ذات مشروع .. كنت في حوجه لمهندس مدني جديد ليشرف إداريا ً على أعمال صيانات خفيفة تحتوى علي سباكة وصرف صحي وبلاط . أما العمل الفني .. فقد كنت أديره بطريقة أخري .استوعبت أحدهمٍ .. من قاعة الدرس الى الموقع .. بعد يومين من دخول المهندس إلى الموقع اكتشفت غياب السباك بدون عذر .. ثم إعتذر عن مواصلة العمل .. ( وتحت تحت ) أخبرني أهل الدار بأن المهندس قد أحتد مع السباك وعلت الأصوات .. وبلغت القلوب الحناجر .. وتوكلت على الله واستعنت بسباك أخر. وبعد يومين .. أتصل معلم البلاط رافعاً احتجاجه بأنه لن يدخل هذا الموقع مرة أخرى مادام هذا المهندس فيه .. وبالطبع لم يكن الوضع يسمح بمعالجة مشكلات المهندس على حساب الموقع والمشروع .. وتم الاستغناء عن المهندس بعد إعطائه بعض الإرشادات والتوجيهات في كيفية تطوير الذات .. ويؤسفني أنه لم يكن لدي من وقت ولا مال لتدريبه على ذلك . حسناً .. دعونا نتحدث عن المهندسين .. من الواضح أن أمر تشغيل الخريجين عموماً هاجس يشغل بال الدولة بشدة .. فما تكون من فرصة لمسئول إلا ويتحدث عن الامر واهتمام مؤسسته به .. ثم .. إدارة الصندوق نفسها تتحدث عن أموال طائلة ومحافظ ملياريه تم رصدها بالبنوك لتمويل المشروع والخريجين وثمه مشكلة بسيطة في أمر الضمانات وهى في طريقها للحل ( حسب التصريحات) .. لكني أشك في أمر البرامج وتوفرها والأفكار وفعاليتها لاستيعاب هؤلاء الخريجين. فبوجود كل هذا الإعلام الكثيف .. لم تكن هناك من فكرة ذات بال غير مشروع العيادات الخاصة لتشغيل الأطباء ، وقبلها مشروعات للزراعيين .. وربما كانت هناك مشاريع أخرى ولكنى لم أسمع بها . عموماً .. أمر الفكرة الجيدة والفعالة هو التحدي الذي يواجهه المشروع الآن .. إذ أن المصارف وإن تنازلت عن الضمانات فهي بالطبع تريد الاطمئنان إلى أن أموال مودعيها ستكون في مأمن من الأفكار والمشاريع الفطيرة. والامر كذلك .. فإن لدي ثمة أفكار أرى أنها جيدة وستكون في صالح المهندسين وتشغيلهم، ويؤسفني أن تكون هذه هي الطريقة الوحيدة المتاحة لي في هذا التوقيت لبث هذه الأفكار برغم ما يتوفر من قنوات كثيرة إلا أنها عاجزة عن إستيعاب الامر ومآلاته ، فضلاً عن تبنيه والتبشير به. تصل هذه الكلمات أو لا تصل .. نجعل ذلك لتصريف الأقدار .. وهذا الجهد .. وعليه التكلان. أولاً يعاني سوق العمل عموماً والهندسي خصوصاً من خواء ذهن الخريجين الجدد من المهندسين من أبجديات الوظيفة ومهارات الاتصال الأساسية ، حيث يعجز المهندس الخريج عن كتابة سيرته الذاتية بصورة لائقة .. ويعجز عن التعبير عن نفسه في المعاينات بإقناع .. ويكون خاوي الوفاض تماماً عن اى متطلبات أساسية يمكن أن تتطلبها الوظيفة . ومن ناحية أخرى ترغب بعض الشركات في توظيف مهندسين جدد لهم الحد الأدنى من المعرفة للمساعدة في إدارة الموقع أولا .. ولاختبارهم وتدريبهم للاستيعاب لاحقاً في مشاريع كبيرة ثانياً .. وكل ذلك مرتبط بأوقات محددة .. وبالطبع ليست المؤسسة على استعداد لتعليم المهندس كيف يتعامل مع البشر ، أو كيف يكون واثقاً من نفسه .. مقنعاً لغيره . طيب .. ماهو المقترح .. يستوعب صندوق تشغيل الخريجين دفعات متتالية من المهندسين الخريجين الجدد بتخصصات محددة مدروسة .. كالمدنية مثلاً .. ويعطيهم جرعات تثقيفية عامه من مهندسين متخصصين يحدثونهم عن تجربتهم وكيفية إعداد سيرتهم الذاتية والتعامل مع الآخر وإدارة مواقع التشييد .. ويتم تسويق هؤلاء المهندسين المجهزين لشركات المقاولات بعقود بين الصندوق والشركات تحمل عن كاهل تلك الشركات أمر محكمة العمل لاحقاً والتأمينات وغيرها من التزامات باتفاق مسبق مع تلك الجهات وتنازل المهندس ولفترة محددة .. وظني أن الذي يخرج من الصندوق بتلك المواصفات لن يعود اليه مرة أخري . والتكلفة طبعاً يمكن أن تكون ديناً على المهندس يسدده بعد العمل وهى ستكون قيمة صغيرة على كل حال . ثانياً تعاني شركات البناء والتشييد من شح المهندسين المتخصصين في الأفرع المختلفة كالسباكة ونظم الصرف الصحي مثلاً .. أو تصميم وتنفيذ التوصيلات الكهربائية .. أو نظم تصميم وتركيب أعمال التكييف للميكانيكيين .. وغيرها من الافرع والتخصصات الدقيقة. وكل واحد من هذه التخصصات يمكن أن يكون فكرة لتدريب وتأهيل 200 مهندس أو أكثر في كل تخصص .. وبالطبع يكون تدريباً عملياً بمواصفات قياسية يمكن وضعها بسهولة ثم عبر برنامج التمويل يتم تجهيز هؤلاء المهندسين ( كل على حده ) بالمعدات اللازمة والرخص والمستندات الرسمية التي تمكنه من بداية نشاطه .. ولا ننسي الإعفاء من الضرائب لفترة .. ثم يتم تسويقهم لشركات المقاولات السودانية والأجنبية عبر إتحاد المقاولين السودانيين ليعملوا كمقاولي باطن في مشاريع التشييد .. وأجزم .. بأن كل واحد من هؤلاء من أول مشروع سيسدد كامل التزاماته التمويلية .. بل وسيتم شكر صندوق تشغيل الخريجين من قبل المهندس وشركات المقاولات لهذا العمل الطيب . ثالثاً .. وغيرها من الأفكار التي يمكن أن تستوعب خمسة آلاف مهندس لينتشروا في الأرض .. ويأكلوا من خشاشها . واليه النشور . الأمر بسيط .. وبعض الأفكار يمكن بسهولة تحويلها لأرقام وخطط عمل .. وظني أن بالصندوق القومي لتشغيل الخريجين ما يكفي من مؤسسات لإدارة الأمر .. وملخص كل تلك الأفكار هو وجود مهندس خريج حائر .. خاوي الذهن .. لديه من الطاقات ما يكفى لتفجير جبل .. ولكنه لا يعلم من أين يبدأ . بالمقابل وجود شركات تحتاج لمهندسين كموظفين ومتدربين ، ومقاولي باطن في تخصصات دقيقة مؤهلين بصورة جيدة .. ولا تدري أين تعثر على هؤلاء .. فإذا أعلنت في الصحف تأتيها سير ذاتيه لمهندسين لا يعرفون كيف يكتبونها .. ومثل هؤلاء لا يثق صاحب العمل فى أن يأتمنهم على مشاريع ، الخطأ الصغير فيها يؤدي إلى كارثة قبل أن يكون خسارة . سيدي د . بخاري .. المدير العام لمشروع تشغيل الخريجين .. هل تسمعني .