[email protected] في العام الدراسي المنصرم وفي إحدى صباحات السودان الجميل الذي نحبه جميعاً رغم منغصات العيش وفي البال: (بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلها وإن ضنوا عليّ كرام) قرع جرس الجلسة الأولى في امتحانات الشهادة السودانية للعام الدراسي ( 2008 -2009م) بجميع ولايات السودان، جرس البداية كان من مدرسة الخرطوم النموذجية الجديدة بنين بواسطة وزير التربية الخرطوم والمعتمد، الممتحنون لذلك العام كانوا حوالي 447 ألف طالب بجميع المساقات في 614 مركزاً داخل السودان وخارجه ليبدأ الامتحان بمادة اللغة الإنجليزية ولينتهي في 14 أبريل بمادة الرياضيات التخصص والأساس.. كل ذلك مؤكد أنه جرى وسط أجواء كانت مشبوبة بالتوتر والقلق الطبيعي بين الآباء والأمهات.. ففلذات الأكباد كانوا يعملون على تخطي إحدى عقبات مراحلهم العمرية والحياتية والتي أحياناً لا يكون لهم فيها يد أو حتى ذنب؛ بل تكون بفعل ساس يسوس فهو سائس.. كان كل تلميذ يمني نفسه بالانتقال إلى رحاب الحياة الجامعية؛ بكل إيجابياتها وسلبياتها التي تحوي بين أركانها مصادرة الصوت الآخر وربما اغتياله كما هو حادث وماثل الآن وكذلك تدهور البيئة الجامعية من سكن وقاعات وغيره، وأهم من ذلك كله ضعف مناهجنا الجامعية التي قذفت بنا نحو آخر الركب عند نهايات ليست سعيدة، وستحجم دور أبنائنا الوظيفي والمهني في المستقبل على الصعيد الداخلي والخارجي وآخره ما أشيع من عدم اعتراف بعض دول العالم سواء بالجوار أو البعيدة بالشهادة الجامعية السودانية باستثناء بعض الجامعات.. كل هذا نأمل في زواله، لعل المستقبل يحمل في جوانحه مزيداً من التفاؤل والأجواء التي تعمل على تحسين حرمنا الجامعي، ومعالجة وتقويم كل ما من شأنه أن يُعد إعوجاجاً بكل أنماطه الفكرية والسلوكية... وعطفاً على ماسبق فقد جلس أبناؤنا لامتحانات العام السابق وأعين بعضهم نصبت حول حلم يشير نحو زفة التخرّج والحياة العملية والبحث عن وظائف سبقنا بها هذا العام وزير المالية والاقتصاد الوطني مُبشراً ألا وجود لها بسبب الميزانية المتعّسرة دوماً في كل بلاد الدنيا إلا عندنا في السودان والحمد لله من بعد ومن قبل فهي منعدمة أصلاً ولو حتى في أضغاث الأحلام.. شاهد الأمر أنه و بتاريخ 28/3 العدد 316 وعلى صفحة التحقيقات أجرت (أجراس الحرية) استطلاعاً حول الاستعداد لامتحانات الشهادة السودانية الماضية مع أولياء الأمور والمعلمين وبعض الطلاب.. وجاء رأي الكل آنياً بمعنى أنّ جل الذي يراه البعض كان إشكالاً وقتياً يزول بزوال المؤثر، فبعضهم شكا من جشع المعلمين في هذه الأيام التي يعتبرها المعلمون وأنا واحد منهم موسماً كما حال تجار الملابس والأقمشة عند العيدين الكبيرين أو كتجار الحلوى عند أيام المولد، ولكن ما بال المعلمين يتعففون ويصبحون ملكيين أكثر من الملك نفسه، وينصفون النّاس، والدولة ذاتها دفعت الناس نحو التعليم الخاص دفعاً بسبب تدهور البيئة المدرسية من نقص في الإجلاس والكتب والمعلم المؤهل المدرب الذي تمت الاستعاضة عنه بمجندي الخدمة الوطنية (غير المدربين) أو منوط بهم إدارة العملية التربوية تحت دعاوى عدم وجود ميزانية لتعيينهم، كما أنّ الدولة ذاتها وسمت طابع التعليم عندنا بالقدرة والاستطاعة، و(كل يمد كرعيه بحسب لحافه) بفرض رسوم وإكليشيهات مالية.. ثم ماذا فعلت الدولة للمعلم حتى يعيش حراً كريماً لا يسأل الناس إلحافاً؟ هل أجزلت له الأجر حتى يُتخم ويصرف نظره عمّا بأيدي أولياء الأمور؟ وهل سيكون رفيقاً بهم أكثر من أمهم وراعيتهم الدولة التي دفعته إلى هكذا سلوك؟ ماذا يفعل معلم براتب لا يتعدى 350 جنيهاً لإسكات أفواه تريد طعاماً منذ أن تفتح عينيها صباحاً وحتى تغمضهاً ليلاً ناهيك عن الصحة والتعليم نفسه الذي يعني عنده كما المثل السوداني (باب النجار مخلع).. أرحم لزمرة المعلمين هؤلاء أن يجشعوا ويرفعوا سعرهم ألف مرة من أن يسرقوا أو يختلسوا مال غيرهم ليبتنوا به طوابق وفللاً بملايين الجنيهات تحت دعاوى انضمامهم لإحدى النقابات أو الأشكال التنظيمية. في ذات التحقيق الذي أشرنا إليه سابقاً سار الحديث بالطلاب وأولياء الأمور عن قطوعات الكهرباء المتكررة برغم افتتاح سد مروي ورفده الكهرباء بمئات الميغاواط في تناقض واضح لما حملته الأخبار من ارهاصات اتفاق مصري سوداني يقضي بمد شمال السودان بكهرباء قادمة من مصر أو السد العالي، إذا كانت كهرباء شمال السودان الذي به سد مروي سنشتريها من مصر وعلى حساب المواطن السوداني دافع الضرائب والجبايات فما الذي سيفعله إذاً سكان أم دافوق أو ربك أو قرى الشويحات الذين يبعدون عن مروي بقضها وقضيضها آلاف الكيلومترات..