بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى:(هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس إستهلالة: Ê ليلة السبت- مساء الجمعة وفي قاعة الخزامى كنت من بين حضور إحتفالية هذه الرابطة بانعقاد جمعيتها العمومية ؛ عندما ذهبت حقيقةً لم أكن متفائلاً لأنني سبق وأن حضرت العديد من اجتماعات واحتفاليات مثل هذه الروابط والجمعيات ولم يجذب أداء الكثير منها أهتمامي فأقرر أن يكون حضوري هو لأول وآخرها. أما وقد حضرت إحتفالية رابطة الاعلاميين بالرياض وقد جَررت قدماي لها جراً ؛ فقد غيّرت انطباعي السائد من أن مثيلات هذه الاحتفاليات النوعية والمهنية والتي عادةً ما تبدأ بتلاوة من القرآن الكريم ثم تبدأ باستعراض كل من منظمي الليلة لجهوده الشخصية الجبارة والخارقة متناسياً أن مثل هذا العمل الطوعي هو عمل لا يتم بدون فريق عملٍ متكامل ؛ فيتعمد اغفال عطاء بقية زملائه وزميلاته فيأتي من بعده من يحاول أن يثبت أن عطاؤه هو الأكبر والأهم ؛ وعادةً ما تنتهي هذه الاحتفاليات بخلافات بين " أهل البيت الواحد " وبذلك يفرغوا مهنية واحترافية بعض تلك الجمعيات من أهدافها لأن كثير منها ينزلق ليُدْخِل الحضور في متاهة وزواريب حزبية مع أو ضد ؛ لتصفية حسابات ذاتية ضيقة ليس مكانها المهاجر التي يفترض انصهار كل التبايانات العرقية والثقافية لتصبح مصدر إثراء يُنَصِّع أسم الوطن؛ مثل هذه الممارسات فيها اولاً انتقاص لأداء منظمي الحفل فتظهر وحدة العمل مهنياً واحترافياً مهلهلة وتفتقد التنسيق والتجانس فيصبح الانطباع سالباً والتأثير الاستقطابي صفر ؛ وهذا ينعكس تأثيره بالضرورة على صورة وسمعة الوطن بأنه وطن تمزقه أيادي أبنائه ربما هذا بدون وعي ؛ لقصور في فهم بين العمل الاعلامي المهني المعرفي المحترف وبين الاعلام الحزبي أو الجهوي بينما هناك جمعيات يشار إليها بالبنان وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ جمعيات أبناء المحس والسكوت وأبناء النهود والابيض ؛ لكونها جمعيات إجتماعية انمائية تخدم أعضائها في المهجروتمد العون لمدنها في داخل الوطن؛ وهي لا تخلط حابل العمل الطوعي الاجتماعي بنابل الحزبي وهكذا رابطة الاعلاميين نذرت نفسها للعمل المهني الذي يخدم الوطن الكبير !!. المتن: Ê لقد شاهدت عملاً احترافياً مهنياً يحترم القيم والاخلاق المهنية وعقل المتلقي لشباب متحمس ومتواضع يعمل وفق احترافية تتعامل مع معطيات التقنيات العالية في مجال الاعلام والاتصال الجماهيري المحايد الذي يترك للمتلقي حرية القرار والاختيار. إن أخلاق المهنة تعني الالتزام بالمباديء المهنية أولاً وهذا ما لفت نظري في شباب بعمر الورد يعملون بروح الفريق وبتجرد كخلية نحل كل في تخصصه الاعلامي. وشباب أقل ما يقال عنهم ، أنهم مسكونون بحب الوطن ولا همّ لهم غير رفعتة واعلاء شأنه . وقد لمست أن هذا هو جُل همهم ؛ وما أسرني أيضاً أنك لا تلحظ أي تكتلات حزبية ولا جهوية ولا عرقية بينهم ، شباب سوداني من مختلف الاعمار ومن مختلف أرجاء الوطن ؛ تتباين سحناتهم ولهجاتهم ولكنهم ضربوا أروع الامثلة في صور التلاقي تحت مظلة وراية الوطن. لقد كانت هذه الاحتفالية بحق كرنفالاً وطنياً يشرف