من معضلات الدولة القطرية مشكلة الهوية الوطنية والتي ترتبت عليها جملة من المشاكل التي يتعسر حلها، وتزيد معاناة المواطن المقهور والفقير والجائع، معاناة أخرى أسمها قانون الجنسية وهي الهوية الوطنية لكل دولة تفصله كما تريد وحسب رغبات الأنظمة الحاكمة، ولا تراع فيه الأعتبارات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وقانون الجنسية مصيري ومفصلي في الدولة وتتعلق به متطلبات حياتية يومية لكل مواطن في الدولة القطرية، ومنها إستخراج الأوراق الثبوتية كالباسبورت والبطاقة وغيرها، وحقوق التملك والإقامة والتنقل والعمل، ومن ثم الحقوق الدستورية كحق الحياة والحرية والتعليم والصحة والاختيار والترشيح في الانتخابات العامة وأختيار الممثلين له في الحكم والترشيح والرئاسة والتصويت وإجازة الدستور والقوانين العامة التي تدار بها البلاد، وما يتمخض عنه من هيئات ومؤسسات ومنظمات، وهذه ثقافة ينبغي تمليكها للشعب في كل دولة حتى يكون ملماً بحقوقه وواجباته بما أنها تمس أخص خصوصياته. والدولة الوطنية يمكنها أن تكون ذات سيادة وفق حدودها الجغرافية، أو تبنى صيغ أخرى للاتحاد مع دولة أو دول أخرى، مثل تطبيق الكونفدرالية، بين دولة الشمال ودولة الجنوب من أجل الإستقرار والتنمية أو وضع بعض القوانين الاستثنائية مثل (قانون الحريات الأربعة) الموقع بين السودان ومصر والذي يتيح حرية التنقل والإقامة والتملك والعمل بين الدولتين، أو قانون حرية التنقل والذي تم إجازته بين السودان وارتريا والذي يتيح التنقل بين الدولتين بالبطاقة الشخصية (ID Card) وغالباً مثل هذه القوانين تنتج عن علاقات خاصة بين الأنظمة السياسية وتتيحها الأنظمة بمقدار الثقة المتوفرة فيما بينها تتوسع أو تضيق حسب هذه الثقة. والآن نشأت دولة جديدة في جنوب السودان وهي دولة (سلف) للدولة السودانية (الخلف) والتي صارت شمال السودان، وعليه يتطلب الأمر جدية وعزيمة ونضج من الأنظمة في الدولتين بقيام علاقة تدفع بالدولتين إلي الأمام، ويكفي حالة تعامل المراهقة والطفولة التي شهدناها في أيام الفترة الانتقالية بين الشريكين، والآن أحدهما يحكم الشمال والآخر يحكم الجنوب، ينبغي أن تشهد الدولتان مزيداً من الإستقرار والتنمية، فيكفي هذه الشعوب ما عانته من حروب وأمراض ودموع. الكونفدرالية والجنسية المزدوجة: ولقد ذكرت أنفاً أن هناك عدم وعي وثقافة بهذه المسائل، وأجهزة إعلام الدولة ومعها الصحافة تتجاهل هذا الأمر، ولا تخوض فيه كثيراً، في حين أنه ينبغي والأفضل تمليك هذه الثقافة للشعب ورجل الشارع العادي، ونادراً ما تجد تحقيقات أو تقارير أو حتى منتديات، وحفزنا التحقيق الذي قام به الصحفي ماهر أبو جوخ في صحيفة السوداني عدد الجمعة 25 مارس 2011م للكتابة، وبالرغم من أن هناك مختصين أمثال برفيسور بركات موسى الحواتي أستاذ القانون الدستوري والناشط الحقوقي المفكر الكاتب الصحفي، وهو كتب من قبل وياليته لو يتحف القراء ببعض التعريفات والمصطلحات والفتاوي الفقهية حول هذا الموضوع. فالكونفدرالية حسب معلوماتي المتواضعة تعني شكل إتحاد بين دولتين أو أكثر، وبنظامين سياسيين مختلفين، الاتحاد يأتي في العملة والاقتصاد والصحة والتعليم والتنقل والتملك والإقامة والعمل بين الدولتين، ولكن تجربة الكونفيدرلية لم تستمر كثيراً في عدد من الدول ولقد فشلت في سويسرا، وفي باكستان، وفي الجمهورية العربية، وعلي أي حال من غير المعروف هل الفشل في السياسات وتطبيق الكونفيدرالية بطبيعة الأنظمة القائمة علي الأمر، أم أن هناك جوانب حتى الآن غائبة علي الفقه الدستوري، ولقد طرح المفكر السوداني الفذ الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد (كونفيدرالية القرن الأفريقي) لإيقاف الحروب والنزيف في دول القرن الأفريقي وهي أثيوبيا وأرتريا وجيبوتي. كما إن هناك حلول أخرى لقضايا الحكم والإدارة وقضايا والتعاون أبدعها الفكر الإنساني، وهي الحكم الفيدرالي والحكم الذاتي وحق تقرير المصير. وحق تقرير المصير الذي يبيحه ميثاق الأممالمتحدة وإنه من حق أي أمة أو قومية العمل علي قيام دولتهم المستقلة وتقرير مصير أقليمهم من ما شاءوا، وبهذا الفهم قام أبناء جنوب السودان بتقرير مصيرهم، وصارت دولة الجنوب دولة قائمة بذاتها، ولكنها ناشئة وهناك تعقيدات في الحدود والموارد والموانئ، ولكن المشكلة التي نحن بصددها هنا هي موضوع الجنسية