قرأنا في صحيفة الوطن الصادرة الأربعاء 21/11/2012م تحت عنوان : رئيس الوزراء البريطاني يخاطب عاملاً سودانياً تعرَّض للظلم بسفارتهم .. فحوى الخبر أنَّ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعث برسالة خاطب من خلالها العامل عبد الله ابراهيم آدم الذي تمَّ فصله تعسفُيَّاً عن العمل وفق ما أكَّد مكتب العمل الخرطوم ذلك ، الذي خاطب السفارة بمنحه حقوقه بما فيها حق الفصل التعسُّفي ، زائداً شهر إنذار وفوائد ما بعد الخدمة ، غير أنَّ القائمين على أمر السفارة منحوه التأمين فقط ! الأمر الذي دفع العامل لمخاطبة رئيس الوزراء الذي ردَّ على رسالته بواسطة السفارة بالخرطوم شاكراً العامل السوداني على مخاطبته إياه ، بعد أنْ وجَّه وزارة الخارجية البريطانية بحلِّ الإشكال ! أمَّا هنا في بلادنا ؛ بلاد العجائب .. فقد كانت تلك اللجنة المفوَّضة تقرأ الخبر ذاته وهي تنتظر - مغالِبةً مَلالها - الإشارةَ الخضراءَ لمقابلةِ مُستخدِمهم أو قُل مدير شركتهم خلف الباب الفخيم الموصد بالبصمة ..كان ذلك إثْر اعتصام سائقي شركة بترول كُبرى - يتبعون إلى إحدى شركات الاستخدام التعاقُدي – بضع دقائق في محاولة منهم إلى لفْت الأنظار الإدارية باحثين عن وجيع في زمانٍ لا ينظر فيه قاطنو الذُرى من عَلِ إلى أهل السفوح ! اعتصامٌ خجولٌ دفعهم إليه سوءُ الحال والمآل ، وتردِّي أحوالهم المعيشيَّة وقد عزَّ عليهم قوتُ أبناءِهم وتمنَّعتْ ذاتُ العينين الكحلاوين (حلَّة المُلاح) شأنهم في ذلك شأن السواد الأعظم من هذا الشعب المغلوب على أمرِه ! تتلخَّص مشكلة هؤلاء - المحسوبين على العاملين في قطاع البترول إذا ما تعلَّق الأمر بمستوى الدخل – في كونهم مُستخدَمين من قِبَل شركة تعمل وفق قانون العمل لعام 1925م ، تستأجرهم بدورها إلى تلك الشركة الكُبرى ، غير أنَّها أي (الشركة الأولى) تأخذ من رواتبهم – الغير قابلة للزيادة - قيمة 60% (ستين في المائة) منذ أن كان الدولار يعادل جنيهين ونصف الجنيه السوداني ، هذا وقد تناوبتْ عليهم في هذه الفترة ثلاثُ شركات ، وإنْ شئتَ الدِّقَّة ثلاثة أسماء والمُسمّى واااحد !فتأمَّل ! هذا فضلاً عن فوائد ما بعد الخدمة التي لا تعدو كونها (غمتة مُزيِّن ) لا تسمن ولا تُغني من جوع ! غير أنَّ الذي دفعني للكتابة ليستْ هذه المظلمة البيِّنة والإجحاف الواضح وضوحَ الشمس في كبد السماء وإنْ تمترس خلف قانون نظام العقود الثانوية أو العقد من الباطن! ولا محاولات هؤلاء العمال السابقة التي شهدتها سوح المحاكم أو الاتفاقيات التخديريَّة الفاشلة بين العمَّال والشركة عبر أسمائها سالفة الذكر ، ولا عودة اللجان المتعاقبة دوماً بخُفَيْ حُنين ، والمفوَّضين الذين منهم