جبريل إبراهيم: لا يمكن أن تحتل داري وتقول لي لا تحارب    حركة المستقبل للإصلاح والتنمية: تصريح صحفي    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    برقو الرجل الصالح    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد عمليات تأهيل مطار عطبرة ويوجه بافتتاحه خلال العام    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    هيومن رايتس ووتش: الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وتطهيراً عرقياً ضد المساليت.. وتحمل حميدتي وشقيقه عبد الرحيم وجمعة المسؤولية    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    تكريم مدير الجمارك السابق بالقضارف – صورة    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ضمن معسكره الاعدادي بالاسماعيلية..المريخ يكسب البلدية وفايد ودياً    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    بأشد عبارات الإدانة !    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    ضياء الدين بلال يكتب: نصيحة.. لحميدتي (التاجر)00!    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    شاهد بالصورة.. شاعر سوداني شاب يضع نفسه في "سيلفي" مع المذيعة الحسناء ريان الظاهر باستخدام "الفوتشوب" ويعرض نفسه لسخرية الجمهور    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة الإنقاذ فى التعامل مع المجتمع الدولى خلال العشرية الأولى .. بقلم: د. أحمد المفتى المحامى
نشر في سودانيل يوم 27 - 11 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد المفتى المحامى
مدير مركز الخرطوم الدولى لحقوق الإنسان (KICHR)
من المعلوم أن حكومة الانقاذ قد استولت على السلطة بالقوة العسكرية عام 1989 من حكومة السيد الصادق المهدى المنتخب ديمقراطياً ، وفتحت أبواب المعتقلات لبعض المعارضين السياسيين ، واسندت كافة السلطات التنفيذية والتشريعية لمجلس قيادة الثورة مخالفة بذلك المبدأ الدستورى المعروف دولياً بفصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية . وبالاضافة الى ذلك فإنها خاضت حرباً جهادية ضد الحركة الشعبية فى جنوب البلاد وفتحت معسكرات الدفاع الشعبى لتجييش المواطنين خاصة كوادر الحركة الإسلامية ، واعلنت المشروع الحضارى لنشر الإسلام فى كافة بقاع العالم وانشئت المؤتمر الشعبى الإسلامى نقطة إرتكاز لكافة المعارضات السياسية والحركات الجهادية من مختلف بقاع العالم . وبسبب ذلك وجدت حكومة الإنقاذ آنذاك معارضة شديدة من المجتمع الدولى ومن دول الجوار ، على الرغم من الدعم الشعبى المقدر الذى كانت تحظى به بسبب ضعف الحكومة الديمقراطية التى ازاحتها ثورة الانقاذ عن السلطة .
ولقد أخذت معارضة المجتمع الدولى آنذاك شكلاً منظماً داخل لجنة حقوق الإنسان بجنيف (أصبحت مجلس حقوق الإنسان منذ 2006) . وأخذت تلك المعارضة تشتد تدريجياً بهدف نقل ملف السودان الى مجلس الأمن . ولقد كان مندوب السودان الدائم بجنيف آنذاك هو الأخ الفاضل السفير مهدى إبراهيم والذى شعر بحسه السياسى أن الأمر فى غاية الخطورة ، وأنه ينبغى تدارك الأمر قبل وصول ملف السودان لمجلس الأمن بسبب السياسة التى كانت تتبعها حكومة الانقاذ حتى ذلك الحين وهى الهجوم على المجتمع الدولى وعدم الاعتراف بما يصدر عنه ورفض التعامل مع النظام الدولى لحقوق الإنسان . وبالاضافة الى ذلك فان اى شخص يهتم بحقوق الإنسان فى السودان انذاك كان يمكن أن تعتبره السلطات الحكومية عميلا اجنبياً أو على اقل تقدير امبريالى التوجه . ولقد كانت تعبر عن ذلك بقوة امام المحافل الدولية ، ومن بين الأشخاص الذين كانو يقومون بذلك المرحوم جلال على لطفى رئيس القضاء آنذاك والمرحوم الدكتور عبد السميع عمر المستشار القانونى لمجلس قيادة الثورة آنذاك ، رحمهما الله رحمة واسعة .
