لغطة التخاطب أو العامية في السودان، تختلف من اقليم الى اقليم، حيث نجدها في الشمال غير الغرب أو الوسط أو الشرق، وهناك كلمات متداولة قد تكون مؤشرا فعالا الى قبيلة أو جماعة بعينها، ولكن مثل تلك الكلمات بدأت تندثر من قواميس اللهجات السودانية المستخدمة، خاصة وسط الجيل الصاعد من الأبناء، سيما في ظل (الاغتراب) والعولمة، وفي ذات مرة كنت متجها الى السودان وتصادف أن سافرت معنا مجموعة من الأسر السودانية المقيمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكانت من ضمن تلك الأسر (حبوبة) (شايقية كبارية)، كان أحفادها يتحدثون الانكليزية بلهجة (الكاوبويات)، وكانت هي تتحدث بلهجة (موغلة) في (اللكنة) الشايقية، وعجبت لأمرهم، فقد علقت في احدى كتاباتي عن الجاليات (الآسيوية) التي تعيش في (امريكا) واحتفاظهم بتراثهم الثقافي والاجتماعي، دون مسخ أو (سخط). أما بالنسبة لأبنائنا وبناتنا (الحناكيش) والشهادة العربية، فإن كثيرا من الكلمات والتعابير قد (فارقت) ثقافتهم التي اتخذت من (ارضيات) مغتربهم لونا وشكلا لها اختلطت فيه اللهجة السودانية بغيرها من لهجات المهجر فتولدت لهجة (هجين)، وأشفقت على اندثار بعض الكلمات (السيارة) من لهجتنا الأم، فهناك العديد من الكلمات التي تعتبر عتد اولادنا أعجمية مثل: المترار، الدوكة، التكل، الكنيف، المفراكة، الحواشة، ابو عشرين وأبو ستة، الصريف، القطية، العنقريب، العتود وعشرات غيرها من الكلمات، وكثيرا ما احسست وأنا اتخاطب مع الأولاد أنهم في حاجة الى (ترجمان)، وقد تربوا في بلد عربي وما بالك مثل الذين ولدوا في (أمريكا) فهم أبعد ما يكونوا للعامية من الذين ولدوا في (أم ريكا) {يقال انها قرية في الغرب السوداني}. ولكي يثبتوا أنهم ليسوا بحناكيش فقد وضعوا (لهجة) يتفاهمون بها حتي يكون غيرهم من الآباء والآمهات (مسطحين) وما (ناقشين) حاجة. فهي تجرى على لسانهم كما (الرطانة) يتحدون بها جيل الوالدين، ليكون الآباء والأمهات، في نهاية المطاف، هم (الحناكيش). وخير جليس في الزمان كتاب سمعت من مسئول أن آخر معرض للكتاب أقيم بالخرطوم بلغت مبيعاته ستة مليارات جنيه، واذا صح ذلك فإنه يدل على (سلامة) الاطلاع و (المطالعة) عند السودانيين، رغم انه كثرة المبيعات للكتب لا تعني ازدياد نسبة الاطلاع، فرغم توفر الكتب في الرفوف لاتزال نسبة القراءة متدنية نظرا لوجود مرض (اجتماعي) معروف سميته مرض (العندية) وهو مرض يصيب قطاع كبير من (المتعلمين) ولا اقول (المثقفين)، حيث يجيبك كل من تسأله عن الكتاب الفلاني يقول لك (عندي)، بينما المفروض ان تكون الاجابة (قرأته). فالعندية مرض اجتماعي خطير يهدد نسبة كبيرة من المتعلمين الذين تتذرعون بأن (هموم) الدنيا قد شغلتهم عن الاطلاع والقراءة، فالرفوف كما اسلفنا (متروسة) بشتى ألوان الكتب وضروب المعرفة، وتظل في مكانها لا تمتد اليها أيدي القراء وطلبة العلم، أما طلاب المدارس فليس من ثقافتهم الاطلاع والقراءة التي أصيح من هواتها نفر قليل وسط مجتمع الطلبة والطالبات، ولما تسألهم عن ذلك تجئ اجاباتهم صريحة واضحة (هو نحن قادرين على كتب المقررات؟؟؟). للأسف تدنت فئة اصدقاء الكتاب بين أبناء وبنات جيل اليوم، في حين أن الكتاب والفرص متاحة لهم والظروف المادية أحسن بكثير من الظروف التي عايشتها الأجيال من قبلهم، حيث كانت العين بصيرة واليد قصيرة، ولكن