ما أشبه كندا بالسودان فكلاهما متحف أجناس ولغات وأديان، كل شعوب العالم موجودة في كندا بما في ذلك السودانيين ، جزء من كندا ناطق بالانجليزية وجزء منها ناطق بالفرنسية ، وما زالت كندا دولة واحدة موحدة لا يستخدم أي مواطن فيها كلمة (أجنبي) التي تعتبر مجرمة بقوة القانون وبقوة الثقافة الشعبية الكندية، بينما انفصل السودان إلى دولتين لأسباب عنصرية بحتة! حينما كنت أعمل بأحد مكاتب المحاماة في الرياض بالمملكة العربية السعودية، فكر أحد المصريين العاملين في ذات المكتب في الهجرة إلى كندا ومن ثم ذهب إلى السفارة الكندية في الرياض وسأل الموظف المختص عن الاجراءات التي تمكن "الأجنبي" من الهجرة إلى كندا ، وعندها نسى الموظف الكندي موضوع هجرة المصري إلى كندا وأعطاه محاضرة ساخنة حول الخطأ الذي ارتكبه عند استخدامه لعبارة "أجنبي" وردد على مسامعه ما يفيد بأن الشخص الذي يحمل جنسية أي بلد هو مواطن محترم في تلك البلد له كل الحقوق القانونية حتى لو أتى أسلافه من الفضاء الخارجي ، وليس من اللباقة وصفه بكلمة "أجنبي" بأي حال من الأحوال فكلنا بشر ، خلقنا الله ولم يختر أحد منا لونه أو لغته أو جنسه أو بلده! عقب كتابتي لمقال بعنوان (صوتوا لأفضل المبدعين ، فاطمة وصابرين) وإشادتي الحارة بنجاح الثنائي فاطمة وصابرين في تقديم أغنية جديدة امتزجت فيها رطانة الهوسا بالعربي ، علق أحد قراء سودانيزاونلاين (ويمكننا تسميته المعلق رقم 1) بما يفيد أن الفلاتة غير سودانيين وأنه لو كان مسؤولاً عن برنامج نجوم الغد لما سمح بالغناء برطانة الفلاتة وأكد ذات المعلق بأنه على استعداد لسماع أغاني برطانة النوبة أو الهدندوة لكن فلاتة لالالالالالالالا! من المؤكد أن هذا المعلق وأمثاله هم سبب مشاكل السودان الراهنة وأن مثل هذا الرأي لو أصبح سياسة رسمية فسوف يؤدي قطعاً إلى تفتت السودان إلى أكثر من عشرة دول من بينها جمهورية الهوسا أو جمهورية الفلاتة ، فالفلاتة أو الهوسا الموجودين في السودان هم سودانيون حتى النخاع وكلهم مسلمون ولهم الحق في العيش المشترك مع كل السودانيين ولهم حق تقرير المصير إذا أجبروا على ذلك. من المؤكد أن المعلق رقم 2 قد رد على المعلق الأول رداً يستحق إعادة النشر ، فقد عنون رده بما يلي (فليذهب كل سوداني للبلد التي جاء منها ) وجاء في رده إذا كان المعلق رقم 1 يقول إن بإمكانه أن يسمع أي أغنية لسودانيين رطانة لكن فلاتة لالالالالالالالا ، فهذا رأيه الخاص ومن الممكن قبوله فهو حر في عدم تذوق الغناء الفلاتي ولكن إذا كان رأيه يحمل تشكيكاً في سودانية الفلاتة ، فنقول لالالالالالالالا لأننا إذا رفضنا الفلاتة بحجة أنهم جاءوا من نيجيريا .. فليذهب كل العرب الى الجزيرة العربية .. وليذهب الآخرون الى تشاد وأثيوبيا والمغرب والنيجر .. والقائمة تطول ولنترك السودان للسوداني الوحيد .. ألا و هو نهر النيل العظيم . من المؤكد أن رد المعلق رقم 2 هو رد عظيم من مواطن سوداني عظيم يفهم تركيبة بلده جيداً ، لكن دعونا نتساءل : مالذي حدث للسودانيين في الوقت الحاضر؟! ومن أين أتى هؤلاء السودانيون العنصريون؟! فيما مضى كان كل الشعب السوداني يطرب لأغنيات عائشة الفلاتية التي كانت محل احترام كل الحكومات السودانية وكل المواطنين السودانيين ولم يقل أي سوداني إن عائشة هي فلاتية اتى اجدادها من نيجيريا ولا يجب السماح لها بالغناء، وأخيراً لا أملك إلا أن أقول مرة أخرى : صوتوا لأفضل الواعدين ، فاطمة وصابرين وما أحلى الغناء السوداني سواء أكان بعربي جوبا أو كان خليط من الرطانة وعربي السودان السريع الطلقات الذي لا يفهم معظم مفرداته فريق كبير من العاربة العاربة والعرب المستعربة والعرب المستغربة! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر