في واحدة من الجمعيات العمومية لأحد الكيانات الطوعية العريقة، وعندما حان موعد ترشيح المكتب الجديد، ترشح مجموعة من الشباب للدخول في المكتب بجانب آبائهم من الشيوخ وقد استوفوا كامل الشروط، ولكن رئيس الجلسة و الكيان كان له رأي آخر وقال كلمة كان مخلصاً فيها لضميره وتعبر عنه وعن جيله بصدق .. قال (هذا المكتب لو دخل فيه كثير من الشباب فستنهار المنظمة) قالها مؤمنا بها و لا مصلحة دنيوية له مباشرة أو غير مباشرة له من وراء ما قال. فهمت بعدها انه كان على الشباب أن ينتظروا دورهم و لا يستعجلوا .. و لما الاستعجال و هم (يادوبك) على أعتاب الخامسة و الثلاثين من العمر .. و الانتظار حتى متى أو ما هي الحدود لذلك الانتظار .. الله اعلم. حسناً.. في تونس الخضراء خرج الشباب في عنف وبصدور مفتوحة ضد الرصاص.. وكانت الرسالة واضحة من البداية.. رسالة أن الحياة لا قيمة لها إن لم تكن تزيّنها حرية وتسودها كرامة.. يحرق الشباب نفسه أو يتصدى بنفسه للرصاص سيان في المعنى مع اختلاف حكم الشرع. ففي تونس الدولة عربية اللسان إسلامية الهوية كان الحجاب ممنوعاً في المدارس والجامعات وأماكن العمل، بل و فى الشارع أيضا. وكانت الصلاة تهمة وصيام الشهر الكريم مضيعة للوقت والجهد، دولة لا مجال فيها لكلمة متبرمة دعك عن أخرى حرة، دولة منذ استقلالها في ستينيات القرن الماضي حكمها رئيسان أحدهما ملهم للآخر.. أولهما الفرعون الحبيب بورقيبه والذي كان في أواخر عهده يعيّن الوزير في الصباح فيقيله في المساء وورثه (بعد الخرف) كاتم سره ومدير أمنه زين العبدين بن علي.. وكان أسوأ خلف لأسوأ سلف. وفي مصر.. أرض الكنانة.. هبة النيل.. بلد الفراعنة.. هب الشباب يطالبون بالتغيير.. وتغيير ماذا وتغيير من.. تغيير الرئيس شخصياً ... مصر تختلف فيها الأمور قليلاً.. فالحرية الدينية متاحة فيها إلى حد ما وحرية الكلمة أيضاً متاحة بحدود والوضع الاقتصادي بصورة عامة مستقر إذا قسنا ذلك بالمقاييس الاقتصادية رغم الحديث عن البطالة وارتفاع الأسعار، ولكن المشكلة هي ذات مشكلة تونس، رئيسان لمصر في نيف وأربعين سنة، مات أحدهما مقتولاً والآخر دخل عهد حكمه سنته الواحدة والثلاثون. واحد وثلاثون عاماً رئيس واحد بفكر واحد ومزاج واحد يحكم سبعين مليوناً. فرعون واحد من أرض الكنانة عاصر ستة رؤساء أمريكيين. شعب بعظمة شعب مصر وقوة شبابه لا يكلف المسئول الأمريكي نفسه أكثر من ساعتين لدراسة ملف رئيسه (الخالد) فيقترح بعدها أن كيف يتم التفاوض مع مصر. ودول غير تونس و مصر كثيرة.. طيب.. وما المشكلة في ذلك.. ما المشكلة في أن يحكم الرئيس سنة أو عشراً أو ثلاثون أو مدى الحياة. ما المشكلة إذا كان الشعب يأكل و يشرب ويتمتع ولنقل مجازاً يتعبد. ما المشكلة في ذلك. أنا أحدثكم.. المشكلة في الشباب. في ظل رئيس أمضى في الحكم ثمان سنوات و يبلغ من العمر ثمان وخمسون عاماً كحالة الرئيس مبارك في العام 1988، ينظر حوله فتكون (دفعته) ومن هم في سنه وخبرته وتجربته، يكون هؤلاء هم بطانته وحكومته ومستشاروه، وكلما زاد الرئيس عمراً ينظر حوله فلا يجد غير هؤلاء وقد زادوا عمراً وهم بطانته ووزارته وحكومته وعندما يبلغ السيد الرئيس الثمانون في العام 2011 يكون عمر الطفل الذي وُلد في العام 1988 اثنتان وعشرون عاماً وقد تخرج من الجامعة وسبقته دفعات ودفعات، ولا أمل لأي منهم في أن يصل لمرحلة اتخاذ القرار فيقنع الرئيس بأن المرحلة غير المرحلة وطريقة حكم كل جيل تختلف عن الجيل الذي يليه، ينظر الرئيس للشباب كمتهورون ولا خبرة لهم وهو لم يجربهم من الأساس، ويرى الشباب في الرئيس دكتاتور لديه بطانة فاسدة لا تتغير ولا اتصال بينهم والشعب من الشباب. حتى وإن قدم الرئيس تنازلات وقرر أن يشرك الشباب فلا يرى فيهم خيراً من ابنه الشاب. لا مجال لتنافس الأجيال، ولا طموح، بل لا أمل لشاب في أن يصبح مديراً دعك عن وزير أو رئيس، ينام ويصحو و يعيش و يموت ليجد ذات الشخصيات والسياسات والأفكار التي حكمت إباه تريد أن تحكمه هو. لا .. قالها الشباب .. لا .. كفاية .. لن يحكمنا رجل تجاوز الثمانين. حتى الجيش، جيش مصر، قيادته تجاوزت السبعين، وليس في القيادة من شاب في الخامسة والأربعين من عمره له طموح في أن يحكم فيعلن استلام الجيش للسلطة، كلهم كبار السن، عاشوا مع مبارك ثلاثون عاماً، فلا يهون عليهم أن ينقلبوا على بطل أكتوبر. هكذا تسير الأحداث في الأعلى، وعلى نغمات (الشعب يريد إسقاط الرئيس) تسير أحداث الشارع لدى الشباب. الشباب لا يريد حرية فحسب، وليس همه وظيفة مرموقة وزوجة حسنة الوجه وبيت واسع فقط، و إن وجد ذلك فالأمر هين.. ولا أن يحكمه عمر البشير أو الصادق المهدي أو نقد أو الترابي، الشباب يريد من يفهمه، يريد أن يحكمه من هو قريب من قضاياه هو وحكومته، يريد أن يكون الطموح مشروع لكل شاب في أن يترقى ليصير في أعلى هرم السلطة، يكون رئيساً. حتى وإن لم يكن هو الرئيس، يسعده أن يكون جيله أو الجيل الذي سبقه هو من يحكم لا جيل اجداده. في سودان العزة والكرامة، فلنفكر بصدق وعمق في كلمة السيد نائب الرئيس الأستاذ علي عثمان محمد طه.. (تنافس الأجيال).. لله دره من شيخ.. فقد لخص القضية.. قضية الظلم الذي يقع على الأجيال المتأخرة. يحتاجنا الشيوخ .. كما إننا نحتاجهم أكثر من حوجتهم لنا .. و لكنهم لا يفهمون لغتنا .. و التنافس عندنا أساسه انتظار انقراض جيل الأجداد .. أكون سعيداً لو كان ذلك التنافس في ظل قانون بمثل ما يحكم الجيش السوداني من تدرج والشرطة السودانية من إحلال .. وأملى أن أكون قد أوصلت رسالة هذا الجيل.