محاضر بقسم الشريعة الإسلامية كلية أمين كنو للشريعة والقانون، كنو – نيجيريا التليفون: - Tel:+2348023795583 Tel:+2348059866627 البريد الإلكترونى: - [email protected] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ملخص البحث: - نشأت العلاقة بين دول غرب أفريقيا والعالم العربى عامةً، منذ القِدم وهى علاقة امتدت مساحتها لتغطِّى المجالات الدينية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية، ولا تزال آثار تلك الممارسة التاريخية متناميةً إلى يومنا هذا. لقد كانت العلاقة بين السودان ودول غرب إفريقيا عريقة ومتميزةً، تميُّز السودان بموقعه الجغرافى، الذى أحلّه معبراً لحجاج القارة السمراء إلى بيت الله الحرام بمكةالمكرمة. ولا شك أن مئات الآلاف بل الملايين من حجاج المنطقة مروا بالسودان فى طريقهم إلى مكة عبر السنين الماضية، فكان من الطبيعى جداً أن تترك هذه الحركة التاريخية طابعها فى العلاقات بين الشعبين. فمن هذا المنطلق تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على ما أفرزته حركة التواصل بين الشعب النيجيرى والشعب السودانى من آثار مهمة لايزال صداها يتردد على الأسماع إلى الآن. ولقد تخللت هذه الآثار معظم الجوانب فى حياة الأمتين: العلمية، والثقافية، والسياسية والإجتماعية والإقتصادية مما جعلنا نكتشف مثلاً شعبياً فى لغة الهوسا يحتوى على إسم بلدةٍ سودانيةٍ وهى مدينة "مدنى" فى ولاية الجزيرة. ونجد حياً من الأحياء فى الخرطوم يحمل كلمةً هوساوية! وغير ذلك من الآثار التى تدل على عمق العلاقة بين الشعبين. ومن ذلك دور أتباع دولة الشيخ عثمان بن فودى فى حركة الإمام المهدى فى معركته التاريخية ضد الإستعمار البريطانى. وكذلك دور علماء السودان وخاصة الشيخ البشير الريح أول عميدٍ بمدرسة العلوم العربية فى مدينة كنو فى إعداد العلماء والأدباء والقضاة فى كافة أنحاء نيجيريا. ودور الشيخ عوض (السودانى) فى إرساء قواعد المحاكم الشرعية وهو أول قاضى قضاة حكومة شمال نيجيريا بعد الإستقلال. ومن الشواهد على تلك العلاقة أيضاً دور الحكومة النيجيرية فى مفاوضات السلام السودانية. وغير ذلك من الأدلة والشواهد فى مختلف مناشط الحياة. وأخيراً يؤكد البحث ضرورية تطوير وتقوية هذه العلاقة، وفتح مجالات جديدة أخرى مواكبة لتطورات الحياة الحديثة فى عالم الثورة الإعلامية، والتحديات الإقتصادية. ويؤكد البحث كذلك ضرورية توفر الأمن والسلام والإستقرار بين البلدين كى يتعاضد الشعبان فى إيجاد حلول سلمية وواقعية لشعوب القارة بصفة عامة. المقدمة: - كان واقع افريقيا ما قبل الإستعمار يعبر عن وحدة وتكامل أجزائها وأقطارها، فالتقسيمات الجيوسياسية أو العرقية أو الثقافية كلها موّلدة عُرِفت حديثاً مع وطأة الإستعمار على أراضيها. وهكذا كان المؤرخون ينظرون إلى القارة الأفريقية كوحدة متكاملة لما يجمع بين بلدانها من القواسم المشتركة فى عدة مجالات الحياة، هكذا نظر إليها ابن خلدون قديماً[1] ومحمد بللو بن الشيخ عثمان بن فودى[2] فى القرن التاسع عشر والبروفيسور حسن محمد مكى حديثاً[3]. ولعل المِعْول الذى صدّع جدران افريقيا فحطَّم وحدتها التاريخية إلى كتل متفارقة، هو مؤتمر برلين الشهير (1884 - 1885)م الذى فصّل دول إفريقيا على مقاييس استعمارية، فأنتج ما يعرف اليوم بأقطار إفريقية شمالية أو جنوبية وشرقية أو غربية. وزادت الهوة اتساعاً بعد مرحلة الإستقلال حيث ارتسمت الحدود الجغرافية بين الدول، وإنشغلت كل دولة بما يهمها من تحديات داخلية جديدة( إلا فى حالات العلاقات الدبلوماسية التى يتم التعامل فيها بين الدول على أساس الجوار وتبادل المصالح المشتركة). لقد تخلّصت افريقيا عموماً من قبضة الإستعمار منهكةً من ممارسات الإستنزاف المادِّية والمعنوِّية وحتى البشرِّية، الأمر الَّذى يوجب لها مضاعفة الجهود للبحث عن وسائل وطرق النهوض من جديد للإلتحاق بركب الحضارة لتجد لها مكاناً يليق بها فى صفوف المتقدمين وما أكثر من تجربة أو محاولة قام بها الزعماء الأفارقة منذ نصف قرن لتحقيق هذا الهدف السامى الشَّريف، ومهما تكن نتائج نضالاتهم بين التوفيق أو الإخفاق، فإنهم بذلوا مجهوداتٍ مقدرةً منطلقين من رؤى متباينة ودوافع متعددة. ونحن اليوم إذ نَهُبُّ لمواصلة المشروع فلا بأس أن نُعير اهتمامنا – بالإضافة إلى إهتمامات أخرى – إلى نقطتين أراهما أساسيتين فى الحديث عن أىِّ موضوعٍ يمتُّ إلى مستقبل العلاقات الإفريقية بصلة: 1. إن وشائج العلاقة وروابط الصلة الشعبية الفطريَّة، التى ارتبطت بين معظم أهل أفريقيا لا تزال متينة، ولا تزال آثارها باقيةً عبر القرون لم تقدر عوادى الزمان أن تزحزحها عن مكانها. وقد كفانا الله مؤنة إحيائها، ما علينا إلا أن نَنفُضَ عنها التراب لتعود ناضرةً ناشطةً كما كانت فى أيامها السابقة، فنمتطى صحوتها كأسرع وسيلةٍ تبلغنا إلى الغاية المطلوبة – نهضة إفريقيا وتقدمها. 2. إن عشرات السنين التى قضاها الإستعمار فى معظم البلدان الإفريقية، ما هى إلا فترة إعاقة وتأخير طويلة، لكى يتم تعويضها فلابد من الإعتماد على التعاون والتساند الأخوىِّ بصفةٍ جادَّة مستمرَّة ومتجددَّة. فعلى ضوء هاذين المعيارين تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على العلاقة بين السودان وغرب أفريقيا مع التركيز على علاقة السودان مع دولة نيجيريا. مشكلات البحث: - يحاول البحث معالجة التساؤلات التالية: . هل للسودان مع دول غرب إفريقيا علاقة تاريخية؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فما هى ظواهر هذه العلاقة؟ وإلى متى يعود جذورها التاريخية؟ . كيف يتم استغلال الحقائق التاريخية لإحياء العلاقات الثنائية بين السودان ودول المنطقة؟ . ما هى علاقة السودان مع نيجيريا؟ وفى أى من المجالات ظهرت ملامح العلاقة بينهما؟ وهل تركت هذه العلاقة التاريخية آثاراً فى المنطقتين؟ . كيف يتم تطوير العلاقات بين الجانبين، وفى أى من المجالات، وما هى الوسائل إلى ذلك؟ فروض البحث: - . يفترض البحث أن السودان جزء من دول غرب إفريقيا تاريخياً. . وأن التواصل واستمرارية التعامل بينهما أمر ضرورى. . إن العلاقة السودانية النيجيرية أفرزت مساهمة لغوية، وإجتماعية جديرة بالإنتباه والتنويه! . ثمة فرص اقتصادية هامة فوّتتها بعض العوائق أمام علاقة السودان مع نيجيرية. . إن تعزيز العلاقة السودانية النيجيرية أمر ضرورىُّ، ووسائل تحقيقها ممكنة وسهلة. . لا تزال إفريقيا عموماً بخيرٍ ونقطة قوتها كامنةٌ فى نقطة ضعفها أيضاً. منهج البحث: - . يعتمد البحث – فى الغالب – على المنهج التاريخى الوصفى التحليلى. المحور الأول: - العلاقات الدولية الثنائية: - العلاقات الدولية الثنائية هى كل اتصال أو تعامل بين دولتين على المستوى الرسمى أو الشعبى لغرض تحقيق مصالح مشتركة أو دفع مفاسد ضارة للطرفين. فالعلاقات الدولية الثنائية بهذا الوصف كانت موجودة بين الدول القديمة، وظواهرها كثيرة، تجلت فى الجانب الإقتصادى، كالتبادل التجارى بين شعب وآخر، وفى المجال الأمنى كتبادل الأسرى، وعقد الصلح والمهادنات، وغير ذلك، لذلك يصعب على المؤرخ أن يضع أصبعه على الفترة المحددة التى بدأت فيها العلاقات الدولية فى التاريخ. وهذا عكس نشأة العلاقات الدولية الثنائية بين الدول الحديثة، التى ترى بغض المراجع أنها بدأت سنة 1648م.[4] وكان ذلك أثناء انعقاد صلح وستفاليا (Peace of Westphalia) وهو عبارة عن معاهدتى سلام دارتا فى مدينتى أسنابروك (Osnabruk) ومنستر (Munster)، ومعظم هذه المدن تقع اليوم فى دولة ألمانيا. وبسبب هذه المعاهدات والإتفاقيات أوقف الأوربيون الحروب الطاحنة التى كانت تدور بينهم قرابة ثلاثين عاماً فى الإمبراطورية الرومانية، وحروب أخرى دامت منذ ثمانين عاماً بين أسبانيا ودول غربية أخرى، ويعتبر هذا الصلح أول إتفاق دبلوماسىٌ فى العثور الحديثة، وأول نشأة مبدأ سيادة الدول. ولقد اشتدت الحاجة إلى عقد تلك العلاقات الدولية الثنائية مع مرور الزمن وازدياد التقدم الحضارى مع ما يحمله ذلك التقدم من تعقيدات وتحديات والتى كان من نتائجاتها الحربين العالميتين، وما تلاهما من حركات إستقلالية التى قامت بها الدول المستعمَرة، كما دفعت عجلت هذه العلاقات حاجات الدول الكبرى الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الداخلية منها والخارجية. فأثَّر ذلك على أهداف العلاقات الثنائية الدولية، حيث غلب عليها طابع الهيمنة والتأثير، وفرض الإرادة على الطرف الضعيف بين المتعاملين. ولقد وصفت الموسوعة الحرَّة العلاقات الدولية الثنائية الحديثة بشئ من الواقعية حيث تقول: "العلاقات الدولية هى تفاعلات ثنائية الأوجه أو تفاعلات ذات نمطين: النمط الأول هو نمط تعاونى، والنمط الثانى هو نمط صراعىٌ وهو الغالب على التفاعلات الدولية، ورغم محاولة بعض الدول إنكار وإخفاء هذه الحقيقة. والنمط التعاونى مثل تقديم الخدمات الإنسانية، قد يحمل فى طياته محاولة التأثير على قرار الطرف الآخر[5]. ومثل هذه العلاقة هى التى تحدث عنها مركز الدراسات الأفريقية بجامعة شانغهاى (الصين) بقوله: "إن العلاقات الدولية هى نوع من العلاقات الغير متكافئة، فشريعة الغاب، والمؤامرات، هى القانون الحَتمى فى العلاقات الدولية"[6]. والحق أن هذه الظاهرة، وإن احتلَّت حيِّزاً كبيراً من مساحة العلاقات الدولية، إلى أنها ليست هى الصورة الوحيدة فى الساحة، بل هناك نماذج لعلاقات دولية تتسم بروح الإنسانية المنصفة، غايتها التعاون المشترك الحقيقى لتحقيق المصالح المتبادلة والمساهمة الجادة فى إيجاد السلام العالمى. ولا شك أن تطورات الأحداث فى الدول النامية، والأفريقية منها على وجه خاص، تؤشِر إلى قابلية نموِّ وازدهارٍ فى العلاقات الدولية الثنائية بينها، لأجل ما تشهده الساحة السياسية من انفتاح ومزيد من الحريات، وإتاحة الفرصة لمنظمات المجتمع المدنى كى تواصل نشاطاتها فى بناء جسور التواصل والتعارف بين شعوب وأمم المنطقة. المحور الثانى: - تاريخ علاقة السودان مع غرب إفريقيا ذكر الأستاذ الطيب محمد الطيب، الصحفىُّ والكاتب السودانىُّ أنه أثناء زيارته لمدينة كنو بنيجيريا سنة 1979م التقى المرحوم الشيخ محمد الناصر كبرا شيخ الطريقة القادرية المعروف، فأخبره بأن علاقة السودان مع مدينة كنو قديمةٌ جداً حيث ارتبط تاريخ المدينة بمملكة مروى السودانية. "والمعروف أن مملكة مروى بادت سنة 350 ميلادية"[7]. وفى سنة 1994 أى بعد خمس عشرة سنة من اللقاء بينهما كرَّر الشيخ الناصر نفس المعلومة فى أمدرمان، وذلك فى كلمته التى القاها أمام جمهورٍ من الحاضرين بمناسبة تكريم الشيخ بدكتوراة فخريَّة من قبل جامعة أمدرمان الإسلامية، فأكد أن أحد أبناء مملكة مروى السودانية وصل إلى المنطقة المسماة اليوم بكنو،( فحاول أن يكوِّن دولةً ذات شوكةٍ يستطيع بها الرجوع إلى وطنه ويأخذ بثأره[8]). ومما يُضاف ضمن البذور الأولية لعلاقة السودان مع غرب إفريقيا قوافل الحجاج التى تمر بالأراضى السودانية قبل الوصول إلى الأراضى المقدسة، ومن أبرز الحجاج فى هذا السياق قافلة جور ماندانا كوناتى أول ملوك مملكة مالى الإسلامية، وقد حج عام 1051م[9]. وهكذا نجد من الكنوز التاريخية وَمْضاتٍ هنا وهناك تبلور لنا الأسس الأولية للصلة السودانية مع منطقة غرب أفريقيا، وهى موجودة حتى فى تاريخ السودان ذاته، إذ ثبت أنه من العلماء الأوائل الذين وصلوا السودان (من المغرب) وأحضروا الكتب الدينية واللغوية وأسَّسوا المدارس والخلاوى القرآنية. رجلٌ يسمى (عيسى ولد كنو) لقد أثار هذا الكلام اهتمام العالم السودانى البروفيسر محمد الأمين أبومنقا مما دفعه إلى التساؤل: هل هو ولد كنو الواقعة بشمال نيجيريا[10]. وتعتبر أسفار العلماء وطلبة العلم بين المنطقتين إحدى أسباب التلاقى والإرتباط بينهما. تقول بعض المراجع التاريخية ان عدد الطلبة من دار الفنج السودانية إلى بعض المدارس فى برنو زاد على ألف طالباً فى أواخر القرن السابع عشر الميلادى وفى الوقت نفسه وجد فى بعض الخلاوى السودانية أكثر من ألفى طالب من دول غرب إفريقيا[11] . لقد ظلت العلاقة بين السودان وغرب إفريقيا تساير حركة التاريخ، كلما تقدمت الأيام ازدادت العلاقة بينهما نمواً وتطوراً، ففى منتصف القرن الخامس عشر الميلادى أخذت مجموعات من قبائل الفلاته الرُّحل بهجرات للرعى والبحث عن الكلأ من بلاد فوت متوجهين نحو الشرق فمنها مجموعة استوطنت بلاد الهوسا تحت قيادة موسى جُكُلُّوا الجد الثالث عشر للشيخ عثمان بن فودى ومجموعة أخرى واصلت السير شرقاً فتمركزت بمملكة برنو. أما المجموعة الثالثة استمرت (عبر برنو ووادى دارفور حتى بلغوا سودان وادى النيل)[12]. إلا أنه مع حلول القرن التاسع عشر الميلادى وقع أكبر حدث أدّى إلى توطيد العلاقة بين السودان وغرب إفريقيا ألا وهو ما أخذ بعض أتباع الشيخ عثمان بن فودى يشيعونه من أنه المهدى المنتظر الذى يأتى آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً بعد أن ملأت جَوراً. وقد حاول الشيخ عثمان أن يفنِّد هذا الإدعاء، فأصدر بيانات تنفى عنه صفة المهدية، وذكر أن للمهدية أوصافاً محددةً فى