[email protected] تقول الطرفة إن تونسيا سأل ليبيا هل تصدق إن رئيسنا بن على قال لنا بعد حكم دام 22 عاما الآن فهمتكم فرد عليه الليبي وهل تصدق إن القذافي سألنا بعد 42 عاما من انتم ؟ هذا مشهد من مشاهد الكوميديا السوداء للعلاقة الجدلية المأزومة بين الحاكم والمحكوم على امتداد عالمنا الذي يطلق عليه الكاتب المصري الساخر محمود السعد ني بالعالم الثالث عشر . وهذه هي المرة الثانية وربما الثالثة على التوالي التي يعود منها رجل الأعمال السوداني محمد فتحي إبراهيم خائبا يتجرع الحسرة ويزدرد الإحباط بعد إن رصد من حر ماله جائزة للشفافية والحكم الرشيد في أفريقيا قيمتها خمسة ملايين دولار يستلمها عدا ونقدا الزعيم الأفريقي الذي ينجح في قيادة بلاده بالأسلوب الرشيد بعد أن يغادر منصبه .. النتيجة جاءت كما كان متوقعا قبض ريح .. لم ينجح أحد بعد أن خذلته القارة المنكوبة بأبنائها ليتم حجب جائزة عام2009 وجائزة 2010.. ويبدو إن نفس هذا المصير ينتظر العام 2011.. الذي يسترعي الانتباه هنا إن أفريقيا هي القارة النشاز من دون القارات الست التي رصدوا لها مثل هذه الجوائز إذ إن مثل هذه القيم والمفاهيم يبدو إنها تدخل في القارة السمراء من باب الغول والعنقاء والخل الوفي ...إطلالة عابرة على الحكم والسياسة في أفريقيا على مدار العهود تحكي هذا الواقع عبر نماذج لم يقع اختياري عليهم خبط عشواء ولكن لكونها قابلة حتى الآن للاستنساخ بطول القارة وعرضها .. الجنرال شارلس تايلور قاد ليبيريا هذا البلد التي وصفه الأوروبيون بلؤلؤة تنام علي خاصرة المحيط الي حرب أهلية تعتبر الأقذر في التاريخ المعاصر فقد كان يقايض ثروات البلاد من المعادن الكريمة بالسلاح قبل أن ينتهي به المصير سجينا في لاهاي بعد إدانته ب 17 جريمة لحقوق الإنسان تتراوح بين الاختلاس وسفك الدماء والاغتصاب ومتهما بتهريب مليار دولار مستنسخا من نفسه نسخة كربونية للرئيس الكونغولي الراحل موبوتو سيسوكو الذي يقول الدكتور منصور خالد انه حكم بلاده كأنها ضيعة خاصة حتى أصبحت مداخيل ثروته الشخصية تفوق مداخيل حكومته ولهذا نحت ناقدوه الغربيون تعبيرا خاصا يصفون به حكمه و هو السرقراطية أي دولة السراقين klyptocracy والكلمة منحوتة من الklyptomania أي مرض السرقة . لهذا لم تشهد زائير في عهد موبوتو بالرغم من ثرائها الفاحش تطورا في البنيات الأساسية أو الخدمات أو التنمية حتى أضحي 80% من أهلها عاطلين وبلغت معدلات التضخم فيها أرقاما فلكية (9%) وفي أخريات حياته ومع الاضطرابات التي سادت الكونغو وهددت كرسي الحكم الجالس عليه لجأ موبوتو الي السحرة الأفارقة الذين أوحوا له بأنه سيكون بمنجاة من كل شر إذا عاش في الماء .لهذا ظل يقضي جل وقته في كينشاسا في يخته حتى أطلق عليه الزائيريون اسم الرئيس نوح . انتهي الحال بموبوتو سيسيسيكو أن لهط 100طن من الذهب قبل ان يتحول الى لاجيء يتسول شبرا من الأرض يدفن فيه والسرطان ينهش أحشائه ..من هذه الشاكلة أيضا الرقيب جان بيدل بوكاسا الذي نصب نفسه امبراطورا واقام بمناسبة تتويجه حفلا اسطوريا خرافيا من شاكلة ألف ليلة وليلة بلغت تكلفته 15 مليون دولار في بلد يعيش تحت خط الفقر قبل أن يتحول إلي دراما مثيرة هاربا علي متن طائرة سيسنا الي فرنسا طلبا للجوء السياسي ..يسأله برج المراقبة في مطار شارل ديجول من أنت فيقول أنا الجنرال الفرنسي جان بيدل بوكاسا فيأتيه الرد لست جنرالا ولا نعترف بك فرنسيا . في اثيوبيا بدأ منقستو هيلاماريام انقلابه عام 1974 وأطبق سيطرته الكاملة علي البلاد خلال فترة وصفت بالرعب الأحمر كمم خلالها الأفواه ونصب مشانق تدلت منها رؤوس أساتذة الجامعات والعلماء والمثقفين والخصوم السياسيين لاستنساخ تجربة شيوعية علي النمط السوفييتي . وظل يحتكر السلطة حتي عام 1991يخرج من حرب ويدخل في أخري مهدرا الملايين ومتسترا علي مجاعة اجتاحت أرضه عام 84-85 وفتكت بالملايين قبل ان يكشف النقاب عنها بالصدفة المحضة مراسل وكالة (رويترز) ويلتقطها المغني العالمي البريطاني جيلدورف ويدشن بها حملة إنسانية كانت رأس الرمح لإنقاذ الملايين من ضحايا الجوع قبل ان يفلت من غضبهم فارا بجلده الي فيلا فارهة في هراري أمنها له روبرت موجابي .