القارىء العزيز , اصدقك القول ان كتابة مقال عن الدكتور منصور حالد ظلت تراودنى منذ صيف 1994 . .وكلما فكرت فى الامر احسست بان ماافكر به اقرب لان يكون دراسة عن الرجل اكثر منه مقال عادى فيصيبنى الكسل وتهيب الموضوع . . ووجدتنى بعد خمسة عشر عام من التفكير والاحجام , اجلس لاكتب هذا المقال القصير المتواضع فقد تمخض الجبل فولد فارا ! غير اننى راض عن هذا الفار ! لاننى شديد الامل والتفاؤل ان من هم اقدر منى على الكتابة واكثر معرفة بالرجل واعمق اطلاعا لانتاجه سوف يتصدون للمهمة تلك المهمة التى عنوانها ( لقد ان الاوان لتكريم ابن خالد ) وليس هنالك من تكريم يستحقه الرجل ويجيىء على قدر مكانته _ فى تقديرى _ سوى ان يتسنم ذروة سنام الوظائف السودانية ( رئاسة الجمهورية ) عندما كنت اطالع سفره الضخم ( النخبة السودانية وادمان الفشل ) فى العام 1994 , رجعت بى الذاكرة الى العام 1974 وانا اقرا له ( حوار مع الصفوة ) الذى علمت فيما بعد انه تجميع لسلسلة مقالات كان قد كتبها فى العام 1966 بجريدة الايام . . نفس الاعجاب والانبهار باسلوب الرجل وروحه الوطنية التى تشع من بين السطور لازمنى وانا اقرا ( النخبة السودانية . . ) الذى جاء فى مقدمته احتفاء الرجل بثلاثة رجال اورد اسماءهم وعدد مناقبهم , ويقبنى انه ماكان ليحفل بهم لولا انهم كانوا فى رايه قامات وطنية سامقة. . فهو رجل يعرف اقدار الرجال ويعلى من شانهم بين الناس , افليس هو الاجدر بان يحتفى به السودانيون وينزلونه منزلته المستحقة !؟ ام اننا قوم جاحدون ولانعرف للوفاء سبيلا ؟ حتى لمن كان ( الاول ) فى اثراء المكتبة حول الشان الوطنى ان كتابات منصور خالد التى وقعت فى يدى و قراتها بدءا من حواره مع الصفوة ومرورا بالفجر الكاذب والسودان والنفق المظلم وانتهاء بالنخبة السودانية كتابات تنضح بالوطنية فى اسلوب مترع بالبلاغة والجمال . . وانك واجد فى هذا الكاتب العظيم , اديبا لايشق لاغبار وعالما بالفقه والتاريخ الاسلامى قل نظيره فى ابناء مهنته من رجال القانون حين سال احدهم عنه صديقه القانونى دكتور امين مكى مدنى وصفه بقول موجز وعظيم الدلالة ( ان منصور خالد يمتلك ناصية العربية والفرنسية والانجليزيه ) ورب قائل وماذا فى ذلك من تفرد ؟ ولكن مثل هذا السؤال لايساله من يعرفون الفرق بين الالمام باللغة وبين الامساك بناصيتها , فهناك من لايعرف من الفرنسية غير ( بونجور وبنسوار وميرسى وسافا ) ومع ذلك يعد نفسه فرانكوفونيا ! وفى الفصاحة العربيه قد تجد الكثيرون ممن يجيدون البيان والوصف ومنهم مثلا من يصف الرئيس الاسبق النميرى بالدكتاتور او المتسلط وماشاكلها من نعوت ولكن ليس غير ابن خالد من ينحت الكلمات ويقول فى وصف ذلك الرجل : ان النميرى رجل ( شديد الترؤس ) فمن غيره استخدم هذا التعبير , ومثل ذلك كثير . اننى شديد الاقتناع ان منصور خالد ( ازرق يمامة السودان ) يرى مالايرى الاخرون . .كتب احد ( الرواد ) من اعضاء مجلس ( ثورة ) مايو : ان مما ساعد فى تحفيزنا على القيام ( بالثورة ) هى مقالات الدكتور منصور خالد التى كتبها فى جريدة الايام والتى اشرنا انفا انها جمعت فى كتاب باسم ( حوار مع الصفوة ) وحين تنكبت مايو الطريق وبان له ان فجرها كاذب فارقها غير اسف رغم انه كان صاحب القدح المعلى فى الانجازات المايوية , ومن وضع بصماته فى اى موقع تولاه . غير ان ماثرة ابن خالد الكبرى والتى سوف يخلدها له التاريخ هو انضمامه الى ركب الحركة الشعبيه واقتناعه بعدالة قضية القوم وماحاق بهم من ظلم تاريخى ولدته ثقافة استعلائيه من شاكلة ( لاتبول فى شق ولاتصاحب عبد , الشق حساى والعبد نساى , ومن شاكلة سجم الحلة الدليلها عبد ! ) وحين ترسخ جذور السلام فى تربة بلادنا وتصبح الوحدة مع التنوع مصدر قوتنا وفخرنا ومانباهى به الامم , عندها سيذكر الناس والتاريخ رجالا مثل منصور خالد محمد عبد الماجد فلله دره , و انه حتى سلام السبعينات واتفاقية اديس ابابا كان المنصور احد صناعها , وحين انقلب عليها راس الدولة ( شديد الترؤس ) لم يجد المنصور مندوحة من مغادرة المركب المايويه . يقولون ان لكل شخص من اسمه نصيب ( ومنصور ) انتصرت رؤاه وتوقعاته , كما ستبقى انجازاته وافكاره ( خالدة ) فى تاريخ بلادنا . وبقى ان اصارح القارىء الكريم بسر كان من اسباب ترددى فى كتابة هذا المقال وهو ان لى اصدقاء ومعارف كثيرون فى تيارات اليسار السودانى المختلفة رايت الا اخدش شعورهم باطراء رجل حمل له العديدون منهم prejuidice سالبه جدا , واقول وايم الحق ان الرجل قد افترى عليه كثيرا, فلم يكن العمل فى المنظمات الدولية عمالة امريكية بالضرورة, ولم يكن الايمان بالليبرالية والراسمالية سبة بل اختيار ديمقراطى مشروع , وحقيقة اجهدت نفسى لايجاد اى دليل على ( عداء ) منصور خالد لقوى اليسار فلم اجد , بل ان هذه الصحيفة الالكترونية سودانايل قد اوردت كتابات لافراد عملوا مع الرجل وقالوا عنه كلاما جميلا . ان التاريخ قد ابان من هو الذى كسب الرهان , من هو الذى انتصر ومن هو الذى هوى بعد ان تكسرت النصال على النصال فوق جسد المعسكر الشرقى وراينا عشرات الالاف من بنى جلدتنا يلوذون بالغرب وبامريكا زعيمة الامبريالية . انه حتى فى ثوراتنا وانتفاضاتنا المغدوره كان منصور خالد هو الاكثر درايه بالمواقف الحقيقية للرجال ( الخونة ) بينما كان الثوريون يجهلون حقائقهم . . انظر اليه فى النخبة السودانية وادمان الفشل يشير الى رئيس تلك النقابة الهامه والذى حمله الانتفاضيون الى منصب سيادى هام , لقد اورد منصور خالد نص برقية ارسلها ذلك الرجل باسم نقابته الى ( الرئيس القائد ) ابان اصدار تشريعات سبتمبر يقول له فيها ( نبايعكم على تطبيق شرع الله فينا ) ترى اين كان الانتفاضيون ولماذا لم يقفوا ( الفا احمر ) فى وجه تولى ذلك الرجل لذلك المنصب السيادى مما ادى مع عوامل اخرى الى انتكاسة الانتفاضة . ان عنوان هذا المقال يشير الى الحركة الشعبية ويتساءل لماذا لاترشحه لرئاسة الجمهورية . . اذا كان لشعب السودان ان يكرم منصور خالد برئاسة الجمهورية لعطائه الوطنى الضخم فانها لفرصة سانحة للحركة الشعبية لنيل هذا الشرف عبرترشيحه من قبلها لرئاسة الجمهورية فهلا تنظر الحركة للامر بعين الاعتبار ؟ ان التغيير هو امنية الشبيبة السودانيه الصاعده والمبراة تماما من اوشاب الماضى السياسى السودانى والطامحة الى سودان عصرى و معاصر , والتى تتوق الى ( التغيير ) ضالة شعبنا المنشودة , وسودان المواطنه وحقوق الانسان والتنمية والعدالة والديمقراطية والنفور من العصبيات المناطقية والعرقية . واخيرا بقى ان اقول اننى كتبت ماكتبت بدافع من قناعتى اذ اننى لااعرف منصور خالد ولم اتشرف برؤيته ولست من مهنته فهو من اساطين القانون وانا من المحسوبين على مهنة الطب , هو المثقف ابن البندر امدرمان وانا تربال من ضواحى شندى الجنوبيه , ولسنا ابناء جيل , هو فى سبعينات عمره ( المديد باذن الله ) وانا فى خمسينات العمر , هو الجعلى العمرابى وانا شايقى عونى الا اننا اخوان فى الرضاعة الوطنية , يطول عمره ( كما يختم مقالاته عزيزنا السر قدور ) دكتور / محجوب حسن جلى / السعودية / الطائف