الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة رئيس حزب الأمة الإمام الصادق المهدي أمام المؤتمر الاقتصادي القومي
نشر في سودانيل يوم 27 - 11 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
المؤتمر الإقتصادي القومي الذي ينظمه حزب الأمة القومي
بالتنسيق مع ممثلى القوى السياسية
27 – 29 نوفمبر 2011م- دار الحزب
كلمة الإمام الصادق المهدي
سيدي الرئيس، أخواني واخواتي أبنائي وبناتي
السلام عليكم ورحمة الله، وأرجو أن نقضي أياما نستطيع فيها الوصول للحلول المطلوبة لاقتصاد الوطن.
حالة الاقتصاد السوداني كابوس لو رأيناه في المنام فزعنا.
كل مخلص لهذا الوطن ومحب لأهله يهيم معنا في مقولة:
خيالك في عيني وذكرك في فمي ومثواك في قلبي فأين تغيب؟
يقوم الاقتصاد على قواعد أهمها قاعدتان: الانتاج الوافر، والتوزيع العادل. وهما مطلوبان لصحة الاقتصاد كما أثبتت ذلك التجربة الإنسانية بل أوجبت نصوص الوحي: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [1] أي جعلكم عمارها، ومقولة: السعي في الكسب المعيشي جهاد، والآيات (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [2]، ومقولة ما جاع فقير إلا بما شبع غني. الكفاية والعدل هما ركنا السلام الاجتماعي، كما قال رجل دولة أمريكي: المجتمع الذي لا يستطيع إشباع الأكثرية الجائعة لن يستطيع حماية الأقلية المترفة. إن الذي أوصل بلادنا إلى حافة الهاوية أمران: تراكم سياسات خاطئة، وطامة انفصال الجنوب.
هذا المؤتمر منبر قومي هدفه إجراء تشخيص موضوعي للحالة الاقتصادية وتحديد معالم روشتة العلاج، وسوف يتضح أن الحالة استثنائية تتطلب إجراءات استثنائية معالمها:
أربعة انقلابات مدنية ضرورية:
انقلاب اقتصادي في الهياكل والسياسات الاقتصادية.
انقلاب اجتماعي يواجه الفوارق التنموية الجهوية، ويواجه الفقر، ويقيم الرعاية الاجتماعية في مجال الصحة، والتعليم، ومياه الشرب، و يواجه العطالة.
نهج جديد في علاقتنا الدولية يقيمها على أساس العدالة واحترام حقوق الإنسان.
ونهج سياسي يحقق دعما قوميا لأجندة الخلاص الوطني هذه ويوفر دعما شعبيا قويا لها.
إن أية إجراءات دون هذه المناهج لا تسمن ولا تغني من جوع.
فيما يلي نحدد معالم الخلاص لاقتصاد بلادنا:
أولا: النظام الذي استولى على حكم البلاد بحجة إنقاذها التزم بأولويات ثلاث هي الحماية، والدعاية، والتمكين لتحقيق شرعية مصنوعة، لذلك كان أداؤه في السنوات العشر الأولى متدنيا في كل المعايير، في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي ووسع فجوة عجز الميزانية الداخلي والخارجي وأبطل الرعاية الاجتماعية، واتخذ نهجا خاطئا لسد العجز المالي ببيع الأصول العقارية، قالوا:
إنقاذنا شعارنا العالي بيرفع
والعالم كله بيسمع
فلنأكل مما نزرع
ولنلبس مما نصنع
وقال لسان الحال:
كيف ناكل مما نزرع
وفلان داك لزرعنا بيقلع
وكيف نلبس مما نصنع؟
والمصنع ذاتو مشلع
ولو داير زول يتوجع
يجينا يشوف البفجع
ثانيا: في العشر سنوات التالية أفلح في إنتاج وتصدير البترول وحقق تطورا في البنية التحتية في الطرق، وخزان مروي، وفي الاتصالات الحديثة، ولكن المؤسف أن هذه الإنجازات لم تكن تمول من إيرادات البترول بل بزيادة أعباء الدين الخارجي. وفي أمر الخزان اتخذ نهجا أمنيا سلطويا على حساب مصالح سكان المنطقة، كما أنه قلب أولويات تشييد الخزانات دون مبرر موضوعي. ولو أنه تعامل مع إيرادات البترول كما فعلت بلدان أخرى في التعامل مع إيرادات الموارد الطبيعية كما فعلت بتسوانا مثلا أو النرويج لحقق فلاحا كبيرا. كان الواجب الدعوة لملتقى قومي لشورى واسعة لوضع برنامج للانتفاع بإيرادات البترول لتوجه للبنية التحتية، والمدخلات الزراعية، والصناعية، وتأهيل كافة المشروعات الاستثمارية، وسداد دين البنك الدولي، والصندوق. ولكنه انفرد بنهج آخر أبطل نعمة البترول أهم معالمه:
توسع إداري مبرراته تمكينية وليست موضوعية، مفرداته:
- الولايات من 9 إلى 25.