الآثار وكلها لا تنطبق عليه: منها أن المهدى سيظهر من سلالة النبى صلى الله عليه وسلم، من أبناء فاطمة رضى الله عنها، وبعد وفاة الشيخ عثمان بن فودى انتشرت الأحاديث بأن الشيخ قد تنبأ بظهور المهدى وأنه سيظهر من الشرق، وأنه أوصى أتباعه بمناصرته ضد النصارى. لقد إشتد اشتياق الناس إلى ملاقات المهدى فأخذوا يهاجرون بلاد الهوسا إلى بلاد السودان زرافات ووحداناً وكان ذلك منذ منتصف القرن التاسع عشر، وتضاعفت كثافة الهجرة فى منتصف الثلاثينيات، لا شك أن أثر هذه الهجرات المتتالية كان بارزاً حتى أقلق السلطات فى بلاد الهوسا، ويبدوا أن الحكام آن ذاك أحسُّوا بخطر الهجرة على أمن البلاد إذ أدت إلى نقصان عدد السكان [13] فاضطر أمير المؤمنين أبوبكر عتيق إلى إصدار مرسوم يعلن فيه أن زمن الهجرة لم يحن بعد. فى سنة 1903 وقعت معركة بين الجيوش الإستعمارية البريطانية وجيوش دولة الشيخ عثمان بن فودى تحت قيادة أمير المؤمنين محمد الطاهر بن أحمد بن أبى بكر عتيق بن عثمان بن فودى فأسفرت المعركة عن انتصار الجيش البريطانى اليوم 15 مارس سنة 1903م، حينها أعلن السلطان محمد الطاهر العزم على الهجرة إلى الشرق، ولقد لبَّى دعوته للهجرة عشرات المئات من الأتباع معهم ذويهم وحواشيهم. إلا أن جنود الإستعمار اعترضت طريق الهجرة أيضاً فوقعت معركة أخرى إستشهد فيها السلطان محمد الطاهر، فبايع أتباعه – إثر ذلك – ابنه محمد بيللو مايِرْنُو (Mai Wurno) لمواصلة الهجرة، فانطلق الأخير مع جمع غفير من الأتباع يقدر بخمسة وعشرين ألفاً، فيهم علماء وقواد الجيش وأعيان الدولة العثمانية الفودية وتوجهوا نحو السودان فى سفر طويل قطعوا خلاله مسافة بعيدة فى ثلاث سنوات (1903 - 1906)م حتى وصلوا قرية "الشيخ طلحة" الواقعة بين سنجة وسنار[14]. وبعد ذلك انتقلوا فأسسوا القرية المعروفة اليوم بمايرنو. ويقطن هذه القرية اليوم عشرات المئات[15] من المواطنين السودانيين ذوى الأصول الغرب إفريقية وفيها من القبائل الفلاتة والهوسا وصنغاى والبرنو. فهكذا شاءت الأقدار أن تكون قرية مايرنو هذه آية من الآيات التاريخية الدالة على التناغم والتمازج بين دول غرب إفريقيا والسودان. يقول الدكتور عثمان بقاجى بهذا الصدد:"وستظل هذه العلاقة التاريخية (بين السودان وغرب إفريقيا) أكبر شاهد على الإندماج الإجتماعى والتحالف السياسى (بين المنطقتين) وأثرهما أقوى وأهم من كل المحاولات الدبلوماسية التى تقوم بها الحكومات الحديثة بعد الإستقلال[16]. ويقول البروفيسر أبو منقا: " وكل هذا يشير الى وحدة المشاعر الدينية والتاريخية بين المنطقتين الأمر الذى يرشحهما لوحدة أكبر تشمل الجوانب الإجتماعية والثقافية والإقتصادية[17]. ويبدو أن السودان ركز فى علاقته مع غرب افريقيا على دول معدودة، وهى الدول التى فتح فيها السفارات مثل نيجيريا، والسنغال، والنيجر، وموريتانيا. ومن بين هذه الدول يركز السودان فى علاقته مع دولة نيجيريا بصفة خاصة حيث بدأت العلاقة بينهما رسمياً سنة 1960م أى العام الذى استقلت فيه نيجيريا من بريطانيا. ومن أواخر دول غرب إفريقيا ارتباطاً بالسودان، دولة السنغال التى تم افتتاح سفارة السودان فى عاصمتها (داكار) سنة 1988م[18]. ونشطت مؤخَّراً العلاقات بين السودان وجمهورية النيجر، وفى مجال التعاون الإقتصادى، فقد وقَّعت وزارة النفط السودانية مع وزارة البترول والطاقة النَّيجَرية مذكرة تفاهم للتعاون فى مجال الإنتاج النفطى، وتدريب الكادر البشرى ومد خطوط البترول حيث وقَّع من جانب السودان وزير النفط السودانى د. عوض أحمد الجاز، ومن جانب دولة النيجر وزير البترول والطاقة السيد قوما كوى قادو[19]. يلاحظ أن دولة السودان ركزَّت فى علاقاتها الدبلوماسية على نيجيريا من دول غرب إفريقيا جميعاً، وهذا ما لاحظه الشريف مصطف الفزازى حيث قال: "أما فى غرب إفريقيا فيتمتع السودان بعلاقات مميزة مع نيجيريا"[20]. ولعل سبب ذلك يعود إلى ما تتميز به نيجيريا من كثافة سكانية لأن نصف سكان غرب إفريقيا أو أكثر تقطن داخل الحدود النيجيرية بالإضافة الى نشاطها التجارى وقوة إقتصادها مع تأثيرها السياسى على دول المنطقة ومؤسساتها السياسية والإقتصادية. ولكن هذا لا يمنع توطيد العلاقة مع دول أخرى فى غرب إفريقيا، وخاصة غانا، والنيجر، وأمثالهم من الدول التى تشهد نمواً سياسياً واقتصادياً ملحوظاً الأمر الذى يؤشر الى مستقبل إقتصادى باهر. كما يجب على بقية دول غرب إفريقيا أن تقتفى أثر دولة النيجر فى توقيع عدة وثائق التفاهم التعاونى مع السودان وخاصة فى مجالات التعليم، والنفط، والزراعة، والرياضة، فإن هذا التصرف سيعود على الطرفين بفوائد عظيمة. المحور الثالث: - علاقة السودان مع نيجيريا بدأت العلاقة بين السودان ونيجيريا رسمياً سنة 1960م، ومنذ ذلك الوقت كانت الصلة بينهما تسير فى أمان ووئام. وفى سنة 1998م[21] تم تشكيل اللجنة الوزارية بين البلدين بأبوجا – نيجيريا لبحث وتطوير التعاون المشترك وتكون بمثابة جسر للتواصل بينهما وربطهما بمشاريع استراتيجية مهمة وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة ودعم وتشجيع التحولات الديمقراطية والتبادل السلمى (للسلطة)، وتشجيع التبادل التجارى المرتبط بتجارة الحدود وحرية انتقال الأفراد بين البلدين بدون قيود.....، وفى سنة2002م[22] تم رفع هذه اللجنة الوزارية إلى اللجنة العليا – برئاسة نائبى الرئيس فى كلا البلدين[23]- لرعاية العلاقة السودانية النيجيرية وتوسيع دائرة التعاون الإقتصادى والفنى وتشجيع الإستثمار وحماية الطيران المدنى والتبادل العلمى والتعاون فى المجال الزراعى وصيد الأسماك، والتعاون الدبلوماسى والسياسى بين خارجية البلدين[24]. إلا أن المراقبين – مع احتفائهم بأهمية تلك البرامج الطموحة – لم يقتنعوا بمستوى سرعة تنفيذها فى الواقع[25]....