تفاوتت التعريفات حول مصطلح "الأمة" على مدار التاريخ، لكنها ظلت تتمحور حول أساس واحد، هو أن الأمة كل فئة من الناس، يضمها عدد من الجوامع الكبرى للبشر، من أرض ولغة وعقيدة وعرق و أهداف مشتركة، وتاريخ وأعداء مشتركين، مما يمكنها من حمل صفة الأمة، لكن ذلك لا يمكن أن يكون تلقائيًا، ما لم يجد على أرض الواقع تجليًا واضحًا، ناتجًا عن إرادة حقيقية وحازمة، لتنفيذ الأهداف المشتركة، التي يتفق أبناء الأمة عامة، على أنها تكفل الخير والعدالة والسعادة لهم. وعلى الرغم من أن معظم ما سبق من صفات، متوفر لدى الشعب الصومالي، حتى بما يتجاوز حدود الدولة الصومالية التي قامت سنة .....، لكن الكثير من العوامل التي أفرزها الوجود الأجنبي منذ نهايات القرن التاسع عشر، والمخاضات المبتسرة التي أدت لولادة الدولة الصومالية الأولى من وحدة الشطرين ، وما تلاها من انهيار الحكم الديمقراطي المبني على توازنات دقيقة، وتحالفاته الهشة التي لم تخل من خلل، بصعود نجم الدكتاتورية والاستبداد بانقلاب عام....، وحكم العسكر الذي انكشف عن حكم الفرد المتسلط، ونتائج ذلك من تخبط سياسي، قاد لهز البنية الاجتماعية والثقافية للصوماليين، باستهداف الدين تارة، واستغلال شعارات القضاء على القبلية عبر العنف، وتشريعات لم تتجاوز تراقي من كانوا ينادون بها، كل ذلك أدى لتزعزع الفكرة السامية وتلوث الهدف النبيل. ومع استمرار التخبط تدخل الأجزاء الحرة من البلاد، في حرب غير محسوبة مع الجارة المحبوبة للغرب والشرق " إثيوبيا "، ولم تكن هزيمة الصومال عسكرية بأي حال من الأحوال، بل كانت أشد وأعمق، فالعزلة التي وجدت فيها الصومال نفسها، لم يسبق أن مرت بتاريخ البلاد، منذ الهجمة البرتغالية في القرن السادس عشر، مع الانسلاخ المتهور عن المعسكر الشرقي، المعسكر ذاته الذي لأجله رضاه، تم إلغاء الحكم بالشريعة في قضايا "الأحوال الشخصية"، و لأجله تم إعدام علماء الدين، الذين جاهروا بتكفير كل من يفعل أويساهم بتلك الهرطقة، وشردت الطبقة المتعلمة الملتزمة، التي كانت طوال قرون مرت، النخبة المحترمة في المجتمع الصومالي، الذي لم يكن قد انسلخ عن تقاليده وأعرافه بعد. وبتراكم الأخطاء والخطايا، فقد تعرضت الهوية الصومالية، لضربات مدمرة على مدى قرن مضى، على يد قوى خارجية بالغة القوة والحنكة، وأخرى محلية ممثلة بالقيادات العشائرية الضعيفة، ذات الحسابات ضيقة الأفق والوضيعة الأهداف، وردات فعل عارمة، تماهت مع روح الشعب الصومالي في عظمتها، لكنها كذلك أخذت طابع روادها، قليلي الخبرة منعدمي الصبر والتبصر، ليدخل الصوماليون في حلقات متكررة من التدمير، وكل ذلك للمفارقة في سبيل البناء والنهضة، حتى غدى الوعي الجمعي الصومالي، يحمل ندوب كل تلك المراحل التي مرت، دون أن يتبقى في يديه إنجازات مقنعة، تسمح له بالاستمرار قدمًا، مؤمنًا أن ما جرى من تدمير كان مجزيًا أو يستحق التقدير. فكانت النتيجة الطبيعية ارتخاء العرى الأبدية، لوحدة الشعب الصومالي، تحت ضغط الأوزار التي أثقلت ذاكرة الشعب، كيف لا وقد كانت القبلية في ما مضى، تعني الحروب على الإبل وموارد المياه والمراعي، إلا أن تلك الحروب تصاعدت، منتقلة بيد الطبقة المتصدية للشأن السياسي، إلى المكاتب والوزارات، يحملونها في حقائبهم الأنيقة، وجيوب بذاتهم المكلفة، لتكون ورقة رابحة بحوزتهم، يلقون بها كلما لاحت لهم فرصة مكسب شخصي قريب، أو كلما اقتربت يد العدالة من الإمساك بتلابيبهم، لتحاسبهم على ما اقترفوه من جرائم وفساد وشرور. كل ذلك أدى إلى تراجع كل عوامل استمرار الأمة الواحدة، إلى الصف الثاني من الأهمية، خاصة مع تراجع الحس بالغيرة على كل ما هو صومالي كاللغة، نظرًا لوجود ناطقين باسم كل ما هو معادٍ لوجود الأمة، مستخدمين لسانًا محبوبًا لنا، ومنزهًا في قلبونا، من أن يكون أداة لترويج الأكاذيب، وتنويم الشعب، وتمرير الصفقات المشبوهة وما أكثرها ، كما أن عامل الدين أصبح مصدرًا للقلق والحذر، فقد نشأت حركات اختطفت الدين، دون أن تطبق النص الشرعي، موغلة في الجور والانتقائية، في ظل تعطش مَرَضي للسلطة، ولو كان على جثث شعب جائع وأرض مدمرة يباب. إن إدراك ما وقائع القرن الماضي، يجعل في أيدينا الصورة الكاملة لما حدث ويحدث، فيمكننا بذلك استيعاب أسباب الصراخ الدائم لأبناء شعبنا، والفظاظة التي تحملها مسالكهم في الفعل والتعبير، ونلمس كذلك مصدر الألم المتجدد الدائم، الذي أخذ ألف شكل ولون، مهددًا العقول ومرهقًا القلوب، بحزن لا نعرف له سببًا، وتشتتًا لطاقتنا ينهكنا حتى اللهاث، ونحن نطارد بكل جوارحنا ما لا ندري ماهو، لأننا لم نرسم بعد لأنفسنا، لوحة المستقبل المشرق الذي لن يكتمل لأمتنا، ما دمنا مستعدين لممارسة ما أصبح عادة تلقائية حد التطبع، بإستثناء البعض منا، من أن يكون معنا داخل الصورة، لمجرد أننا لا نستطيع تصحيح الخلل، الذي عشش في باطن عقولنا، من عقود الصراع الدنيء والموروث الملوث. محمود محم حسن عبدي كاتب و شاعر من الصومال mohamoud abdi [[email protected]]