بعد أن نجح شعب جنوب السودان في كسب معركة الحرية والكرامة بنيله الاستقلال والتحرر الوطني أصبح أمام الشعب وقواه الديمقراطية خوض معركة ليست أقل أهمية من معركة الحرية والكرامة وهي معركة وثورة التمدن وبناء الدولة المدنية وثورة التنمية وتوفير الخدمات الحياتية والضرورية ومحاربة الفساد المستشري ومحاربة القبلية المتجذرة داخل دواوين الخدمة المدنية والمؤسسة العسكرية. الثورة المدنية وبناء الدولة المدنية الحديثة قوامها: 1. السلطة السياسية ومنذ تشكلها في جنوب السودان ظلت تخدم النخبة فقط كما تطرقنا لذلك في المقال السابق فبدلاً من أن تخدم الدولة (الحكومة) النخبة علي الحكومة أن تخدم شعبها وبدلاً ان تفكر قياداتنا ومسئولينا في شراء المزيد من المنازل والسكن خارج البلد والذهاب للعلاج بالخارج وتعليم ابناءهم خارج الجنوب عليهم ان يفكروا بشكل عملي في تطوير البلد وتخطيط المدن وأنشاء البنيات التحتية وتوفير المسكن اللائق والصحة والتعليم والمياه والكهرباء بالداخل ومواجهة ومعالجة قضايا الفقر والتخلف الأجتماعي بدلاً من الهروب للخارج، فجنوب السودان زاخرة بالثروات والموارد يمكن أن تجعل منها دولة ناهضة اذا تم أستغلال تلك الثروات والموارد بشكل امثل. 2. محاربة الاقتصاد الريعي الذي يقوم علي الاستيراد والعطاءات والصرافات والعقارات والسياحة والعائد السريع من النشاط الطفيلي (تخزين ، سوق سوداء) وبناء اقتصاد وطني منتج قائمة علي صناعة وطنية واقامة مشاريع زراعية وطنية واستثمار الالاف الافدنة الصالحة للزراعة وتصفية علاقات الانتاج المعيقة للتنمية من أجل أقتصاد يحقق العيش الكريم للمواطن الجنوبي. 3. استخدام الفائض الاقتصادي في قطاع النفط لتوفير الخدمات الحياتية (صحة، مياه، تعليم، كهربا) ومحاربة البطالة والعطالة وزيادة الأجور بتوازن مع أسعار السوق والاهتمام بالشباب والحركة الرياضية وأنشاء الاندية الرياضية والثقافية ودور السينما والمسارح وأقامة مكتبات وطنية. أما بخصوص القوانين والتشريعات لابد أن تكون معبرة عن الحرية والديمقراطية في مفهومها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمصادقة علي كل المعاهدات الدولية لحقوق الانسان، بجانب سيادة حكم القانون وأستقلال القضاء. في أول خطاب للسيد رئيس جمهورية جنوب السودان تحدث الرئيس عن محاربة الفساد والقبلية وأنتهاج الشفافية وسيادة حكم القانون وأقر بالتجاوزات التي حدثت طيلة الفترة الانتقالية متمثلة في سرقة الأموال المخصصة لتمويل المشروعات التنموية وأنشاء المدارس والمستشفيات، الامر لا يتعلق بسرقة وتهريب رؤوس الأموال فقط، فقد انتشر الفساد وشمل جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والادارية وأدي الي جلب مشاريع لا علاقة لها بالتنمية بقدرما لها علاقة بالعمولات والعطاءات وأدي ذلك الي انتشار السماسرة في كل المجالات والذين أصبحوا يشكلون خطراً علي الحياة السياسية والاقتصادية والأجتماعية بأمتلاكهم أموالاً طائلاً وانفاقها علي مظاهر الترف والبذخ فالأقرار والاعتراف وحدها لا تكفي واجتثاث الفساد ومحاربته تتطلب اجراء تحقيقات شاملة وتقديم كل من يتبث تورطه في الاعتداء علي المال العام واستغلال وسوء استخدام السلطة الي المحاكم، ومن الاشياء التي تعمق الفساد وهي من مظاهرها القبلية والمحسوبية والمحاباة داخل دواوين الدولة، فقد شوهت القبلية والمحسوبية المحاباة مؤسسات الخدمة المدنية والمؤسسة العسكرية في الجنوب وتتطلب محاربته مراجعة القوانين وهياكلها وأجهزتها المتخصصة بما يضمن نزاهتها وقوميتها وحيدتها وأستقلالها وكفاءتها بجانب تفعيل أليات الشفافية والمحاسبة لكي لا ترتد النظام الاداري والخدمي الي نظام بدائي عشائري. minag alei [[email protected]]