بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى:(هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس (2-2) الاستهلالة: اليوم نواصل ما انقطع من حديث الأمس فواصلت بقولي: ومع تقديري لبحث المحاضر ؛ وما قرأه أو لاحظه واستنبطه أثناء دراساته وبحوثه ، لإإني أحسب أن هذا الطابع؛ لا يبرر الرأي الذي استخلصه بالرجوع إلى أحكام الشريعة واختزالها في " الحكم بقطع يد السارق" ؛ فأغلب الظن أن المحاضر؛ بمنطق الباحث عن عدالة وضعية ؛ بمنطق العقل الذي لا يميل ( وهو وحده)؛ متجرداً عن كل مشاعر الرغبة في الانتقام ، الذي يستطيع بما يقف عليه من أسرار وظروف المحكوم عليهم أن يقدر مدى تأثير هذه الظروف. المتن (استكمالا ) لذا؛ يبرز هنا تساؤل منطقي وهو: من الذي علّم الأستاذ المحاضر؛ على ما في عبارته من الالتواء؛ أن القاضي قد يصدر في أي حكمٍ من أحكامه عن " رغبةً في الانتقام"؟! ؛؛ أيظن أن القاضي إذا قضى ؛ وهو من رجال القانون لا من رجال الشرع ؛ بالقصاص من القاتل مثلاً ؛ يصدر حكمه هذا عن "رغبة في الانتقام" ؟! ؛ وا أثار عجبي أن السيد/ المحاضر لم يقف عند هذه الألفاظ ؛ بل أراد أن يَسُمَ حكم الشريعة بقطع يد السارق؛ بما هو أشد من كل ما قال؛ فتذاكي علينا ذكاءً مدهشاً ؛ فساق في أحد فقرات محاضرته تاريخ قطع يد السارق واستباح أن يصفه بما يشاء فقال[ إن الحكم الذي يقضي بقطع يد السارق أو التنفيذ البدني عموماً؛ عرفه الرومان منذ قرون بعيدة في قوانين متعددة كانت تطبق عليهم ، مثل قانون الألواح ؛ الإثنى عشر ، وقانون صولون ، كما عرفه أهل آشور وبابل أيام قانون حمو رابي. ولقد اتسمت هذه القوانين دائماً بالوحشية؛ وتغلب عليها عنصر الانتقام؛ وإن تمثلت صورها بشكلٍ أوسع في المسائل المالية كالديون وسائر الالتزامات].!! وكان تعقيبي : فبأي حق يستطيع المحاضر أن يصف حكماً أنزله الله بأنه حكمٌ وحشي وإن تستر تحت ما ذكر من أحكام الرومان والأشوريين وحمو رابي ؟! ؛ وإن كان يرفض " بشدة" الرأي المطالب بقطع يد السارق، كما قال، فمن الذي أنبأه أن المسلمين يرفضونه بهذه الشدة ؟! ؛ حتى يصبروا على نعت حكم الله في محكم كتابة بأنه " أداة انتقام" ونظرة " عداء إلى السارق " ومحاولة " الانقضاض عليه بمنطق القوة الغاشمة " وأنه " اتجاه غير إنساني"، و أنه " قانون وحشي"،!! ؛ فما هذا الهجاء المقذع من رجل باحث أكاديمي يشهد على نفسه بأنه ليس له إلمام كبير بشريعة المسلمين. ويبدو أنه يحتاج أن يعيد قراءته وبحثه فيحتم عليه تعميق بحثه ما يمكنه التفريق بين النص الذي لا يقبل الاجتهاد؛ وحكم الله حقٌ واجبٌ علينا إتباعه وبيانه ؛ بيد أني لم أقصد قصد الإبانة عن معنى حكم الله ؛ على وضوحه وبيانه ، ولكني قصدت قصد هذه الموجة الطاغية من التهجم على كتاب الله بألفاظ منكرة تتستر تحت ستار البحث الأكاديمي ، وتطلق ألفاظ منكرة ، بلا حياء ، باتخاذ لفظ "التطور" ؛ و" الاتجاهات الإنسانية " ؛ وسيلة للطعن في شريعة لا يأتيها الباطل من