في وقت متأخر من مساء كل يوم، يلملم جزارو السوق المركزي أمتعتهم وأدوات عملهم، فألات القطع والتعليق من سكاكين وسواطير وخطاطيف، عند نهاية دوامهم تُجمع مع اتساخها بدم وفضلات اللحوم، في أدارج المجزرة على أمل أن تعاد بها الكرة مرة أخرى في اليوم التالي. حيث يرى الجزار (ودبري) بسوق الخرطوم المركزي، أن لا مشكلة في صنيعه القائم على استخدام ذات الأدوات المحفوظة في المجزرة بأوساخها ما دام أن اللحوم في الجزارة نيئة، وبمقدور النار عبر طهيها أن تزيل عنها كل جرثوم أو خطر محدق. كما ويشد انتباه المتسوق في جزر السوق المركزي بالخرطوم، أن الجزارين يعمدون إلى استخدام جزع شجرة كبيرة يُطلق عليها (قُرمة)، تقطع عليها اللحوم بواسطة الساطور، والغريب أن هذا الجزع يظل متسخاً وذا رائحة كريهة بسبب احتفاظه ببقايا اللحوم المتراكمة ما دامت الجزارة تعمل في بيع اللحوم دون أن يجود عليه الجزار بتنظيفها. سلوك شائع يؤكد الشاب محمد حسن، وهو يعمل مع أحد الجزارين بالسوق المركزي "أنه مع صباح كل يوم نقوم بتدهين -القُرمة- بدهن اللحوم الجامد ونبدأ العمل"، بهذه الطريقة التي يظن الجزارون أنهم في مأمن من اتساخ وتلوث لحومهم، ويتعاملون مع سلعة اللحوم التي تعتبر من أكثر المواد الغذائية تعرضاً للتلوث، فيبقى دهن جزع الشجر (القُرمة) التي تقطع عليها اللحوم سلوك شائع عند الجزارين بصورة مستمرة وروتينية دون أن يفتح الله على أحدهم بغسلها وإزالة بقايا اللحوم منها كل صباح، أو استبدالها بلوح مصنع من مواد اخرى يمكن أن يستجيب للنظافة، بعكس الخشب الذي ربما تختلط الأخشاب الصغيرة منه باللحوم بفعل ضربها وتقطيعها بالساطور، وبعدها يستقر في أمعاء من أكلها بعد الطهي. أما بابكر محمد صاحب جزارة بالسوق المركزي الخرطوم، يرى أن الاهتمام بالنظافة أمر حتمي تميليه عليه ظروف العمل، مادام أنه يسترزق من هذه المهنة، مؤكداً حرصه على تنظيف الأدوات مرتين في اليوم، عند الصباح الباكر قبل بدء البيع وعند نهاية العمل، وتعيين عامل وحارس متواجد على الدوام في المحل للحراسة والنظافة معاً، مبيناً أنه يتم غسل جميع أدوات العمل، الشنكل والسكاكين، وتنظف "القُرمة" بالملح لقتل الجراثيم، وكذا الأمر بالنسبة للأراضي والحوائط التي تنال حظها من النظافة، وإزالة الدماء وبقايا اللحوم منها، و أشار إلى غسل الأرضية بمطهر الديتول. ويؤكد بابكر أن اللحوم السليمة، هي لحمة ذات رائحة طيبة، وملمس متماسك، في حين أن اللحم الفاسد ذو رائحة كريهة وملمس رخو ولون أحمر قاني، وتكون شكل اللحمة أقرب إلى شكل خيوط الغزل. لحوم ملوثة وأوضحت خبيرة التغذية د/ أماني عبد الله ، أن التعامل مع اللحوم بطريقة فيها من عدم اللامبالاة مع النظافة، كاستخدام الجزوع الخشبية المتسخة المتجمعة عليها اللحوم، واختلاط اللحم المراد بيعه بأوساخ وقطع الأخشاب الصغيرة، وعرض اللحم في الهواء الطلق وتعرضه للغبار وعوادم السيارات، من شأنه أن يسبب الأمراض نتيجة لتواجد جراثيم وبكتيريا ضارة بصحة الإنسان، وتبين أماني أن هنالك نوعين من الملوثات في اللحوم، ملوثات بكتيرية سببها نمو السالمونيلا والبكتيريا العنقودية، نتيجة البيئة المتسخة في الجزارات، وتكمن خطورة البكتيريا العنقودية في كونها تحتاج إلى درجة حرارة عالية للقضاء عليها أثناء طبخ اللحوم. والنوع الثاني، ملوثات كيميائية تنتج من اختلاط الغبار ودخان السيارات مع اللحوم المكشوفة في الجزارات، "وتكمن خطورة التلوث الكيميائي، في وجود الرصاص الذي له تأثيراته الضارة على المخ و خلايا الكبد، فيعطل عمل وظائفها ويظهر خطورة ذلك جلياً في خلايا الأطفال مما يعيق نموهم"، وتؤكد أماني على " أن الجراثيم الموجودة في اللحوم نتيجة للملوثات تفرز سموماً مؤذية يمكن أن تصيب المتعرضين لها بأمراض القيء والإسهال والمغص الحاد والنزلات المعوية والتيفويد وغيرها من الأمراض". شرط صحية وبيئية ويشير رئيس قسم الصحة البيئية بجامعة بحري، بشير الصبيح إزيرق، إلى شروط السلامة الصحية والبيئية للحوم المباعة في الأسواق، ومنها الحصول على ترخيص صحي وتجاري من السلطات المحلية والصحية، وذلك بعد اجتياز صاحب الجزارة وعماله الكشف الطبي، واستيفاءهم للشروط الصحية المطلوبة من وزارة الصحة، ويأتي بعد ذلك تجهيز المحل وطلاء حوائطه ببوهيات البوماستك، واختيار اللون الابيض لما له من خاصية الشفافية، في إظهار بقع الأوساخ لنظافتها، وتبليط الأرضية بالسراميك، لسهولة تنظيفها، والتقيد بعدم عرض اللحوم في الشارع دون تغطيتها، حتى لا تتعرض للغبار ودخان عوادم السيارات، ووجود ثلاجة لحفظ متبقي اللحوم المراد بيعها في اليوم التالي، ووجود سلة مغطاة بإحكام لأوساخ المحل وتسليمها لعربة النفايات كل يوم، وأن يتقيد الجزار بارتداء مريلة قماش تغسل يومياً، مع لبس قفازات في اليد وغطاء للرأس، وضرورة تنظيف أدوات التقطيع والميزان والشناكل يومياً، وغسل الأرضيات بصابون عادي وتجنب الغسيل بالديتول خوفاً من تلويثه للحوم، وتنظيف الجزع الخشبي(القُرمة) التي تُقطع عليها اللحوم يومياً، وتغطيتها ببلاستيك أو قطعة قماش في نهاية دوام العمل اليومي. hyder mohammed [[email protected]]