بالرغم من ذلك فلم يقصروا في أمر المطالعة والاطلاع. وكانت المكتبات العامة المنتشرة في المدن آنذاك تغص بطلاب العلم ومرتاديها، ومن خلال (الاستعارة) وليس (العندية) كانوا يشبعون رغباتهم في التعرف على كافة ضروب الثقافة، سواء عن طريق الروايات والقصص أو الكتب الأدبية والعلمية المتخصصة، حتي الصحف كانت لا تخلو من (الملاحق) الثقافية الدسمة التي كانت تلاحق (الثورة) الثقافية والتدفق المعلوماتي عبر دور النشر المختلفة. ورغم ما افرزته الثورة التقنية سيظل الكتاب هو (الرفيق) المفيد الذي لا غنى لنا عنه في جميع الأحوال، وسيظل هو الوسيلة الأهم للاستزادة بالعلوم والمعارف، والبوابة أو النافذة التي نطل منها على ثقافات الآخرين وتقاليدهم وعاداتهم ومعتقداتهم. معامل التحاليل الطبية وضبط الجودة في احدى الاجازات بالسودان تعرض ابني لوعكة صحية ونصحنا الطبيب بإجراء فحص للدم للتأكد من خلوه من مرض التايفويد، الذي كان منتشرا في تلك الآونة، ولجأنا الى أحد المعامل ولعله كان في نفس (حوش) عيادة الطبيب الذي وصى بإجرائه وجاءت النتيجة موجبة، وتعاطى الابن الدواء الذي وصفه الطبيب، ولكن الى حين انقضاء الاجازة لم (يشم) الابن العافية. وعند رجوعنا الى المملكة العربية السعودية، سارعنا بمقابلة الطبيب المختص، الذي أوضح لنا في أول مقابلة أن الابن لا يعاني من تايفويد ولا يحزنون، رغم أنه تناول كامل الوصفة الطبية لعلاج هذا المرض. هذا الأمر جعلني اشك في (مصداقية) معامل الفحص السودانية التي وصفها أحد الاطباء في برنامج طبي مشهور يقدم عبر الفضائية القومية بأن معظمها في حالة (يرثى لها) وعلى حد قوله قال كأنها (كشك قول)، وأمنت مجموعة من الأطباء أن مرض التايفويد لا بد أن تكون أحد أعراضه الرئيسية هي (الحمي) والمرض نفسه يسمم (حمى التايفويد) وحذروا من عدم التشخيص (الصحيح) للمرض عبر الفحص في المعامل التي، واستطردوا، أي الأطباء المختصين أن معظم المعامل الطبية لاتراعي الشروط والمواصفات التي ينبغي أن تتوفر في مثل تلك (المختبرات) الطبية، الحالة بائسة للمكان، ليس هناك المعدات والأجهزة الحديثة التي يثق المريض في مصداقيتها ومستوى الترتيب والنظافة لا يرقى الى المستوى المطلوب (المطمئن)، وفعلا في بعض المعامل يخيل اليك أن بائع وكشك الفول أرقى وأنظف من تلك المعامل (المزعومة). ومعظم الناس يشتكون من عدم دقة و (مصداقية) تلك المعامل، فكل العينات المفحوصة نجدها تؤكد (ايجابية) الملاريا أو التايفويد في حين أن دم المريض المفحوص يكون برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب. والشئ المثير للارتياب والشك هو خطورة تلك النتائج التي تترتب عليها نتائج لا تقل خطورة عنها حيث يوجد هناك خطأ جوهري في (التشخيص) يترتب عليه علاج خاطئ أيضا وهذا بدون شك سيترك تأثيرا كبيرا على صحة الشخص. والسؤال المطروح هو ما هي الاجراءات التي يتم بموجبها التصديق لإنشاء وتشغيل (معمل) تحاليل؟؟؟؟ وما هي الشروط والقواعد الواجب تطبيقها وتوفرها لتلك المعامل، وهل هناك حملات دورية لتفتيش تلك المعامل للتأكد من شروط تشغيلها و صلاحيتها للعمل، وهل هناك جهة معينة تضمن التزام تلك المعامل بمقاييس ضبط الجودة الخاصة بها. وما هي الجهة التي تقوم بمثل تلك الحملات هل هي وزارة الصحة أم هيئة المقاييس والمواصفات؟؟؟؟. alrasheed ali [[email protected]]