وإستجابة لجهود السفير مهدى إبراهيم فى تدارك الموقف تكونت لجنة برئاسة الاستاذ على عثمان محمد طه والذى كان آنذاك خارج الجهاز التنفيذى وعضوية كل من الاساتذة المرحوم فتحى خليل نقيب المحامين آنذاك ومولانا المرحوم حافظ الشيخ الزاكى عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم آنذاك والدكتور عبد الرحمن ابراهيم الخليفة نقيب المحامين الحالى والسفير مهدى ابراهيم وشخصى بحكم منصبى بوزارة العدل آنذاك "المستشار العام للقانون الدولى" ، والعتبى على الذاكرة ان فاتنا ذكر أعضاء آخرين . ولقد كان السؤال المطلوب من اللجنة الإجابة عليه هو: "هل يفتح السودان الباب للتعامل مع المجتمع الدولى فى موضوعات حقوق الإنسان أم يظل الباب مقفولاً كما كان"؟
ولقد تبلور رأيان داخل اللجنة ، الرأى الأول وقد تبناه المرحوم مولانا حافظ الشيخ الزاكى وهو الاستمرار فى عدم التعامل مع النظام الدولى لحقوق الإنسان ، على اساس ان الدول الامبريالية هى التى تهيمن عليه وسوف تفعل ما تريد بغض النظر عن حيثيات الموضوع. والرأى الثانى وقد تبناه شخصى الضعيف وهو فتح الباب (open door policy) والتعامل الموضوعى مع النظام الدولى وتكوين لجنة من كافة الأجهزة الحكومية المعنية والمجتمع المدنى لتتولى ذلك الموضوع بصفة استشارية ، تفادياً لتضارب اختصاصاتها مع اختصاصات الأجهزة الحكومية المعنية والتى كان يمكن ان تقبر الفكرة فى مهدها إذا ما اعطيت تلك اللجنة سلطات تنفيذية . وبعد تداول مستفيض حول الرأيين كان قرار اللجنة هو التوصية بقبول اقتراحى وفتح الباب للتعامل بموضوعية مع المجتمع الدولى فى مجال حقوق الإنسان .
وتنفيذاً لتلك التوصية صدر قرار فى عام 1992 بتكون لجنه تنسيق لنصح الحكومة فى مجال حقوق الإنسان ، وبسبب تقديمى لذلك المقترح فانه قد تم اختيارى مقرراً لتلك اللجنة ، وقد شملت اللجنة فى عضويتها كافة الأجهزة الحكومية المعنية . ولقد كانت اولى التوصيات الكبيرة التى اتخذتها تلك اللجنة هى الموافقة على زيارة اول خبير مستقل للجنة حقوق الإنسان بجنيف للسودان فى نوفمبر عام 1992 وهو المستر قاسبار بيرو ، كما حررت اول رد موضوعى على الاتهامات التى تثار ضد السودان فى مجال حقوق الإنسان ، وقد كان ذلك بتاريخ 25 نوفمبر 1992 .
وعندما زار ذلك المندوب الاممى السودان لأول مرة عام 1992 فانه قد اخبرنى ، بصفتى المرافق الرسمى له ، بدهشة واستغراب بانه وامام مقر اقامته بفندق هيلتون بالخرطوم رأى أمراة تقود سيارة ، وانه كذلك رأى المرأة تعمل موظفة بالفندق ، ولم يكن يتصور ان السودان منفتح بتلك الدرجة . ولقد كان ذلك تأكيداً عملياً رمزياً لجدوى سياسية الباب المفتوح لكونها تساعد على إظهار الوجه الحقيقى للسودان دون أى مجهود ،ً اكثر من أى وسائط اعلامية .
وبسبب نجاح عمل لجنة التنسيق تم تطويرها بقرار من مجلس الوزراء فى عام 1994 لتصبح المجلس الاستشارى لحقوق الإنسان ، الذى مازال قائماً حتى اليوم . ولقد كان شخصى اول مقرر له ولمدة تجاوزت السبع سنوات ، ولقد تناوب على ذلك الموقع بعدى الاستاذ/ ياسر سيد أحمد ثم الدكتور عبد المنعم عثمان محمد طه ثم الاستاذ/ أحمد إدريس ثم الدكتور معاذ تنقو الذى مازال يشغل ذلك المنصب حتى الآن . وأعقب انشاء ذلك المجلس إنشاء ادارة لحقوق الإنسان والقانون الإنسانى فى وزارة العدل وادارات حقوق إنسان فى وزارة الخارجية وجهاز الامن والمخابرات وغيرها من الأجهزة الحكومية . ولقد ساهمت تلك الإدارات المتخصصة فى اعمال المجلس الاستشارى لحقوق الإنسان بمهنية عالية مكنت المجلس من التعامل مع المجتمع الدولى بفاعلية حافظت على مصالح الوطن .
