الجيش السوداني ليس في سباق مع أي جهة    الذكاء الاصطناعى وإرضاء الزبون!    ألمانيا تؤكد صعودها لكأس العالم بفوز عريض على سلوفاكيا    زي جديد تريعة البجا جبل اولياء    الخبير محمد صالح وداعة :حتى لا تظلمو اللجنة الفنية بالاولمبية لم نجتمع بخصوص التضامن والمشاورات اقرب للشخصية    الوكيل بوزارة الشباب والرياضة الاتحادية:دكتور حمد النيل :تم تقليص البعثة من (83) الى (45) فرد والسباحة كانت ضمن الاتحادات المختارة ولكن !    إيطاليا إلى الملحق والنرويج تتأهل    قوات السجون تنظم دورة تدريبية للعاملين في مجال سجلات النزلاء لقوات السجون ولاية الخرطوم    انسحابات للجيش في مناطق بالسودان..خبير عسكري يكشف تفاصيل    حملة بقيادة القائد محمد نور جربو وقادة منطقة الكدرو العسكرية    ابراهيم شقلاوي يكتب: المكتبة الوطنية .. جدلية الحرب والوعي    قناة الجزيرة ... من يختار الضيوف ولماذا … ؟    بنزيما متردد بشأن مستقبله مع الاتحاد    شاهد بالفيديو.. قوات درع السودان بقيادة "كيكل" تسيطر على مدينة "بارا" و "الدراعة" يرسلون رسائل شديدة اللهجة ويتوعدون "الدعامة"    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان الصاعد "يوسف مدني" يواصل إبداعه في تقليد المطربة إنصاف مدني بأغنية "الزول دا ما دايره"    شاهد بالفيديو.. أحد أقارب الممثل مؤيد جمال يفتح النار على الكوميديان عوض شكسبير ويتهمه بإرسال جنجويد لمؤيد من أجل تهديده والتحقيق معه    بالصورة.. صحيفة "الغارديان" البريطانية تهاجم القيادي بمليشيا الدعم السريع "الربيع عبد المنعم" وتؤكد حذف حساباته على منصات التواصل الاجتماعي    شاهد.. ناشطة الدعم السريع الشهيرة "أم أشواق" تنهار من البكاء وتعلن تخليها عن "القضية" ومساندة المليشيا    إسرائيل تكشف رسميا عن خطتها على حدود مصر    "خسرنا بالسحر".. مدرب نيجيريا يتهم الكونغو بممارسة "الفودو"    خالد عمر: تصريحات وزير الخارجية الأمريكي لا تتعارض مع "الرباعية"    شبح شفاف.. مفترق بين الترقب والتأمل    عزمي عبد الرازق يكتب: كامل إدريس .. هل فشل في المهمة؟    زيدان يقترب من تحقيق حلمه    روسيا.. سجن إماراتي 6 سنوات بتهمة محاولة تهريب صقور مهددة بالانقراض    الأولى منذ 7 سنوات.. محمد بن سليمان إلى واشنطن    أمم إفريقيا أول خطوات ليفربول لإبعاد صلاح    شاهد.. "القروش بتخلي البني آدم سمح".. جمهور مواقع التواصل بالسودان يواصل سخريته من المذيعة تسابيح خاطر بنشر صور قديمة لها قبل ظهورها في الإعلام    شاهد بالفيديو.. الفنان المصري سعد الصغير يثير غضب السودانيين أثناء ترحيبه بالفنانة "مونيكا": (أنا أعرف أن السوداني لازم يبقى أسود أو أسمر لكن من السودان وبيضاء أزاي مش عارف!!)    ضربة روسية قوية بصواريخ كينجال على مواقع عسكرية حساسة في أوكرانيا    الالعاب الإلكترونية… مستقبل الشباب في العصر الرقمي    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    إظلام جديد في السودان    تحذير من استخدام الآلات في حفر آبار السايفون ومزوالة نشاط كمائن الطوب    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيرارد برونيي : ما يجري في دارفور هو إبادة جماعية غامضة .. ترجمة ونقل مؤيد شريف
نشر في سودانيل يوم 01 - 06 - 2009

جيرارد برونيي، المتخصص في شؤون إفريقيا الشرقية ومدير المركز الفرنسي للدراسات الاثيوبية ، يُوضح الجذور المتعددة للنزاع العرقي والذي إجتاح الإقليم في غرب السودان منذ قرابة العامين، وتُشير تقديرات المنظمات غير الحكومية أن النزاع خلف 350.000 ضحية .
