(2) (2) .. في مستهل حلقتنا الماضية (الأولى) من هذا المقال قدَّمنا إعتذارنا بأن (حَشَرنا) أنفسنا ما بين (البصلة وقشرتها) في شأن تنظيمي خاص بحزب المؤتمر الوطني، إذ أن السلطة (التشريعية والتنفيذية وال .....) في جنوب كردفان كله مؤتمر وطني، و(العشرة البررة) الذين قيل إنهم بصد إحتجاج وتقديم إستقالات، مؤتمر وطني، والوالي الذي عيَّن الشخصية موضوع الجدل مؤتمر وطني، والشخصية موضوع الجدل مؤتمر وطني، و(القيادة السياسية العليا) المزمع رفع الشكوى إليها ووضع الإستقالات بين يديها هي قيادة المؤتمر الوطني!! .. وذكرت إن ما يُخفِّف وطأة هذا الواقع الثقيل هو إنَّه ومنذ مجئ الإنقاذ في يونيو 1989م (أي علي مدي ربع قرن من الزمان) لم يَقُم، ولم يَكُن، في جنوب كردفان مجلس تشريعي، برلمان شعب، بالمعني المعهود للمجلس التشريعي كممثل ديمقراطي لإرادة شعب المنطقة وأعضاء مختارين بآليات ومَعايير ذات صلة بإرادة ورغبة القواعد، إذ طوال الفترة ما قبل نيفاشا كان هذا المجلس (مع تقديرنا البالغ والبليغ لكل الأفراد الذين مثلوا عضويته في حِقَبِهِ المختلفة، فأنا أتحدَّث عن المؤسسة وليس الأفراد) عبارة عن (كَورَس) و(كَورال) و(كمبارس) للجهاز التنفيذي، وللحزب الواحد، ويَتِمّ إختيار أعضائه بأسلوب أقرب إلى الإستفتاء منه إلى الإنتخاب والإقتراع إذ العملية كلها تتم من أجهزة وآليات ومرشحين من حزب واحد، وهو شئ أشبه بتمرين الفريق الواحد أو مباراة المنتخب الواحد حين ينقسم الي (تيمين) هدفهما معاً هو تقوية وقفل منافذ ضعف ذلك الفريق الواحد الذي يمثلانه .. .. وبعد نيفاشا وطوال السنوات الخمس (2006 2011م) كان المجلس التشريعي لجنوب كردفان عبارة عن (خليط غير متجانس بلغة الكيميائيين) من ممثلين لحزبَي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ومُعَيَّنين من المؤسسات التنظيمية لهذين الحزبين وخاضعين لإمرتهما، وبالتالي لم يكن هؤلاء ممثلين لشعب الولاية، بل ربما ولا شعب الحزبين، وإنما موظفين ومناديب للحركة الشعبية والمؤتمر الوطني في مكان عمل مشترك إسمه (المجلس التشريعي) .. أي إنَّ الواقع الحُصَرِي والأُحادي الماثل اليوم بالمجلس التشريعي للولاية ليس شيئاً جديداً .. .. و في مستهل حلقتنا هذه، فإنَّ قولنا عن المبشَّرين بالفصل من تشريعي جنوب كردفان فمن مقالة شخصية تنظيمية قيادية نافذة و(مختصَّة) بالشأن في المؤتمر الوطني بالولاية بادر فور أن سِمع بهذه (الفرفرة) أول ما ما نُشِر على صفحات (المجهر السياسي) بأنهم، أي أؤلئك المهدِّدين بالإحتجاج والإستقالة، سيكونون قد (دقسوا دقسة مُعلَّم) إذا فعلوها وقدَّموا الإستقالات بالفعل لأن الحزب سيقبلها منهم فوراً بلا تردُّد!! .. .. و مقالتنا عن إنتهازية المجموعة إيَّاها والتي أصِرُّ على تكرار إنني حتَّى لحظة كتابتي لهذه السطور لا أعرف أحداً منهم بالإسم (أو الرسم)، والتي قيل إن سبب إحتجاجهم والتلويح بإستقالاتهم (بعد عيد الفِطر مباشرةً حسب ما ذُكِر، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة وربما لن يحدث في الأصل مُطلقاً!!)