والمواطنة، وكيف سوف تتعامل الدولة في الشمال مع الجنوبيين الموجودين في الشمال وكيف سوف تتعامل الدولة في الجنوب مع الشماليين الموجودين في الجنوب، ففي ظل قانون الجنسية للعام 1994م مقروءة مع موارد قانون إستفتاء جنوب السودان فحقوق الجنسية والمواطنة محفوظة وبدأت المشكلة بعد تصويت الجنوبيين بالانفصال، ظهرت أصوات من قيادات المؤتمر الوطني تطالب بإسقاط الجنسية عن الجنوبيين ما داموا قد صاروا تابعين لدولة أخرى، وعدم منحهم الجنسية المزدوجة، ولكن سوف تسحب جنسياتهم بأي مبرر ومسوغ إلا علي أساس اللون والعرق في حالة الجنسية بالميلاد، أما في حالة الجنسية بالتجنس إلا أن يتهم الفرد بقضايا التخابر لمصلحة دولة معادية. وكما يقول الصحفي ماهر أبو جوج السوداني الجمعة 25 مارس 2011م (ان قانون الجنسية لا يتضمن حتى اللحظة أي جزئية تبيح سحب الجنسية من الجنوبيين المستقرين بالشمال لتوفير المسوغ القانوني لنزع الجنسية) ويواصل فالمادة (4) من قانون الجنسية لعام 1994م لم تحدد أي معايير أثنية أو قبلية لمستحقي الجنسية بالميلاد وحددت تلك المادة الشروط الواجب توفرها لمنح الجنسية بالميلاد بأن يكون (حاصلاً علي جنسية السوداني بالميلاد، ومولود من أم سودانية بالميلاد وقت ميلاده أو المولود لأبوين سودانيين بالتجنس قبل ميلاده أو لكل الأشخاص المولودين بعد سريان القانون وجعلهم سودانيين بالميلاد وقت ميلادهم) وعن منح الجنسية بالتجنس تقول المادة (7) (عقب تقديم طلب لوزير الداخلية موافقة وإيفاء الشروط ببلوغ سن الرشد والأقامة خمسة سنوات وحسن الأخلاق). ففي هذه الأوضاع وحتى لا تتعرض لإشكاليات التمييز العنصري والعرقي ومخالفة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وبالتالي الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي ومنظمات الأممالمتحدة، يرى كثيرون أن الحل في منح الجنسية المزدوجة، للجنوبيين المقيمين في الشمال وللشماليين الموجودين في الجنوب، ما دام هو مواطن مقيم في الدولة المعنية، ضابط حقوق المواطنة هو منح الجنسية له، بدلاً من إعتبارات مواطن من دولة أخرى ومن دولة معادية كمان كما تقول بعض القوى والتي تدق طبول الحرب والإستنزاف كما تفعل صحافة الغفلة (الإنتباهة) فالجنوبيين هم أقرب الناس إلينا وعاشوا معنا في الشمال وكما نحن أقرب الناس إليهم، وبالتالي هم الاولي بالجنسية المزدوجة، وهناك دول نقيم معها علاقات خاصة مثل علاقة قانون الحريات الاربعة بين مصر والسودان، لماذا لا تطبق هذه علي سكان الجنوب وكل سكان الشمال، ويكون له حق الإقامة والتنقل والتملك والعمل في أي من البلدين طلباً للإستقرار والتعايش والتنمية. ما بين قانون الحريات الأربعة وحرية التنقل: فإذا كانت الدولة السودانية والدولة المصرية قد وقعتا قانون الحريات الأربعة وهو يعطي حرية الإقامة والتملك والتنقل والعمل لمواطن الدولتين، وبالرغم من أن القانون تستفيد منه مصر فقط دون السودان، لأن المصريين في حوجة له أكثر من السودانيين، وفعلاً القانون مطبق من طرف واحد، ولكن لا يضير شيء إذا ما طبقنا هذا القانون بين دولة شمال السودان ودولة جنوب السودان وإذا ما تم حرمان الجنوبيين المقيمين في الشمال فلا اقل أن تعطيهم حرية التنقل وحرية التملك وحرية الإقامة وحرية العمل ما دام قد حرمتهم من الجنسية المزدوجة وتريد أن تتعامل معهم باللون والعرق، أم أن نار الانتقام ما زالت مستعرة في النفوس، ولذا جاءت تلك التصريحات النارية لقادة المؤتمر الوطني مثل كمال عبيد كما ذكرها الصحفي ماهر أبو جوخ. وكما جاء في الإعلام عن خطوة حرية التنقل بين السودان وارتريا والتنقل بين الدولتين بالبطاقة الشخصية، فهذا شيء جيد للشعوب من الدولتين. وأن كل ما فيه مصلحة للشعوب ومنفعة لها يجد التأييد، وكل ما يخفق من وطأة معاناة هذه الحدود والقيود التي فرضتها الاستعمار وهيئة الأمم بدون أي إعتبار للعلاقات والخصوصيات في واقعنا، تصب في الاتجاه الصحيح، لحرية ونهضة هذه الشعوب، ولقد كانت اريتريا هي السباقة لتحقيق هذا القانون، وبمثلما حققناه مع الشعب الشقيق في أريتريا، فلماذا لا تطبق حرية التنقل كذلك مع الشعب الشقيق في جنوب السودان تفادياً للتوترات والحروب وقصداً للإستقرار فيكفي هذه الشعوب المغلوبة ما عاشته من ويلات الحروب وعنتريات الساسة الذين لا تهمهم شعوبهم بقدر ما تهمهم أنفسهم ومصالحهم.