مَن مضى ومنهم مَن بقي ومنهم من بدَّل تبديلاً فشرب شرْبةً حتى ظنَّ أنَّه لن يظمأ بعدها أبداً !! إنما الذي دفعني لتسويد هذا البياض – وبكُلِّ صراحة – هو المقارنة التي ملكتْ علىَّ جناني ويراعي بين قصة الخبر في صدر هذا المقال وبين غصَّة ممثلِّي السائقين الذين توجّهوا بعد اعتصامهم الخجول هذا إلى مُستأجِرِهم (مدير الشركة الحالي ) المستعصم ب(البصمة) خلف أبوابه الموصَدَة ! والذي أفهمهم بدءاً – سامحه الله – في محاولةٍ منه لإرهابهم أنَّه يعلم ما يدور خلف كواليسهم وأخفى ..بل أخبرهم أنَّه يعرف مَن الذي جمع مفاتيح العربات – عند الاعتصام – في الكيس الأسود ! وماذا يقولون عنه في استراحاتهم ومحاولة فضفضاتهم .. وأنَّه يعلم ما دون ذلك ، حتى الذين يدعون عليه في الصلاة ..!! و أنه – هداه الله – باستطاعته أن يستبدلهم بقومٍ آخرين ؛ فما أكثر طُرَّاق بابه الموصد من المحتاجين والجاهزين الآن – بإشارةٍ منه – لملء هذا الفراغ ..! وأنَّه في نهاية المطاف لن يزيد أجورهم - ما بقي من فترة عقده مع الشركة الكُبرى – جُنيهاً واحداً ! وهكذا رُفعتْ الأقلامُ وجفَّت الصُّحُف ..فجاء ممثلِّو (الغُبُش والغلابا) كما راحوا - والأجرُ على الله – وهم يهمهمون : لا خيلَ عندكَ تُهديها ولا مالُ ** فليُسعدِ النُطْقُ إنْ لم يُسْعدِ الحالُ ! فإلى متى يا هؤلاء سنظلُّ نرزح تحت فقه ( أعلى ما خيلكُم اركبوه ) ؟ ..وإلى متى سنبقى أسرى لقاعدة :( العاجبو عاجبو .. وال ما جبو ....) ؟ والعالم حولنا يتخطَّى محطَّة (الخُبز والكرامة ) بآلاف من السنين الضوئية ؟ فهاهو ذا رئيس وزراء دولة من دول الاستكبار العالمي .. والصَلَف و العنجهيَّة ..والإمبريالية والصهيونيّة وال ما عرف إيه !يردُّ على عاملِ سوداني ؛ مجرَّد (سِكْيورِتي قارْد) بل ويشكره ! فكم كنتَ بصيراً وصادقاً أيها الشيخ الجليل محمد عبده وأنت تكتب تقريركَ الأمين : (ذهبتُ إلى بلاد الغرب فوجدتُ إسلاماً ولم أجد مسلمين ولمَّا عدتُ إلى الشرق وجدتُ مسلمين ولكن لم أجد إسلاما ) ! وكم كنتَ كريماً أيها المدير السوداني .. يا حاتم البذْلِ والعطاء ..يا سخيَّ النَّوَالِ .. ويا فاروق العدْل والقسطاس ، وأنتَ تصدُّ أُجَراءَكَ هكذا في بلدٍ يشهد المؤتمرات الإسلامية ويرفع شعارات القرآن الكريم صراطاً مستقيماً ونهج السُّنَّة المحمديَّة وُجهةً لا يحيد عنها ..وينفق على ذلك إنفاق مَن لا يخشى الفقر ! لكأنِّي بك أيها المدير وأنتَ تهزُّ راسك متلذِّذاً وهم ينشدونكَ كما أنشد حاتمُ الطائيُّ قبلاً : لقد طالَ، يا سَوْداءُ، منكِ المواعِدُ** ودونَ الجَدَا المأْمِولِ منك الفَراقِدُ تمنيننا غدواً، وغيمكم، غداً** ضَبابٌ، فلا صَحوٌ، ولا الغيمُ جائِد !!