بين يديها أو خلفها؛ أنزلها الله لعباده رحمة بهم ؛ وأنزلها بعلمه سبحانه وتعالي ؛ ثم يجيء باحث مفتون فيقارن بين أحكامٍ أنزلها الله ؛ وأحكام وضعها طواغيت البشر ممن لم يقرؤوا جيداً مقاصد شريعة المسلمين ؛ حتى يجعلهم أعلم من ربهم الذي خلقهم وذلك عبر أبحاثٍ ومحاضرات يتوهمونها " دراسات مخلصة" في علم " العقاب" و " علم الإجرام" وسائر ما يتغطرس به المارقون من عباده ؛ ممن لم يسلموا وجوههم لفاطر السموات والأرض ؛ واتبعوا كل شيطانٍ مريد من شياطين الإنس والجن؛ !! عرج المحاضر بمدخلٍ آخر عن المعاملات فقال : [ إن اختلاف "الضريبة بين أوروبا والإسلام" ؛ لأنه لم يكن للإسلام تنظيم " كنسي" يحجب الموارد المالية التي تجبى بإسم الشرع ؛ عن السلطة السياسية ؛ مما أغنى الحكام فرض ضرائب مباشرة لم يرد لها أصل في الفقه الإسلامي ، ولعل أهم ما يميز البلاد الإسلامية في هذا الصدد؛ ]؛ ثم أخذ المحاضر يضرب يميناً وشمالاً ويترنح ويتطوح ويستقيم لسانه تارةً ويلتوي مرة أخرى ؛ فيذكر " الخراج والجزية والزكاة " في جمل قصيرة لا يفهم إلا كونها تمهيداً للدخول في في ما يهدف إيه فانتهى قائلاً:[أما في أوروبا الغربية ، فقد أدى انهيار السلطة الإمبراطورية إلى انهيار النظام الضريبي الذي أقامته تدريجياً خلال عدة قرون ؛ كما لا يفوتني أن أذكر أن ملوك ( البربر) الذين قسموا الإمبراطورية الغربية ؛ وعلينا أن لا نغفل التحول بسببه هذا التقسيم إلى النظام "الإقطاعي" الذي معه اختفى معه النظام الضريبي الذي تكون خلال عدة قرون في ظل الإمبراطورية الرومانية.] .. ما لفت انتباهي لما ساقه المحاضر هو إقحام " البربر" ؛ ثم عرج على الضريبة ولم يحدثنا عنها ؛ ما هي ؛ ولا كيف كانت ، بل ساق لنا عجناً بلا محصول ليقول:[ وفي هذا المجتمع الإقطاعي بقيت مركزية واحدة هي الكنيسة الكاثوليكية؛ وكانت تقوم بتقديم الخدمات العامة ، التعليم ؛ الصحة ؛ القضاء ؛ وكانت الكنيسة تمول نشاطها من مصدرين: الأوقاف التي سرعان ما تحولت لإقطاعيات دينية للأسقف ؛ فيها سلطة السيد الإقطاعي ، أخذت الكنيسة في جبايتها اعتمادا على بعض نصوص الكتاب المقدس] بدأت أفند قوله ؛ فتوجهت بسؤال للحضور: هل الموضوع هو مقارنة بين ديانتين أم بين نظامي ضرائب؟! وما هو المقصود من قوله " تنظيم ضريبي كنسي" ؛ ثم قوله: " الإسلام أضفى على الأسس العامة للتنظيم الضريبي طابعاً دينياً يجعل من على الحكام أن يتلاعبوا به " ؛ ويعقب على ذلك فيقول" بأن العيب أتى من قبل أن الإسلام لم يكن له تنظيم " كنسي" ؛ يحجب الموارد المالية التي تُجبى باسم الشرع عن السلطة السياسية ؛ مما أغنى الحكام عن أن يفرضوا ضرائب مباشرة لم يرد بها أصل في الفقه الإسلامي" !! فتساءلت: أهذا كلامٌ صاحٍ مفيق؟! أم كلام مختلط ملتبس يريد أن يدخل لفظ "تنظيم كنسي" في سياق المحاضرة؛ ليدل على عوار الإسلام وفساد نظمه إن لم يكن فيه تنظيم " كنسي" شريف؟!.. وأي شيء هذا التنظيم " الكنسي" الذي حجب الموارد المالية عن الدولة؟! ؛ وكيف كان ذلك؟