، هو سبب تعيين (الهادي عثمان أندو) رئيساً للمجلس التشريعي هكذا مباشرةً من الشارع دون المرور بمرحلة إدخاله عضوية المجلس التشريعي (فهو لم يكن عضواً بالمجلس قبل تعيينه رئييساً) خلفاً للراحل المقيم إبراهيم محمد بَلَنْدِيَّة .. فبداءً لا ندري هل (عشرية، أو عشرنة) المجموعة المحتجة جاءت هكذا قدراً ومصادفة بأن أيقظ الله (عشرة) ضمائر من أعضاء المجلس التشريعي دُفعةً واحدة ببركة الشهر الكريم (شهر رمضان الذي أُنْزِل فيه البيان والخبر في الصحف)، ذاك الشهر الذي يُحْيي فيه الله مواتَ القلوب، ليكتشف هؤلاء إن هذه الجهاز منتخب من شعب الولاية وممثل لإرادته و من مهامه التصدِّي لعبث الجهاز التنفيذي (الوالي) بهذه الإرادة !! .. أم أن الرقم (عشرة) عمل مُرَتَّب من شخص داهية و(إبن لذينا) قام بتأليب هذا العدد عن قصد تيمُّناً و(رسالة) ب(مذكرة العشرة) الشهيرة التي قصمت ظهر بعير الإنقاذ وبعثرت عِيرَه، وآلت نتائجها إلى إنشطار الحكومة والحزب والتنظيم إلى (فلقتين) .. (تحَدَّرت) واحدة إلى (القصر وكافوري رئيسة) بينما (إنحَدَرت) الأخرى إلى (السجن والمنشية حبيسة) .. بإسم مؤتمرَين (وطني ، شعبي) .. و لكن .. هل رأيتم كيف إن (الوطن) شئ غير (الشعب) في هذا البلد العجيب !! .. أم إن الإسم (العشرة) ربَّما تم إستيحاؤه من كون إن الفكرة تم طبخها وإنضاجها بهدوء وروِيَّة في (العشر الأواخر) من الشهر الكريم، رمضان، حيث بالفعل تسريبات هذا الخبر ظهر في الإعلام يوم الخميس الثامن والعشرين من رمضان (السادس عشر من أغسطس)!! .. أم أن هؤلاء إختاروا الرقم (عشرة) إستباقاً لمآل المسعى المُرتَجَى بأنَّهم سيبصمون ب(العشرة) على ما ستمليهم إيََّاه (القيادة السياسية العليا) التي قالو إنهم سيرفعون إليها إحتجاجهم وإستقالاتهم، وتُتْلَى عليهم (الوصايا العشرة) في ضرورة الصبر والإحتساب وكظم الغيظ .. والتماسك وطاعة أُولي الأمر .. و تفويت الفرصة على الخونة والعُملاء والأعداء والمُتَرَبِّصين ... إلخ .. ويعودوا (عن يدٍ وهو صاغرين) وينقلبو إلى مقاعدهم بمجلسهم التشريعي سالمين .. وغانمين !! .. طالما إنهم إختاروا الإحتكام إلى كائن إسمه (القيادة السياسية العُليا) قافزين فوق رؤوس ذلك الشعب الذي يِدَّعُون أنه إختارهم وإنهم يمثلونه !! .. وهذا ما حدث مؤخراً بالضبط إذ لم نسمع عن إحتجاجات ولا إستقالات عشرة أو عشرين ولا هم يحزنون .. .. أيَّاً كانت فلسفة (العشرية أو العشرنة) تلك فملامح الإنتهازية إنها في الأساس إحدَى صور مسرحيات المؤتمر الوطني سيئة الإخراج، وإحدَى فصول هزليات (لَي الذراع) و (تلحيس الكوع) التي يمارسها المؤتمر الوطني حتى داخل مؤسساته بعضها البعض ناهيكَ عنه مع الخصوم والأعداء، والحلفاء الأصدقاء على حدٍّ سواء !! .. وهو إصطياد في المياه العَكِرة، بل تعكير للمياه للإصطياد فيها .. وكلمة حق يراد بها باطل .. فصحيح الخطأ والخلل والخطل البائن في إختيار الوالي (رئيس المؤتمر الوطني ، رئيس السلطة التنفيذية بالولاية) لشخصية من الشارع مباشرةً إلى كرسي رئيس البرلمان الولائي، فهذه عملية (قفز بالزانة) إلى قلب الميدان مباشرة من خارج الدائرة ومن خلف الجماهير المحتشدة للمشهد، إذ كان على الوالي تعيين هذا الشخص (الهادي عثمان اندو) وإدخاله عضوية المجلس التشريعي كمرحلة أولى (في حال الإدعاء بأن هذا الكرسي الخالي برحيل الزعيم إبراهيم مُحَمِّد بَلَنْدِيَّة كان كرسي قائمة الحزب وليس قائمة دائرة جغرافية تستَوجِب إعادة الإنتخاب الجماهيري)، وبعد أخذ هذا الشخص صفة العضوية داخل المجلس مع