ما أشبه الليلة بالبارحة ! إرهاصات الثورة المهدية " 12 " الفلاحون والتجار في منطقة شندي 1821 – 1885 أنشا السودانيون أول ادارة للوثائق القانونية الخاصة في القرن التاسع عشر وفقدت وثائقها الى الأبد عبد الله بيه استورد أول ماكينة ري تعمل بالبخار وشجع ملاك الاراضي للانتقال الى الري الحديث في 1902 الزبير باشا ساهم من منفاه في دعم خطط السودانيين في تطوير الزراعة والري بالوابورات التجار السودانين البارزين في القرن التاسع عشر لم تكن لهم علاقة بتجارة الرقيق دارفور كانت الملجأ لمن يتعرض من الشماليين الى ظلم الاتراك في 1848 من أمثال الجعليين في القرن الثامن عشر : " الشمال يلديك و الجنوب يربيك " وثائق تاريخية تكشف أزمة متجذرة لعدم العدالة بين التجار والمزراعين في شمال السودان وثائق الاحوال الشخصية تعكس التزاما صارما بحماية حقوق المرأة المحرر العام جي أم لونسديل مستشار التحرير تشارلز بوس استاذ علم الاجتماع بجامعة ليفربول طبع بالتعاون مع مركز الدراسات الأفريقية جامعة كامبيردج ترجمة د. عبد المطلب صديق مكي أستاذ إعلام ومدير تحرير صحيفة الشرق القطرية [email protected] بعد سقوط المهدية في 1898 ، بدأ عبد الله بيه حمزة في تصفية أعماله التجارية بالرمادي استعدادا للعودة الى السودان. وبدأ ببيع بعض ممتلكاته هناك للحصول على السيولة المالية الكافية لاستعادة نشاطه التجاري في السودان. وفي الخمسينات صودرت أراضي عبد الله بيه في الرمادي وفقا لقرارات ثورة يوليو المصرية التي قادها الرئيس جمال عبد الناصر عبر سياسة تاميم الاراضي الزراعية. وقال لي ابنه سليمان عبد الله حمزة، انه حمل وثيقة تدل على ملكية الأرض وذهب الى الرمادي ولكن تم القبض عليه والقي في السجن ، واطلق سراحه بعد ذلك ليعود خاوي الوفاض. وبحلول عام 1902 عاد عبد الله بيه الى المتمة ليستعيد بعضا من أمواله، وبدأ بشراء الأراضي من جديد، ولكن لم يتضح الى أي مدى تمكن من استرجاع ثرواته العقارية السابقة. وعلى مستوى المنطقة كان عبد الله بيه هو أول من استورد طلمبة ري بريطانية تعمل بالبخار. وتم شحن الوابور الى السودان بدعم الزعيم السوداني المنفي الزبير باشا رحمة. وكانت تلك الخطوة ذات تاثير بالغ في تعزيز دخل الاسرة من واردات الري كما كانت سببا في تشجيع ملاك الارض على العمل للتحول من نظام الري التقليدي عبر السواقي الى استخدام الميكنة الحديثة. ويمكن رؤية ذلك الوابور على ضفة النيل بالمتمة على أطلال طلمبة ديزل كبرى تملكها العائلة اليوم. كان الزبير باشا رحمة أشهر تجار الرقيق الجعليين،و يكبر عبد الله بيه بسنوات قليلة وقد ولدا في نفس المنطقة، وكان عبد الله بيه يعرف الزبير باشا لكن لم تقم بين الرجلين علاقات تجارية أبدا. وكان عبد الله بيه يقيم في كردفان عندما احتل الزبير باشا دارفور في 1874 ولكن لم يلحق به الى هناك، كما فعل الياس بيه أم بريرالذي رافق الحملة العسكرية الى هناك ليتولى ادارة المديرية. لقد كانت اهتمامات عبد الله بيه مختلفة عنهما في نوع السلع التجارية التي يعمل بها، وكذلك في الاهتمام الجغرافي. وبينما حصد الزبير باشا ثروته في بحر الغزال من تجارة الرقيق والعاج وتصديرهما الى دارفور وكردفان والخرطوم، فان عبد الله بيه ركز نشاطه على التجارة بين شمال السودان ومصر،كما انه استبعد تجارة الرقيق من قائمة اهتماماته نهائيا. كان الزبير باشا رحمة وعبد الله بيه ينتميان الى منطقة جغرافية واحدة لكنهما مختلفان في التفكير والنمط التجاري والسبب في ذلك يعود الى ان عبد الله بيه سليل أسرة تجارية وورثت شبكة علاقات تجارية وارث تجاري بنى مهنته عليه، بينما كان الزبير باشا ابن قائد قبلي صغير واتبع خطوات اجداده في تجارة الرقيق.