وعلى الرغم من ذلك كانت توجد توجهات داخل الحكومة ترفض التعامل الموضوعى مع المجتمع الدولى ، وكذلك داخل صحافة الإنقاذ حيث هاجمنى الاستاذ سيد الخطيب الناطق الرسمى باسم وفد السودان المفاوض حالياً والذى كان آنذاك رئيساً لتحرير صحيفة الانقاذ باعتبار أن توجه الانفتاح على العالم يجلب المصائب للوطن ، وقد كان ذلك فى كلمة العدد . ولذلك فإنه عندما بذلت جهوداً مقدرة خلال العام 1998 لإنشاء مفوضية لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس (وتسمى فى لغة الأمم المتحدة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان National Institution for Human Rights-NIH) ، لأنها أحدث الاشكال المؤسسية فى مجال حقوق الإنسان التى ظهرت فى بداية تسعينات القرن الماضى على اعتبار انها اكثر موضوعية من الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية العاملة فى مجال حقوق الإنسان ، وتقدمت بمذكرة ضافية حول الموضوع استعرضتها فى اجتماع عقد بمجلس الصداقة الشعبية وضم العديد من القيادات التنفيذية والتشريعية والسياسية وقادة عمل المجتمع المدنى ، فإن مقترح المفوضية لم يجد القبول لدى السلطات الحكومية المعنية على اعتبار أن ذلك تضخيماً غير مبرر لموضوع حقوق الإنسان . وكما هو معلوم فإن المفوضية أصبحت الآن واقعاً ملموساً حيث صدر قانون بها عام 2009 ملغياً قانون 2004 . ولقد تم تكوين المفوضية أخيراً خلال هذا العام برئاسة الأخت الفضلى الاستاذة/ آمال البيلى بعد 14 عاماً من الرفض غير المبرر .
وتوسيعاً لنطاق التعامل الموضوعى مع المحافل الدولية لحقوق الإنسان انشئت فى مايو 1999 لجنة للقضاء على اختطاف النساء والاطفال "سيواك" والتى توليت رئاستها ابتداءاً ثم مؤخرا حتى أغسطس 2010 . وهى قد أنشئت وفاءً لالتزامات حكومة السودان الناشئة عن قرار لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن حالة الإنسان بالسودان والذى تم تبنيه بموافقة حكومة السودان في أبريل 1999 . وتمثلت تلك الالتزامات في التحقق من تقارير إختطاف النساء والأطفال وإستقصاء أسبابها وتيسير عودة المختطفين الآمنة إلي أسرهم كأفضلية بالنسبة لهم . وقد أتُبع ذلك القرار بالعديد من القرارات المشابهة الأخرى من لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان والجمعية العامة للأمم المتحدة ، وقد دعت كل تلك القرارات المجتمع الدولي إلي تقديم الدعم لسيواك والاشادة بحكومة السودان على إنشاء تلك اللجنة وما قامت به اللجنة باعتبارها تجربة غير مسبوقة فى مجال العمل المجتمعى .
ومؤخراً وفى أغسطس عام 2010 صدر قرار جمهورى مقتضب بحل سيواك دون توضيح الأسباب ، ودون الاشادة بما قامت به سيواك من اعمال جليلة خدمة للسودان اشادت بها جهات دولية ومحلية كثيرة ، بما فى ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان بجنيف قبل حلها . وعلى الرغم من ان القبائل المعنية خاصة الدينكا والمسيرية والرزيقات قد تعاونت مشكورة ومأجورة مع سيواك ، مؤسسة بذلك سلاماً اجتماعياً منقطع النظير ، ولا نريد ان نتحدث هنا عن الآثار السلبية التى يمكن أن تصيب الوطن بسبب ذلك
ومن ناحية أخرى وتوسيعاً للتعامل الإيجابى مع المجتمع الدولى فانه قد تم انشاء اللجنة الوطنية للقانون الدولى الانسانى التى تباشر حالياً اعمالها بصورة منتظمة ، وكذلك تعديل القانون السودانى ليستوعب جرائم الحرب باصدار قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتعديل القانون الجنائى لسنة 2009 .
ولتأكيد أن التعامل المهنى وإجادة اللعبة الدولية مع المجتمع الدولى يحقق إيجابيات ملموسة لا حصر لها نحدد بعضاً منها فى الآتى:
(1) نجح السودان فى مناهضة مطالبة أول مندوب أممى لحقوق الإنسان بالسودان المستر قاسبار بيرو فى الغاء قوانين الشريعة الإسلامية الجنائية فى القانون الجنائى لسنة 1991 .
(2) نجح السودان عام 1992 بجنيف أثناء اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر العالمى لحقوق الإنسان بفينا فى إفشال جهود إحالة موضوعات حقوق الإنسان لمجلس الأمن .
(3) اعترض السودان بنجاح عام 1993 فى المؤتمر العالمى لحقوق الإنسان بفينا على إنشاء محكمة جنائية دولية يحيل إليها مجلس الأمن الجرائم ، علماً بأن السودان قد وقع على ميثاق روما لاحقاً ثم سحب ذلك التوقيع مؤخراً .
(4) على الرغم من الأوضاع التى كانت سائدة بما فى ذلك عدم وجود دستور وعدم اشراك المعارضة فى الحكم فإن كل القرارات التى كانت تصدر مرتين كل عام من لجنة حقوق الإنسان بجنيف والجمعية العامة للأمم المتحدة خلال 1992 – 2002 لإدانة السودان فى مجال حقوق الإنسان لم تصعد لمجلس الأمن بسبب نجاح السودان بجهود فنية ومهنية كبيرة مثل حذف كل الصياغات التى كان يمكن أن تحيل السودان لمجلس الأمن مثل تحويل عبارة "القذف الجوى لأهداف مدنية" الذى يعتبر جريمة حرب الى عبارة "القذف الجوى الذى يؤثر على أهداف مدنية" ، وهو أمر لا يتطلب أكثر من الاعتذار ، كما حدث عندما قذفت قوات حلف الناتو سفارة الصين فى يوغسلافيا السابقة .
(5) منع جون قرنق من مخاطبة لجنة حقوق الإنسان بجنيف على أساس أنه يرأس حركة تحمل السلاح بصورة غير مشروعة .
(6) اقناع الجمعية العامة للأمم المتحدة بشطب الصفة الاستشارة لمنظمة التضامن المسيحى برئاسة البارونة كوكس اعتماداً على العمل الإيجابى الذى قامت به سيواك .
(7) رئاسة السودان للجنة القانونية التى أعادت هيكلة الإيقاد .
(8) أصدرت اللجنة التعاهدية المشكلة بموجب اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز العنصرى ملاحظات إيجابية عام 1993 فى حق حكومة السودان بعد ظهور حكومة السودان امام اللجنة وتقديم اجابات مقنعة على كافة الاسئلة والاستفسارات التى طرحتها اللجنة ، وذلك بعد ان كانت اللجنة بصدد اصدار ملاحظات سلبية عند استلامها لتقرير حكومة السودان .
وفى الختام نوضح بأن تجربة الانقاذ خلال العشرية الأولى تستحق الدراسة لأنها حالت دون وصول السودان لمجلس الأمن وجعلت الاحتقان فى علاقات السودان الخارجية دون ذلك المستوى الخطير ، ولكن وفى كل الأحوال فإننا نرى أن تعامل حكومة السودان مع المجتمع الدولى لا يتم بالدرجة المهنية التى ينبغى أن تتوفر لذلك ، خاصة فى المجالات الموضوعية وهى تقييم المصالح والموازنات والاستراتيجيات الدولية بصورة واقعية لأن تلك المجالات هى التى تجعل الصين وروسيا تدعمان سوريا فى مجلس الأمن ولكنهما لا تدعمان السودان بصورة كافية ، ونفس المصالح والموازنات والاستراتيجيات هى التى تجعل الدول الأفريقية تتبنى موقف حكومة جنوب السودان وليس موقف حكومة السودان . كما ينبغى عدم تجاهل الجوانب الشكلية فى التعامل المهنى والتى تتعلق بالالمام بمهارات التفاوض الدولى والقانون الدولى والصياغات القانونية للقرارات خاصة قرارات مجلس الأمن . ولا شك أن السودان يزخر بخبرات كبيرة جداً فى العلاقات الدولية من الدبلوماسيين فى الخدمة أو فى المعاش وغيرهم من الذين علموا فى الساحة الدولية ، ومن المهم جداً الاستفادة من تلك الخبرات .