نقلاًعن كريستوف أياد (إصدارة الكوتيدين(اليومية) السبت 21 مايو 2005
هل هناك إبادة جماعية تجري في دارفور ؟
لقي 350.000 شخص حتفهم منذ أكثر من عامين تقريباً وهذه (الحصيلة) تساوي تقريباً نصف حصيلة ضحايا الإبادة الجماعية التي حدثت في رواندا في العام 1994م ، إلا أن ما تجري في دارفور هي إبادة جماعية غامضة ، فبحسب تعريف الأمم المتحدة للإبادة الجماعية والذي أقرته في ديسمبر من العام 1948م : الرغبة في إزالة كلية أو جزئية لمجموعة من السكان . وفي حالة دارفور فنحن أمام حالة مؤكدة للإبادة الجزئية ، في الوقت الذي فيه كانت أعمال الإبادة (الحقيقة) الموجهة ضد يهود أوربا أو التوتسي في رواندا تتسم باختفاء كامل لمجموعة إنسانية .
بالرجوع لتعريف الأمم المتحدة للعام 1948م : هل دائما كانت الرغبة المتعمدة موجودة ؟
في الحالة الدارفورية قد يكون من المستحيل القطع بذلك . ما أعتقده أننا أمام مشهد لثورة مسلحة (متعارضة) تسربت وخرجت حتى من بين أيدي مفجريها.
هل تتوافر الرغبة لدى نظام الخرطوم في إزالة كل الافارقة في دارفور ؟
لا ، لا توجد .
في المقابل ، توجد رغبة لدى النظام في الخرطوم في قتل أعداد كبيرة منهم ؟
نعم توجد هذه الرغبة. قتلهم حتى يقروا بذنبهم ويَعدِلوا من سيرهم ويخضعوا بفعل إرعاب النظام . وهنا أفضلُ أن أشير الي سياسة (إبادية)، ويجب إعادة الأمر كله الي سياق من السياسات ذات الطابع الإبادي والذي إتخذته الحكومة السودانية في مواجهة الشعوب المتعارف عليها بالغير عربية . والآن وبما أن القتل موجه ضد (الزنوج) ، الافارقة المسلمين ، تبدو الامور أكثر وضوحا : هذه حرب عرقية ، وليست حربا دينية . ما حدث بداية في الجنوب منذ العام 1983م وتواصل في جبال النوبة في سنوات التسعينات وتواصل أيضا في دارفور بداية من العام 2003م . في بداية الأمر ، قتلت السلطة جنوبيين افارقة يعتنقون المسيحية ، وهو ما أعطي الانطباع بأنها حرب أهلية ذات جذور دينية ، وبما أن من يُقتلون الآن ويُستهدفون في دارفور هم افارقة مسلمون 100% ، فإن هذا يدلل ويبرهن علي أن الصراع هو صراع عرقي بين عرب وسود ..