؛ ومتى كان؟ ؛ أم لأن الكنيسة الكاثوليكية بقيت سلطة مركزية ؛ تقوم بعدد من الخدمات وتتمول من أموال صارت إقطاعاً؟! وعشور تجبيها من الناس؟! .. إن في هكذا تساؤلات مشروعة تدعونا للقول تفنيداً أن المحاضر يريد أن يجعل أكمل نظام للأموال عرفته الحياة البشرية إلى اليوم ؛ نظاماً كما زعم [ يجعل من اليسير على الحكام أن يتلاعبوا به] ؛ ويزداد المحاضر عتواً أو جرأة فيوحي للحضور أن خلو الإسلام من " التنظيم الكنسي الشريف "!! ؛ هو السبب في فساد هذا النظام، بدعوى تدل على تمام إخفاء تاريخ الكنيسة في أوروبا، ليقول صراحة:[أن الإسلام لم يكن له تنظيم كنسي يحجب الموارد المالية التي تجبى باسم الشرع] ؛ وقصده يعني ( بالطبع الزكاة ؛ والخراج ، والجزية ) عن السلطة السياسية ؛ حتى صرّح وأوضح بقوله[ مما أغنى الحكام عن أن يفرضوا ضرائب مباشرة لم يرد لها أصل في الفقه الإسلامي]؛ لعمري أنه تعبير جاهل بمعاني الألفاظ ؛ ملفوت عن حقائق هذا الدين؛ مملوء القلب والعقل بأساليب "التبشير والاستشراق" الذي يخفي وراءه غرض غير المعرفة والعلم والبحث عن حق سعياً وراء تشويه الآخر مما يعطينا انطباع بأنهما شيءٌ واحد في حقيقته!! ؛ يسوق هذا المكر الخبيث في موجٍ متلاطم من الألفاظ التي لا يُحصّل من مجموعها معنى صحيح مفهوم .!!. أيها الإخوة الحضور، إن ما ساقه الأستاذ المحاضر وصمتكم دون تعليق لما ساقه يذكرني بقول أحد المبشرين بأن المكان الوحيد في العالم الذي لا يكاد التبشير ينفق فيه شيئاً هو العالم الإسلامي. لذا فإنني أؤمن بأن لكل مبشر أتى لديارنا رزق يناله من قوت شعوبنا ؛ ويؤجر على عمله من مالنا سواء في الصحافة والمدارس وفي المستشفيات ؛ وفي كل بابٍ دخله التبشير وبثّ فيه أعوانه ؛ مقنعين بضروبٍ مختلفة من الثياب؛ ولكل طائفةٍ منهم أسلوبٌ قد درسوه وأحكموه ودربوا عليه!! الحاشية: نعم هذا ما أنجزته أيها الصديق الأكاديمي المرموق ؛ أفليس هذا إنجاز برأيك حين يصمت الحضور يبقى الأمر فرض كفاية لمقارعتهم في عقر ديارهم ؛ فيعترف أهلل تلك الديار بك ويحترمونك لأنك لم تهادن ولكن كان ذلك بمنتهى الكياسة والأدب ؛ إن أمرٌ المحاضرة "مكشوف" ستاره لمن يريد أن يبصر خاصة فيما نراه الآن من منظمات مجتمع مدني يغدق عليها الغرب بقيادة أمريكا التي أفلست مالياً ولم يعد لديها خيار القيام بحروب مباشرة مكلفة ؛ فلجأت "للقوة الناعمة" لاختراق مجتمعاتنا عبر هذه المنظمات المشبوهة لزرع الفتن الأثنية والطائفية والجهوية وإن كانت تأسيسها عبر مواطنينا ضعاف النفوس الذين باعوا دينهم قبل أوطانهم؟! ؛ إنه أمرٌ لم ينحدر علينا قط بهذا القدر من العنف، والمراوغة؛ والتحايل؛ ولم ينبثق سيله من كل جهة؛ وفي كل مكان؛ كما انحدر وانبثق في هذه الأيام؛ فها هي السفيرة الأمريكية تعلن على رؤوس الأشهاد أنها ضخت (40) مليون دولار لبعض منظمات العمل المدني بميدان التحرير ؛ أرجوك توقف " عند لفظ " بعض"!! أليوم أحذر قومي؛فإن دلائل هذه