- المحافظات من 19 إلى 121.
- المحليات من 240 إلى 531.
- وضاعف الصرف عليها أضعافا مضاعة بلغت 18 ألف في المائة.
الصرف على القوات النظامية تضاعف سبع مرات في نفس المدة.
ولم يكن التعامل مع مال البترول منضبطا فأثرى سياسيون كانوا معدمين، وحلت آلات الضبط الوزاري المعهودة (الأشغال، المهمات..الخ)، وتكاثرت الشركات الخصوصية التي لا هي قطاع عام ولا قطاع خاص، ووثق المراجع العام للاختلاسات عاما بعد عام، تجربة صحت فيها مقولة لويد جورج إذ قال: هنالك حبل سري واصل بين أموال النفط وجيوب مديريه.
ثالثا: 75% من البترول جنوبي وأدت الإدارة الاقتصادية لاعتماد الميزانية الداخلية في حدود 40% على إيرادات البترول، والميزانية الخارجية في حدود 68%. هنالك صعوبات في سد هذين العجزين الآن ما سوف يؤدي داخليا إلى مزيد من التضخم (الاقتراض من الجمهور كشهامة وطبع المال وهي إجراءات تضخمية) ومزيد من سعار الأسعار (التي صارت الآن لا تطاق)، وإلى تدنٍ مستمر في قيمة العملة الوطنية (اقتراض مستمر من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاستدانة من الخارج بشروط ميسرة). ومع أن المؤشرات الموضوعية كانت تدل على رجحان كفة الانفصال، ومع حقيقة أن النفط مورد غير متجدد وأن إحلال الوارادات بالإنتاج المحلي سياسة اقتصادية رشيدة؛ فالحكومة أضاعت كل الفترة الانتقالية البالغة ست سنوات، كانت تحظى فيها بالشرعية الدولية وتنعم بعائدات البترول، ولم تفكر في بدائل بترول الجنوب إلا بعد أن صار الانفصال واقعا وتطلب الآن من الشعب السوداني الصبر لثلاث سنوات حتى تثمر البدائل! هذا خلل كبير أدت إليه سياسة التمكين الاقتصادي للحزب الحاكم وإغلاق دائرة المال لصالح المحاسيب، وسبب آخر تشي به تسريبات بعض المصادر أن الأمريكان وعدوا قيادة المؤتمر الوطني في مفاوضات السلام بألا يحدث انفصال (والحقيقة الأسرة الدولية لا تريد تمزيق الدول التمزيق الذي حدث نتيجة لسياسات خاطئة وقفوا ضد انفصال كاتنقا وضد انفصال وكانوا يقولون إنهم ضد انفصال الجنوب ولكن أدت إليه السياسات الطاردة). وفي نهاية الأمر بدلا عن التخطيط المتبصر بالمآلات الوشيكة، اتخذ أعوان النظام نهجين متناقضين: نهج حالمين يؤكدون حتمية الوحدة، ونهج حاقدين يسيئون الجنوبيين ويرون صلاح البلاد في نبذهم، نهج الانتباهة!