متى وكيف حدث كل هذا في دارفور؟
الاقليم هو إقليم واسع يماثل فرنسا مساحة . شديد الفقر ، ومقصيٌ عن السلطة المركزية . يقطنه الأفارقة والعرب من المسلمين ، وعلي الرغم من حالة الإتحاد الديني وأن أعدادا من المنتسبين للجيش ينحدرون من الإقليم ، الا أن دارفور دائما ما كانت ضحية لتهميش إقتصادي واجتماعي ، وهي حالة تعود جذورها للاستعمار الانجليزي المصري وحتى ما بعد الاستقلال في العام 1956م. فيما يتعلق بالجذور المباشرة للنزاعات فاننا نجد التوترات القبلية وما تنشأ من خصومات بين المزارعين المستقرين والرعاة الهائمين علي وجوههم ، لتأتي مجاعة العام 1948م لتزداد الأوضاع سوء بالاضافة للمعاجات السياسية التي أعقبت إنهيار نظام جعفر نميري ( رئيس الدولة والذي إعتلى السلطة علي إثر انقلاب مسلح 1969م وأطاحت به مظاهرات شعبية 1985م) ، وفي تلك الاثناء وصل الجيش الليبي الي دارفور وهي واقعة لا يطلع علي تفاصيلها الكثيرون ، إذ كانت دارفور محتلةً من قبل الجيش الليبي ولعدة سنوات وبمباركةٍ من رئيس وزراء السودان وقتئذاك الصادق المهدي . وهذا الأخير ( أي الصادق المهدي) كان قد قبض عداً ونقداً ملايين الدولارات من (طرابلس) ، وقد كان لهذه الاموال الأثر الأكبر في العودة به للفوز بالانتخابات المنعقدة في العام 1986م . وفي المقابل ، وجد الليبيون لهم موطئ قدم في دارفور وهدفوا من خلال السيطرة عليها حصولهم علي قاعدة خلفية يمكن الانطلاق منها للاستيلاء علي تشاد ومن ثم قلب نظام حسين هبري . وقد أسس وأقام القذافي فيلقاً اسلامياً يتكون من خليط من السودانيين والليبيين والتشاديين كما وضم الفيلق أيضا عناصر من اللبنانيين أرسلهم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ، وفي تلك الفترة أراد القذافي أن يُعرِبَ دارفور . وقعت دارفور في مجاعة شديدة الوطأة مخلفة 90.000 من الضحايا كما وتسببت في استئصال ثلاثة أرباع الثروة الحيوانية ، في الوقت الذي كان فيه الصراع علي المراعي ومصادر المياه بين العرب الرعاة والقرويين الافارقة مستعرا ، لتفعل الدعاية الليبية في النزاعات فعلُ الخل في الجرح المفتوح ، وتشتعلُ حرباً أهلية خلفت 3000 قتيلاً . ووضعت الحرب رحاها في العام 1989م قبيل انقلاب الاخوان المسلمين المسلح واستلامهم للسلطة في السودان بقليل ..
كيف اشتعل النزاع ؟
استفاد الاسلاميون في بداية عهدهم من حالة الهدوء التي اتسمت بها الأوضاع في دارفور ، فعملوا خلالها علي دعم وحمل الرئيس الحالي ادريس ديبي الي السلطة ليسيطر علي انجمينا في العام 1990م لتتم عملية توطين ل(حرب عصابة) ديبي في دارفور . ساد الهدوء لسنتين أو ثلاث سنوات ، وفي العام 1992م إنتبه أحد منتسبي الإخوان المسلمون والعائدة أصوله لقبيلة الفور (وهي واحدة من الاثنيات الافريقية الرئيسية في دارفور بالاضافة الي الزغاوة ) والذي كان يدعى داؤود بولاد ، إنتبه أنه كان زنجيا قبل أن يكون مسلما ، وقد شرح هذه الفكرة من خلال خطابات مؤثرة ومؤلمة وجهها لأسرته ، وقد مُكنتُ من الاطلاع علي هذه الخطابات ، وقد حكى أنه في المسجد من غير المسموح له شغل أماكن معينة فقط