، ومهما يكن من أمر فإن تاريخ العلاقة بين الدولتين فى العصر الحديث شهد نمواً ملحوظاً وتطوراً مُهِمَّاً فى كثير من المجالات ( وخاصة التعليم)، ويمكن رصد ذلك خلال النقاط التالية:- 1. التعليم: - إن أهم ما يميز العلاقة بين الدولتين هو التعليم، وخاصة التّعليم الإسلامى، فإنَّ أهمَّ وأعرق المؤسسات العلمية الإسلامية الحديثة فى نيجيريا لم تكن إلا نتيجةً للعلاقة مع السودان. وأول ما يضرب به المثل بهذا الصدد، مدرسة العلوم العربية التى أسَّسها أربعةٌ من العلماء السودانيين سنة 1934 وكان ذلك إثر زيارة أدَّاها وزيرُ أميرِ كنو محمد غطاطو إلى السودان بعد عودته من آداء فريضة الحج، فدفعه الطُّموح للعلم والمعرفة، إلى زيارة قسم الشريعة التابعة لكلية غردون (جامعة الخرطوم). فوقف على نظام التعليم الشرعى وفق الطرق والمناهج الحديثة، ولما عاد إلى بلاده أشار على أمير كنو وقتئذ (الحاج عبدالله بايرو) بتأسيس مدرسة لتعليم العلوم الشرعية على غرار قسم الشريعة الموجود فى السودان، وسرعان ما وافق الأمير على ذلك، ولكن السلطة الإستعمارية التى تتحكم فى البلاد حينئذ لم توافق على مبادرة الأمير إلا بعد إصرارٍ وإلحاح شديدين، وتقول بعد المصادر[26] أن موافقة الإنجليز جاءت نتيجةَ مشورةٍ من بعضهم بأنه من الأحسن أن يؤذن لأهل الشمال بتأسيس مثل هذه المدرسة الدينية حتى لا يضطروا إلى إرسال أبنائهم إلى البلاد العربية، وكانو يخشون ذلك خوفاً من أن يتأثروا بالحركات المناوئة للإستعمار فى البلاد العربية وخاصة مصر. وبعد الموافقة على تاسيس المدرسة، تمَّ إنتداب ثلاثة من كبار الشيوخ من السودان لإرساء قواعدها وهم:- أ. الشيخ بشير الريح (وهو أول عميدٍ لمدرسة العلوم العربية). ب. الشيخ محمد صالح سوار الذهب. ج. الشيخ النور التنقارى. ولقد قدموا إلى نيجيريا براً فى رحلةٍ مُضنيةٍ إستغرقت ثلاثة أشهر، ركبوا فيها اللَّوارى والحمير حتى وصلوا إلى مدينة برنو ومنها إلى كاتسينا ثم إنتقلوا إلى مدينة كنو حيث استقر أمر المدرسة التى سميت بالكلية الشرعية (Law School) ثم سمِّيت فيما بعد بمدرسة العلوم العربية. لقد كانت هذه المدرسة إلى اليوم نبراساً للمعارف الإسلامية فى نيجيريا اقتبس منه آلاف الناس من الأقاصى والأطراف فى مختلف المجالات والتخصصات وكما يسميها أبناؤها "أم المدارس" فهى كذلك بحقٍّ إذ أنجبت مدارسَ وجامعاتٍ ومعاهدَ كثيرةً على رأسها جامعة بايرو كنو وكلية أمين كنو للشريعة والقانون. كما أن المدرسة ظلت حلقة وصل بين السودان ونيجيريا حيث أخذت مئات البعوث والإرساليات التعليمية تأتى من السودان للقيام بمهمة التدريس فأجادوا وأفادوا بكل ما أوتوا من الحكمة والحنكة وسخروا طاقاتهم الذهنية والجسميِّة لتنشأة أجيالٍ متنوِّرين نيجيريين ومن بين هؤلاء العلماء – وهم كثيرون – الشيخ عوض محمد أحمد، والشيخ عبدالقادر عمر، والشيخ الصدِّيق عمر أحمد، والشيخ على التُوم محمد، والشيخ إبراهيم صالح موسى. وآخر السودانيين إلى الآن ممن درَّسوا فى مدرسة العلوم العربية المرحوم الشيخ نورالدين حسن الذى انتقل إلى رحمة الله سنة 2011 بعد خدمة عظيمة الفوائد وجليلة النتائج قضاها خلال أربعين سنة مدرِّساً ونائب عميدٍ، وباحثاً ومؤِّلفاً تربوياً، عليه رحمة الله. ويمكن اعتبار مجموعة الشيخ البشير الرَّيح ممثلةً للمرحلة الأولى من العلاقات النيجيرية السودانية الثقافية عموماً فى العصر الحديث. ولقد بدأت هذه المرحلة من سنة 1934م الى أواخر الستينات من القرن العشرين. ومع بداية سبعينات القرن الماضى، وقع حادث سياسىٌّ عنيفٌ فى السودان بين الحكومة العسكريَّة التى يقودها جعفر نميرىُّ، وبين القيادة السياسية الإسلاميَّة الأمر الذى سبَّب فى هجرة عدد من مثقفى الحركة الإسلامية الى دول إسلامية وغربية شتىَّ، فكان من نصيب نيجيرية كوكبة من خيار مثقفى السودان الذين وفدوا الى نيجيريا ليتوظفُّوا فى جامعاتها وخاصة جامعة أحمدو بيللو زاريا. وفيما يلى ذكرٌ لبعض هؤلاء الأساتذة مع مجالات تخصصهم: - 1. دفع الله عبدالله الترابى - الهندسة المدنية(Civil Engineering). 2. عوض سالم الحكيم - الهندسة الميكانيكية(Mechanical Engineering). 3. عثمان سيد أحمد - التاريخ الإسلامى(Islamic History). 4. زكى مصطفى - القانون(Law). 5. حماد عمر بقَّارى - الطب البيطرى(Veterinary Medicine). 6. محمد أحمد الحاج - التاريخ الأفريقى(African History). 7. عبدالله سليمان العوض - الطب الوقائى(Preventive Medicine). 8. محمود العميرى - الشريعة والقانون(Islamic Law/Common Law). 9. أحمد محجوب حاج النُّور - الشريعة والقانون(Islamic Law/Common Law). 10. عمر حسن - الزراعة(Agricultural Science). 11. محمد إبراهيم الخليل - القانون(Law). 12. عبدالله الطيِّب - مؤسس وأول عميد لكلية عبدالله بايرو للغة العربية والدراسات الإسلامية. ومن الأساتذة السودانيين الذين كانوا معه: . مجذوب سالم. . إسماعيل حسين. . أحمد محمد كانى. ومنهم أيضاً البروفسير أحمد كانى والبروفسير محمد الأمين أبومنقا والدكتور عبداللَّطيف سعيد، والدكتور بابكر غدرمارى وغيرهم كثيرون. لقد ترك هؤلاء الأساتذة آثاراً قويةً لايزال صداها يتردد على الآذان حتى يومنا هذا وسيظل كذلك إلى ما شاء الله. لأنهم خرَّجوا مئات العشرات من الطلبة الذين أصبحوا قادة نيجيريا اليوم فى عدة مجالات وشاركوا فى بناء الصرح التعليمى بدءاً بوضع المناهج إلى تأسيس المدارس والجامعات. فالشيخ عوض محمد أحمد مثلاً، كان مدير مدرسة العلوم العربية الثانى بعد مديرها ومؤسسها الشيخ البشير الريَّح، وبعد إستقلال نيجيريا سنة 1960م أنشأت الحكومة الشمالية هيئة القضاء، فتم نقل المرحوم عوض من مدرسة العلوم العربية ليصبح أول قاضى قضاة شمال نيجيريا. والمرحوم البروفيسر أحمد كانى شارك فى تأليف كتابٍ مَدْرسى فى اللٌّغة العربية للأطفال فحل بذلك أزمةً كبيرةً فى ذلك المجال فهو أول كتاب مدرسى عربى محلىِّ وضع وفق البيئة والتقاليد النيجيرية. والشيخ أحمد محجوب حاج نور الذى عمل محاضراً فى كلية الشريعة والقانون بجامعة أحمد بيللو (زاريا). ربَّى الأجيال الأولى لقضاة ومحامى نيجيريا بالإضافة إلى دوره مع زملائه فى ترشيد الشباب المسلمين فى الحرم الجامعى فنشئوا صالحينَ ولا نزكى على الله أحدا وَملتزمين. وجرياً على سنة التمازج الإجتماعى القائمة على قاعدة التأثير والتأثُّر فإنهم تأثروا كثيراً بالتراث النيجيرى. فالبروفسير عبدالله الطيب مثلاً لم يزل حتى إنتقل إلى رحمة الله – يردد – فى مناسبات خاصةٍ وعامة اشتياقه للديار النيجيرية، وكان يمجِّد أمجاد سلفهاَ كالشيخ عثمان بن فودى وأخوانه (تلاميذه وأتباعه) وأنه كان يكثر الإطراء للزىِّ القومىِّ النيجيرى ويراه أجمل لباس تراثى على الإطلاق[27] . ومن الآثار التى تركت بصمتها على حياة المرحوم البروفيسر عبدالله الطيب ، إتباعه طريقة النيجيريين (وأظنها طريقة عامة فى بلاد غرب أفريقيا) فى تفسير القرآن الكريم، حيث يقعد بجانب المفسِّر مقرئٌ، يتلوا آيات القرآن الكريم ثم يشرع المفسِّر فى تفسير الآيات آية بعد أخرى، وهكذا إلى نهاية الختمة (أو الجزء المخصص للتفسير). أما الشيخ أحمد محجوب حاج نورٍ أبسط ما تقول فيه أنه لو كانت نيجيريا ليلى فهو قيسها! إذ كانت فترات