السودان وأهله. Ê تجاذبت الحديث معهم علني أسبر غور أهدافهم إن كان تسيطر عليها " الأنا" ؛ أصدقكم القول كنت أتوقع أن أسمع منهم ما كنت أسمعه في احتفاليات ولقاءآت واجتماعات كثيرة امتدت لعقدين من الزمان سُررت لقليل منها وودعت حضوري في بعضها ما دمتُ حياً؛ كان الحديث في تلك الاحتفاليات أشبه باستعراضٍ لبطولاتٍ دنكشوتيةٍ وهميةٍ ؛ إما ضد أو مع من يحكم البلاد باعتبار أن مثل هذه اللقاءآن هي ساحة ومساحة مناسبة لتصفية الحسابات؛ أي أنها حلقة للمبارزة و والحصول على نقاط فوزأو مناسبة لغسيل الادمغة بشعارات انتمائية ضيقة وجوفاء وأن الغاية من الحفل ليس مناسبة تبادل وجهات نظر منطلقها صميم عمل الجمعية أو الرابطة وليس الإستزادة أوالمثاقفة والعطاء. وبمنتهى الأمانة المهنية لقد فوجئت وأدهشني الفكر الذي يحرك هذه الشبيبة التي تدعو للفخر والاشادة ؛ وبرأيي المتواضع أن الفكر السوي يُنتج ثقافة سوية ، وأقول بصدق أنها أحد الحالات النادرة التي شَرَُفتُ بحضورها وخرجتُ منها راضياً ومتفائلاً . لم يَدعِ أي من هؤلاء الشباب أنه ملك المعرفة ؛ التقانة ؛ أوالتقنية والآخر قبض الريح . شعرتُ بأن كلٌ هؤلاء الشباب ؛ رغم خبراته الجيدة يعتقد أنه ما زال مبتديء ؛ وهذا اعتقادٌ صائب يقود صاحبه لتطوير نفسه ومادته الاعلامية وأدواته ووسائل بثها ونشرها مع تحري الدقة وتوخي الحيادية . والمدهش أكثر رغم مهنيتهم هذه لم يدّعوا أنهم بلغوا السماك الاعلى ؛ بل عند تكوين رابطتهم كونوا معها مجلس استشاري من علماء أكاديميون ومهنيون في مجالات مختلفة وكتاب ؛ ويرأس هذا المجلس مولانا الحضيري وهو قانوني ضليع كما يضم في تشكيلته أكاديميون متخصصون في مختلف أفرع الاعلام والاتصال الجماهيري وهذا أعطاني انطباع بمدى طموح شبيبة هذه الرابطة التي تؤمن باستصحاب اهل العلم والخبرات المتراكمة من شخصيات يشهد لها بالخلق القويم المستقيم والعلم الغزير والخبرات المهنية العالية في شتى المناحي الفكرية والعلمية والادبية والثقافية ولهم باع في العمل العام ؛ والاهم أنهم وطنيّون خُلّص لا يخلطون الحابل بالنابل ويدركون بحنكتهم كيف يدار العمل الوطني الذي يُعلي من شأن الوطن ووعيهم بقدسية وأمانة الرسالة المهنية و" الوظيفية " للإعلام وليس "التوظيفية" !! . Ê تلك الليلة التي حضرها جمعٌ غفير من النخب المقيمة بالرياض وبعض أركان سفارتنا كانت ليلة تدعو الحضور للتأمل وإستيعاب بعض الامور؛ أولها أن الاعلام المهني الاحترافي يجب أن يُوظف لخدمة هدفٍ سامي وأكبر هو إعلاء شأو الوطن ولا يقبل أن يَتََوَظّفْ لخدمة ولا ءآت وأهداف ذاتية ضيقة ؛ فالأوطان أرحب وهي الأولى بالولاء ؛ لأنها الانتماء والهوية التي تميز إنسانه وتقدمه لبقية الشعوب . الأمر الثاني أنه رغم المهنية العالية واستخدامهم العروضٍ الرقمية(Presentations - Digital Media ) مع ذلك ما أدهشني هو أن هؤلاء الشباب ما كانوا يبحثون لا هم ولا شيوخهم عن مجدٍ شخصي ولا كلمات اطراء أوثناء على جهودهم ؛ رغم أن هذا حقٌ مستحق لهم إن كان اعطاء مميز ؛ بل كانوا يطالبون بالنقد البناء الذي يؤدي إلى تطويرهم وتحسينهم المستمر لمهنتهم ؛ ومع ذلك ما أشعرني بالأسى أن مثل