لانه أسود . وأطلق داؤود بولاد ثورة ، وبشكل سريع تم توقيفه وجلبه الي الخرطوم وتعذيبه حتى الموت . هذه القصة والتي يجهلها الجميع خارج السودان ، خلفت آثاراً خطرة ومرارات عميقة في دارفور (والتي تعني حرفيا "أرض الفور" ) . وفي الاثناء ، شكل الفور (الاثنية التي ينحدر منها داؤود بولاد ) نصف قوة الجيش السوداني الموجه لقتال المتمردين الجنوبيين . وفي أعقاب موت بولاد ، حدثت "انكفاءة هويوية" قوية وبدأ جيلٌ جديد يتهيأ للعصيان والثورة . هذه الاجيال الجديدة إستطاعت أن تتحصل علي المال من خلال (الدياسبورا)(المهاجرين) الفور . وتأخرت إشتعالة الثورة ؛ ففي السودان كل شيء يتقدم ببطء شديد . وفي العام 2000م ولدت جبهة تحرير دارفور والتي تحولت سريعاً لحركة تحرير السودان بهدف تثبيت الصفة القومية بدلاً عن الصفة الاقليمية المحلية المتصلة بمطالباتهم لاقليمهم فقط .. في فبراير من العام 2003م انتقل الشبان الي مرحلة الفعل لتتكون حرب عصابات لا نطاق لها وحرب عالية المستوى ، ومن دون ، تقريبا ، توفر أي دعم خارجي لهم ،الا بعد الانتصارات التي حققوها علي الجيش الحكومي حيث جاء الاريتريون والليبيون والتشاديون ومن المحتمل أيضا الاسرائيليون ،جاءوا جميعهم لدعم التمردين ، غير أن إنطلاقتها كانت حرب عصابات أهلية وداخلية ..
كيف نفسر العنف الذي إتسم به رد الفعل الحكومي ؟
ترى السلطة أن ثوار دارفور هم أشد وأكبر خطرا من المتمردين الجنوبيين المسيحيين المنضويين تحت قيادة جون قرنق ؛ فدارفور عندهم هي نوع من المساكن المشرعة والتي تصلُ وتقفُ عند قلب السلطة في الخرطوم . وقبائل دارفور هي حاضرة بقوة في النسيج الاجتماعي ، وفي الوزارات وغيرها من الاماكن ..... ، إذ أن التمرد في دارفور يعلم بكل الذي يجري في الخرطوم ؛ وهذا يُخيف ويُرعب النظام الاسلامي في السلطة ، علي النقيض من حالة الجنوب حيث أن دارفور ليست (زائدة) استعمارية أُلصقت إلصاقاً بالشمال العربي المسلم ، فهناك اندماج داخلي اجتماعي ذو دلالة ، خاصة فيما يتعلق بالزواج بين من ترجع أصولهم لغرب السودان (وأولاد البلد) "وهي تسمية ذات دلالة يطلقونها علي انفسهم" ولكنهم في حقيقة الامر عرب وادي النيل وهم يمثلون طائفة تقل بقليل عن ال 30% من مجموع سكان السودان ويعيشون في مثلث تحدُه الأُبيض غرباً ، وكوستي جنوباً ، القضارف شرقاً وعطبرة شمالا . وفي وسط هذا المثلث يوجد السودان المُفيد ، سودان المال ، حيث يوجد الاطباء ، البنوك ورجال المحاماة . وعلي هذا السياق ، نجد أن الإخوان المسلمين الآنيين والمسيطرين علي السلطة ليسوا سوى تجسد أخير لسيطرة مجموعة الاقلية لعرب وادي النيل ، فكان عليهم واجب المحافظة علي هذه (الزبائنية) علي الرغم من عدم حبهم ورضائهم عن المجتمع التقليدي في الشمال ، وقد كان إحساس الشمال بالاسلاميين شبيهاً باحساس الطبقة البرجوازية الكبيرة في المانيا تجاه النازية ؛ بمعنى يمكن معاشرتها . ومن هنا جاءت فرضية أن يتعهد الاسلاميون تماما بالدفاع عن مصالح (أولاد البلد) ، أما الآخرون ، والذين هم ليسوا ب(أولاد البلد) فهم من (ظلامات الخارج) أو هكذا أفترضُ .