خلفه في الحكم ملس زيناوي الذي ظل متمترسا بالكرسي منذ عام 1991 والى يومنا هذا وسط شكوك دولية بعمليات تزوير واسعة النطاق تتم من قبل الحكومة بحكم إحكام قبضتها الفولاذية علي كل مفاصل الاقتصاد من أراض وأسمدة وقروض ومساعدات غذائية كافية للضغط علي السكان المعدمين للحصول علي أصواتهم في الانتخابات . في الجابون جثم عمر بونجو علي صدر السلطة 42 عاما منذ 1967 وحتي وفاته 2009 وخلفه بعد انتخابات مشكوك في نتيجتها ابنه علي بن بونجو . بعد اعتزال كاسترو كرسي الرئاسة في كوبا في فبراير 2008 دخل بونجو موسوعة جينيس للأرقام القياسية من أوسع أبوابها كأكبر رؤساء العالم من غير الملوك تربعا علي سدة الحكم ... فقد فارق الفانية وهو يحمل معه إلى قبره لقب اكبر رئيس معمر في التاريخ The everlasting living president ألا يذكركم هذا بأخبار الديناصورات تلك الكائنات العملاقة التي سادت قرونا من الزمان وبادت بغير إرادتها.. هذه دولة مصدرة للبترول وعضو في منظمة الأوبك ورغم ذلك فهي تحتل المركز الأول في وفيات الأطفال الرضع في العالم . الحال ليس أفضل في زيمبابوي الذي ظل رئيسها روبرت موجابي صامدا في مكانه (ياجبل ما يهزك ريح) منذ مارس 1980 والى يومنا هذا .. في نيجيريا التي تحمل لقب مصنع الانقلابات العسكرية (15 انقلابا منذ نيلها للاستقلال عام 1960) لجأ الرئيس السابق اوليسيجو اوباسانجو الي تعديل دستور البلاد ليسمح له بالترشيح لولاية ثانية وعندما اصطدمت محاولته بالرفض من المعارضة ومن أنصار حزبه لجأ الي وسيلة أخرى حيث بحث عن اضعف مناصريه في حزبه وهو الرئيس السابق عمر موسي يارو ادو وقام بترشيحه لمنصب الرئاسة ودعمه بكل قوة حتي حقق الفوز في الانتخابات علي منافسيه الآخرين وهكذا ظل اوباسانجو يحكم البلاد بالوكالة عهدا من الزمان . تأملوا معي صور الملك مسواتي الثاني ملك سوازيلاند..يستعرض مسواتي هذا وهو فحل بالمعني الحرفي للكلمة كل عام وفي استاد عام 30 ألف فتاة عاريات الصدور ليختار من بين هذا الجيش شريكة جديدة لإضافتها الي زوجاته اللائي بلغ عددهن حتي الان 14 زوجة .. .. والده كان مزواجا .. فقد تزوج 70 امرأة وكان له ألف حفيد يوم وفاته . ولان سوازيلاند تحتل المركز الأول عالميا في إصابات مرض الايدز ولأن 40% من السكان يحملون فيروس المرض القاتل فقد اتخذ قرارا بمنع المعاشرة الجنسية لمن هم دون الثامنة عشر إلا انه سجل نفسه الأول في خرق القانون الذي سنه بالاقتران بفتاة في السابعة عشر فعاقب نفسه بدفع بقرة . في مالاوي نصب الرئيس هادجزنر باندا نفسه رئيسا مدي الحياة عام 1970 وظل حاكما مطلقا لثلاثون عاما حسوما حتى تم إلغاء هذا القانون تحت ضغوط دوليه عام 1993. في غينيا الأستوائية ضمن الرئيس تيودورو أوبيانج نوجيما البقاء سبع سنوات أخرى في الحكم بفوزه بنسبة 37ر95 في المئة من الأصوات في انتخابات قوبلت بالانتقادات وفقا للنتائج الرسمية التي نشرت في ديسمبر 2009. ويحكم أوبيانج (67 سنة) الدولة الصغيرة الغنية بالنفط بقبضة من حديد منذ استحواذه على السلطة . هذه النماذج المشوهة للحكم وتداول السلطة هو نمط جديد للحكم يحافظ علي تراث الحكم الفردي الشمولي يطلق عليه الافروقراطية الجديدة عرابه حكام القاسم المشترك بينهم هو السعي الحثيث حتى الرمق الأخير للاحتفاظ بكرسي السلطة الى النهايات الدموية أو تخوم الشيخوخة والسفه ثم تسليم العهدة إلى الأبناء . ثلاثة نماذج تغني عن الحال (مبارك مصر) الذي كابر وعاند حتى جرفه طوفان الربيع العربي و(ليبيا القذافي) الذي انتهى مطاردا من بيت لبيت ومن زنقة لزنقة للإفلات من غارات الناتو وغضب الثوار وقبلهما الرئيس العاجي لوران جبابجو الذي أرغم على الاعتراف بخسارته لنتائج الانتخابات تحت هدير قذائف الهاون والآربجي. كان الله في عون رجل الأعمال السوداني .. سيطول ليله في انتظار (جودو) وهو يتصدى لمهمة تنوء عن حملها الجبال الراسيات ..