاف ستتحقق الغايات. وستسجل التجارب في قائمة شرف الأعمال التي يفخر بها المجتمع ويقدرها ويثمن مجهودات من سطروا حلقاتها وعاشوا احداثها وكان النجاح حليفهم والتوفيق ملازمهم، فمثل هؤلاء أحق وأحرى أن نحتفل بهم ونكرمهم وتبقى سيرتهم خالدة في ذاكرة التاريخ. alrasheed ali [[email protected]]