المنظمات المشبوهة واضحة في مداخلتي على المحاضر في محاضرته الملغومة ، إن كثير من هذه المنظمات أداة من أدوات الاستعمار الإمبريالي الحديث؛ إن إلحاح المستشرقين الجدد والتبشير عبر المحافظون الجدد في التوغل في مجتمعاتنا يثبت أنهما أخوانٌ لأب وأم فيما ذكرت وما لم أذكر من تصريحاتٍ لهم تستفيض بها وسائل الإعلام فتصل إلى مسامعنا؛ فإلحاح الغرب علينا عبر مستشرقيه ودماه ؛ صريحة ومتخفية، واعية وغير واعية، لا يحمل غير هدفٍ واحد هو إرادة التدمير والهدم؛ ونشر البلبلة ، وإفقاد الأمة أسباب بقائها ؛ ويرمي إلى هدفٍ واحد قد عمد الغرب إليه مرات ومرات من قبل في السودان وغير السودان خلال الانتفاضات التي نشهدها والتي يخشى منها أن يسترد العالم الإسلامي العربي قوته وبأسه؛ وينفرد بنفسه منشئاً بانياً ممهداً لحضارة ترث الحضارة الغربية الأوروبية المسيحية في أوان انهيارها هذا التي تعيشه ؛ وقد ضربت كثير من الأمثال في مقالاتي ؛ فأنا أتخوف أن ننتهي إلى شر غاية ؛ إذا تركنا هؤلاء المفسدين العابثين أبنائنا يمرحون ويسرحون بإدارة هذه المنظمات المشبوهة التي يمولها الغرب المسيحي ، وأذكر بمقولة الرئيس بوش الصغير عند غزو جحافله العراق " إنها حربٌ صليبية "!!. لذا لا بد من عين رقيبة على هؤلاء العابثين المفسدين فيجب أن لا يتركوا بلا رقيب وحزم لسوء أعمالهم؛ وبلا وازع يردعهم عما يبغون لنا من الغوائل.!! هامش: أخي وصديقي الأكاديمي الطائفي المرموق أقول لك أن مسئولية العلم والقلم هي التبصير دون التفات إلى التسفيه أو انتظار عطية ولا منصب ولا جاه ؛ لذا فمسئوليتنا أن نحذر إذ لا يؤتى المرء إلا من غفلته؛ وشر الأعمال التهاون ؛ ورب شرارةٍ صارت ناراً متضرمة . حتى وأن كرمنا أعداؤنا فهذا لا يعني أنهم رضوا عنا ؛ أنا لم أغتر بأي تكريم منهم فربما أن في التكريم نوع من الاستقطاب لا يقبل به إلا ضعيف نفسٍ ؛ ولا تنس أنك رغم انتمائك لحزب طائفي عتيق فقد هرعت إلى قصعة الإنقاذ لتنال منها نصيبك فما نهروك ولا أقصوك ؛ وها أنت تستطعم منها ولا تخفي همزك ولمزك ؛ فنحن ليسوا أهل مكرٍ ولكنا نفوض أمرنا لله ؛ إن الله بصيرٌ بالعباد. عند انتهاء المحاضرة حياني المحاضر وسألني: من البلد التي أنتمي إليه: فقلت السودان. فقال بلد الدكتور عبدالوهاب الأفندي الباحث الإسلامي ؛ إنه أنصف بعض المستشرقين الذين ظلموا . قلت له لأنه لم يوظف الحقائق للغرض والهوى وإنما اتبع أصول ومنهجية البحث بنزاهة الباحث الأمين. سألني المحاضر إن كنت أعرف الدكتور كمال إدريس فقلت ليس على المستوى الشخصي. قال : لكنه عبقري : إن العبقرية ليست حكراً على أحد فلا غرابة أن يكون عبقرياً بعلمه وجهده وعطائه ؛ لكني أتابع أخباره فهو مثال للسوداني الذي نعتز به ونعترف بما قدمه لوطنه من سمعة طيبة وحسن أداء مهني محترف. ترى هل أراد بالسؤال عنهما أن يشي لي بأنهما لم يبدعا إلا عندما وليا وجهيهما نحو الغرب؟! ... هذا فخٌ آخر!! abubakr ibrahim [[email protected]]