تابعت في 9 يوليو 2011م مراسم إنزال العلم الوطني لجمهورية السودان من على ساريته في مدينة جوبا. وقد جرى الإنزال ببطء وفي أناة وتؤدة إعمالاً لحكم المادة 8 (2) من قانون العلم لسنة 1993م. وقد شدني منظر ياور السيد رئيس الجمهورية وهي يحيي العلم بأداء التعظيم. فالفقرة (3) من المادة 16 من قانون العلم مقروءة مع الفقرة (1) تلزم أي شخص يرتدي زياً رسمياً بأن يحيي العلم بأداء التعظيم إذا كان حاضراً عند رفع العلم أو إنزاله. وحري بالذكر أن القانون قد تضمن مواداً أخرى تحدد مثلاً مواصفات العلم والمناسبات التي يرفع فيها والقيود على استعماله. ومن هذه القيود ألا يستعمل العلم كغطاء لأي مركبة أو دابة, أو كغطاء لنعش الا بموافقة رئيس الجمهورية أو موافقة رئيس البعثة الدبلوماسية السودانية في الخارج. ويُعاقب القانون على إعدام أو إهانة العلم في أي مكان عام أو مفتوح للجمهور بقصد إظهار أو إثارة الكراهية ضد سلطة الدولة بالسجن أو الغرامة أو بالعقوبتين معاً. غير أنه لا يوجد في القانون حكم صريح ينطبق على حالة العلم الوطني لجمهورية السودان الذي أنزل من على ساريته في مدينة جوبا في يوم 9 يوليو 2011م. ولا يخالج المرء شك في أن هذه الحالة لم تتبادر إطلاقاً إلى ذهن المشرع في عام 1976م أو عام 1993م. وقد تساءلت وغيري من الناس عن مصير هذا العلم. فذهب البعض إلى أن وفد جمهورية السودان قد آثر ألا يتسلمه لأن ما كان يربط بين شطري السودان لم يكن علاقة إستعمارية. لكن الراجح هو أن الرئيس سلفاكير إلتمس الاحتفاظ بالعلم في إرشيف جمهورية جنوب السودان ربما كتذكار لعلاقة تاريخية جرى فضها بالتراضي. وعلى أية حال إذا كان وفد جمهورية السودان قد استصوب تسلم العلم الوطني بعد إنزاله في جوبا وعاد به الى الخرطوم, فهناك احتمالان: الاحتمال الأول أن يُحتفظ به في متحف القصر الجمهوري كشاهد باقٍ على إحدى خيباتنا الوطنية الكبرى. وعندئذ كنا سنتضرع إلى الله تعالى ألا تؤنس وحدته في مقبل الأيام أعلام وطنية أخرى قد تفد إلى متحف القصر من الشرق أو الغرب. أما الإحتمال الثاني فهو أن يصدر قرار جمهوري يقضي بإتلاف العلم بموجب الحكم العام المنصوص عليه في المادة 17 من قانون العلم. يخول هذا الحكم لرئيس الجمهورية أن يأمر بإتلاف العلم لأي سبب يقرره. يعيد ما سبق إلى ذاكراتنا سيرة علم آخر هو العلم البريطاني الذي أُنزل من على ساريته في سراي الحاكم العام في صباح الفاتح من يناير1956م, ومن ثم سُلم إلى دوغلاس دودس – باركر ممثل بريطانيا في مراسم رفع علم السودان المستقل بألوانه الثلاثة - الأزرق ويرمز للنيل والأصفر ويرمز للصحراء والأخضر ويرمز للزراعة – بهذا الترتيب. بعد عودته إلى لندن طلب دودس – باركر نصح وزارة الخارجية البريطانية بشأن كيفية التصرف في الأثر الذي جلبه من السودان. واستفسر الوزارة عما إذا كانت هناك سابقة تحكم هذه الحالة أو يتوافر أي متحف يمكن أن يودع فيه العلم البريطاني العائد من السودان بعد اغتراب إمتد لأكثر من نصف قرن. وأبدى باركر إستعداده للاحتفاظ بالعلم كتذكار شخصي لحضوره مناسبة إنزاله. غير أنه عاد وقال إنه لا يود أن يفعل ذلك إذا كان هناك محل عام أو مقر يمكن أن يحتفظ فيه بالعلم. يبدو أن ما طرحه باركر قد أوقع الخارجية في ورطة فحارت جواباً لأنها لم تعثر في أضابيرها على سابقة تهتدي بها. وإزاء تلكؤها في الرد، قرر باركر بنفسه مصير العلم البريطاني العائد من السودان. إذ بعث به إلى السكرتير الخاص للملكة إليزابيث الثانية للاحتفاظ به في قلعة وندسور.