ولكن دعك من أحاديث الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فإن على مؤتمرنا هذا أن يوثق موضوعيا للحالة الاقتصادية الراهنة، ولمآل إيرادات البترول، ولآثار انفصال الجنوب توثيق شاهد على العصر.
رابعا: إن للسودان مصالح مع المجتمع الدولي أهمها:
السعي لإعفاء الدين الخارجي ضمن مبادرة الدول الأفقر والأكثر مديونية (HIPC).
الدعم التنموي كما في اتفاقية كوتنو مع الاتحاد الأوربي.
العدالة المناخية وما يستحق الدول من تعويض الملوثين للمناخ، في مؤتمر كوبنهاجن العالمي للبيئة في عام 2009م أقروا مبدأ العدالة المناخية لتعويض ضحايا التلوث، وفي منتدى مجلس المياه العربي الثاني في القاهرة الأسبوع الماضي تقرر تبني المجلس متابعة تنفيذ ذلك الالتزام واقتراح وسائل الانتفاع به.
رفع العقوبات الاقتصادية.
تحقيق تعامل تجاري يفتح للسودان أسواقا خارجية وينظم الاستيراد.
من أهم ما يتطلع إليه في هذا الصدد هو إيجاد دعم مالي وفني لمشروع تخضير السودان (في الديمقراطية كان عندنا مشروع مع فنلندة لتخضير السودان وانتهى والآن نفكر في تريليون شجرة لتخضير السودان) والتوسع في استخدام الطاقة الشمسية لكافة الأغراض لا سيما الأغراض المنزلية.
خامسا: المطلوب لمواجهة التحديات الاقتصادية:
هيكلة جديدة تتخلص من الورم في المصروفات الإدارية وعلى الفئات النظامية لصالح أجندات: التوازن التنموي الجهوي (وهو الآن جزء من حركة مطلبية واسعة تنادي بإنهاء التهميش وتقتضي مراجعة التخطيط التنموي لمواجهتها)، والتوازن العدالي الاجتماعي.
ينبغي إعطاء أولوية قصوى لتأهيل المشروعات الزراعية، والصناعية، ودعم الاستثمار الوطني والأجنبي.
نعم لآلية السوق الحر ولكن ينبغي ترشيده بالأجندة الاجتماعية، سوق حر بوجه آدمي لا متوحش.
مراجعة السياسات المسماة إسلامية فالزكاة الآن أشبه بجباية بعيدة من مقاصدها العبادية والاجتماعية، والمصارف المسماة إسلامية تتبع نهجا أكثر انحيازا لرؤوس الأموال، نهج استغلالي، إن مقولة سعر الفائدة المنضبط كما أوضحنا أقرب لمقاصد الشريعة من صيغ المرابحة والسلم فهاتان للتجارة لا للاقتراض الذي يحقق المرونة للمستثمر. المطلوب مراجعة لهذه المناهج تتفق مع مقاصد الشريعة ومع مصالح التنمية. كثير من الفقهاء الذين يعتمد عليهم في الفتاوى المتخذة هم فقهاء "برة الشبكة"، غير مدركين لمقاصد الشريعة الحقيقية ولا للاقتصاد الحديث. سعر الفائدة وهو آلية للاقتصاد الحديث يتحدثون عنه باعتباره الربا، ولا يمكن قياس سعر الفائدة على الربا مع عدم ثبات قيمة العملة كما كان الذهب والفضة في الماضي، وكان الاقتراض فرديا بين مقترض ومقرض يضغط عليه ويستغله، لكن الاقتراض الآن مؤسسي قائم على شروط معينة وهو ضروري للتنمية؛ وفي الماضي لم يكن هناك أساس لادخار مؤسسي واقتراض مؤسسي كما هو موجود في النظام المصرفي الحديث. وهم في فتواهم غير ملمين بمقاصد الشريعة إذ الربا كما قال فقيه ملم بالمقاصد كابن العربي هو كل كسب يزيد عن كسب المثل، فهو يتحدث عن الربا كظاهرة ظلم اجتماعي وفوارق اجتماعية، لا كمعاملة بين مقترض ومقرض فحسب.