حياته فى السودان حافلةً بالذكريات النيجيرية، وكان يُدرِّسنا بكلية الشريعة بجامعة إفريقيا العالمية (1992 - 1996)م، فلا يكاد يذكر حكماً من الأحكام الشرعية إلا تعرَّض – أثناء شرحه للمسألة – لذكر نيجيريا إما بقول أحد علمائها فى المسألة، أو بإستشهاد تمسكهم بالمذهب المالكى، أو حادثةٍ علميةٍ وقعت بينه وبين أحد النيجيريين من الخاصة أو العامة فى مسألة مشابهة. وكان يداوم على هذا السلوك حتى أثار غيرة زملائنا من طلاب دول أخرى، فكانوا يلقبونه (فى الدخليات) ب(عندما كُنُّا فى نيجيريا)! لأنه - عليه رحمة الله كثيراً ما يردِّد تلك العبارة. هذا ولم يقتصر دور السودان الفعَّال فى نهضة نيجيريا العلمية، على موضوع البعثة التعليمية فحسب، بل تَجاوز ذلك إلى أبعاد أخرى منها أن أول ما يسمى فى نيجيريا (وفى الشمال خاصة) بالمدارس الإسلاميِّة لتعليم الأطفال مبادئ العلوم العربية والدراسات الإسلامية والأناشيد، أسَّسها أحد كبار السياسيين (مالم أمين كنو) وكان ذا توجُّه إشتراكىٍّ معتدلٍ[28] فهى مدرسةٌ نموذجية تجمع بين العلوم العربية والإسلامية مع الدراسات الإنجليزية والحساب والمعلومات العامة. فأخذت المدرسة تؤتى نتائج مذهلة حيث كان تلاميذها يتفوقون على تلاميذ المدارس الحكومية – التى تدرس المواد الأكاديمية إلا أن الخلافات السياسية جعلت المستعمرين ينظرون إلى تلك المبادرة كحيلةٍ سياسية من مالم أمين كنو لإستقطاب الأتباع وإستضمان المكاسب الحزبية، فأدى ذلك إلى مناهضة هذا المشروع العلمى الواعد. حتى وصل الأمر إلى الإعتداء على المدرسة ومدرسيها وتخريب أدواتها ومبانيها[29]. أما مناسبة هذا الكلام بموضوعنا هو أن فكرة تقديم هذا النوع الفريد من المدرسة جاءت من زيارة مالم أمين كنو للسودان. لقد أخبرنى الأستاذ حسن فلاته[30] أنه كان مرشداً سياحياً لأمين كنو أثناء تلك الزيارة وهو الذى ساقه إلى كثير من المعاهد الدينية فى السودان والتى وقف على تجاربها. وهكذا كان الأمر بالنسبة لتأسيس مدرسة إسلامية إبتدائية المسماة ب(المعهد الدينى للشيخ ناصر كبرا). يقول مؤسسها ورائدها وأبوها الرُّوحى المرحوم الشيخ ناصر كبرا:(وهاهى رايات الإيمان والإحسان أخذتُها من السودان من أقطاب الطريقة القادرية السمانية، شيخنا محمد الفاتح بن سيدى قريب الله قدِّست أسرارهما، ها هى تلك الراياتُ ترفرف خفاقةً فى نيجيريا بل فى عموم إفريقيا، وهاهو المعهد الدينى بأمدرمان اقتبستُ من نوره وأسست معهداً دينياً يعْتبر أول معهد لتعليم الإسلام على الطراز الحديث فى شمال نيجيريا...)[31]. ولن يكتمل الحديث عن أثر السودان فى النهضة العلمية (الدينية خاصة) فى نيجيريا دون الكلام عن البعثات العلمية إلى الجامعات والكليات فى السودان. لقد فتحت القيادة الشمالية أبواب الأمل واسعة أمام الشباب الخرجيين من مدرسة العلوم العربية وغيرهم لمواصلة الدراسات الجامعية فى الدول العربية كمصر والسودان والسعودية والعراق وغير ذلك. فكانت الدفعة الأولى ممن تم قبولهم بمعهد بخت الرضا بالدويم (السودان)، وهم: - أ. الأستاذ عبدالقادر أوكيكرى (Okekere) إمام:- كان من أوائل الطلبة النيجيريين الذين تخرجوا فى معهد بخت الرضا بالسودان. ولقد أصبح موظفاً رائعاً فى السلك الدبلوماسى، كان سفيراً لنيجيريا فى عدة دول عالمية أبرزها جمهورية مصر العربية. ب. الشيخ الخضر بنجى: - كان متخصصاً فى العلوم الشرعية وتولى منصب القضاء وإشتغل محاضراً زائراً لجامعة عثمان دان فوديو بسكوتو. ج. الشيخ محمود أبوبكر جومى: - ترقى بعد العودة من السودان مراتب العلم بدأً من التدريس بمدرسة العلوم العربية، ثم نائب قاضى قضاة حكومة الشمال، ثم قاضى قضاة الشمال. وبعد التقاعد من الوظيفة الحكومية تفرغ للتعليم والتأليف والدعوة وألَّف كتاب (ردُّ الأذهان إلى معانى القرآن) فى تفسير القرآن العظيم، ونال جائزة الملك فيصل الدولية سنة 1989م، وكان عضواً بالمجمع الفقهى بمكة، ومجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، وعضو مؤسس لرابطة العالم الإسلامى[32] ، وتوفى إلى رحمة الله سنة 1992م. د. شيخو أحمد سعيد غلادنث (بروفسير):- أصبح فى ما بعد مديراً لمدرسة العلوم العربية وعميداً لكلية عبدالله بايروا بكنو، وواصل دراساته العليا حتى نال درجة الدكتوراة فى اللغة العربية من جامعة القاهرة، ثم أصبح أول مدير لجامعة عثمان دان فوديو بسكتو، وكان مستشاراً لرئيس الدولة النيجيرية فى مطلع الثمانيات، ثم عيَّن سفيراً للدولة النيجيرية بالمملكة العربية السعودية، وله كتاب واسع الإنتشار داخل نيجيريا وخارجها (حركة اللغة العربية وآدابها فى نيجيريا)، ولا يزال نشطاً فى مجالات الخدمة العلمية والدعوية. ه. الشيخ (الإمام) آدم نائبى سليمان والى:- تخصص فى الطباعة والنشر وكان عالماً جليلاً ملماً بالعلوم الشرعية والعربية واللغوية وهو فصيح حكيم، وسياسى محنَّك وشاعر مفوَّه وكاتب باللغتين العربية والهوسية، تولى منصب القضاء حتى وصل إلى درجة قاضٍ بمحكة الإستئناف الشرعية العليا، ثم تقاعد إلى المعاش فعين إمام وخطيب جامع عمر بن الخطاب بالإضافة إلى كونه رئيساً عاماً لمنظمة (المؤسسة الإسلامية النيجيرية). و. الدكتور حسن إبراهيم غورزوا:- حصل على الدكتوراة فى الدراسات الإسلامية وعيَّن محاضراً بكلية عبدالله بايروا (الآن جامعة بايروا - كنو)، ثم أصبح أول قاضى قضاة ولاية كنو من أوائل السبعينات إلى أن توفاه الله سنة 1992م. لقد كان عضواً تأسيسياً لمنظمة (المؤسسة الإسلامية النيجيرية)، وأول رئيس لإدارتها، وهو أيضاً أول رئيس لمجلس العلماء النيجيرى. ز. الأستاذ إبراهيم بِي بِي فاروق: - إشتغل بمهنة التدريس بعد تخرجه فى السودان، ثم ترقى مراتب إدارية حكومية حتى أصبح – نائب والى ولاية كنو سنة 1979م. والحق أن المجال لا يتسع لإستقصاء أفراد هذه البعثات العلمية إلى السودان والتى لم تتوقف إلى الآن، ولكن ينبغى الإشارة إلى أمر مهم وهو التطور الذى شهدته هذه الإرساليات العلمية فى الفترة الأخيرة، وتتمثل فى نقطتين: . وجود إقبال متزايد للطالبات النيجيريات فى الدراسة بالجامعات والمعاهد السودانية ولم يقتصر الأمر على المرحلة الجامعية، بل وصل إلى درجتى الماجستير والدكتوراة. . إتساع مجال التخصص، إذ أصبح الطلاب النيجيريون اليوم يأتون إلى السودان للتخصص فى الهندسة أو الطب أو القانون أو الإعلام وغير ذلك. 2. الدعوة:- والدعوة الإسلامية أيضاً حلقة من حلقات الإتصال بين البلدين وهنا لابد من الإشارة إلى دور منظمة الدعوة الإسلامية – بعثة نيجيريا والتى لا تزال تقدم خدمات دعوية وتعليمية كبيرة، منذ فتح مكتبها فى نيجيريا سنة 1989م إلى اليوم. ومن أطيب إنجازاتها التعليمية كلية التربية الإسلامية، التى تأسسست سنة 1994 بمحافظة كورا بولاية كنو – نيجيريا، وتعتبر الكلية الأولى من نوعها فى ولاية كنو، لأنها تخرِّج طلبة مؤهلين ومؤهَّلات فى الدعوة والتربية وعلوم القرآن وثمارها المباركة منتشرة اليوم فى ربوع نيجيريا مدرسين ومحاضرين رجالاً ونساءاً وبعضهم الآن يكملون تعاليمهم الجامعية وفوق الجامعية فى مختلف بلاد العالم. 