بتاريخ 14/12/2012، استولى الشاب الأمريكي آدم لانزا على سلاح رشاش تملكه أمه ، قتل أمه في المنزل ، اقتحم مدرسة ساندي الابتدائية بمدينة نيوتاون ، قتل 26 شخصاً من بينهم والده و20 طفلاً أعمارهم بين 5 و10 سنوات ، ثم أنتحر القاتل الذي كان تلميذاً سابقاً بالمدرسة. شكلت جريمة القتل الجماعي هذه أكبر صدمة في تاريخ الولاياتالمتحدة نظراً للعدد الكبير من الأطفال الضحايا ، تعاطف الأمريكيون مع ذوي الضحايا ، تم نشر صور وأسماء الضحايا الصغار ، تم اتخاذ إجراءات أمنية جديدة في المدارس الأمريكية ، وهزت الفاجعة الرئيس الأمريكي أوباما إلى درجة البكاء ودفعته إلى تأييد مشروع قانون جديد يحظر حيازة الأسلحة الرشاشة لكن من المتوقع اصطدام مشروع القانون الجديد بمقاومة شديدة في الكونغرس من قبل اللوبي المساند لصانعي السلاح الأمريكيين الذين يستندون إلى ثقافة حمل السلاح السائدة لدى أغلبية الأمريكيين إذ أن أكثر من 67 % من الأمريكيين يؤيدون إقتناء الأسلحة النارية بما في ذلك الأسلحة الرشاشة لأغراض الدفاع عن النفس كما يقولون! تفاوتت ردود الأفعال العالمية بين إبداء التعاطف الكامل مع الأمريكيين وإبداء التعاطف المتحفظ الذي يتعاطف مع ذوي الأطفال الضحايا لكنه يدعو في ذات الوقت إلى وجوب تعاطف الأمريكيين مع ذوي الأطفال الكثيرين الذين يُقتلون من وقتٍ لآخر في أفغانستان واليمن بقصف طائرات أمريكية بدون طيار دون أن يعرف العالم أسمائهم أو يشاهد صورهم فاحتراق قلب الأم لمقتل طفلها يشكل أكبر فاجعة إنسانية سواء أكانت هذه الأم أمريكية ، أفغانية أم يمنية. لاشك أن فداحة جريمة مدرسة ساندي ، التي تعتبر مجرد حلقة من مسلسل جرائم القتل الجماعي التي ارتكبت سابقاً في عدة مدارس وجامعات أمريكية ، ستؤدي لاستصدار قانون أمريكي جديد يحظر حيازة الأسلحة الرشاشة لكن ترسانة الأسلحة الأخرى ستظل مصدر خطر دائم على الصغار والكبار معاً ، وفي كل الأحوال تبقى هناك أسئلة صعبة تواجه الأمريكيين وهي: ما هو الدافع النفسي الذي يدفع شاب أمريكي بالغ ، راشد وعاقل إلى قتل والديه ثم قتل عشرين طفلاً صغيراً في مدرسة ابتدائية؟ لماذا تنتشر مذابح المدارس في أمريكا أكثر من أي دولة أخرى في العالم؟ هل لذلك صلة بالحروب الكثيرة التي خاضتها أمريكا مثل حرب الغرب المتوحش، حرب الاستقلال، حرب فيتنام، حرب الخليج الأولى، حرب العراق وحرب أفغانستان؟! ولماذا لا تُرتكب جرائم قتل جماعي مماثلة في اليمن المدجج شعبه بكل أنواع الأسلحة؟ أخيراً سأسمح لنفسي بإنتقال مفاجيء إلى بلدي السودان فقد عملت بمهنة المحاماة في شمال السودان لمدة عشر سنوات متتالية ، وفي تلك الفترة الطويلة وقعت جريمة قتل واحدة بالسلاح الأبيض راح ضحيتها شخص واحد فقط، وأذكر جيداً أن تلك الجريمة اليتيمة قد أثارت الرعب في المدن الشمالية بدءاً بأرقو مروراً بدنقلا وإنتهاءاً بالقولد نظراً لشيوع الأمن المزمن في تلك المناطق، فهل سبب ندرة جرائم القتل في شمال السودان يعود لانعدام ثقافة حمل السلاح لدى السكان؟ أم أن السبب عقائدي بالدرجة الأولى لأن الناس هناك يؤمنون بأن قتل النفس حرام وأن من قتل نفساً بغير حق فهو كمن قتل الناس جميعاً وأن قاتل الروح مصيره الإقامة الأبدية في جهنم؟ يبدو أن الاجابة تكمن في هذين السببين معاً وعلى الأمريكيين أن يستوردوا أمنهم من شمال السودان الذي لا يملك من حطام الدنيا شيئاً سوى ذلك الأمن الغالي الذي تفتقده جميع المدن الأمريكية. sara abdulla [[email protected]]