ينبغي أن يشرف على هذا البرنامج الاقتصادي الجديد مجلس تخطيط قومي اقتصادي يضع حدا للتخبط الحالي. (كل مرة يقولوا لينا عشرية تمر بدون تحقيق أيا من أهدافها ثم يقولون ربع قرنية وهذا كلام فارغ).
خامسا: هذا النهج الاقتصادي الجديد برافديه الاجتماعي والدولي يتطلب نهجا سياسيا جديدا يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.
ينبغي وقف الحروب التي تعددت جبهاتها بسلام عادل معالمه واضحة.
وينبغي التخلص من حالة التوتر في العلاقات مع دولة الجنوب بتوأمة تحقق مصلحة البلدين. (الشمال يستطيع تمدير دولة الجنوب والجنوب يستطيع ذلك هذه المراشقة الصفرية ينبغي انهاؤها تماما).
أما استمرار النظام الحالي بهياكله وسياساته الحالية ومحاولات تلميعه بمشاركات زخرفية فهو نهج مجرب وفاشل يقول لسان حال الوطن لأصحابه: (عفوا لقد نفد رصيدك). وأقول في هذا المجال النظام الرئاسي السلطة التنفيذية فيه مركزة لدى رأس الدولة والوزراء مجرد وكلاء وسكرتيرين، خصوصا مع حالة السلطة التشريعية التي فيها برلمان بصمجي لا يعرف كلمة (لا) في قاموسه، الإصلاح لا سبيل إليه ما دامت السلطة التنفيذية والتشريعية ساكنة في مقامها لا تتحرك ولا تتبدل يصدق فيها قول المغني: غيب وتعال تلقانا نحن يانا نحن.
إنها مقولة يدركها كثيرون حتى داخل النظام ولا يحميها إلا العناد والانفراد والمكابرة. فبعض أهل النظام يدركون ذلك ولكنهم في مقام: لا يطاع لقصير أمرٌ.
إن بعض القوى تستعد لمنازلة النظام عسكريا فإن أخفقوا أو نجحوا فالبلاد ستواجه مزيدا من الفتنة والتمزق. ويسعى شباب يستلهمون تراث الانتفاضة السوداني والربيع العربي يرفدها حال البلاد المأزوم، انتفاضة استعد النظام لمواجهتها ما يرشح البلاد كذلك لمزيد من الانقسام، وكلا النهجين المسلح، والانتفاضي، وارد ما لم تجر طفرة استباقية تحقق المقاصد الشعبية.
نحن نسعى لتحقيق هذه الطفرة الاستباقية عبر:
ميثاق وطني يحدد أجندة الخلاص الوطني.
التفاف القوى السياسية والمدنية في البلاد حول هذا الميثاق.
تعبئة شعبية واسعة تأييدا لهذا الميثاق.
برامج حركية لتحقيق هذه الأجندة الوطنية.
بعض الناس لا يفرقون بين الإستراتيجية والتكتيك. الاستراتيجية تحكمها المبادئ ولكن التكتيك يراعي الواقع، لذلك نحن ننتهج استراتيجية واضحة وعازمة وحازمة وتكتيكا مرنا، إنه نهج الأنبياء وسائر الفاعلين في مسار التاريخ.