[email protected]
/////////////
استقلال الجنوب والاندماجيون الجدد .. بقلم: محجوب الباشا
تعتبر علاقات الجوار من أعقد ملفات السياسة الخارجية لأي دولة من الدول ، فهذه العلاقات توصف بالأزلية إذ أن الدول ليس بإمكانها تغيير جيرانها. لذلك فإن العلاقات بين أي دولتي جوار تنشأ عادة منذ ظهورهما للوجود وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والحالة الوحيدة التي تتغير فيها طبيعة هذه العلاقة هي عندما تختفي إحدى الدولتين عن الوجود لأي سبب من الأسباب كالاندماج في الدولة الأخرى مثلاً. وفي السياسة الدولية هناك ما يعرف بمتلازمة الدولة الأصغر والدولة الأكبر ، وذلك عندما يشاء حظ دولة ما أن يجعلها في جوار دولة مهيمنة في الاقليم أو على المستوى الدولي كما هو الحال بالنسبة للمكسيك وكندا أو دول الحزام الآسيوي جنوب روسيا. ولا أظننا نجافي الواقع إذا ما وضعنا العلاقات السودانية المصرية تحت ظل هذه المتلازمة ، فطبيعة هذه العلاقات تعكس كل ظواهرها باعتبار أن السودان هو الدولة الأصغر بالرغم من مساحته الأوسع حتى بعد انفصال الجنوب.
عليه ، فإن العلاقات السودانية المصرية تمثل أحد أهم قضايا السياسة الخارجية في السودان منذ استقلال البلاد في عام 1956. وقد انقسم الرأي العام السوداني والحركة السياسية الحديثة إلى عدة اتجاهات حيال قضية الوحدة أو التكامل بين البلدين. ولعل أكثر ما يعبر عن الاتجاهين الأكثر تطرفاً حول الموضوع تلك الطرفة التي تحكي عن السياسي السوداني المتحمس لفكرة الوحدة الاندماجية الكاملة والذي سأل في نهاية خطابه الجماهيري عما يحدث إذا ما قام الإنسان بإزالة الحائط الحاجز بينه وبين جاره ، متوقعاً رداً يؤيد وجهة نظره ويؤكد فهم الحاضرين لرسالته. جاء الرد المفاجئ على لسان مواطن بسيط كان بين الجمع الذي يستمع للسياسي ؛ صاح المواطن قائلاً: "حيكون خراب بيوت". وبين مؤيدي الاندماج التام والمتخوفين من "خراب البيوت" تباينت بصورة واضحة مواقف القوى السياسية السودانية بمختلف ألوان طيفها حيال قضية الاتحاد أو التكامل مع مصر. ويبدو أن في مصر أيضاً مؤيدون لفكرة الاندماج إذ لا زال هناك من يرى في استقلال السودان "انفصالاً" ويعتبره من أكبر "خطايا" ثورة يوليو.
لن نحاول في هذا المقال تناول مزايا أو مشاكل الوحدة أو التكامل بين السودان ومصر ، ولكننا سنتحدث عن جزئية صغيرة تتعلق باستقلال جنوب السودان في يوليو من العام الماضي وانعكاس ذلك على الجدل الدائر حول موضوع وحدة وادي النيل كما يروق للبعض أن يسميها. ومع اعتقادنا أن الغالبية العظمى من المواطنين السودانيين بمختلف طبقاتهم تفضل نوعاً من التعاون والتنسيق الذي يقوم على الندية بين البلدين ، إلا أنهم ينظرون لذلك من منطلقات اقتصادية وثقافية في المقام الأول. غير أن هناك مجموعتان على طرفي النقيض إحداهما ترى أن الوحدة الشاملة هي الأنسب بالنسبة للبلدين وهم من أشرنا لهم في عنوان هذا المقال باسم "الإندماجيين الجدد" ، والأخرى ترفض أي نوع من التكامل أو الوحدة مع مصر. ومجموعة الاندماجيين جدداً كانوا أو قدامى تضم في داخلها عدة اتجاهات تنطلق من منطلقات متباينة. ولا يربط بين أعضاء هذه المجموعة رباط فكري واحد فقد كان فيهم اليساريون من القوميين العرب ، ودعاة وحدة الأمة الإسلامية وغيرهم.
