القناعة الكبرى التي ترسخها العلاقة بين الشمال والجنوب منذ عهد الدولة الواحدة وحتى بعد الانفلاق الى دولتين، هو ان التعايش السياسي بين الجانبين امر في غاية الصعوبة، ويكاد ما بين الجانبين يمثل نموذجا يتيما في العالم على صمدية وصمود حالة العداء. والقناعة الاكبر من ذلك هو ان الاتفاقات التي ابرمت بين الشمال والجنوب داخل اطار السودان الواحد، ثم الاتفاقات التي جرت تحت غطاء الدولتين بما فيها مفاوضات اديس ابابا الحالية، لم تستطع ان تقدم اجابة عن سؤال أساسي: متى تنتهي حالة الحرب بين الشمال والجنوب؟. او بين السودان ودولة جنوب السودان؟. كل الاتفاقات كانت عبارة عن خطاب للمستقبل برغبة في علاقة حسنة..لندع اتفاقية اديس ابابا التي وقعها جعفر نميري جانبا، ولنبحث في دفاتر حكومة الانقاذ الحالية..لنبدأ باتفاقية فرانكفورت بين د.علي الحاج ود.لام اكول في اوائل التسعينات، فقد حملت(وعدا) بتطبيق مبدأ تقرير المصير..صحيح ان الاتفاق اسس لشرعية المبدأ(تقرير المصير)، ولكنه كان وعدا غير منجز. اتفاقية الخرطوم للسلام بين الحكومة ورياك مشار ولام اكول وكاربينو كوانين كانت وعدا وبعض انجاز، غير انها على كل حال رحّلت كثيرا من القضايا للمستقبل، وأهم هذه القضايا وأخطرها حق تقرير المصير، الذي تم تأجيله عن موعده المحدد في الاتفاقية..كان منطق الهروب للامام وترك القضايا للمستقبل دائما يسود. اتفاقية نيفاشا نفسها كانت- في بعض جوانبها- مجرد امل في علاقة حسنة وتعايش سلمي، وفك ارتباط، ولم يكن الانفصال الذي حملته الى الجنوبيين الا لالتقاط النفس ريثما يعود الجنوب الى عداوة جديدة مع الشمال. لنتعظ من هذه السوابق عند النظر في حل قضية ابيي..المقترح هو إجراء استفتاء لأبيي في أكتوبر من العام المقبل ليقرر فيه قبائل الدينكا نقوك بجانب السودانيين الآخرين المقيمين بالمنطقة، إما الانضمام للجنوب أو الشمال، وأوكل المقترح لمفوضية استفتاء أبيي الذي أشار لتكوينها برئاسة الاتحاد الأفريقي واثنين من السودان وجنوب السودان مسؤولية تحديد من هم السودانيين الآخرين وفترة إقامتهم التي تحق لهم التصويت. وضم المقترح ضمانات قوية للمسيرية بالمنطقة على رأسها حق العبور والرعي وقنن ذلك بالقوانين بجانب منح المسيرية نسبة 20% من بترول أبيي لمدة خمسة أعوام وأعطى الدينكا نقوك 30% من بترول المنطقة والدولة التي تؤول لها أبيي سواء الخرطوم أو جوبا نسبة 50%. واشار المقترح أنه في حال اختار أهل أبيي الانفصال عن السودان والانضمام للجنوب تكون أبيي إقليماً تعمل إدارته على تشجيع الإدارة الأهلية والتعايش مع المسيرية. كيف نصدق ان قضية ابيي حلت الآن، اذا كانت معلقة على رقبة المستقبل؟. malik taha [[email protected]] ////