هذا العمل الكبير يُدعم مالياً من أعضائه بمساهمات إذا ما قيست بغيرهم فهي قد تلحق التقصير بميزانية أعضائها المعيشية ولكنه نكران الذات وتقديم الوطن على ما سواه مهما كانت الحاجة ؛ والتي تستدعي في بعض الاحيان أن يُفرغ هؤلاء الشباب وشيوخهم ما في الجيب ولعمري أنها قمة نكران ما بعده ؛ خاصة إذا ما علمنا الاحوال المادية والغلاء الطاحن الذي استنزف حتى القدر اليسير مما يدخرون فآثروا الوطن على أنفسهم.!! . الاجمل أن هؤلاء الشباب يؤمنون بقول الشاعربأن " كل دورٍ إذا ما تم ينقلب " ؛ فهم لا يريدون لدورهم أن يتم فينقلب كحال كل شيء إن وصل سنام المعالي بدأ بالانحدار؛ فهم يؤمنون بأن دورهم متجدد وبتسليم الراية منتصبة في ساريتها ب لاجيال تتعاقب مع تمليكها الخبرة والمعرفة والتقانة فلا سنام مهما كان العطاء والجهد المبذول لأنهم يعتقدون أن الاعلام وخاصة الصحافة الرقمية تحديداً هي التي ستسود ؛ وأنه ليس هناك مَن أو ما يقيدها ؛ وأن أطر الحرية متاحة لها ولكنهم يؤمنون بمسئولية الاخلاقية للإعلام تجاه الوطن ؛ لذلك يتسم عملهم بالحرفية والحيادية لأنهم يقفون على مسافةٍ واحدة من كل التيارات السياسية وبمهنيتهم يفرقون بين وحدة وسلامة الوطن وبين الانظمة الحاكمة والمعارضة ؛ فالوطن باقٍ حتى يرث الله الأرض والاحزاب والبشر إلى زوال. Ê ولعلي هنا استصحب دراسة اطلعت عليها وضعتها جامعة أوهايو حول الانتخابات الأمريكية أو تلك التي بدت خلال حملة الرئيس كلينتون اجتماعياً ، فاستدلت مفادها أن دراسات عديدة أثبتت أن التلفزيون أصبح الوالد الجديد للأبناء ولعل السؤال الذي أجابت عليه إحدى الاطفال الروسيات : مم تتكون أسرتك ؟ قالت : من بابا وماما وجدتي والتلفزيون .. وهذ خير دليل على مدى تأثير الاعلام المرئي المسموع . لذا يحتاج التعامل مع وسائل الإعلام إلى فطنة وحذر كبيرين ، ولا نستثني من ذلك صحفاً ومجلات وإذاعات وقنوات تلفزيونية سودانية تتغنى ليل نهار بأمجاد الأمة وتقسم أنها تمثل ضمير هذه الأمة النابض وعقلها المفكر ، لكنها بذات الوقت تعمل – من حيث وعت أم لم تعِ - على تشويه صورة الوطن وغالبية الأمة وطمس هويتها. دع عنك جانباً حملات التسفيه والتسطيح وتلميع بعض الشخصيات المشكوك في أدائهم الوطني وتقديمها قدوات للأجيال ، ومع أن ذلك أمر يسهل كشفه ، فالأخطر من ذلك تعمية الحقائق وتسميتها بغير – أو بعكس – اسمها ، ومع التكرار والاستمرار تغيب الحقيقة وتفسح مكانها لعكسها. الهامش: Ê معلومة : إزدحم الفضاء العربي في وقت قصير نسبياً بنحو 140 قناة فضائية وتزايدت نسب مشاهدة الجمهور لهذه الفضائيات وتفيد إحدى الدراسات العلمية الحديثة أن نسبة 69 % من الجمهور العربي يشاهدون الفضائيات لمدة أربع ساعات يومياً وأن 31 % منهم يشاهدونها لمدة ثلاث ساعات يومياً و 34.5 % لمدة ساعتين و15 % لمدة ساعة واحدة يومياً على حين بلغت نسبة نمو مقتني أطباق البث 12 % سنوياً و 40 % من هذه الفضائيات تتبع الحكومات العربية والبقية تعتبر مستقلة ظاهرياً فقط ، وعلاوة على ذلك فهي تعبر بصورة أو أخرى عن ثوابت النظام الذي ينتمي إليه أصحابها وتمثل البرامج الإخبارية في هذه الفضائيات حوالي 5 % فقط .!!