3. السياسة:- لعبت السياسة دوراً مقدراً فى تقوية العلاقة السودانية النيجيرية، حيث لعبت الأخيرة دوراً معروفاً فى مساعى وحدة الصف السودانى بدءاً من رعايتها لإتفاقيات السلام الأولى والثانية فى أبوجا بين شمال وجنوب السودان إلى محاولات المشاركة فى تحقيق التفاهم والتصافى بين الإخوة (الحركات الدرفورية والحكومة السودانية). ولا يزال الطرفان يسعيان إلى تقوية هذه الوشائج الأصيلة بين البلدين. لقد ورد فى موقع (سونا) السودانى[33] "أكد مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس جمهورية السودان العزم على تأكيد العلاقات السودانية النيجيرية من خلال: . وضع ترتيبات لتنظيم مؤتمر حول الإستثمار بين البلدين. . تواصل الزيارات بين المؤتمر الوطنى والحزب الحاكم فى نيجيريا. . تم الإتفاق على تأسيس جمعيتين لرعاية العلاقات السودانية النيجيرية فى الخرطوم وأبوجا[34]. 4. الإقتصاد:- كانت هناك نشاطات استثمارية يقوم بها رجال الأعمال فى بلاد الطرف الآخر كالمرحوم الشيخ عثمان الطيب وأخيه الدكتور إبراهيم الطيب. فدورهما فى الصناعة والتجارة النيجيرية مهم وكبيرٌ. كما أن لشخصيتين نيجيريتين (الحج أمينو دانتاتا والحاج عليكو دانقوتى) إستثمارات مهمة فى السودان. ولكن العلاقة بين الدولتين فى مجال التبادل التجارى لم ترق إلى المستوى المطلوب: (إن حجم التبادل التجارى بين السودان ونيجيريا ضعيف جداً، وأنه فى عامى 2007- 2008 لم يوجد تبادلٌ تجارىٌ بين الدولتين الأمر الذى يدلُّ على أن التبادل بينهما توقف فى السنوات الأخيرة[35]. أما على الصعيد الشعبى فإن خط نيجيريا السودان ما زال مشغولاً بتجَّارٍ يتبادلون سلعٍ وبضائع، كالثياب، وقطع غيار السيارات "وكريمات" وعطور وغيرها. إلا أن غلاء الخط الجوِّى ووعورة الطريق البَرِّى يشكلان أكبر عائق أمام هذه الحركات التجارية. الميزان التجارى: - الميزان التجارى وحجم التجارة بين السودان ونيجيريا خلال الأعوام 2003 – 2007[36] الأعوام الصادرات الواردات حجم التبادل التجارى الميزان التجارى 2003 28 88 116 60 2004 12.068 2 12.070 12.066 2005 11 401 412 -390 2006 - 669 669 -669 2007 - - - - 2008 - - - - القيمة بآلاف الدولارات ملاحظات على الميزان التجارى: - أ. أن حجم التبادل التجارى بين السودان ونيجيريا ضعيف جداً. ب. أن الميزان التجارى يميل لصالح نيجيريا خلال الأعوام 2003، 2005، و2006. ج. فى 2004 مال الميزان التجارى لصالح السودان بسبب الكمِّية المصدرة إليها من البترول فى ذلك العام. د. أما فى عامى 2007 – 2008 لا يوجد تبادل تجارى، وهذا مؤشر يدل على أن التبادل التجارى بين البلدين توقف فى السنوات الأخيرة. ه. تتمثل صادرات السودان الى نيجيريا فى الآتى:- الجلود، البترول، أخرى. و. أما وارداته من نيجيريا فتمثل فى المنسوجات، وسائل النقل، آلات ومعدَّات، كيماويات، أو مواد غذائية أخرى. ز. بلغ حجم التبادل التجارى مع نيجيريا خلال الفترة 2003 – 2008 مبلغ 699 ألف دولار والميزان التجارى لصالح نيجيريا. 5. الإجتماع: - إن العلاقات الإجتماعية التى ربطت نيجيريا بالسودان منذ زمن قديم كانت متمِّيزة بالتعايش الراقى الذى وصل إلى درجة إندماج شعب كل دولة فى الدولة الثانية، ولا أدَّل على ذلك من وجود موطنيين سودانيين من ذوى الأصول النيجيرية، كما يوجد الآن فى نيجيريا أعدادٌ كبيرةٌ من السودانيين الذين اندمجوا فى الشعب النيجيرى وأصبحوا جزءاً من تنمية الدولة فى مختلف الأصعدة، وأبرز من يمكن ضرب المثال بهم المرحوم الشيخ عثمان الطيب الريَّح وأخوه (الدكتور) إبراهيم الطيب الريَّح. هذا بالإضافة إلى وجود جالية سودانية نشطة التى تضيف إلى نهضة نيجيريا إقتصادياً وعلمياً وثقافياً. ومن ضمن نشاطات هذه الجالية الثقافية، مجلة إجتماعية تصدرها جمعية (رابطة البِّر الخيرية) بإسم (صوت البِّر) ومما ورد فى إحدى أعداد هذه المجلة ذكرٌ لأهداف الرابطة: (...تمتين الصِّلات الطيِّبة، وربط جسور التواصل بين السودان الوطن الصامد ونيجيريا الوطن المضياف لما يربط هذين البلدين الشقيقين من مصير وتاريخ وقواسم مشتركة للمساهمة الفعالة فى تطوير التآلف الشعبى والتعاون الثقافى والإجتماعى والإقتصادى (...) ليكون نموذجاً ومثالاً حياً فى التكامل بين الشعوب[37] . 6. الأمن: - أما عن العلاقة الأمنية بين الدولتين يقول سفير السودان لدى نيجيريا (السابق) : "لقد لعبت (نيجيريا) دوراً كبيراً ومحورياً فى عملية البحث عن السلام فى الجنوب باستضافتها لجولات التفاوض الأولى، وطرحت خلالها تجربتها فى الحكم الفيدرالى والسلطة، فكانت أساساً لإتفاقيات نيفاشا، وكذلك أسهمت كثيراً فى تقريب وجهات النظر بين الطرفين. وإنطلاقاً من هذا الدور انخرطت فى مباحثات دارفور واستضافت جولات المباحثات بين الحكومة والحركات (الدارفورية) والتى توِّجت بإتفاق أبوجا. لم تقف عند هذا الحد بل دفعت بقواتها كمساهِمة فى قوات حفظ السلام حيث بلغ عددهم خمسة آلاف عنصر، احتسبتْ بعضهم فى مواقع النزاع فى دارفور. ومثَّلتْ إبراهيم قمبرى أحد كوادرها المؤهلة المبعوث المشترك للأمم المتحدة فى السودان، وها خير دليل على متابعتها لملف التفاوض فى الدوحة. فنيجيريا تهتم بإستقرار وسلامة السودان وتعتقد أن ما يحدث فى السودان ستنعكس تداعياتُه على دول المنطقة"[38] آثار العلاقة السودانية النيجيرية: طبعت هذه العلاقة بصمات خالدة فى وجه التاريخ من عدة نواحٍ: 2. الناحية الثقافية/اللغوية: فعلى الصعيد الثقافى مثلاً لايزال النيجيريون حتى الآن يردِّدون إسم بعض البلدان السودانية التى التى يتداولونها إما فى الأمثال الشعبية (فى لغة الهوسا) أو فى كتب القصص الأدبية. مثال الأول هو قولهم (كَلاسْ اَلْحَجِى يَاجِى مَدَنِى) أى (لما قيل للحاج وصلنا "مدنى" قال خلاص انتهى السفر!) أى أن الحاج سمع من يقول وصلنا مدنى (وهى المدينة السودانية المعروفة فى ولاية الجزيرة) ظن أن المقصود هو المدينة المنوَّرة فقال انتهى السفر ما دام أنهم وصلوا مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم! أما البلد السودانى الآخر ورد إسمه فى كتاب القصص المدرسى المعروف لدى الهوساويين (مغنا جارى ثى) أى (الحكمة كنز) ورد فى هذا الكتاب حكاية عن ملكٍ لمملكة سِنَّار التليدة. والجلابية النيجيرية الشهيرة إسمها بلغة الهوسا (كرتوم - الخرطوم)!. أما من الطرف السودانى فإننا نجد ألفاظ هوسيٍّة تعربت (باللغة العربية الدارجة) مثل (الغُوروا – الأَغَشِى – الغَدُوغَدُو...). كما يوجد فى الفنِّ السودانى أغانى باللغة الهوسيِّة أو ألفاظ منها. وفى بعض أحياء ومدن السودان أسماءٌ لأماكن سميت بلغة الهوسا كحىِّ الميغوما وقرية مايرنو وسوق أبوجا (بحى الإنقاذ). 