الآخرين يتم ترفيعه رئيساً (بآلية المجلس، وليس بقرار أي أحد)، و لو بتمرير توجيهات تنظيمية للكتلة البرلماية والمجلس كله الآن كتلة المؤتمر الوطني من خلال الكُلِيَّة البرلمانية (عضوية كل المجلس في إجتماع رسمي) .. فيكون بذلك قد تمَّ (تعيينه) بالفعل لرئاسة المجلس (و ليس إنتخابه) و لكن بإخراج لائحي وقانوني.. .. أما بهكذا صورة وسيناريو عبر (القفز بالزانة) إلى قلب الميدان، أو (الهبوط بالباراشوت) إلى قلب المعركة يكون هذا الشخص هو أول الضحايا، إذ كيف في مجلس تشريعي (يقال) عنه ديمقراطي ومنتخب، يقوم شخص مُعَيَّن بواسطة شخص واحد (الوالي، رئيس المؤتمر الوطني) برئاسة وإدارة وتوجيه نائب دائرة ما مُعَيَّن ومنتخب بواسطة ثلاثين ألف شخص مثلاً هم ناخبي دائرته !! .. .. لكن هؤلاء العشرة، ومعهم باقي الصامتين حتى الآن سكتوا عن كل الفجائع والفظائع التي تمشي على أرجلها في الولاية .. و تعاموا عن كل الكوارث والدواهي والمصائب والمصاعب بالولاية، ومحن وعناء ومعاناة مواطنيها، بل و صمتوا حتى عن مصير وشكل مجلسهم هذا نفسه، أهوَ مجلس منعقد وموجود، أم مجرد مجموعة من الأعضاء بدون فاعلية مؤسسية بسبب (النصاب) الذي حدث إختلاله لغياب عضوية الحركة الشعبية الذين إختارتهم دوائرهم للمدينة فإختاروا الغابة مُحْدِثين سابقة برلمانية سودانية، بل ربما عالمية تحدُث لأول مرَّة !! .. لكن أحداً من النوَّاب الموقَّرين لم يسأل عن هذا أو يألِّب (عشرة) أو (خمسة) أشخاص للسؤال عن شكل ومصير هذا وعن كيفية ملئ هذه الشواغر .. بل صمتوا حتى عن الصرامة والحسم والتشديد في التحري والتقصِّي عن مقتل رئيسهم بتلك التراجيدية المُسْتَفِزَّة، ولم يحيلوا (شخصاً كبيراً) واحداً للوقوف والمثول أمامهم والتحقيق معه ومُساءلته عن حيثيات وملابسات التصفية الجسدية للشخصية الدستورية الأولى بالولاية (إذا إفترضنا إن المجلس التشريعي أعلى من الجهاز التنفيذي الذي يرأسه الوالي الذي يقال عنه الشخصية الدستورية الأولى) هكذا في وضح النهار في منطقة بقلب سيطرة الحكومة .. صمتوا عن مُساءلة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية عن مصير و(مسير) مئات الأبرياء الذين تمَّ نهب وسرقة و(قلع) كامل ممتلكاتهم فتحولوا أقرب إلى لاجئين و نازحين في مدينتهم .. صمتو عن التساؤل دعكم عن المساءلة حول الغلاء الطاحن والفاحش الذي ينهش المواطنين بأنيابه في غالب نواحي الولاية .. صمتوا .. سكتوا .. تعاموا .. تجاهلوا .. فلما لاح كرسي شاغر لم تجف بعد دماء من كان يشغِلَه إستيقظوا .. إنتبهوا .. وتقافز (عشرة) منهم دُفَعَةً واحدة نحو (القيادة السياسية العليا، مانحة الكراسي) يهتفون (لمن الكرسي!! .. أَفَلِي أنا !؟ .. هذا إذاً ثمني ..) على طريقة رائعة الرائع نزار قبَّاني (ليراتُك الخمسون تُضحِكُني .. لِمَن النُقود !! .. أَفَلِي أنا !؟ .. هذا إذاً ثمني ...) .. يا بُؤْرة ُالعَفَنِ !! .. عفواً ليست الكلمة الأخيرة إساءة أو سباب أو شتم لأحد، إنها بقية التكملة لأبيات قصيدة الرائع نزار قبَّاني !! .. .. إنتهى .. للتواصُل 0901367712 * كاتب صحفي و ناشط سياسي من جبال النوبا. سكرتير الشؤون السياسية والتنظيمية السابق للحركة الشعبية بجبال النوبا . مرشح دائرة ولائية، ووكيل تلفون كوكو لمنصب والي جنوب كردفان في الإنتخابات الماضية.