مركز الدراسات السودانية [email protected] يعاني نظام التعليم الجامعي او العالي عموماً في السودان من زحمة مشكلات عويصة متفاقمة تبدأ من تأهيل كوادر هيئات التدريس والبنية الأساسية من معامل او مختبرات وقاعات مناسبة ومكتبات حتى النشاط الجامعي والسكني الملائمة مروراً بالحرس الجامعي والرسوم. وكل هذه معوقات ومشكلات تقلل من مخرجات ومردود التعليم العالي. وتتحول (الثورة التعليمية) الى عبء ثقيل يتمثل في جيوش العطالة وانصاف المتعلمين المزودين بشهادات عليا ولا يتنازلون عن مطالب معينة يستحقها الخريج المؤهل. تتعدد سلبيات التعليم الجامعي وبالذات في المناهج والمقررات التي يبدو انها لم تخضع لدراسات وحوارات. وينطبق هذا القول – تحديداً – على ما يسمى (مطلوبات الجامعة) والتي شكلت لها إدارة منفصلة. كما تم توزيع هذه الادارة الى اقسام والتي تشغل موادها – خلال السنتين الأولى والثانية – عدد 375 ساعة. ويفترض ان تقوم هذه (المطلوبات) بتقوية اللغات وتزويد الدارسين بثقافة عامة. ورغم نبل الهدف الا ان هذه المقررات قد اكتسبت سمعة غير طيبة لارتباطها بالنظم الشمولية العربية حين سميت بالمقررات القومية. وكانت تدرس باللاجدية بسبب الاعداد الكبيرة وعدم ارتباطها مباشرة بالتخصص الدقيق. وقع في يدي – صدفة – مقرر الثقافة الاسلامية بجامعة الخرطوم، ولقد صعقت حقيقة للمادة التي تقدم لطلاب الهندسة والطب والعلوم والانسانيات. وكان لابد لي من التوقف ومناقشة محتوى المقرر رغم التخويف والابتزاز الذي قد يتعرض له كل من تسول له نفسه ان يناقش او يحاور اي قضية تنسب الى الدين او الاسلام. فسرعان ما يعتبر هذا الحوار او النقد هجوماً على (الدين) او (الاسلام) حيث يصبح مقرراً كتبه بنشر جزءً من الدين. وقد يتهم الشخص بمعاداة تدريس الثقافة الاسلامية أصلاً، وهذه ايضاً ليست حقيقة. فهناك ثقافة اسلامية مستنيرة وتقدمية تحترم العقل وتخاطبه بعيداً عن العواطف والغرائز. فهناك فهم او ثقافة اسلامية يقدمه ابن رشد او ابن حنبل او بن لادن، وكلها مرجعيته اسلامية. لذلك فالمشكلة ليست تدريس ام عدم تدريس الثقافة الاسلامية، ولكن السؤال: اي ثقافة اسلامية نقدمها لطلاب وطالبات جامعيين في العقد الأولى من القرن الحادي والعشرين ؟ يحتوي مقرر الثقافة الاسلامية – في البداية – على تقديم للدكتور مبارك محمد علي المجذوب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ثم تقديم آخر للدكتور ابراهيم احمد غندور مدير جامعة الخرطوم (عام 2004) ومقدمة للشيخ عبدالحي يوسف. وحاول الجميع التبشير بمقرر شامل وكامل. ويرجع الفصل الأول أهمية دراسة الثقافة الاسلامية الى ما يلي: توضيح الأساسيات التي تقوم عليها الثقافة الاسلامية. تأثير الثقافة الاسلامية في العرب. تفاعل المسلم مع مبادئه وقيمه. بيان الازدهار الحضاري للأمة الاسلامية. بيان الأدواء التي حلت بالأمة الاسلامية. بيان دور الثقافة الاسلامية في العصر الحديث وما تقدمه للانسان المعاصر. هذه الاهداف في منتهى الروعة والعلمية ولكن واقع اهتمام المقرر – القسم الأول – مختلف تماماً. فقد تجنب المقرر تقديم الوجه المشرق للحضارة الاسلامية في أوج تقدمها وتأثيرها على العالم واشعاعها الذي وصل الى الاندلس والهند، واكتفى بتقديم ماهو معلوم وبديهي، فقد كان من المفترض ان يتعرف الدارسون على جابر بن حيان وابن رشد والرازي وابن سينا والفارابي والكندي واخوان الصفا وابن خلدون والغزالي وغيرهم. بالذت في كليات العلوم الهندسية لكي يشعروا بقيمتهم كمسلمين ونديتهم للحضارات الأخرى. يخصص المقرر قسماً كبيراً ومسهباً للعبادات ولا يوجد اي قسم للمعاملات وهذه هي حقيقة الثقافة الاسلامية: السلوك، الاخلاق، القيم، القوة، العلم والمعرفة. والمواد التي يتضمنها الكتاب تم تدريسها للطلبة والطالبات عدة مرات في المراحل السابقة. فهل تأكد واضعو الكتاب ان طلابهم لم يدرسوا احكام الوضوء (ص136-143) او التيمم او احكام الصلاة، في مراحل دراسية سابقة ؟ هذا مجرد تكرار قد يكون الهدف منه زيادة صفحات الكتاب وليس زيادة معرفة الدارسين. وسعر الكتاب هو (5) جنيهات ويباع لكل الطلاب ولا يوزع مجاناً، وهو مجرد تصوير ردئ ويخلو من فنون الطباعة. وهذا عكس الاتقان الذي طالبت به الثقافة الاسلامية التي يدرسها الشيوخ الاجلاء. هذا ما دعاه النبي (ص) علم من لا ينفع. فعلينا ان نتصور طالباً او طالبة حتى وصل الجامعة ودخل كلية الهندسة او الطب او الاقتصاد دون ان يعرف كيف ينظف نفسه بعد قضاء الحاجة ! هذه معلومات او تمارين مكانها الحضانة او الروضة. والا ستكون كارثة حين ننتظر اولادنا وبناتنا حتى سن الثامنة عشر او التاسعة عشر لندرسهم. يواجه المسلمون اشكالية تناسق العلم والايمان اي كيف تكون مؤمناً وتعيش عصر العلم. فالمطلوب إزالة اي تناقض حقيقي او مفتعل بين العلم والايمان. وكان من أهم أسباب الصراع بين المسيحية والعلم، وقوف الكنيسة ورجال الدين ضد العلم وضد الكشوفات والاختراعات البشرية الجديدة. وهناك بعض الفقهاء المسلمين يضعون الحواجز الوهمية بين العقل والدين، بين العلم والايمان، وذلك بطرق مختلفة. ومن هذه الطرق، الاهتمام بقشور المعرفة الدينية، والطريقة الأخرى الجمود في مراحل تاريخية سابقة وبالتالي جعل الاسلام ثقافة ماضوية ويفصلونها عن الحاضر والمستقبل. ومن اخطر مواقف هذه الفئة الغاء العقل او استقالة العقل مقابل تقديس النقل بلا تساءل وتفكير.