وبدأ حياته وكيلا ثم سرعان ما أقام نشاطه التجاري المستقل. لم يكن نجاح التجار السودانين في القرن التاسع عشر مرتبط بتجارة الرقيق، بل ان معظم التجار الذين حققوا نجاحا لم يرتبطوا بتجارة الرقيق ، وحتى الجلابة الذين عملوا كوكلاء صغار في تجارة الرقيق لم يحققوا شيئا يذكر سبب الضرائب الفادحة المفروضة عليهم والمخاطر العديدة المتعلقة بهذه التجارة. خاصة وان العمل بتجارة الرقيق في الجنوب كان بحاجة الى قوة عسكرية خاصة. كان تجار الرقيق يعملون في بيئة معادية ويواجهون كراهية الاهالي وهجمات التجار المنافسين المناوئين لهم. وركز عبد الله بيه تجارته في المناطق الامنة مبتعدا عن تجارة الرقيق ولم يخرج عن مظلة الاراضي الواقعة تحت سلطة الحكم التركي أي المناطق المستقرة أمنيا وتجاريا. ومع ذلك كان عبد الله بيه والزبير باشا رحمة يتفقان في اسلوب العمل القائم على شبكة العلاقات التجارية الواسعة كما ان كليهما عمد الى نقل اسلوب التجارة المتبع لدى الشركات الاوروبية الى السودان حيث شاع الاعتماد على راس المال خلال الحكم التركي والتركيز على التجارة دون غيرها من الانشطة الاخرى التي تحتاج الى العمالة والامن والاستقرار. أنشأ السودانيون في القرن التاسع عشر أول ادارة تعنى بالوثائق القانونية الخاصة بالافراد، وقد فقدت معظم هذه الوثائق الى الابد. ودلت اكتشافات حديثة الى انه لا يزال هناك العديد من الوثائق لدى بعض الافراد. لقد كانت التعاليم الاسلامية تدعو الى الاهتمام بالتدوين وحفظ الاتفاقيات والتعاملات خشية النسيان. وظهر علم كتابة الوثائق في السودان في وقت مبكر وعرف بعلم الشروط. واعتمد السودانيون على الفكي للعمل ككاتب للاتفاقيات والمعاملات التجارية وكان يكتب على الوثيقة ان شهادة الشهود لا قيمة لها ما لم يجدد الشاهد شهادته بنفسه متى ما دعي الى ذلك وبالتالي فان التوقيعات وحدها ليست بذات قيمة في حال غياب الشاهد. وتنوعت الوثائق التي يتم تسجيلها بين صداق الزواج ويحوي قسطين من المال مقدم ومؤخر الصداق، والصداق وثيقة لا قيمة لها الا في حالات الوفاة أو الطلاق. وفي حال ان الزوجة طلبت الطلاق لن يكون لها حق في مؤخر الصداق. وكانت تلك الوثائق تحكم العلاقات العائلية المرتبطة بالورثة ونقل الممتلكات الى الوراث. ويشمل ذلك الوصايا والهبات. وبغض النظر عن الاختلافات الموجودة بين المدارس التشريعية فقد تنوعت العقود بين المتعاملين الا ان التشريع الاسلامي يميز بين أربعة انواع من عقود المعاملات تم تداولها في بداية القرن التاسع عشر. وكان أبرزها عقد الشراكات وينص على الملكيات وتوزيع الأرباح. كان المذهب المالكي قد ساد في المعاملات الشخصية في السودان، بينما يتبع العثمانيون المذهب الحنفي لذلك كانت احكام المذهب المالكي هي السائدة في جميع المعاملات بينما يخضع السودانيون لاحكام المذهب الحنفي في معاملاتهم مع الاتراك والمصريين. وفي وثيقتين لعقدين تجاريين خلفهما عبد الله بيه حمزة وجد في معاملة مع الاتراك المصطلح الحنفي مضاربة مستخدما بينما ورد مصطلح قيراط في عقد تجاري مع أحد التجار السودانيين المحليين. لقد تطورت أساليب التجارة في السودان قبل مقدم التركية من خلال التبادلات طويلة الامد مع مصر. وأعقب ذلك نوع من الاندماج بين النشاط التجاري في المدن والريف وقد نجم عن ذلك تحول مهم حيث دخل انتاج المواد الغذائية في النمط التجاري وتسبب ذلك في نهضة حقيقية لهذا النشاط المهم ودخلت المنتجات الغذائية دائرة التصدير وادى ذلك ايضا الى ادخال الفلاحين دائرة النشاط التجاري وساهم في توفير السيولة المالية في أيديهم وساعد ذلك الاتراك في تحصيل الضرائب من الفلاحين نقدا ولم يكن ذلك متاحا من ذي قبل. وبدخول الفلاحين دائرة النشاط التجاري والحصول على سيولة مالية أصبح التجار المنحدرين من خلفيات تجارية مدنية او من الريف اكثر رغبة في الانتاج الزراعي بسبب ما يدره من مال كما اصبحوا معنيين بالحصول على العمالة سواء من العمال التقليديين التابعين للقبيلة او من الرقيق. ونتج عن هذا التطور دخول انماط جديدة من فرص العمل بالتوسع في السمسرة والتوكيلات. تاسست ملامح المجتمع السوداني الحالي بوجود