3. الناحية الإجتماعية:- أما الآثار الإجتماعية هى أوضح من أن يشار إليها، فالقبائل والشعوب للدولتين المتواجدة فى الدولة الأخرى تكفى شاهداً على ذلك. المحور الرابع: - مستقبل علاقة السودان مع نيجيريا: إن أساس أى علاقة بين بنى البشر هو التعارف والتعاون: - "يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا..."[39]. والأخوة الإنسانية:- "أنتم بنو آدم وآدم من تراب"[40] ، "أنا شهيد أن العباد كلهم إخوةٌ"[41]. وأهدافها العامة نشر الخير ونفى الشر (وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)[42]. على هذا، يتوقع من العلاقة السودانية النيجيرية أن تمتد لتجدِّد سبل وطرق الإستفادة بين الشعبين وما أكثر ما فى كل دولة منهما من خير يمكن الإستفادة منه وتحديات يجب التعاضد والتكاتف لتجاوزها. إن فى السودان حضارة عريقة يقال إن الإنسان سكن السودان منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد[43] وإمكانياته الروحية والثقافية والمادية المكشوفة منها والمكنوزة ليست محل نزاع. كما أن نيجيريا دولة محورية فى العالم وغنية بموارد متعددة ولها ثقل إجتماعى ووزن سياسى مؤثرين فى منطقة غرب إفريقيا. والطرفان تواجههما تحدياتٌ متعددةٌ فهما - كغيرهما من الدول الإفريقية - يصنَّفان ضمن البلاد المنخفضة الدخل ومن بين الدول المتخلفة فى العالم[44]، كما أن الدولتين تحتاجان إلى الأمن والإستقرار الداخلى والخارجى. فتقوية العلاقة السودانية النيجيرية يفضى إلى وجود حلول حضارية مناسبة تحقق طموحات وآمال الشعبين ولعلها تكون نموذجاً يحتذى به فى العلاقات الدولية وخاصة إذا نظرنا إلى تأكيدات كثير من الخبراء من أن إفريقيا لا تزال بخير، وأنها قوة مستقبلية هائلة، يقول د. حمدى عبدالرحمن:- إن عمليات التهميش المتزايدة التى خضعت لها إفريقيا سوف تفضى فى المدى البعيد إلى تحقيق النهضة وسيؤدى إلى تجريد إفريقيا من نمط التنمية الإقتصادية المفروضة من الخارج والذى يفضى إلى المزيد من التخلف والتبعية..."[45]. ويقول جمال حمدان:"إذا كانت أروبا أكثر القارات حملاً للطابع البشرى وبصمات أصابع التاريخ، فإن إفريقيا هى القارة البكر العذراء أى الأولى شاخت والأخرى هى قارة المستقبل"[46]. إن بارقة الأمل والتنبؤات المبشِّرة بمستقبل إفريقيا كثيرة لكى تتحقق لابد من العمل الدؤب على مستويات الأفراد والجماعات والحكومات ومنظمات المجتمع المدنى. أما العلاقة السودانية النيجيرية بوجه خاص، فأهم ما يطورهاهو تكوين لجنة خاصة لتأسيس الجمعية التعاونية بين البلدين. وهذه اللجنة هى التى تقدم دراسة مستفيضة حول وسائل تجديد وتطوير العلاقة بين السودان ونيجيريا وتقترح البرامج التى تحقق الأهداف المطلوبة. كما أنها تحدد القنوات التى تنفذ البرامج والخطط المعدة على المستوى الرسمى والشعبى والإعلامى والتجارى والعلمى والإجتماعى والثقافى والسياحى وغير ذلك. ويجب أن تراجع البروتوكولات والإتفاقيات الرسمية الموقعة بين الطَّرفين للمتابعة والمساندة كى تطير العلاقة بينهما بجناحين قوييَّن على المستوى الرسمى والشعبى لقد كانت هناك محاولات جادة سابقة فى هذا الشأن، لكنها حسب المعلومات التى عند الباحث لم يكتب لها البقاء، مثل جمعية الصداقة السودانية النيجيرية التى أنشأت سنة 1989م وبدأت ببعض البرامج والنشاطات فى ذلك الوقت، ثم توقفت أنشطتها، والمحاولة الأخرى لإحياء مثل هذه الجمعية كانت سنة2009م، حيث تم تكوين لجنة بهذا الخصوص ولكنها أيضاً لم تستمر. فعلى كافة المهتمين هذه المرَّة أن يستلهموا التعاون التاريخى بين الشعبين وخاصة التكاتف النيجيرى السودانى المتمثل بين أتباع طن فودى وأنصار المهدى فى مواجهة القوى الإستعمارية، فيأخذون منه حماساً وشجاعة يواجهون بهما الإستعمار الحديث الجهل والفقر والمرض والقلاقل والإضطرابات! ويتوقع أن تزداد العلاقة بين البلدين قوة وتماسكاً إذا تم تنفيذُ ربط السودان مع غرب إفريقيا بخط سكةالحديد وطريق برىِّ عبر تشاد. فلا يخفى على أحد ما يتعلق بهذا المشروع من مكاسب إستراتيجية لأهل المنطقة عامة. ومما يطوِّر العلاقة بين البلدين مستقبلاً التعاون الإعلامى إذ أن وشائج الصلة التاريخية بين شعبي البلدين لابد أن تجعلهما حريصين على متابعة تطورات الأحداث عن كثب فالملاحظ الآن هو إعتماد شعوبنا على مصادر إعلامية ذات أغراض وتوجهات معاكسة لمصلحة أفريقيا الحقيقية، فإن عقد إتفاقيات التعاون بين وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقرؤة لا شك سيؤدى إلى نتائج إيجابية كثيرة. الخاتمة: - ثبت لنا أن العلاقة السودانية مع غرب إفريقيا عامةً ومع نيجيريا بالأخص علاقة تاريخية متجذرة تركت آثارها دينياً وإجتماعياً وثقافياً ولغوياً وإقتصادياً، وسياسياً، وأمنياً. وبما أنه تجمع بين الدولتين قواسم مشتركة تحتم على أبنائهما مواصلة ما بدأه الأوائل من تقوية وشائج الصلة وروابط الإتصال، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى مثل هذه الجهود نظراً إلى حجم التحديات المادية والمعنوية التى تواجه شعوب المنطقة ككل، وليس البلدان مستثنيين عنها، ولكن ثمة بارقة أمل تؤكد أن المنطقة مازالت بخير، وأن لها إمكانيات هائلة لكنها هامدةٌ لم تستغَلَّ بعد، فبلادنا ستكون قوة الغد وقاعدة المستقبل. لم يبق لنا إلا التشمير عن ساعدى الجِّد لإستخراج خيراتها الكامنة. ولا يكون ذلك إلا بالتعاون والتآخى والتواصل الشعبى والرسمى لنقيم علاقات متطورة ومتجددة مبنية على قواعد التكافئ والنِّديَّة والأخوة البشرية كى نقدم للعالم نموذجاً فريداً علمنا إيَّاه ديننا الحنيف إنقاذاً للناس أجمعين. ولقد وردت فى هذه الورقة إقتراحات عديدة نوجزها فى النقاط التالية: . توصى الورقة بالإهتمام بتاريخ العلاقة السودانية الإفريقية يدل على وحدة الجذور