هل يواجه السودان خطر الانفجار ؟
فيما لو تفجر السودان ، فانه عائد لحالة من الالتئام لا محالة ، وإعادة التركيب . وفي إعتقادي أن للسودان مستقبل ، وقبل وقت بعيد ، منذ العام 1989م ، كتبتُ أن التسوية الحقيقية للحرب الأهلية المندلعة بين الجنوب والشمال ستحدث عندما نخرج من حالة المواجهة وجهاً لوجه القاتلة بين المسلمين في الشمال والمسيحين في الجنوب لاسيما وبفضل دخول (العرض) الثالث والذي كان مطمورا او مخفيا : ان المسلمين هناك ليسوا عربا . واليوم انتقلت هذه الحالة لتشمل البجا في الشرق وهم أيضا رفعوا السلاح حتى يتمكنوا من الجلوس علي طاولة التفاوض . في السودان ، صار الكلاشينكوف هو مفتاح الدخول : وكل من يفتقده سوف لن يكون مدعوا ، وحتى وإن دُعي فانه سيكون في آخر الطاولة ، ودلل علي ذلك إتفاق السلام الأعسر والموقع في نيروبي بين النظام وحركة التمرد في الجنوب والتي يتزعمها جون قرنق ، هذا الإتفاق مأسس لسيطرة الإخوان المسلمين والجيش الشعبي سوية ومعا في الوقت الذي يمثلوا فيه مجتمعيّن أقل من نصف البلاد ..
هذه الحالة الدائمة من الحرب الاهلية ؛ هل يمكن أن يفسرها إتساع السودان؟أم التفسخات الإثنية والدينية؟ أو إشكالية إقتسام الثروة والبترول خاصة ؟
ليس هناك مفتاح معين واحد يمكن الدخول من خلاله للأزمة ، وجميع الأسباب السابقة يمكن ان تكون حقيقية ، وغيرها أيضا من الأسباب . وبالعربية السودانية ، يطلقون علي السودان تسمية (لحم راس) (راس الخراف) بسبب تكونه من سبعة أو ثمانية أجزاء ، ولكل جزءٍ مذاق وتكوين مختلف جدا عن الأجزاء الاخرى . هذا هو السودان ، إذ ليس هو (ترقيع) إثني فحسب ، بل وثقافي أيضا ، لغوي وتنوع آخر خاص بطرائق العيش وأنماطه ، حيث يوجد فيه عرب ينزعون للإستقرار ، وآخرون للزراعة ، وبعضهم رعاة أهل جِِمال لا يعرفون الهجوع والاستقرار ، وإذا ما إستثنينا سلالات الأقذام ، فبالإمكان إعتبار السودان صورة مصغرة من أفريقيا . ومن جانب آخر فإن قضية الثروة فيه هي مسألة سابقة وأكثر قدماً من مسألة البترول ، وفي لحظة الاستقلال 1956م تركزت في ( المثلث المبارك ) 80% من الوسائل والامكانات ، وفي بلاد بحجم وإتساع السودان . واذا ما غابت وسائل إلادارة الجغرافية واللوجستية لهذا الاتساع والتنوع ، فالخطر في تفجر الاوضاع يظل قائما ، وبالرغم من ذلك ، فان دارفور والتي لم تكن جزء من السودان الا في العام 1916م،ليست بها نزعات إنفصالية بسبب واقعية أهل دارفور : فهم يعلمون بأن أرضهم منحشرة جغرافيا ، وكل ما يطمحون فيه هو جزء معقول من الكعكة القومية . اذن ، ويا للمفارقة ، اعتقادي أن السودان بلد قابل للحياة ، وبعد كل الذي جرى ، في الوقت الذي ير فيه كثير من الناس أن الولايات المتحدة الاميريكية لم تكن بلادا قابلة للحياة في العام 1860م.
كيف يمكن تفسير التراخ الذي يعتري أدوار المجتمع الدولي تجاه ما يحدث في دارفور ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.