السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الكثيرين: هل انفصال جنوب السودان كان نيَّة مبيَّتة لدى كل الجنوبيين؟ إضافة إلى ضغط بعض القوى الدولية التي لها مصالح في الانفصال؟ أم إن الوضع كان سيختلف لو كان نهج حكومة المؤتمر الوطني مغايراً ووجدت القوى الوطنية من الجنوبيين والشماليين ما تدعم به تحقيق رغبتها في الوحدة، وهي قوى لا يُستهان بها حجماً وفاعلية ولها رؤى وأفكار وأحلام للوطن الكبير. القائد الراحل جون قرنق، قائد حركة تحرير السودان، كانت له رؤية وفلسفة بعيدة المدى للسودان الجديد؛ وكان واضحاً أن مسألة المواطنة الكاملة هي ركن أساسي لديه فقد كان رجلاً وحدوياً خالصاً أراد أن يرى السودان وطناً للجميع على أسس العدالة والتقسيم المنصف للثروة والسلطة هكذا بادرنا عند لقائنا به عقب قدومه الخرطوم بعد واحد وعشرين عاماً قضاها في تخوم الأحراش والغابة. كثير من أبناء الشمال والجنوب تمنوا لو أن القائد جون قرنق ظل على قيد الحياة ليظل الوطن موحداً بشعبه وأرضه ، ولكنها إرادة الله وحده العالم ببواطن الأمور في حكمة انقسام وانشطار الوطن إلى نصفين، وعندما تفاجأ قادة الشمال بالنسبة العالية للانفصال في استفتاء الجنوب، قالوا: ماذا يريد الجنوبيون بعد؟ لقد أخذوا من الثروة والسلطة ما يريدون. ولم يكن يدركوا أن أهل الجنوب يريدون الكرامة والمساواة في المواطنة، وهذا ما لم يتوفر لهم. القوى الداعمة للوحدة في الشمال والجنوب هي قوى خيِّرة لها ثقة وفهم عميقين للسودان وأهله ومناطقه وثقافاته وتراثه والتشابه الكبير بينهم مهما اختلفت الألوان والأديان والقبائل؛ فلو وجدت تلك القوى ما تدعم به تحقيق رغبتها لتحققت الرؤى وانتصرت الوحدة في زمن يسعى العالم فيه إلى الوحدة والتآزر، فالحكومات من المفترض أن تؤدي دور الأب لأبناء الوطن كافة، ومن صفات الآباء التفهم والرحمة والحب لكل الأبناء، ولكن حكومة المؤتمر الوطني حادت عن هذا الطريق. نرجو أن يكون هذا الحدث انفصال الجنوب فرصة ليراجع بعض إخوتنا السودانيين أي تفكير دوني تجاه الآخرين، فقد خلقنا الله متساوين وكل إنسان سيسعى لينال كرامته وسيكون الثمن مزيداً من تفتيت الوطن، فهلاّ وعينا الدرس؟ ولماذا يصنِّفون دولة الجنوب على أنها ستكون دولة عدوّة؟ هي عدوّة إذا استمرت سياسات السنوات السابقة، ولكنها دولة صديقة إذا حسنت النوايا. فحكومة الجنوب ينتظرها عبء كبير وهو بناء دولة من العدم، فالبنى التحتية الموجودة في مدن وقرى الجنوب من شبكات مياه وصرف صحي ومحطات كهرباء ومدارس ومستشفيات بينها وبين نظيراتها في الشمال بوناً شاسعاً، كذلك لو قارنا معدلات التنمية البشرية لوجدنا الفارق كبير جداً، وهذا في حد ذاته يوضح بعض الظلم الذي تعرّض له الجنوب والمهام الجسام التي تنتظر قادته. عشمي أن يجمعنا الله كشعبين في دولة واحدة يكون الإخوة في الجنوب قد حققوا الكثير بما يدعم رفاه شعبهم ويكون الشمال قد خطا خطوات رفاه وتقدم وأسَّس مستقبله السلمي الديمقراطي. محمد توفيق أحمد مدير تحرير مجلة الضياء دبي