القبائل الشمالية في مناطق السافنا بسبب الهجرات التجارية القديمة لقبائل الشمال في تلك المناطق وساهم ذلك في دخول الاسلام الى افريقيا. لقد كان الدناقلة موجودون في كل مدن السودان ويليهم الجعليون ومع انهم كانوا يتمتعون بالحرية في تحركاتهم الا ان الاتراك كان كثيرا ما يجبرونهم على الرحيل الى الغرب او الجنوب. وشهد الرحالة مولار في 1848 حادثة احتجاج لاحد الفلاحين قام خلالها باحراق منزله محتجا على الاتراك واتهم ستة من الجنوب بذبح دجاجة وسرقة أغنامه وطرد جماله والاعتداء على زوجته ، وصرخ في وجه الجنود : لم يبق لي شيء لتاخذونه مني سوف أذهب الى دارفور. لقد دفع عدم الاستقرار الامني السودانيين الشماليين الى الهجرة الى دارفور قبل التركية لكن لا يمكن مقارنة الهجرات التي تمت خلال الحكم التركي مع الفترة التي سبقته. وكان التجار يحصلون على موافقات للعمل بالتجارة في تلك البقاع من السلطان او من الشيوخ التابعين له في ديار دارفور. ولم تكن هجرات الجعليين قاصرة على دارفور وكردفان والجنوب فقد دلت وثائق الرحالة الاوربيين على تواجدهم في العديد من دول القرن الافريقي. واشاروا الى ان الجعلي مستعد للهجرة الى اي مكان في سبيل تحقيق الربح لتجارته ولم يكن يقنعوا ابدا بالعمل في الوظائف الوسيطة مثل كتابة الوثائق او العمل المدني لدى الحكم التركي.ومع ذلك كان الفرد من الجعليين يحلم دوما بالعودة الى بلده والحصول على ارض زراعية وتشييد ساقية والزواج بعد ذلك. خلال حكم الفونج والاتراك والمهدية كانت الحروبات هي السبب الرئيسي في هجرة اهل الشمال الى داخل السودان. ويتهم الشايقية على نطاق واسع بالتسبب في هجرة الدناقلة والجعليين من مناطقهم بالشمال والنزوح الى الداخل خلال القرن الثامن عشر. وكان لحملات الدفتردار الانتقامية دور كبير في تدفق الجعليين على الحدود الاثيوبية. ومنذ طفولته يتعلم المولود ان له اهل في ديار الغربة واصبح رحيل الشاب لفترة قصيرة او طويلة خارج الديار عادة متبعة لدى قبائل الجعليين. وشاع مثل بين الجعليين يقول ان الشمال يعطيك الميلاد والجنوب يعطيك الرجولة. أي " الشمال يلديك والجنوب يربيك". وفي كل الظروف كانت الهجرة مرتبطة بعاملين، احدهما الظروف الجاذبة للهجرة الى الخارج والمتمثلة في الفوائد التجارية التي يحققها المهاجرون. والجانب الاخر يتمثل في العوامل الطاردة والمتمثلة في نقص الارض. وكان النجاح في مجال التجارة يتحقق دوما للمهاجرين الى ديار الغربة. وكان رجال الدين ايضا يجربون حظوظهم في الغربة فقد كانت فرص حصولهم على حياة افضل متوافرة اكثر من بقائهم في بلدانهم. ومن العوامل الطاردة في بلدان المهاجرين ما يقوم به الجنود غير النظاميين من اعمال اعتداء وعنف وكانت كفيلة بدفع الناس الى الاغتراب. وقبل التركية لم تكن اسر الجعليين قد اعتادت على غياب الاب او الاخ او الزوج. ومنح الجعليون زوجاتهم حرية واسعة في العمل الزراعي مقرونة بصلاحيات واسعة في الحقول للاسرة والابناء. وتكون الحياة ماساوية للابناء الذين يغيب والدهم خاصة اذا ماتت امهم كذلك. وشاع في مخيلة تراث قبائل الجعليين ان الابناء في هذه الحالة يعيشون في كنف من يحملهم اعمالا لا طاقة لهم بها وفي ذات الوقت يضن عليهم ولا يقدم لهم اي قدر من العناية. وجاء في احدى القصص الفلوكلورية ان طفلين تعود والدهما على السفر مع التجار في قافلة من الجمال وبيع البضائع في مصر. وكان الملاك يمنحونه عمولة مالية نظير تلك الخدمة وعندما ماتت زوجته قام بترك ابنائه امانة مع اخيه الا ان زوجته سامتهما سوء العذاب؛ وعندما عاد الاب وعلم بالقصة، على حرم على نفسه السفر الى مصر طول حياته. وفي قصة أخرى لقي طفل مصرعه على يد عمه لانه اكل فاكهة من مزرعة عمه، وهربت بنته وظلت تبحث بين القوافل التجارية شهورا طويلة عن والدها حتى وجدته واخبرته بالقصة فغضب غضبا شديد وقتل أخاه انتقاما لابنه. abdalmotalab makki [[email protected]]