ظلت مشكلة الحرب في جنوب السودان تنعكس بصورة أو أخرى على جهود الحكومات السودانية المتعاقبة في اتجاه توثيق العرى مع مصر. لم تكن طبيعة الأوضاع السياسية في البلاد تتيح للجنوبيين التاثير بصورة مباشرة على الخط السياسي العام العام حول قضية الوحدة مع مصر وذلك لأن السودان كان ومنذ الاستقلال يرزح تحت ظل حكومات متسلطة لا تسمح بالرأي الآخر إلا في حدود ضيقة للغاية. غير أنه لم يكن بإمكان أي حكومة في الخرطوم ، مهما كانت درجة تسلطها ، أن تهمل أثر الأحداث في الجنوب على تحركاتها في الساحتين الدولية والإقليمية. لذلك فإن أحداث الجنوب كانت في مناسبتين على الأقل سبباً في إنقاذ السودان من وحدة غير مدروسة مع مصر ، أو إضاعة فرصة تاريخية لتحقيق الوحدة مع الجارة الشمالية حسب الزاوية التي ينظر منها المراقب للأمر. كانت المرة الأولى في عام 1954 عندما أعلنت الحكومة الانتقالية عن إلغاء الاستفتاء الذي كان مزمعاً إجراؤه حول وحدة وادي النيل ، والثانية هي انسحاب السودان من مشروع اتحاد الجمهوريات العربية في مطلع السبعينات من القرن الماضي.
كان الاتحاديون ومن بينهم "الاندماجيون" قد رفعوا شعار "وحدة وادي النيل" عندما كانت البلاد تسير بخطى حثيثة نحو الاستقلال ، وقد خاض الاتحاديون انتخابات عام 1953 على هذا الأساس وحصلوا على غالبية المقاعد في البرلمان وتمكنوا من تكوين الحكومة التي كانت تعمل على إعداد البلاد للاستقلال. اكتنفت مسألة "وحدة وادي النيل" كشعار للحركة الاتحادية خلال انتخابات عام 1953 الكثير من التأويلات ، خاصة وأن الحزب الوطني الاتحادي الممثل الأكبر لهذا التيار تنازل عن الشعار ووقف إلى جانب خيار الاستقلال التام. ومع أن المؤرخين يربطون بين إلغاء الاستفتاء حول وحدة وادي النيل الذي كان مزمعاً إجراؤه وبين التطورات على الساحة السياسية في شمال السودان ، إلا أن ذلك القرار الذي اتخذ قبل وقوع تمرد الفرقة الجنوبية في توريت وجد ارتياحاً في الكثير من الأوساط الشعبية بالنظر للتوتر الذي كان سائداً بين شقي الوطن ، فقد كان الجنوبيون بالرغم من ضعف تمثيلهم في مؤسسات الدولة الجديدة يرفضون تماماً التقارب مع مصر ولم تجد محاولات الصاغ صلاح سالم لاستمالتهم لهذا الخيار. والمطلع على ما ورد بصحيفة "الأيام" الصادرة في الخرطوم بتاريخ 18 سبتمبر 1954 يدرك مدى الترابط بين الأوضاع التي كانت سائدة في جنوب الوطن وأي قرار بشأن وحدة وادي النيل ، حيث رحبت الصحيفة في مقال بقلم رئيس تحريرها الأستاذ بشير محمد سعيد بإلغاء الاستفتاء وأشادت بحكمة الحكومة مشيرة إلى أن القرار" يضع حداً للتوتر السائد بين الشمال والجنوب".
أما بالنسبة لما يتعلق بانسحاب السودان من اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة ، فقد بدأت الخلاقات حول فكرة الوحدة الاندماجية بين مصر والسودان وليبيا منذ المحادثات الثلاثية التي انتهت بميثاق طرابلس. كان الزعيم الليبي معمر القذافي يبدي حماساً بالغاً للوحدة التامة بين الدول الثلاث بدعوى أن مقومات الوحدة على المستوى الجماهيري متوفرة ، وأن تقاعس القيادات العربية هو الذي يقف حائلاً دونها. أما السودان فقد كان متردداً لصعوبة الاندفاع في مشروع للوحدة العربية في الوقت الذي لم تتحق فيه الوحدة الوطنية داخل البلد نفسها ، حيث كانت حرب الجنوب مستعرة في ذلك الوقت. لذلك فقد كان من الطبيعي أن ينسحب السودان من مشروع الجمهوريات العربية المتحدة ، خاصة وأن التوقيع عليه جاء في الوقت الذي كان يشهد الاتصالات الأولية بشأن محادثات السلام بين الحكومة وحركة تحرير جنوب السودان والتي انتهت بتوقيع اتفاق أديس أبابا ، وذلك موضوع آخر قد نفرد له مقالاً يتناول بصورة خاصة أثره على توجهات السودان العروبية.