وبالتالى مشاركة الآلآم والآمال فعلينا الإستفادة منه كزاد لنا فى مواجهة التحديات الراهنة. . توصى الورقة بإحياء جمعيات الصداقة الشعبية بين البلدين، لتتولى وضع الخطط وتنفيذ البرامج فى المجالات الإقتصادية والإجتماعية، والعلمية والثقافية والسياحية والسياسية والأمنية. . توصى الورقة بأهمية توسيع السودان لعلاقاته مع دول غرب إفريقيا الأخرى ذات أهمية إستراتيجية فى المستقبل مثل غانا، والنيجر، وساحل العاج. . توصى الورقة أيضاً بأهمية السودان لكثير من دول المنطقة، وخاصة من ناحية الثقافة والمعرفة والدعوة الإسلامية، فعلى دول مثل توغو وبنين وبركينافاسوا الإنتباه الى مثل هذه الفرص. . توصى الورقة بوجوب مشاركة خريجى جامعة إفريقيا العالمية والجامعات والمعاهد السودانية من أبناء منطقة غرب إفريقيا فى بناء جسر التواصل بين شعوب السودان ودول المنطقة. . توصى الورقة بالمطالبة بتقوية العلاقة بين البلدين على المستوى الرسمى. . توصى الورقة بالمسارعة إلى ربط البلدين إعلامياً. هذا وبالله التوفيق وعليه التكلان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. المراجع: - أولاً: القرآن الكريم ثانياً: السنة النبوية أبوالحسن على السمانى: - تطبيق نصوص الفكر السياسى الإسلامى فى دولة صكتو الإسلامية، دار هايل للطباعة والنشر والتغليف. الخرطوم بحرى – السودان. جمال عبدالهادى محمد مسعود(دكتور) وآخر:-المجتمع الإسلامى المعاصر – أفريقيا، دار الوفاء – المنصورة. ط(1)، 1995م. محمد عاشور مهدى (دكتور):- الإسلام والمسلمون فى أفريقيا، مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا – السودان 2005م. رابطة العالم الإسلامى: - بحوث ندوة التعليم وتطوره فى غرب أفريقيا. نيامى – النيجر 2009م. جامعة إفريقيا العالمية مع أيسسكو:- بحوث الندوة العالمية عن الشيخ عثمان (دان فوديو) – الخرطوم 1995م مجلة قراءات إفريقية:- العدد الأول 2004م. مجلة صوت الوحدة:- عدد خاص أصدره مركز الفكر الإسلامى بدار القادرية. كنو – نيجيريا – 1995م. مجلة صوت البِّر:- الإصدارة الثانية 2011م. * لقاءات شخصية مع:- الفاضل بشير كرار الشيخ إلياس على *الدكتور أول شاوش Islam in Africa Proceedings of the Islam in Africa Conference –Abuja – Nigeria (1993). Alan Feinstein African Revolutionary: The life and times of Nigeria's Aminu Kano. Quadrangle Books – New York, (1973). www.sudannews.com www.sudaneseonline.com www.alukah.net www.mic.gov.sd www.alhadag.com www.iraqicp.com www.wikipedia.org www.arabsino.com [1] التاريخ الكبير نقلاً عن كتاب "تطبيق نصوص الفكر السياسى الإسلامى فى دولة صكتو الإسلامية، أبوالحسين على السمانى ص (1 - 21). [2] إنفاق الميسور فى بلاد التكور، ص (3). [3] حسن مكى، منطقة غرب أفريقيا طبيعتها وخصائصا الحضارية والسياسية والجغرافية، ص 37. [4] أنظر : (www.iraqicp.com). [5] www.wikipedia.org [6] www.arabsino.com [7] الطيب محمد الطيب، (تحت مظلة الشيخ كبرا)، مجلة صوت الوحدة عدد خاص أصدره فتية القادرية الناصرية. كنو – نيجيريا سنة 1995م. [8] المرجع السابق ص 9. [9] على السمانى، أبوالحسن، تطبيق نصوص الفكر السياسى الإسلامى فى دولة صكتو الإسلامية، ص (37). [10] محمد الأمين أبومنقا، الآثار العقائدية لحركة الشيخ عثمان بن فودى فى سودان وادى النيل، (بحوث الندوة العالمية التى عقدتها جامعة إفريقيا مع أسيكو)، ص (250). [11] المرجع السابق نفس الصفحة. [12] يوسف فضل الله، أثر حركة الشيخ عثمان دان فودى على دعوة المهدية فى سودان وادى النيل. ص (1). [13] المرجع السابق ص (315). [14] Abu manga, Resistance to the western system of Education by early migrant community of Mai wurno (Sudan) p (117). [15] كان عددهم سنة 1989م حسب المعلومة التى أدلى بها البروفيسر محمد الأمين أبومنقا 25000 (أنظر الى المرجع السابق). [16] عثمان بقاجى (The Jihad of sheikh Usman Dan Fodiyo and his impact beyond the Sokoto Caliphate). بحوث ندوة الشيخ عثمان دان فوديو، جامعة إفريقيا وأيسسكو ص (354). [17] أبو منقا: الآثار العقائدية، المرجع السابق ص (267). [18] "انجازات الدبلوماسية السودانية" – الشريف مصطفى الفزازى – www.sudaneseonline.com [19] أخبار مرجان – "news.askmorgan.net". [20] مصطفى الفزازى، المصدر السابق. [21] تقرير اللجنة الوزارية المشتركة (2008)م، أنظر www.mic.gov.sd [22] مجلة الرأى العام، الخميس 29 اكتوبر 2009م. [23] حوار صحفى مع سفير السودان لدى نيجيريا السابق. أنظر www.alhadag.com [24] المرجع السابق. [25] أنظر مجلة الراى العام – www.alhadag.com [26] معلومات أدلى بها المرحوم عثمان الطيب الريّح القنصل الفخرى لجمهورية السودان فى نيجيريا، فى لقاء صحفى أجراه معه الأستاذ الفاضل بشير كرار، نائب مدير منظمة الدعوة الإسلامية – بعثة نيجيريا، كنو. [27] سمعت ذلك منه فى زيارة خاصة فى بيته فى السودان سنة 1994م. [28] كان رئيساً لحزب (Northern Element Progressive Union - NEPU ) فى الخمسينيات ورئيساً ومرشحاً لرئاسة الجمهورية لحزب (People Redemption Party - PRP) توفى سنة 1982م. [29] أنظر (Alan Feinstein, African Revolutionary – The life and Times of Nigeria's Aminu Kano, P{142 – 143}). [30] فى مشافهه معه ببيته (حى الإنقاذ) سنة 1992م. [31] مجلة صوت الوحدة ص (9). [32] (www.alukah.net) [33] يوم 27/10/2009. [34] (www.sudannews.net) [35] تقرير اللجنة الوزارية المشتركة لعلاقات السودان مع نيجيريا، ص (2). [36] المصدر: إحصاءات بنك السودان نقلاً عن www.mic.gov.sd/documents [37] مجلة صوت البر، العدد (2) مايو 2011 ص (3). [38] حوار مع سفير السودان لدى نيجيريا (السابق) الدكتور عوض مرسى طه – مجلة الرأى العام، الخميس 29 أكتوبر 2009م. [39] سورة الحجرات:13 [40] حديث حسن أخرجه أحمد والترمذى وأبوداؤد والبيهقى. إنظرك: كنز العمّال ج(1)، ص(451). [41] جزء من حديث رواه أحمد بن حنبل 19312، وأبوداؤد:1510، ضعَّفه ابن معين. [42] سورة المائدة:3. [43] أنظر الموسوعة الحرة (ويكيبيديا). [44] الإسلام والمسلمون فى إفريفيا (مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا)، د. محمد عاشور مهدى ص (18). [45] الصراعات العرقية والسياسية فى إفريقيا، د. حمدى عبدالرحمن. مجلة قراءات إفريقية العدد (1) أكتوبر 2004م، ص (44). [46] المرجع السابق نفس الصفحة.