هذا نهج اتبعته القوى السياسية في كثير من بلدان أمريكا اللاتنية كما أوضحت السيدة ميشيل باشيليه جيرا رئيسة تشيلي السابقة، اتبع في تشيلي وفي الأرجنتين وفي البرازيل بكفاءة عالية، إنه طوق النجاة للوطن وإلا فالبلاد قد تقع في أتون حرب شاملة لأن الاحتراب الحالي سيقود إلى ذلك ما لم تحسم أسبابه، كل هذه المسائل موجودة الآن في شكل جنيني سيكبر إذا لم يحسم. ومثلما أدت اتفاقية 1972م إلى حرب أخطر في 1983م يمكن أن تؤدي اتفاقية 2005م لحرب أخطر وأشمل.
سادسا: الانقلابات الأربع في مناهج الحوكمة في السودان المذكورة أعلاه، ضرورة لخلاص الوطن بل ولتمكينه من دور رائد يليق بتاريخه من مروي للبقعة (في العاصمتين كان السودان يلعب دورا محليا ومشعا عالميا). دور:
في المجال العربي ينطلق من أن تقسيم الموارد الطبيعية، والكثافة السكانية، والجوار، والوحدة الثقافية في العالم العربي توجب تكاملا عربيا يجسده وعاء سياسي يمكن أن توفره الصحوة الشعبية التي هبت مع الربيع العربي.
وفي المجال الأفريقي فإن رابطة حوض النيل، والصحراء الواصلة، والأسواق المتبادلة، والفرص الاستثمارية المتاحة لمنافع تكاملية توجب علاقة خاصة عربية أفريقية يرجى أن تكون توأمة الشمال السوداني والجنوب نموذجاً لها. كانت مبادرة حوض النيل مبادرة حميدة لتحقيق الوفاق لكن بسبب بند واحد مختلف عليه امتنعت حكومتا مصر والسودان من التوقيع عليها. هذا نهج خاطئ وقصير النظر يجب التوقيع الفوري لتجنب استقطاب مقيت وتناقش المسائل داخل المفوضية المقترحة ومعلوم أن الجميع يلتزمون بخمسة مبادئ هي الأساس لتوقع نتائج إيجابية في هذا الحوار ومناقشة المختلف عليه داخلها:
o الاستخدام العادل لمياه الأحواض المشتركة.
o عدم إحداث أذى جسيم لأية دولة.
o أن يخطر من يقدم على مشروع مائي الآخرين قبل الشروع.
o مراعاة سلامة البيئة.
o التزام النهج السلمي ونبذ الانفراد والعنف.
عايش السودان تجارب ثرة بكل الفكرويات ونظم الحوكمة لا سيما الإسلامية وهو مؤهل إذا أدرك دروس تجاربه أن يبشر بأن الإسلام يعزز مفاصل حقوق الإنسان من كرامة، وعدالة، وحرية، ومساواة وسلام ما يمكننا من دحر رؤى الانطواء والانكفاء النافية للآخر الممهدة للفتنة واستجلاب الغزاة. هؤلاء يعتقدون أن التفكير والتكفير مترادفان مع أن القرآن كله يحض على التفكير، كذلك يقول تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) ونظريتهم بالولاء والبراء أن تحارب كل أهل الملل الأخرى خطأ كبير وفتنة تجلب إليك الغزاة. إننا نسعى الآن في إطار عالمي لعقد ملتقى يجيب على سؤالين الأول: ما تعني المرجعية الإسلامية لمجتمع مدني حديث؟ والثاني: ما هي الدروس المستفادة من التجارب المعاصرة في هذا الصدد؟ وهنا أود أن أحيي التجربة التونسية وقد انطلقت من ثلاث وثائق أساسية وصلت إليها القوى الإسلامية والعلمانية واتفقت حولها حتى قبل نجاح الثورة. الوثيقة الأولى حول المساواة بين الرجل والمرأة والثانية حول حرية الضمير والثالثة وثيقة تحمي حقوق المواطنة، هذه الوثائق صارت الممهد الحقيقي للذهنية الحالية في تونس، وبعد الانتخابات انطلقوا في عمل مفيد قائم على اعتماد المواطنة وهي تجربة سبقتها تجارب كالماليزية ولكنها رائدة في تجارب الربيع العربي وينبغي الاقتداء بها. أما في السودان فإن الذين يعتقدون أن هذه الحركات تصب في صالحهم فإنها في حقيقة الأمر تضع مسافة كبيرة بينهم وبينها لأنها تعمل على استصحاب الوثائق التي وضعتها والمتناقضة مع التجربة السودانية. فالتجربة التونسية تجربة عظيمة ومعانيها مطلوب استصحابها. إن الموقف في كل المنطقة يواجه استقطابا إسلاميا علمانيا، وآخر أوسع: استقطاب سني شيعي، فإذا لم نتحرك بوعي وكفاءة وفكر وفاقي فإن المنطقة كلها سوف تحترق.