رأى الاندماجيون الجدد في ذهاب الجنوب إلى غير رجعة في يوليو 2011 فرصة سانحة لإعادة الحديث عن وحدة وادي النيل ، غير أنه تواجه هؤلاء مشكلة أساسية وهي أن السودان لا زال دولة متعددة الأعراق والثقافات حتى بعد ذهاب الجنوب. ينكر غلاة الإندماجيين بالطبع هذه الحقيقة باعتبار أن 99% من سكان السودان هم الآن من المسلمين. بل يذهب بعضهم ، كما فعل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ، لاختراع أصول عربية للعديد من القبائل السودانية الأفريقية. وهؤلاء بالطبع ممن لا زالوا يتمسكون بالنظريات التي عفا عليها الزمن حول بناء الأمم والتي كانت سائدة في ستينات القرن الماضي وكانت ترى في التنوع الثقافي والعرقي عائقاً أمام تحقيق الوحدة الوطنية. ويمضي بعض هؤلاء للقول بضرورة تعريب السودان قسراً وذلك بفتح باب الهجرة أمام ملايين الراغبين من الدول العربية وتوطينهم في السودان في محاولة لقلب المعادلة التي ساهم في خلق جانب منها الاستعمار الانجليزي. ولا يدرك هؤلاء فيما يبدو أن النظريات الحديثة في بناء الأمم ترى أن التنوع الثقافي والعرقي يمثل عامل قوة وليس عامل ضعف بالنسبة للدولة القومية ، وأنه من بين مائتي دولة أو يزيد في العالم اليوم ليس هناك إلا دولاً تعد على أصابع اليدين يمكن القول بأنها موحدة ثقافياً وعرقياً. وقد يتجاهل هؤلاء حقيقة مهمة يؤكدها الكثير من علماء السياسة وهي أن دولة مثل كندا لم يكن بإمكانها أن تصمد أمام الضغوط السياسية والثقافية الهائلة للذوبان في جارتها الكبرى على أيام توسعها لولا وجود ولاية كيبيك التي تصر على الاحتفاظ بلغتها وثقافتها الفرنسية. تكمن قوة كندا كما هو معلوم في مقدرتها على إدارة تنوعها الثقافي ، سواء أن كان ذلك في مواجهة جارتها الكبرى أو على الساحة الدولية عامة.
لا نشك لحظة أن تياراً لا يمكن الاستهانة به وسط مواطنينا في الشمال يرى في انشطار البلاد وذهاب الجنوب نعمة منَّ الله بها على السودان ، وذلك لأنه قاد إلى وقف الحرب الطويلة التي كلفت البلاد الكثير ، وإن كانت الأحداث التي أعقبت الانفصال قد ألقت بظلال كثيفة على هذا الاعتقاد. ومع أننا لا ننكر أهمية وقف الحرب التي كانت تستنزف موارد البلاد ، إلا أن انشطار السودان لن يكون إضافة إيجابية على المدى الطويل ، بل سيشكل في اعتقادنا خصماً على قوة وإمكانيات السودان كدولة قومية. ونرى اليوم واقعاً ماثلاً أمام أعيننا وهو أن ذهاب الجنوب كان سبباً في ضعف ما تبقى من السودان مما جعل بعض أبنائه يحسون بعدم الاطمئنان ويبحثون عن القوة عن طريق الذوبان في وحدات قومية أقوى. ولعله مما يثير الأسف أنه بينما كان الاندماجيون القدامي يبنون مواقفهم على أسس رومانسية وانبهاراً بمصر ومقدراتهاالاقتصادية والسياسية والثقافية ، فإن الاندماجيين الجدد يبنون مواقفهم على أسس عنصرية بحتة.
Mahjoub Basha [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.