عالم اليوم قرية متصلة ولا سبيل لأي بلد أن يعيش كواحة معزولة. في لقاءاتنا مع قيادة الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ناشدناهم أن يدركوا أن نهج الحل المبتسر للشأن السوداني فاشل ودورهم فيه فاشل، ولا يجوز معه إلا دعم النهج القومي الشامل.
وفي ملتقى نادي مدريد في نيويورك أوضحنا أن صحوة الشعوب العربية تتطلب علاقات دولية جديدة تقوم على الندية والعدالة. هذه التوجهات الحميدة يمكن للسودان أن يقوم بدور مهم فيها إذا استشرف فجرا جديدا.
أعداء السودان يعملون بكل السبل لتمزيقه، (إسرائيل تريد تمزيقنا لأن ذلك يمكن لأمنها القومي) والسياسات الفاشلة في إدارة التنوع وفي التعامل الواعي مع المجتمع الدولي مكنتهم من تحقيق بعض أهدافهم (ومن العداوة ما ينالك نفعه ومن الصداقة ما يضر ويؤلم)، وسوف تمكنهم من تحقيقها كما يشتهون، ولكن يمكن للسودان أن يفاجأهم بإعادة اكتشاف نفسه في ميلاد جديد فإنه (لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) [3] وصحوة الوعي تعدّل مسارات التاريخ كما قال كارل ماركس.
بعض الناس يقولون إن السودان محصن من الربيع العربي. السودان يواجه احتمال هبباي فالاحتجاج والممانعة والعصيان يغلي في أركان البلاد الأربعة: جنوب وشمال وشرق وغرب. وفي تجمعات السودانيين في بلدان المهجر غليان مماثل. هذه الظواهر لن تكبت عسكريا وما لم يجر الحل الاستباقي فإنها سوف تعم.
سابعا: الميثاق الوطني هندسة سودانية لنظام جديد يقوم على البناء لا الهدم ويجسد تطلعات شعبنا المشروعة لبناء وطن يسع كافة سكانه. هذا المؤتمر يرجى أن يشخص الحالة الاقتصادية بكفاءة موضوعية ويرفد الميثاق الوطني بمعالم برنامج اقتصادي لا يتردد أي وطني مخلص في تبني توصياته.
إن للاقتصاد دورا مفتاحيا في السلام الاجتماعي، وأمريكا اليوم تغلي بسبب الإخفاقات الاقتصادية الاجتماعية. وفي أوربا أدى الإخفاق الاقتصادي إلى ظاهرة جديدة هي طرد الساسة باعتبارهم فاشلين في الإدارة الاقتصادية واختيار رؤساء للوزارات من الخبراء الاقتصاديين. حدث هذا في إيطاليا، وفي أسبانيا، وآيرلندا، والعجلة تدور.
ختام: تدمير السودان بأيدي أهله وتآمر أعدائه ممكن، وخلاص السودان بأيدي أهله وأخيار العالم وارد، وسوف نعمل بكل الوسائل ما عدا العنف للخلاص الوطني، ونؤمن إيمانا مطلقا أننا مهما تعثرنا فالنصر لشعبنا، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [4].
والسلام عليكم ورحمة الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.